معتقلات بغلاف إنساني... مراكز إيواء النظام السوري

معتقلات بغلاف إنساني... مراكز إيواء النظام السوري

01 يوليو 2018
السوريون يعانون من ظروف مزرية بمراكز إيواء النظام(فرانس برسس)
+ الخط -
لا تجد الناشطة السورية ميساء شقير، اختلافا كبيرا بين نمط الحياة داخل مراكز الإيواء التي يقيمها النظام السوري للنازحين والسجون، إذ تمنع قوات النظام اللاجئين وكل من ليس مخولا من الدخول أو الخروج من تلك المراكز، كما تقول من واقع تجربتها إذ عملت مشرفة على برنامج لليونيسف لدعم الأطفال المتضررين في مراكز الإيواء قبل أن تنتقل إلى ألمانيا.

في تلك المراكز يمكنك أن ترى حالة الرعب في تحذيرات الأهالي لأطفالهم بعدم الحديث إطلاقاً في الأمور السياسية، خوفاً من عفوية الطفل التي قد تؤدي لاعتقال العائلة، كما تقول الناشطة شقير، التي رصدت عدّة حالات اعتقال لأطفال ذووهم مطلوبون أمنياً.

مراكز الإيواء النظامية

مع اشتداد الصراع في سورية، وتنامي وتيرة النزوح من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة إلى مناطق النظام هربا من قصفه، أسّس النظام ما بات يُعرف بـ "مراكز الإيواء"، بعضها قد يكون في مصنع مهجور أو مدرسة ابتدائية أو "هنغارات" مسبقة الصنع، أو خيم قماشية بحسب ما نقله لـ"العربي الجديد" متطوعون ونزلاء يقيمون في هذه المراكز.

وظهرت مراكز الإيواء لأول مرة، ولا سيما في دمشق والمناطق التي يسيطر عليها النظام في ريفها، في منتصف عام 2013، ووصل عددها إلى 21 مركزاً بحسب ما نقلته وسائل إعلام سورية محلية عن منسّق "لجنة إغاثة دمشق" التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية إسماعيل مخلوف في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.

وبعد أن جرى إغلاق ثلاثة مراكز إيواء، اثنان منها في منطقة المزة والثالث في مشروع دمّر كما قال مخلوف، جرى تأسيس عدد جديد مع المراكز مع بدء عملية النظام العسكرية على الغوطة، وبحسب ما رصدت "العربي الجديد" فإن مهجّري الغوطة الشرقية تم توزيعهم على عدّة مراكز وهي: "مركز الدوير في عدرا العمالية، وصالة الفيحاء الرياضية في العاصمة، ومركز حرجلّة الذي يُعد من أكبر المدارس ويعيش فيه مهجّرو داريا حتى الآن، إضافة إلى مركز جسر بغداد الواقع بالقرب من جسر بغداد على الطريق الدولي "حلب - دمشق" من جهة حرستا"، كما يقول الناشط الإعلامي نبيل أبو الجود، الذي خرج من القطاع الأوسط للغوطة الشرقية ضمن الاتفاق بين المعارضة السورية وروسيا.

وبلغ عدد اللاجئين الفارّين من الغوطة، 128 ألفاً، بعد سيطرة النظام وروسيا على مدينة حرستا ومدن القطاع الأوسط، وأُضيف إلى هذا الرقم 100 ألف نازح مدني انتقلوا إلى هذه المراكز بعد سيطرة النظام على مدينة دوما معقل "جيش الإسلام" ليصبح العدد الإجمالي 228 ألف نازح في خمسة مراكز إيواء، وفقاً لبيانات وزارة الدفاع الروسية الصادرة بعد تهجير سكان القطاع الأوسط من الغوطة الشرقية بتاريخ 31 مارس/آذار الماضي.


غرف النازحين

تكشف شهادات ثلاث متطوّعات إغاثيات، اثنتان من بينهن شاركتا في عملية إغاثة نازحي الغوطة، عن انتهاكات تتم بحق النازحين ممن يحاولون الحفاظ على حياتهم بالانتقال إلى مراكز إيواء النظام، ومن بينهن بيان التي فضلت تعريف نفسها هكذا حفاظا على أمنها الشخصي، بعد أن عملت إثر خروج أولى دفعات المدنيين من الغوطة الشرقية باتجاه مناطق النظام السوري، في مركز "الدوير" بمنطقة "عدرا العمالية".

تقول بيان لـ "العربي الجديد": "معظم المراكز تتشابه فيما بينها بطريقة التوزيع، وتتكوّن من غرف إسمنتية أساسية موجودة في المركز منذ زمن، أُضيفت إليها غرف مسبقة الصنع، من أجل استيعاب الأعداد الكبيرة للنازحين، حيث تم تشييد المساكن في محيط المركز قرب البناء الرئيسي". وأضافت: "يتوزّع النازحون في المركز، بعضهم في الغرف الكبيرة في مبنى المركز وهؤلاء يُعتبرون من سعيدي الحظ، في حين يتكدّس الآخرون في الغرف الجديدة مسبقة الصنع".

وأوضحت أن المركز يتكوّن من النازحين وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية ومفرزة صغيرة تابعة لقوات الأمن السوري التي تنتشر بشكلٍ مكثّف في المخيّم، ويُضاف إليهم مسؤولون مدنيون من وزارة الشؤون الاجتماعية ولجنة إغاثة دمشق ومحافظة دمشق.

وتعتبر الغرف الأساسية للمركز كبيرة نسبيا إذ تصل مساحتها إلى 8 أمتار طولا و6 أمتار عرضا، لكن يتم تقسيمها إلى أربعة أقسام عبر القماش، ويوضع فراش وأغطية في أرض كل قسم من الغرفة والذي لا تتعدّى مساحته المترين، لكنه مخصّص لعائلة كاملة، موضحة أنه على أساس هذه التوزيعة فإن عدد القاطنين في الغرفة الواحدة يتراوح بين 20 نازحا و30 نازحا حسب عدد كل عائلة.

وأوضحت أن إسكان النازحين بهذه الطريقة جعلهم في موقفٍ صعب، بسبب عدم القدرة على الحفاظ على الخصوصية فضلاً عن حالات الإزعاج والتي قد تتطوّر إلى نزاعات بين العائلات النازحة بسبب بكاء الأطفال ليلاً وغيرها من الأمور التي تفرضها خصوصية العائلة في هذا المربّع الصغير، لكن الأربعيني محسن النازح من الغوطة إلى مركز إيواء مدينة عدرا هيأ نفسه للتعايش مع صراخ طفل جاره ليلا، إذ يرى كوابيس بأنّه يتعرّض للقصف، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى مداهمة الأمن لغرفتهم كما يقول النازح الذي أخفى اسمه الحقيقي خوفا من النظام، قائلا لـ"العربي الجديد":"يبدو أن الطفل لا يزال تحت الصدمة النفسية لما رآه في الغوطة" يخمّن محسن، بينما يضيف "الطفل بحاجة إلى علاج نفسي وظروف تخرجه من أجواء الحرب، لكن بالطبع لا يمكن هذا الأمر هنا، نحن نعيش في سجنٍ بغلاف إنساني".


وساطات ومحسوبيات

داخل مركز إيواء النظام يمكن لمن لديه مال أو وساطة أن يحصل على غرفة خاصة به، ومساعدات كافية، وهؤلاء من سعيدي الحظ كما تقول الناشطة شقير، الذي تابعت أنه في بعض الأحيان يتم تكديس ست عائلات داخل غرفة واحدة، تبدو أشبه بسجن حقيقي، إذ لا يتمكن هؤلاء من أن يحظوا بمساحة كافية للنوم، موضحةً أن عدد النزلاء داخل الغرفة الواحدة يزيد وينقص حسب تدفّق النازحين، وبسبب النزوح الجماعي من الغوطة انعكس الأمرعلى تكديس المدنيين في ظروفٍ غير إنسانية، كما تقول الناشطة الإغاثية بيان، والتي أوضحت أن الغرف مسبقة الصنع لا تتعدّى مساحتها 3 أمتار مربّعة، ويتم وضع عائلة واحدة أو عائلتين داخلها، على حسب الضغط على المركز، وهو ما يتطابق مع ما سبق وعاشته ميساء شقير التي تقول: "خلال وجودي في معسكر الطلائع في السويداء، الذي يستضيف نازحين من درعا، كان توزيع النزلاء على الأماكن المخصصة لهم سيئاً للغاية".

سوء الوضع يمكن فهمه من إفادة النازح محسن الذي يلخّص حال مراكز الإيواء بقوله: "لا أجد فرقاً بين الملجأ العشوائي الذي كنت أعيش فيه مع 200 شخص هربا من القصف في الغوطة، وغرفة مركز الإيواء التي أعيشها حاليا في عدرا العمالية"، قبل أن يستدرك: "الفرق أننا عندما كُنّا في دوما كانت مشاعرنا صادقة، وكان المدنيون يحاولون أن يساعدوا بعضهم البعض، أما الآن فكاميرات وسائل الإعلام ووكالات الأنباء والمنظمات تلاحق بؤسنا"، واصفاً حياته خلال حصار الغوطة، والمخاطر التي واجهها بالخروج، ثم النزول في مركز الإيواء بأنّها "رحلة من الموت إلى الموت".


كفيل قانوني

خلال إقامة النازحين في مراكز الإيواء، وضعت قوات النظام شروطاً قاسية على النازحين كما تقول متطوّعة عملت في ثلاثة مراكز بينها مركز حرجلة، وأكدت الفتاة التي رفضت الكشف عن هويتها: "أن النظام منع على الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عاما و50 عاما والفتيات غير المتزوجات التوجّه إلى دمشق تماما وسمح بخروج النساء المتزوجات والأطفال في حال توفر كفيل قانوني في دمشق".

ويتطلّب هذا الإجراء أن يوقّع المستضيف على ورقة فيها معلوماته والعنوان الدقيق وأرقام للتواصل معه، وتقديم صورة عن هويته ليتم التحقّق منه أمنياً.

أما الخروج من مركز الإيواء دون التوجّه إلى دمشق، فهو مسموح للجميع، ولكن يحتاج إلى موافقة من مدير المركز الذي يُعرف باسم "المشرف"، إذ يتوجّه النازح إليه ويطلب منه السماح له بالخروج مع تقديم سبب الخروج والمدّة التي سوف يقضيها خارج المركز، وبعدها قد يوافق المشرف، أو لا يوافق، وفي هذا السياق، تقول ميساء شقير: "إن الإذن الذي يُفرض على النازح مقابل الخروج من مركز الإيواء ليس وليد أحداث الغوطة".

وأضافت: "كنت أعمل في مركز طلائع البعث للإيواء في محافظة السويداء، وكانت قيادة المركز هي ذاتها قيادة المعسكر التابع لحزب البعث، ولديهم مكتب خاص داخل مركز الإيواء" مشيرةً إلى أنه منذ ذلك الوقت كان المدنيون الراغبون بالخروج من المركز يذهبون إلى مشرف المركز ويقدّمون طلباً للخروج، مع أسباب هذا الخروج، وتابعت أن المشرف في بعض الأحيان كان يرفض خروج النازح لمجرد أنّه لا يريد وليس الأمرعلى مزاجه دون تقديم أي سبب مقنع لقراره هذا".

الأمر الذي تراه شقير لا يجعل هناك فارقا كبيرا بين المعتقلات ومراكز الإيواء النظامية، إذ إن النازح مضطر إلى الحصول على موافقة ورقية من أجل مغادرة مركز الإيواء كما أن الناشطين العاملين بالشأن الإغاثي ممنوع عليهم إطلاقاً الدخول إلى هذه المراكز وكذلك وسائل الإعلام، وبالتالي يعيش هؤلاء النازحون في عزلة عن العالم.