الخصخصة في المغرب... إعادة تدوير لتجربة فاشلة

الخصخصة في المغرب... إعادة تدوير لتجربة فاشلة

16 مارس 2020
فشل خصخصة مصفاة سامير أثر على أمن الطاقة المغربي(Getty)
+ الخط -
يصف كمال المصباحي، أستاذ الاقتصاد بجامعة سيدي محمد بن عبد الله الحكومية، عمليات خصخصة بعض المنشآت العامة في المغرب بـ"الفاشلة"، نظراً لمشاكل الرقابة الحكومية التي تتجلّى في ضبط ومراقبة عملية البيع وما بعدها من تطورات متعلقة بالكيان الاقتصادي والعمال، وهو ما يؤكده الميلودي الكبير، الخبير المالي والكادر السابق في وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، إذ يعتبر أن المصالح الشخصية لعبت دوراً أساسياً في بعض عمليات الخصخصة التي انتهت بالفشل، ومن أبرزها صفقة بيع مصفاة "سامير" لتكرير النفط التي توقفت عن العمل في أغسطس/ آب 2015، وفق ما قال لـ"العربي الجديد".

أنشئت سامير بعد توقيع المغرب اتفاقية مع مكتب الهيدروكاربونات الإيطالي في يناير/ كانون الثاني 1959 وتعد أول مصفاة لتكرير النفط في المغرب، وتم بيعها للمجموعة السويدية-السعودية "كورال بتروليوم" عام 1997 بإشراف وزارة الخوصصة ومنشآت الدولة، ولاحقاً تمت تصفيتها قضائياً بسبب ديونها المقدرة بـ 30 مليار درهم مغربي (3.1 مليارات دولار أميركي)، منها 13 مليار درهم (1.3 مليار دولار) لإدارة الجمارك"، بعدما كانت الشركة قد بيعت في إطار الخصخصة بنحو 450 مليون دولار، وفق قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، في حكمها الصادر في 1 يونيو/ حزيران 2016 برقم (3597).

والسبب في إفلاس المصفاة، بحسب تقرير الخبرة الذي رفع إلى المحكمة التجارية بالدار البيضاء في 16 فبراير/ شباط 2016 (وفق طلبها)، يعود إلى الارتفاع الكبير للمصاريف المالية للشركة نتيجة الإفراط في الاقتراض؛ ما أضعف القيمة المضافة الناتجة عن التكرير، بالإضافة إلى تضخم في مخصصات الاستهلاك.


خريطة عمليات الخصخصة

شَمِلَت عملية الخصخصة التي انطلقت في تسعينيات القرن الماضي 49 شركة و26 وحدة فندقية عبر 116 عملية تفويت، بحسب وثيقة "حصيلة الخوصصة" الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة في 12 سبتمبر/ أيلول 2013.

غير أن عملية الخصخصة تلك حملت بذور الفشل، بخلاف ما كان مرجواً منها في التعجيل بالنمو وتحديث الأداة الصناعية، وفق ما جاء في تقرير الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول (تضم في عضويتها أحزاباً سياسية ومنظمات نقابية) الصادر في سبتمبر/ أيلول 2018.

واشترت المجموعة القابضة كورال بتروليوم التي يملكها رجل الأعمال السعودي محمد حسين العمودي 67.7% من رأس مال سامير في مايو/ أيار 1997، مقابل تعهّد كورال بإنجاز برنامج استثمارات قيمته مقدرة بـ4.6 مليارات درهم مغربي، لكنها لم تنجز ذلك، وفق تقرير الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة.

وتعود أسباب توقف تكرير البترول إلى مسؤولية الدولة المغربية عن شروط عملية الخصخصة والتقصير في المراقبة وعدم التدخل في الوقت المناسب، وتنكر المستثمر العمودي لبعض ما تم الاتفاق عليه، ما أدخل المصفاة الوطنية الوحيدة في دوامة من المناورات الاحتيالية وأخطاء إدارية ثقيلة، وفقاً لتقرير الجبهة الوطنية، الذي اعتبر أن الصداقات والعلاقات القائمة بين العمودي وشخصيات نافذة هي التي أدت به إلى عدم احترام دفتر التحملات، وعدم تأدية الديون المتراكمة عليه، ما أدى إلى إفلاس الشركة.

وبحسب نجيب أقصبي، الخبير الاقتصادي وأستاذ السياسات العامة بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، فإن بذور فشل "سامير" تعود إلى عملية الخصخصة التي تحّكمت فيها العلاقات الشخصية وعُنصر تضارب المصالح، إذإأن عبد الرحمن السعيدي، وزير الخوصصة المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بمنشآت الدولة خلال الأعوام من 1993 وحتى 1998 هو من أشرف على عملية بيع "سامير"، ولاحقاً أصبح مديراً عاماً للشركة نفسها من عام 2001 وحتى عام 2004.



أسباب الفشل

تكرر سيناريو فشل خصخصة سامير مع شركة الصناعات الميكانيكية والكهربائية بمدينة فاس والتي تم بيعها في عام 1995. وبحسب حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال (يمين وسط) والعُمدة السابق لمدينة فاس، فإن قرار خصخصة الشركة كان مُتسرعاً وغير مدروس من طرف الحكومة المغربية.

وتم إبرام عقد خصخصة الشركة في 24 يونيو/ حزيران عام 1995 بين وزير الخصخصة آنذاك عبد الرحمن السعيدي وكل من شركات ALEXIS INTERNATIONAL؛ MANIFACTURE NATIONALE DU CYCL؛ VELLO-MOTO، والمستثمر محمد بلغندورية، وفق ما جاء في الجريدة الرسمية عدد 4327 الصادر في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 1995.

وأكد المصدر ذاته بيع الأسهم العامة المملوكة للشركة بنسبة 100% لتلك الشركات عن طريق التفويت المباشر وبدرهم رمزي فقط (بيع الشركة دون مقابل مالي)، وهو ما تضمّنه المرسوم رقم (295605) القاضي ببيع الشركة، مع أن مساحة الأرض التي تدخل في ملكية الشركة المنتجة وقتها تقدّر بـ 11 هكتاراً، فضلاً عن الآليات المُستعملة ذات الجودة العالية، بحسب شباط، والذي سبق له العمل تقنياً في شركة الصناعات الميكانيكية والكهربائية، وتولى وقتها قيادة عمّال وكوادر الشركة، عبر الاتحاد العام للشغالين (نقابة عُمالية مُقربة من حزب الاستقلال) في فاس، ثم صار كاتبه العام على المستوى الوطني في عام 2009.

ورغم التزام المستثمرين بتطوير الشركة عبر ضخ 18 مليون درهم في رأسمال الشركة مع استثمار 22 مليون درهم (2.3 مليون دولار) في تطويرها، فإن الأمر لم يتم بسبب انعدام الرقابة الحكومية على المستثمرين المساهمين في رأس مال الشركة بعد خَصخصتها كما يقول شباط لـ"العربي الجديد".

وقررت المحكمة التجارية في فاس فسخ عقد البيع بشكل نهائي وقابل للتنفيذ في 26 إبريل/ نيسان عام 2002، لعدم احترام المستثمرين التزاماتهم التعاقدية وفق تقرير وزارة المالية والخوصصة "قطاع المؤسسات والمنشآت العمومية" الصادر في عام 2004.


إضرار بالاقتصاد الوطني


على الرغم من فشل خصخصة شركة الصناعات الميكانيكية والكهربائية، إلا أنه تم بيعها مجدداً للشركة المغربية كاماي، بمبلغ 14 مليون درهم (حوالي 1.4 مليون دولار). وهو مبلغ زهيد، نظراً لما تمتلكه الشركة من عقارات وأراضٍ، كما يوضح شباط، قائلاً: "كان من المُفترض أن تباع الشركة بـ 100 مليون درهم (حوالي 10.5 ملايين دولار)".

لكن شركة كاماي لم تحترم التزاماتها الخاصة بتشغيل 100 عامل عن طريق عقود جديدة، وتأدية 6 ملايين درهم (حوالي 600 ألف دولار) كتسبيقات على الأجور تُوضع في حساب للعمال والموظفين في شركة الصناعات الميكانيكية والكهربائية لتفادي المماطلة أو عدم أداء مستحقات العمال المالية، وباستثمار 10 ملايين درهم (حوالي مليون دولار) لتطوير الشركة، ما دفع الدولة إلى العدول عن قرار البيع، ودفع حوالي 14 مليون درهم من خزينتها العامة لـ 239 من عمال وموظفي الشركة في إطار عملية المغادرة الطوعية وفق تقرير قطاع المؤسسات والمنشآت العامة الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية في 2008.

ويقول حميد شباط إن توقف شركة الصناعات الميكانيكية والكهربائية والتي كانت تُنتج مختلف قطع وأجزاء الدراجات النارية وآلات السقي عن العمل كان له أثر سلبي على الاقتصاد الوطني، علماً بأن إنتاجها كان يغطي مجمل الحاجيات الوطنية وتقوم بتصديرها إلى "جنوب أفريقيا وتونس وألمانيا"، مضيفاً أن العمال الذين خسروا وظائفهم أكثر من 560 عاملاً من مدينة فاس التي تنعدم فيها فرص الشغل مقارنة مع العاصمة الرباط أو الدار البيضاء.


التحكّم في عجز الميزانية

في 18 إبريل/ نيسان 2019 عاد الحديث عن خَصخصة المنشآت العامة وبيعها للقطاع الخاص مجدداً، بعد تعيين أعضاء لجنة التحويل من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وأعضاء الهيئة المكلّفة بتقويم المنشآت العامة المراد تحويلها إلى القطاع الخاص، وفق ما نُشر في الجريدة الرسمية عدد 6773 في 29 إبريل/ نيسان الماضي.

والهدف من إعلان الحكومية المغربية استئناف عمليات الخصخصة وبيع حصص جديدة من الشركات والمؤسسات العمومية خلال العام الجاري، يعود إلى محاولة التحكّم في عجز الميزانية الذي يصل إلى 3.5% من الناتج الداخلي الخام، وفق ما نصّ عليه عرض وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، حول مشروع قانون المالية للعام الجاري، والذي أكد اتخاذ تدابير ضرورية، ومنها مواصلة عمليات الخصخصة التي ستوفر للدولة 3 مليارات درهم. وهو نفس التبرير الذي أدّى إلى انطلاق عمليات الخَصخصة في تسعينيات القرن الماضي، بهدف إغناء خزينة الدولة وتفادي إفلاسها عبر سد عجز الميزانية، بعد انخفاض عائدات الدولة من الضرائب، إذ أكّدت وثيقة حصيلة الخوصصة الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة في 12 سبتمبر/ أيلول 2013 أن برنامج الخصخصة في تسعينيات القرن الماضي مَكّن الدولة من تحصيل أكثر من 88 مليار درهم.

لكن نجيب أقصبي يؤكّد أن عمليات الخصخصة تسببت بخسائر اقتصادية للدولة، كون عملية بيع بعض الشركات الحكومية للقطاع الخاص تمت بشكل مُتسرع، وغير مدروس، مثل سامير التي توقفت عن الإنتاج، بعد 20 عاماً من خصخصتها، على الرغم من أنها كانت تغطي حوالي 60% من احتياجات المغرب النفطية كما يقول. وهو ما يؤيده الميلودي الكبير، ونجيب البقالي، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي) والذي طالب بحل عاجل لإعادة المصفاة للعمل، كونها بمثابة رئة للاقتصاد الوطني، وجزء مركزي من الأمن الطاقي الوطني الذي تأثر بسبب توقفها عن العمل كما يقول.