الاتصالات في فلسطين.. خدمات سيئة للمستخدمين وأرباح طائلة للشركات

الاتصالات في فلسطين.. خدمات سيئة للمستخدمين وأرباح طائلة للشركات

07 يونيو 2015
أرباح شركات الاتصالات الفلسطينية تفوق نظيرتها الإسرائيلية (فرانس برس)
+ الخط -

يضطر الفلسطيني محمد أبو عيشة المقيم في الضفة الغربية المحتلة إلى تسديد مبالغ مرتفعة ثمن خدمات الاتصالات في مناطق السلطة الفلسطينية والتي تصل إلى أكثر من ثلاثين دولاراً شهرياً مقابل دقائق معدودة من خدمات الاتصالات الصوتية، بينما يدفع شقيقاه خليل المقيم في مدينة القدس المحتلة، وعبد الكريم الذي يعيش في العاصمة الأردنية عمّان نصف هذا المبلغ، مقابل خدمات اتصال صوتي لا محدود، وخدمة الإنترنت من الجيل الثالث أو الرابع.

الاحتلال يحاصر

يتعايش الفلسطينيون مع ارتفاع فاتورة الاتصالات بثلاث طرق، إما التكيف مع هذا الغلاء والخضوع للأمر الواقع أو البحث عن بدائل، وعادة ما تكون هذه البدائل من منتجات الشركات الإسرائيلية التي تنخفض أسعارها كثيرا، لكن هذا البديل لا يتوفر للجميع خاصة أن التقاط بث شركات الموبايل والإنترنت الإسرائيلية، ليس سهلا في العديد من المدن الفلسطينية، علاوة على حظر بيع الشرائح الإسرائيلية بشكل رسمي في المتاجر الفلسطينية. الطريقة الثالثة هي الاحتجاج على فواتير الاتصالات الأمر الذي بات يلاقي تفاعلا أكثر من السابق رغم الحملات الإعلانية المكثفة لشركات الاتصالات.

الناشط والمدون الفلسطيني محمد أبو علان، أعلن عن إطلاقه حملة للاحتجاج على أسعار الاتصالات، مخصصا حملته للاحتجاج على أسعار خط النفاذ المرتفعة.

بدأ أبو علان حملته "يسقط خط النفاذ" الشهر الماضي، ويؤكد أنها لاقت تجاوبا كبيرا من المواطنين الذين تفاعلوا مع القضية، وحشدوا لها خاصة أن معظم المجتمع الفلسطيني متضرر من الحالة ومن رفع الأسعار التي تشكل إرهاقا على المواطن في ظل تراجع الدخل والتضخم.

يوضح أبو علان أن الهدف من الحملة هو إلغاء الرسوم المدفوعة، بشكل شهري منتظم أو على الأقل تخفيضها، خاصة مع ارتفاع أهمية الاتصالات يوما بعد يوم وقلة التكلفة على شركات الاتصالات إذ إن "البنية التحتية للشركات قائمة فلماذا تستوفي هذه المبالغ العالية شهريا؟".

يستغرب أبو علان تجاهل الحملة من قبل شركة الاتصالات الفلسطينية، التي تحتكر تقديم الخدمة إضافة إلى تجاهل وزارة الاتصالات المنظم الرسمي لعمل هذا القطاع. لكن أبو علان يجيب عن تساؤل عدم تعاطي الاعلام المحلي الفلسطيني مع هذه الحملة بأن "الاتصالات هي المعلن الأول في الإعلام المحلي، وأي مواجهة من قبل أي وسيلة إعلام ستؤدي إلى إنهاء عقود الإعلان التي تشكل مصدر الدخل الأساس لهذه الوسائل".

بالمقابل يلقي عمار العكر الرئيس التنفيذي لمجموعة الاتصالات الفلسطينية، (تستحوذ على حصة الأسد في السوق الفلسطيني)، باللائمة على الاحتلال، ويحمله مسؤولية معاناة محمد أبو عيشة وغيره من المواطنين، ذلك أن الاحتلال لا يعطي الفلسطينيين إلا نطاقاً محدوداً من الترددات في مجال الاتصالات الخلوية، ما يعني الحاجة إلى بنية تحتية مضاعفة لتغطية المناطق الفلسطينية.

يقول العكر لـ"العربي الجديد": "منذ اليوم الأول عملنا بترددات قليلة، نعمل على 2.4 ميغا هيرتز مخصصة لنا و2.4 نتشارك بها مع شركات تابعة للاحتلال الإسرائيلي، ما يعني الحاجة إلى وضع أربع محطات بدل محطة واحدة، لخدمة المكالمات".

أما العائق الآخر، فهو إلزام الاحتلال الشركات الفلسطينية بوضع مقاسمها (الموزع) خارج فلسطين. يقول العكر" نحن الشركة الوحيدة في العالم، التي تعمل ومقاسمها في بلد وزبائنها في بلد آخر، وبالتالي المكالمات الدولية نضطر لبيعها بأسعار محلية بسبب وجود مقاسمنا في الخارج، ما يعني اضطرارنا لاستخدام الرمز الدولي في كل مكالمة محلية".

سليمان الزهيري وكيل وزارة الاتصالات الفلسطينية، يوضح عائقا إسرائيلياً آخر، يتمثل في منع الاحتلال الفلسطينيين من استخدام الجيل الثالث للاتصالات الخلوية ما يعني فقدان قدرة الشركات الفلسطينية على المنافسة في مجال الإنترنت المحمول ويؤخر من تقدم قطاع الاتصالات الفلسطيني. يقول الزهيري لـ "العربي الجديد": "التكنولوجيا المستخدمة قديمة، ولا يوجد جيل ثالث ورابع، وبالتالي الإنترنت المقدمة من الخلوي سرعتها ضعيفة، وثمنها مرتفع".

لكن مشهور أبو دقة وزير الاتصالات السابق يشير إلى أن الاحتلال عرض سابقا منح خدمات الجيل الثالث للفلسطينيين، ولكن بنفس الطريقة التي يعمل بها الجيل الثاني والاتصالات الأرضية أي ضمن النطاق الإسرائيلي، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة الفلسطينية.

المنافسة على حساب المستهلك

يشهد السوق الإسرائيلي منافسة شرسة بين خمس شركات في مجال المحمول، تمثل الأسعار المقدمة من الشركات الإسرائيلية، مهربا للمواطن الفلسطيني، ما جعلها تستحوذ على نحو 20% من سوق الاتصالات الفلسطيني حسب سليمان الزهيري، وكيل وزارة الاتصالات الفلسطينية.

واجهت الشركات الفلسطينية تمدد شرائح الشركات الإسرائيلية، لكن على حساب المواطن الفلسطيني إذ عمدت الشركات الفلسطينية، إلى رفع سعر المكالمة إلى الشبكات الإسرائيلية لجعل المواطن يختار بين الشركات الإسرائيلية أو الفلسطينية، يبرر ذلك الرئيس التنفيذي لمجموعة الاتصالات بالقول: "لو لم نرفع الأسعار على الشركات الإسرائيلية لانتهينا"، معتبرا الأسعار الحالية مقبولة.

حصدت مجموعة الاتصالات الفلسطينية أرباحاً بقيمة 120 مليون دولار، أي ما قيمته 476 مليون شيكل هذا العام، وفي الوقت الذي يرى العكر الأمر طبيعيا، إذ تذهب الأرباح إلى سبعة آلاف مستثمر، هم المساهمون في المجموعة، ويقول "شركات الاتصالات هي من تقود اقتصاديات العالم الآن مثل دول الخليج والدول العربية.ويشير إلى أن المجموعة تعمل على العديد من الإجراءات لتحقيق المستوى ذاته من الأرباح، ومنها تخفيض أجور العاملين فيها.

أجرت "العربي الجديد" مقارنة بين أرباح الشركة الفلسطينية، والشركات الإسرائيلية ومنها شركة بلفون الإسرائيلية، التي بلغ صافي إيراداتها 3.42 مليارات شيكل في الوقت الذي بلغت أرباحها 373 مليون شيكل، أما شركة سلكوم فإن إيراداتها كانت أكبر من ذلك بقيمة 4.57 مليارات شيكل، في حين بلغت أرباحها 354 مليون شيكل.

وبمقارنة شركة الاتصالات الفلسطينية مع الشركات الإسرائيلية، فإنها حققت أرباحا بقيمة 476 مليون شيكل من حجم إيرادات يقارب ملياري شيكل. أي أن أرباح الشركة الفلسطينية، ضعف ما تحققه الشركات الإسرائيلية من خلال إيرادات أقل بكثير.

إنفاق غير مسبوق

يؤكد الدكتور عزمي الأطرش الأستاذ المساعد في دائرة العلوم التنموية في جامعة القدس أن أرباح شركات الاتصالات الفلسطينية عالية جدا مقارنة برأس المال المستثمر وبواقع الاقتصاد الفلسطيني.

ويقول لـ "العربي الجديد": "بحسب ميزانية 2013 للاتصالات الفلسطينية كانت الإيرادات التشغيلية 545 مليون دولار، وهي تكافئ 6.7 % من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني، ما يعني أن الأسرة الفلسطينية تنفق 10% من دخلها على الاتصالات" وهو رقم عال جدا في سلة أي مستهلك في العالم.

حول الأرباح يقول الأطرش: "في مصر العائد على رأس المال في قطاع الاتصالات يبلغ 17% أما في الاتصالات الفلسطينية فهو 77% خلال سنة (2013) التي شهدت ارتفاعا في الأرباح من دون زيادة في الإيرادات أو الاستثمارات، ما يعني أن هذه الأرباح الزائدة جاءت من دون أي تكلفة وعلى حساب المواطن".

في التفاصيل يعطي الأطرش المثال التالي على تضخم العائدات، إذ بلغت قيمة رسوم الاشتراكات الشهرية في فلسطين 80 مليون دولار خلال عام، في الوقت الذي تخدم الشركة أربعة ملايين فلسطيني، بينما رسوم الاشتراكات في السوق المصري على سبيل المثال والذي يخدم 80 مليون مواطن لا تتجاوز قيمتها 20 مليون دولار في العام.

بالمقارنة مع الأردن، وحسب مجموعة المستشارين العرب (متخصصة في الأبحاث والدراسات التحليلية في مجال الاتصالات والإعلام)، فإن معدل العائد الشهري لكل خط جوال في فلسطين هو 11.29 دولارا، بينما في الأردن يساوي العائد الشهري سبعة دولارات فقط لكل خط جوال، ولا يمكن هنا تجاهل مقدار الخدمات التي يتلقاها المشترك في كلا الدولتين، إذ يشمل السعر في الأردن خدمات الإنترنت للجيل الثالث بالإضافة إلى الاتصالات الصوتية، بينما تتركز الخدمة في الشركات الفلسطينية على المكالمات الصوتية والرسائل النصية فقط.

مراكز القوة

البحث في المنظومة التشريعية التي تنظم قطاع الاتصالات ينبئ عن ضبابية في تطبيق العقود المبرمة بين وزارة الاتصالات والشركات العاملة. ما يعطي الفرصة لفرض أمر واقع على المستهلكين، ويفقد السلطة الفلسطينية قدرتها على تنظيم العمل، إضافة إلى المحددات الإسرائيلية التي يشير إليها مشهور أبو دقة، وزير الاتصالات الأسبق، ويوضح لـ "العربي الجديد" أن دور الوزارة ثانوي والدور الرئيسي للجانب الإسرائيلي في هذا الموضوع"، معتبرا وزارة الاتصالات مجرد منظم محلي، تتحكم به إسرائيل التي تستولي على الترددات الطيفية على الرغم من أن القانون الدولي يضمن لكل دولة تردداتها داخل حدودها، قائلا: "إسرائيل تسيطر على الطيف الترددي كما تسيطر على المعابر وكل شيء".

من يعطل هيئة تنظيم الاتصالات؟

عام 2006 أقر الرئيس محمود عباس قانون هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، لكن بسبب الانقسام والتجاذبات الداخلية ألغى المجلس التشريعي هذا القانون، ليعاد طرح القانون مرة ثانية عام 2009 ويقره الرئيس مرة أخرى، لكنه بقي طي الأدراج ولم يتم تنفيذ القانون أو تشكيل مجلس الإدارة. لكن ما الذي يمنع تشكيل الهيئة. يجيب عن السؤال أبو دقة بقوله "خلاف سياسي أوقف هيئة تنظيم قطاع الاتصالات حول من سيكون في إدارة الهيئة، مراكز قوى سياسية واقتصادية أوقفت الموضوع بحجة كيف نستطيع تنظيم القطاع وكل شيء بيد إسرائيل".

صبري صيدم مستشار الرئيس للشؤون التكنولوجية يعطي المعلومة ذاتها قائلا "عندما كنا نتحدث عن هذا الموضوع كان بعضهم يصر على ضرورة بقاء الوضع الحالي، منهم مستفيدين ماديا، ووجود هيئة يشكل منافسة هم في غنى عنها". ويضيف لدى بعضهم اعتبارات سياسية، وبعضهم الآخر لديه تخوفات مشروعة، لكن كل تجارب تنظيم قطاع الاتصالات في الدول المختلفة أفرزت تنافسية عالية وجودة عالية".

وحول دور الهيئة يقول صيدم هناك تقصير وتقاعس في إنجاز هذا الموضوع ووجود هذه الهيئة كان من شأنه أن يدفع عملية تطور الاتصالات والمعلوماتية والقطاعات المساندة، وما تبقى بعد إقرار القانون هو تشكيل مجلس الإدارة.

أما أبو دقة فيشير إلى دور الهيئة بالقول "المنظم يجب أن يكون مستقلا ويعطى حق ودور تنظيم التعرفة بين الشركات. بدون تدخلات سياسية واقتصادية". لكن سليمان الزهيري وكيل وزارة الاتصالات يشكك في القدرة على إنشاء الهيئة ضمن المعادلة القائمة مع الاحتلال ومن دون رؤية واضحة لمنظم مستقل قادر من دون تدخلات سياسية واقتصادية.

أسئلة العقد المقبل

في عام 2016 ينتهي عقد احتكار شركة الاتصالات الفلسطينية للاتصالات الأرضية، وحسب أبو دقة فإن التفاوض على تجديد العقد يجب أن يبدأ هذا العام، لكن بحسب عمار العكر، فإن الأمر لم يبدأ عمليا وبالنسبة للوزارة يقول وكيلها الزهيري "حسب الاتفاقية تبدأ المفاوضات قبل عام، المخرجات صعب أن نحكم عليها من الآن، والتنافس في الخط الثابت محدود".

يتابع مشددا على أهمية اتاحة المنافسة لكل الشركات للوصول إلى الأفضل لدى المشترك النهائي، قائلا "نطمح أن يكون هناك مشغل ثاني وثالث، ولكن الاستثمار في الخطوط الثابتة معدوم، وآفاقه قليلة".

مشهور أبو دقة كان قد أشار في وقت سابق إلى أن "الظروف التي أحاطت بمنح الرخصة السابقة للاتصالات الثابتة والخلوية عام 1996 من عدم شفافية، وعدم خضوعها للتدقيق وللنقاش العام في حينه، أفقد الخزينة وبالتالي المواطن أموالا طائلة وأدى إلى تأخير واضح في نمو القطاع".

--------
اقرأ أيضا :
"العربي الجديد" يكشف..آلة ابتزاز الفلسطينيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي
ثمن فك الارتباط..أردنيون من أصل فلسطيني محرومون من الجنسية
احتلال السياحة بالقدس.. إسرائيل تحاصر أهالي المدينة ثقافياً واقتصادياً