مخيم الزعتري ..قسوة الحياة بلونها الأصفر

مخيم الزعتري ..قسوة الحياة بلونها الأصفر

07 ابريل 2014
آثار اشتباكات "الزعتري" بين اللاجئين و الأمن الأردني
+ الخط -

 كل شيء هنا أصفر اللون كالح الملامح، الرمال، والخيام، ووجوه الناس المرهقة من الألم، والمتعبة من طول أمد هجرة لا بوادر لنهايتها، في مكان صحراوي قاحل تكثر فيه العواصف الرملية والغبار ممتدا على مساحة 220 ألف متر مربع، حيث يقع مخيم الزعتري إلى الشرق  من العاصمة الأردنية عمان مسافة 70 كيلومترا، يعاني قاطنيه من قسوة الغربة و سوء الأحوال في موجة حنين مستمرة للوطن ضاعف من شدتها احتجاجات شهدها المخيم بين اللاجئين السوريين وقوات الأمن الأردنية أسفر عن وفاة اللاجئ السوري خالد النمري (25 عاماً)، فجر الأحد الماضي، متأثراً بإصابته بطلق ناري.
 
مخيم الزعتري، يعتبر  أقسى مخيمات اللجوء في العالم. أُنشئ ليستوعب اللاجئين السوريين الذين لجؤوا إلى الأردن في منتصف عام 2012، وتشير إحصائيات رسمية إلى أن عدد سكان المخيم بلغ حتى تاريخ ٢٧ أغسطس (آب) ٢٠١٢ حوالي 15 ألف لاجىء أي ما يعادل 10 % من إجمالي عدد اللاجئين السوريين في الأردن وبعد مرور عام أصبح الزعتري مأوى لـ 120 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، مما جعله ثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم بعد مخيم (داداب) في كينيا، ويحتوي المخيم على 17 ألف كرفان و8 آلاف خيمة و3 آلاف محل تجاري مما يجعله أشبه بمدينة كاملة أو رقعة شطرنج مبعثرة الأحجار.



على باب المخيم لا يسمح بالدخول إلا لحاملي التصريحات، أفراد أمن لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين وسيارتين للشرطة تقومان بالحراسة بينما تقع نقطة الشرطة المسؤولة عن المخيم ومقار المنظمات الدولية على أبواب المخيم الكبير وبالقرب من البوابتين ينتشر أطفال بعمر الزهور يقودون عربات حديدية صغيرة ذات عجلة واحدة يعملون على نقل أمتعة الداخلين أو الخارجين من المخيم مقابل قروش قليلة، وأول ما يسترعي انتباه زائر المخيم وجود سوق تجاري يتألف من عشرات المحال والدكاكين التي بناها أصحابها من الصفيح والخشب ليبيعوا فيها كل ما يخطر على البال من ألبسة وغذائيات إلى أجهزة الموبايل والساعات والأدوات المنزلية والأجهزة الإلكترونية، كل شي متاح هنا فكأن الزائر في سوق مدحت باشا أو سوق الحميدية في حمص. ويبدو هذا السوق المفتوح الذي أطلق عليه اسم "الشانزليزيه" لقربه من المشفى الفرنسي منظماً إلى حد ما مقارنة بواقع المخيم العام الذي يعج بالفوضى.

وروى لنا أحد أبناء المخيم إن السوق في البداية كان متواضعاً لا تتجاوز خيامه عدد أصابع اليد، ولكن بعد تزايد سكان المخيم من اللاجئين اختلف الوضع البنيوي للسوق وأصبح هناك دكاكين من صفيح وألمنيوم وحديد، والبعض بدأ ببناء مشروعه من الاسمنت والطوب، وصار من المألوف أن ترى بضائع من كل شكل ولون قادمة من سوريا تباع على امتداد هذا السوق.

ويرى محمود الشيخ أحد اللاجئين في مخيم الزعتري أن فكرة السوق بدأت من قيام أحد اللاجئين السوريين ببيع السجائر على ناصية الشارع المقابل للمستشفى الفرنسي في المخيم ومن هنا جاءت التسمية الطريفة للشارع "الشانزلزيه".
ومع الوقت توسعت فكرة السوق وتحول من محال ودكاكين تجارية إلى مجتمع اقتصادي متكامل يلبي حاجات اللاجئين، فبالإضافة إلى المحلات والدكاكين التي ناهز عددها على الـ600 تجد في السوق مقاه يرتادها اللاجئون في أوقات فراغهم التي تطغى على حياتهم اليومية وأماكن لمشاهدة الفضائيات وقضاء أوقات للتسلية كطاولة التنس"بينغ بونغ" والشطرنج ولعبة الشدة وممارسة الألعاب الرياضية المختلفة.
يقول مالك مقهى "الأسمر" في سوق الشانزلزيه إنه استثمر ما كان يملكه بعد أن باع سيارة الأجرة التي كان يعمل عليها في دمشق وكرّس ثمنها في إنجاز هذا المشروع، معتبراً أن استثماره كان ناجحاً "فالعديد من اللاجئين في المخيم يمضون أوقاتهم المسائية فيه وهم يشاهدون الأخبار عبر شاشة LCD كبيرة ويتسامرون ويدخنون الأرجيلة, وهم يتذكرون أيامهم في مدنهم وقراهم ويتشوقون لبزوغ شمس الحرية على بلدهم سوريا، كما لا يخفى على الزائر أن يلاحظ انتشار محال للصرافة وتحويل الأموال ودعايات بخطوط عشوائية لمطهري الأولاد وعقود الزواج معاملات الطلاق وغيرها ومحلات التزيين الرجالي والنسائي.

كارت المساعدات

لا يملك لاجئو الزعتري من الحياة سوى الخيمة التى تؤويهم والمساعدات العينية التى تقدمها لهم مفوضية اللاجئين والمنظمات المتعاونة معها.ولذلك تراهم يقفون منذ ساعات الفجر الأولى في طوابير طويلة للحصول على نصيبهم من الخبز باستخدام (الكارت) الذي يوضح عدد أفراد الأسرة المستحقين للمساعدات ويحدد الحصة التى يحصلون عليها من برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة.  


وبحسب معلومات برنامج الأغذية في المخيم يتم توزيع ما يعادل 22 طنا من القمح يومياً تأتى من المخابز الأردنية، حيث يحصل كل فرد على 240 جراما، بالإضافة إلى توزيع حصص أخرى من سلة الغذاء الأساسية مرتين شهريا، تسد الاحتياج اليومية.
ويحصل البرنامج على هذه المنتجات من تجار أردنيين لتشجيع الاقتصاد الوطني، وعلى مقربة من أماكن التوزيع يتواجد عدد من المقيمين فى المخيم الذين يعملون مع المنظمات الشريكة مع مفوضية اللاجئين فى إدارة المخيم إلى جانب 600 موظف فى مكتب مفوضية اللاجئين فى الأردن ومع وجود الكثير من الحملات التي ترعاها الحكومة بتمويل خارجي وحملات الجمعيات الخيرية الأردنية, إلا أن هناك نقصاً حاداً في المواد الأساسية للمخيم, مع التدفق الكبير للاجئين بشكل يومي جرّاء العنف المتزايد بشكل كبير في الآونة الأخيرة في الأراضي السورية.

غضب مكبوت

يبلغ إجمالى عدد اللاجئين السوريين الموجودين فى الأردن -بحسب التقديرات الرسمية للحكومة الأردنية- مليونا و330 ألفا، منهم 583 ألفا وزعوا على المخيمات، بقى منهم 20% فقط داخلها، والبقية غادروها، ما أثر سلبياً على المجتمع الأردني على مستوى الموارد وفرص العمل -بحسب مصادر أردنية- ما دفع بالكثير من الأردنيين لإعلان تذمرهم من وجود اللاجئين على شكل مظاهرات في المناطق التي يتمركزون بها معبرين عن استيائهم من الظروف المعيشية السيئة التى آلت لها البلاد وندرة فرص العمل.
ووصل الأمر بهم إلى نصب خيم بالقرب من دوار جرش العام الماضي أطلقوا عليها اسم مخيم النازحين الأردنيين رقم 1 للاحتجاج على أزمة السكن التي خلّفها وجود اللاجئين السوريين وبالذات في محافظة المفرق التي يسكنها أكثر من 120 ألف لاجىء سوري مقابل 80 ألفاً من الأردنيين، وبالرغم من احتواء الدولة الأردنية للاجئين السوريين، فإن حالة من الغضب المكتوم تسرى بين مواطنيها، حتى أن الجملة المشتركة بين أغلبهم أصبحت "السوريين صاروا أكثر من الأردنيين"، ومن السهل ملاحظة أن المشاكل الموجودة في الزعتري أثرت على العلاقة بين بعض سكان المخيم والقوات الأمنية الأردنية، ما نتج عنها صدامات بين عناصر الأمن العام من جهة وأغلبهم من أبناء العشائر، واللاجئين الذين يعيشون حالة من الغضب المكبوت تحت السطح نتيجة للظروف المناخية والاجتماعية التي يعيشونها، ونتيجة لاستمرار الحرب في بلادهم وانسداد أفق الحل فيها، وتتمثل هذه الصدامات على شكل تمرد وتخريب للمنشآت العامة داخل المخيم، ما جعل مخيم الزعتري يبدو في حالات عديدة خارجاً عن السيطرة، غير أن الهدوء لا يلبث أن يعود إلى أجواء المخيم وتعود الحياة فيه إلى مجراها الطبيعي.