الأبحاث المزورة.. تسقط جامعات الجزائر في ذيل التصنيف

الأبحاث المزورة.. تسقط جامعات الجزائر في ذيل التصنيف

07 مارس 2016
مساع جزائرية لتأسيس هيئة لمواجهة السرقات العلمية (Getty)
+ الخط -
في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، ألغى المجلس العلمي لكليّة الحقوق والعلوم السياسية في جامعة وهران 2، غربي الجزائر، رسالتي دكتوراه ورسالة ماجستير، بعد أن تبيّن وفقا للتقارير العلمية أنّها منسوخة من أعمال أخرى، ما استدعى إقصاء أصحابها من التسجيل في طور ما بعد التدرّج (الترشح للدكتوراه)، وإحالتهم إلى المجلس الأخلاقي للجامعة بتهمة السرقة العلمية.

في ظل غياب معطيات رسمية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية حول عدد حالات السرقات العلمية، توصل معد التحقيق عبر إجراء بحث مدقق في الصحافة الجزائرية، إلى إحصاء موثق لتسجيل 22 حالة سرقة علمية منذ يناير/كانون الثاني 2011 حتى نفس الشهر من عام 2016 في مختلف جامعات الجزائر.

اقرأ أيضا: البطاطا في الجزائر.. المزارعون يعانون من وفرة الإنتاج

سرقات علمية مفضوحة

وفقا للبيانات الإحصائية الموثقة من قبل معد التحقيق، فإن 16 سرقة علمية تمت في أطروحة الدكتوراه و5 في رسالة الماجستير وسرقة في بحث علمي، فيما تكشف الإحصائية أن السرقة تمت لـ11 ضحية من دول إيران وفلسطين المحتلة وفيتنام وبولندا والمغرب والسعودية والعراق ومصر، فيما تم ضبط 5 حالات في جامعة خنشلة، شرقي الجزائر وحدها، كأكثر الجامعات التي جرت فيها سرقة للأعمال والرسائل العلمية.

يكشف الأستاذ الجامعي الجزائري، سمير محمد (اسم مستعار)، عن تفاصيل خطيرة لسرقة علمية كان سببا في اكتشافها في شهر سبتمبر/أيلول 2013، بطلها أستاذ في جامعة سعد دحلب، في ولاية البليدة، جنوبي العاصمة الجزائر، إذ قام بنسخ أبواب وفصول من 3 كتب مختلفة ومن أطروحة دكتوراه للباحثة المصرية، نعمت عبد اللطيف مشهور، بشكل حرفي، ونقلها الى رسالة الدكتوراه الخاصة به، التي دار موضوعها حول الزكاة في الجزائر.

يقول محمد لـ"العربي الجديد": تفطنت إلى هذه السرقة عندما قام الأستاذ بنشر أجزاء من أطروحته خلال محاضرة في الأردن، توصلت إلى أن ما نشر كان سرقة تمت في الفصل المتعلق بـ"تجربة بيت الزكاة الكويتي" و"تجربة اليمن"، من كتاب "الإطار المؤسسي للزكاة: أبعاده ومضامينه"، لكاتبيه الجزائريين بوعلام بن جيلالي ومحمد العلمي، كما نقل حرفيا في أطروحته "تجربة اليمن" من الكتاب نفسه وذلك من الصفحة 150 إلى الصفحة 160 دون الإشارة إلى صاحب المرجع.

ويؤكد محمد أن هذا الأستاذ نسخ صفحات كاملة من أطروحة الدكتوراه للأستاذة المصرية، نعمت عبد اللطيف مشهور، المعنونة بـ "الزكاة: الأسس الشرعية والدور الإنمائي والتوزيعي"، والتي ناقشتها بجامعة بيروت سنة 1993، ومن كتابي السوري، منذر قحف، "اقتصاديات الزكاة" و"المواد العلمية لبرنامج التدريب على تطبيق الزكاة في المجتمع الإسلامي".

وتابع محمد :"راسلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية، بخصوص هذه السرقة العلمية وأبلغتها تفاصيل القضية، مرفقا ذلك بجميع الأدلة، وننتظر أن تتخذ الجهات الوصية إجراءات رادعة".

يروي الدكتور محمد لعقاب، رئيس المجلس العلمي السابق لكلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة "الجزائر 3" غربي العاصمة، شهادته حول سرقة علمية أخرى تعرض لها طالب سوري حاصل على شهادة الماجستير، من طرف زميلة جزائرية في شهر يونيو/حزيران 2014.

يتابع لعقاب لـ"العربي الجديد": "تقدم الطالب السوري الأسد علي صالح الأسد، برسالة تظلم للمجلس العلمي يقول فيها إن زميلة له قامت بسرقة 36 صفحة كاملة من رسالة الماجستير الخاصة به، تحت عنوان (المعالجة الإعلامية لأحداث سوريا 2011). قمنا بتكوين لجنة من كبار الأساتذة لمتابعة القضية". لكن مصادر من كلية الإعلام والاتصال في العاصمة الجزائر كشفت لـ"العربي الجديد"، أنه تم غلق ملف هذه القضية مباشرة بعد التحاق رئيس المجلس العلمي الجديد بمنصبه، دون متابعة الطالبة المتهمة بالسرقة.

اقرأ أيضا: ملاعب الجزائر.. منشطات قاتلة تقضي على مستقبل اللاعبين

أسباب انتشار الظاهرة

يعبر البروفيسور، أحمد عظيمي، عن استيائه الشديد من استمرار ظاهرة السرقة العلمية في الجزائر، موضحا أن سهولة اللجوء الى البحوث العلمية على مواقع الإنترنت ساعدت على انتشار السرقة العلمية في الجامعات الجزائرية.

ويقول الدكتور الجامعي، محمد لعقاب، لـ"العربي الجديد": "هناك من الباحثين من يقتاتون على منجزات الآخرين من خلال السرقة العلمية، كما أن بعض الأساتذة غير الأكفاء يتحايلون على العلم من خلال سرقة المجهودات الفكرية لطلبتهم، بغية الحصول على شهادات أو تولي مناصب عليا وكسب المال، بالإضافة إلى استسهال البعض عدم توثيق المقتبسات العلمية، ما يجعلها عرضة للسرقة".

مراكز متأخرة

لم يتضمن تصنيف شنغهاي الدولي للجامعات اسم أية جامعة جزائرية ضمن أفضل 500 جامعة على المستوى العالمي، حسب الترتيب الصادر في فبراير/شباط 2016، ويعتمد هذا التصنيف على الأداء الأكاديمي في ما يتعلق بالبحوث العلمية وكذا حجم الدراسات والأبحاث المنشورة في المجلات.

وقامت مؤسسة "تايمز هاير إيديوكيشن" البريطانية المتخصصة، بإسقاط جميع الجامعات الجزائرية في تصنيف أفضل 800 جامعة في العالم لشهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويقوم الترتيب على معايير التدريس والبحث ونقل المعرفة. بينما يقيم تصنيف "ويبومتريكس" العالمي للجامعات، الذي يصدر من إسبانيا عن المجلس العالي للبحث العلمي ويغطي 25 ألف جامعة، جامعة جيلالي ليابس بسيدي بلعباس غربي الجزائر في المرتبة 1733 عالميا و الـ21 عربيا كأفضل ترتيب لجامعة جزائرية وفقا لتنصيف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، واحتلت جامعة سعد دحلب بالبليدة المركز 3760 عالميا و89 عربيا، فيما جاءت جامعة خنشلة شرقي الجزائر(جرت فيها أكثر وقائع السرقات) في المرتبة 14393 عالميا والـ 389 على الصعيد العربي.

كما يقول الباحث الجامعي الأكاديمي الجزائري، عمار عبد الرحمن، لـ"العربي الجديد"، إن سبب احتلال الجامعات الجزائرية المراكز الأخيرة في التصنيفات العالمية هو ضعف الأبحاث العلمية المنجزة وعدم تمويل مراكز البحث في الجزائر، والأهم من ذلك هو سرقة الأبحاث العلمية، وكذا سوء التسيير على مستوى الجامعات من خلال تعيين عمداء ومسؤولين غير مؤهلين خاصة في تخصص العلوم الاجتماعية والإنسانية.

ويرى الدكتور الجامعي الجزائري، عبد العالي رزاقي، أن ضعف التكوين (الإعداد والدراسة) الجامعي والطريقة العشوائية في توظيف الأساتذة الجامعيين، هو سبب تأخر جامعات الجزائر في الترتيب العالمي حيث تقوم بعض الجامعات بإنجاح طلبة بالمحاباة والواسطة في مسابقات الماجستير، ويتم تأهيل هؤلاء المرشحين لطرح الدكتوراه ويصبحون أساتذة جامعيين، مما ينتج عنه تدهور أداء الجامعات وينعكس على مستوى الطلبة.

اقرأ أيضا: يمينيون عرب في باريس.. ممارسة السياسة عبر حزب عنصري

عقوبات قانونية

تنص المادة رقم 24 من أحكام القانون المتعلق بالبحث العلمي، في الفصل الثامن الخاص بالتأديب في الجزائر، "يعتبر خطأ مهنيا من الدرجة الرابعة قيام الأساتذة الباحثين ومـشاركتهم في عـمل ثابت للانتحال وتزوير النتائج أو غـش في الأعمال العلمية المطالب بها في رسائل الـدكتوراه أو في أي منشورات علمية أو بيداغوجية أخرى".

ويشير المحور رقم 1-2 الخاص بالحقوق والالتزامات الخاصة بالأساتذة الباحثين ضمن ميثاق الأخلاقيات والآداب الجامعية التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية، أنه من المهام التي يضطلع بها الأستاذ الباحث: "احترام أعمال البحث الخاصة بزملائه الجامعيين وبالطلبة، وذكر أسماء المؤلفين، وعليه فإن السرقات العلمية، تعد من الأخطاء الجسيمة غير المبررة التي يمكن أن تؤدي إلى الطرد"، علما بأن الإدارة حسب نفس المرسوم الوزاري هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن السهر على تطبيق القانون بكل حذافيره، بعد الإخطار من قبل الجهات والهيئات العلمية المخولة قانونا.

يكشف أحمد حمدي، عميد كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3 ، لـ"العربي الجديد"، أن المجلس العلمي هو الذي يسن العقوبات على مستوى الكلية بناء على مرسوم وزاري، في حال ثبتت تهمة السرقة العلمية في شهادتي الماجستير أو الدكتوراه، إذ يتم إحالة المتهم إلى المجلس التأديبي، ويدرس حينها المجلس العلمي، الذي يتكون أعضاؤه من كبار أساتذة الكلية، الحالة المعنية، وتحدد نوعية العقوبة إما بإلغاء وسحب الشهادة من صاحبها وإقصائه من التسجيل في مرحلة ما بعد التدرج مستقبلاً، أو إنزال رتبة الباحث الأكاديمية، أو طرده بشكل نهائي.

حلول

يؤكد مدير البحث العلمي في وزارة التعليم العالي الجزائرية، عبد الحفيظ أوراغ، لـ"العربي الجديد"، أن الوزارة تسعى إلى تأسيس هيئة جزائرية لمحاربة السرقات العلمية تعمل على النظر في مختلف الشكاوى وإجراء تقارير الخبرة وتسليط العقوبات، التي تحدّدها القوانين، والتي تصل إلى إنزال الرتبة، أو الطرد ومتابعة السارقين قضائياً، مشيرا إلى أن هذه الهيئة ستكشف فضائح عشرات الأساتذة المنشورة أبحاثهم منذ سنوات، سواء في المقالات العلمية أو رسائل الدكتوراه والماجستير.

ويرى الدكتور الجامعي والباحث الجزائري، نصر الدين العياضي، أنه لا ينبغي فقط الاعتماد على الحل التقني أو الرقمي وحده لمحاربة ظاهرة السرقة العلمية، بل ينبغي توجيه الباحثين إلى الأسلوب العلمي في التعامل مع أفكار الآخرين وتدريس الطرق العلمية في الاقتباس والاستشهاد، وهو ما يغيب عن الحياة العلمية في الجزائر.

دلالات