الإسلاميون في مصر... تدمير شبكاتهم الاجتماعية والدينية يفاقم معاناتهم

الإسلاميون في مصر... تدمير شبكاتهم الاجتماعية والدينية يحرمهم من حل مشاكلهم

20 يوليو 2017
تغييب ناشطين في شبكات الإسلاميين الاجتماعية بالاعتقال (العربي الجديد)
+ الخط -

كان صوتها قلقاً وكلماتها مرتعشة، بالكاد تستطيع شيرين* الحديث، بعد أن خرجت للتو من أزمة نفسية، إذ طلقها زوجها وصارت وهي في منتصف الثلاثينات من عمرها أمّاً عاملةً، ترعى خمسة أطفال وحدها في ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها مصر ما زاد من معاناتها لتوفير الاحتياجات الأساسية لأبنائها.

لم تكن حياة شيرين الزوجية مختلفة عن حال أخريات من جيلها من المنتميات إلى التيار الإسلامي، إذ كانت تعاني من مشكلات طارئة سرعان ما يعود الهدوء بعدها إلى منزلها، لكن حين تشتد العواصف بينها وبين زوجها تلجأ إلى شيوخ معروفين بتدخلهم لحل المشكلات الأسرية، والإصلاح بين العائلات، سواءً كان التدخل نصحاً للزوج أو إرشاداً للزوجة، و"سرعان ما تمر الأمور بسلام" كما تقول، قبل أن تضيف "إلا أن الاضطرابات التي صاحبت الإطاحة بالإسلاميين من السلطة في مصر عام 2013، كانت لها تأثيرات هامة أدت إلى تدمير للبنية التحتية للشبكات الاجتماعية التي عملت في مجال العلاقات الأسرية، بعد تغييب الناشطين في هذه الشبكات سواء بالاعتقال أو السفر إلى الخارج خوفاً من المطاردة الأمنية أو الامتناع عن المشاركة في الحياة العامة".

لم يكن أمام شيرين من بد سوى الاعتماد على نفسها، ما دفعها إلى الحصول على دورة تدريبية في الإرشاد الأسري، لتحاول حل مشكلاتها هي وصديقاتها، دون الاعتماد على أحد كما تقول.


اللجوء إلى مواقع الإنترنت


لا يبدو الحل الذي لجأت إليه شيرين، مثالياً من وجهة نظر العشرينية آلاء*، والتي تزوجت في سن صغيرة، من رجل شهد له الجميع بحسن الخلق، لكن المشاكل كانت كثيرة بينهما. تحكي آلاء قائلة: "لم يعد يستجيب لأي إصلاح. كنت ألجأ سابقاً لشيوخ دين، يتحدثون إليه ويرجع إلى صوابه لبعض الوقت. لكن الآن لا أجد أملاً، ليس هناك من أسأله، وقد حسمت قراري وسوف ألجأ إلى القضاء وأطلب الخلع، فهو يرفض الطلاق".

بعد أن ترددت للحظات قالت: "السبب في هذا الحسم أنني سألت أحد الشيوخ المعروفين من خلال موقع "آسك إف إم" وقد أجابني بعد أن قرأ مشكلتي بأنه يستحيل العيش مع كل هذه القسوة، وأن علي أن أتخلص منها لأنعم بحياة أكثر هدوءاً. وتبرر لجوءها لاستشارة شيخ بهذه الطريقة قائلة "لم يعد هناك أحد نسأله".

الاستسلام للقدر

اعتادت عائلة منى* استشارة شيخ معروف، وتنفيذ استشاراته لحل المشاكل التي تواجههم. لكن بعد سفر الشيخ خارج البلاد، حاولت منى حل مشاكلها مع العائلة عبر الإنترنت، أو سؤال شيوخ آخرين، لكنها لم توفق في ذلك، حتى أنها تنازلت عن حقها في ميراث عائلي، بعد ما رفضت العائلة إعطاءه لها، متذرعة بأنهم لا يمكنهم اللجوء إلى أي مشايخ آخرين، "لأنهم لا يثقون في أحد" كما تقول.


السير في طريق آخر

بصوت منخفض بدأ مدحت* يحكي عن زواجه الأول، قائلاً "تزوجت بعد أن رشح لي شيخي الذي كنت أتلقى العلم على يديه، أسرة ملتزمة وأوصاني بخطبة ابنتهم، تقدمت لخطبتها وتزوجت في وقت قصير. كأي أسرة عادية، حين كانت الأمور لا تسير على ما يرام، ألجأ إلى الشيخ. وبعد اعتقال الشيخ بشهور حدثت مشكلة ولم نجد من يتوسط بيننا، تركت زوجتي المنزل طالبة الطلاق، ولم ترضَ بأي حل للعودة مجددًا. رأْي الشيخ ووجوده كان يمكن أن يحل الأمر".

في نهاية الأمر انفصل مدحت عن زوجته بعد أن فشلت محاولات الإصلاح وتزوج من أخرى، لكنه رأى أن الزواج من خارج دائرة الإسلاميين قد يجنبه المشاكل التي مر بها في زواجه الأول، ما دعاه إلى أن يتزوج زميلة له في العمل.

حلول أخرى

فقدت مروة جنينها بعد أن ضربها زوجها، تسرد أحداث قصتها محدقة، كأنها تقرأها من على الجدار، تحكي جزءًا ثم تصمت قليلاً حتى تظن أنها لن تكمل، لكنها تواصل، قائلة: "أنا وزوجي نصنف كـ"إسلاميين"، نحن من أسر ملتزمة بالدين، وكنت اعتقدت أن هذا سينعكس على حياتنا بالإيجاب، وأني سأنعم بالهدوء، لكن عكس ذلك هو ما حدث. تتحول حياتي جحيماً إن لم أوافق على كل ما يفعله زوجي حتى لو كان خطأ".

حين كانت المشكلات تتفاقم بين مروة وزوجها كانت ترفض اللجوء إلى أي من الشيوخ، تبرر ذلك فتقول: كنت أريد أن أحافظ على سرية حياتي وأن أحل مشاكلي بنفسي، لكن ازدادت الأمور سوءًا في الآونة الأخيرة، ولم يعد باستطاعتي التحمل. طُلقت على الرغم من معرفتي أنني سأواجه حياة مختلفة وصعبة بعد الطلاق، خاصة في العمل، وبالفعل رغم أني درست اللغة الصينية وتخرجت من كلية الألسن، عملتُ إداريةً في أحد المراكز التعليمية لأنني منتقبة.

تعود مروة لتوضيح دور المشايخ في حياتها، قائلة: "لم أكن أعتمد على رأي أحد، لا في السابق ولا الآن ولم أستشر أحداً بشأن قراري بالطلاق، فهذه حياتي وأنا من أعرف ما الأصلح".


مصائب قوم عند قومٍ فوائدُ

خلال حديثها تحمد مرام*، الله على ما ترتب على الأزمة التي يمر بها إسلاميو مصر، وتوضح أسباب ذلك بقولها: "لولاها ما استطعت التخلص من التكبيل الذي كنت أظنه سيدوم للأبد".

تنتمي مرام الفتاة العشرينية إلى أسرة إسلامية معروفة، تزوجت في سن السادسة عشر من أحد جيرانها. وتحكي قصتها: "كان زوجي دائماً يهينني ويضربني، وحين ألجأ إلى عائلتي يطالبونني بالتحمل والصبر على الابتلاء، وطالما ردد زوجي أنه تزوجني من هذه الأسرة تحديداً لأنه يعلم أن "بنات الإسلاميين" لا يطلبن الطلاق، ويطعن أزواجهن طاعة عمياء".

تضيف مرام: "تغيّر الحال بعد 2013، حدثت رجة عنيفة في المجتمع كله، بدأت أشعر أنني غير راضية عن حياتي وعن هذه الإهانات وأنه لا يوجد أي دليل شرعي على وجوب الصبر على مثل هذا الذل المستمر، قررت طلب الطلاق. وبعد معاناة معه ومع أهلي أيضاً تمكنت من الطلاق، وأنا الآن أكمل دراستي في كلية الدراسات الإسلامية قسم اللغة العربية، وأشعر أنني سعيدة بإنهاء هذا الجزء من حياتي".

لا يوجد إسلاميون حتى يتخاصموا!

على بعد 200 كيلومتر من القاهرة، يجلس القانوني فوزي* كل مساء في مكتب المحاماة الذي يملكه في مدينة المنيا جنوب مصر، غير أنه لم يعد بحكم عمله وترشحه لانتخابات مجلس الشعب في عام 2011 على قوائم جماعة الإخوان المسلمين، يلجأ كثير من الناس إليه لحل مشاكلهم، ويرحب الرجل بهم سواء كان أصحاب المشكلة من أبناء التيار الإسلامي أم من غيره.

بعد القبض عليه لفترة قصيرة عام 2013، تم الإفراج عنه، ومن وقتها صار ممتنعاً عن حضور الجلسات العرفية التي كانت تتم عبر مركز الشرطة الموجود في المدينة، إذ لم يعد المركز يستعين به هو وغيره من المنتمين إلى التيار الإسلامي، وعلى أي حال صار فوزي يتجنب تلك الجلسات بسبب كبر المشاكل وعدم رضاء البعض عن أحكام المصلحين، حتى أنهم يرفعون السلاح على بعضهم أحياناً أثناء الجلسة.

ويضحك فوزي بعد سؤاله عن كم المشاكل بين عائلات الإسلاميين في مدينته الصغيرة، متسائلاً "همّا فين؟ يا إما سافروا أو اعتقلوا".

------------
* تم إخفاء الأسماء الكاملة بناءً على طلب الحالات لاعتبارات عائلية ومخاوف أمنية.

دلالات