تسمم تلاميذ مصر... اللغز يزداد تعقيدا

تسمم تلاميذ مصر... اللغز يزداد تعقيدا

24 مارس 2017
تلاميذ تم نقلهم للمشافي بعد تناول الوجبات المدرسية(العربي الجديد)
+ الخط -

يرفض الدكتور عمرو قنديل رئيس قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة المصرية، الربط ما بين حوادث تسمم التلاميذ الأخيرة، والوجبات المدرسية، إذ أثبتت تحاليل العينات التي تم الحصول عليها من ثماني مدارس، أصيب 2262 تلميذا منها بآلام في البطن عقب تناولهم وجبات التغذية المدرسية في الأسبوع الماضي، سلبية العينات وخلوها من أي ميكروبات تسبب تسمم الغذاء.

ويتناغم تصريح قنديل الذي صدر أمس، مع آخر جاء هذه المرة، عبر وزارة التربية والتعليم في ذات اليوم، إذ خرج وزير التربية والتعليم في مؤتمر صحافي، نافيا أي علاقة بين وجبات التغذية المدرسية وحالات تسمم التلاميذ، مفسرا ما حدث بأن هناك من يروجون لتكرار حوادث الاشتباه في التسمم بمدارس مصر، مع قرب طرح مناقصة توريد التغذية المدرسية.

غير أن الثلاثيني مصطفى كامل والذي أصيبت ابنته أميرة وشقيقها محمد في حادث تسمم طلاب مدارس سوهاج الثماني، لا يصدق أن الوجبات لا علاقة لها بآلام ابنته وشقيقها وزملائهما، إذ لم تقدم الحكومة أي تفسير واضح لآلام التلاميذ، التي ظهرت بعد تناولهم الوجبات، قائلا "يبدو أننا سندخل في لغز جديد، لن نعرف له حلا، إذا كانت أميرة بنتي ومحمد ابني لم يتعرضا لتسمم بسبب الوجبات، فلماذا عانيا من تلك الآلام وتم نقلهما مع أكثر من 2000 طالب وطالبة إلى المستشفيات".


تضرر التجار والموردين

تعاقدت وزارة التربية والتعليم مع جهاز الخدمة الوطنية لتوريد وجبات التغذية المدرسية خلال العام الدراسي الحالي 2016 /2017، وبحسب راندا حلاوة، رئيسة الإدارة المركزية لمعالجة التسرب التعليمي، فإن الوزارة اتفقت مع جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة على مواصفات مكونات الوجبات الغذائية، والتي يتم توزيعها على المدارس الحكومية التابعة للوزارة لمرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية، عن العام الدراسي الحالي 2016 /2017.

وتحمل أغلفة وجبات التغذية المدرسية، شعار "تحيا مصر"، وتنويها يقول "معبأ خصيصا لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ق.م" (القوات المسلحة).

وتبلغ تكلفة الوجبات المدرسية للعام الجاري، ملياراً ومائة مليون جنيه (الدولار يساوي 17 جنيها تقريبا) وتقدم على مدار 150 يومًا هي عدد أيام السنة الدراسية، حسب ما أعلنت وزارة التربية والتعليم، ويساهم برنامج الغذاء العالمي بمبلغ 13 مليون يورو لتوزيع الوجبات المدرسية للعام الدراسي الحالي والمقبل، ويدعم البرنامج مشروع التغذية المدرسية الوطني منذ عام 1968.

وتجمع مصادر متطابقة من محافظات سوهاج وأسيوط والمنيا والشرقية والبحيرة، والتي شهدت حالات متكررة لتسمم طلاب بمدارس تلك المحافظات، على أن هناك اتفاقا بين كبار التجار والموردين ممن كانوا يفوزون بمناقصات توريد التغذية المدرسية، قبل أن يتم إسنادها إلى شركة "كوين سرفيس" التابعة للقوات المسلحة، بقرار من رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل، من أجل الضغط على الحكومة المصرية لإعادة طرح مناقصات عامة لتوريد التغذية إلى المدارس، بعد أن تسبب إسناد تلك المناقصات إلى الجيش في إلحاق خسائر فادحة بهؤلاء التجار والموردين.

ويرفض أولياء أمور طلاب مدارس "حي الجناين" في محافظة السويس، شرقي مصر، تصديق كلا السيناريوهين، اللذين يتحدث أحدهما عن مسؤولية شركة "كوين سرفيس" التابعة للجيش والذي يشرف على عملية توريد الوجبات، عما تعرض له أبناؤهم من حالات تسمم، كما يرفضون ما قالته وزارتا الصحة والتربية والتعليم من أن ما يثار حول تسمم الطلاب لا يعدو كونه شائعات لا أساس لها.

وفي ذات اليوم الذي نفت فيه وزارة الصحة علاقة الوجبات وحالات التسمم، أصيب 67 طالبا في السويس بآلام عقب تناول وجبات التغذية المدرسية التي تم توزيعها في مدارس "منشية الرجولة" في حي الجناين، ومدرسة عثمان بن عفان ومدرسة "جنفية" في حي الجناين، وجرى نقل المصابين يوم الأربعاء الماضي، إلى قسم الطوارئ في مستشفى السويس العام، ومستشفى التأمين الصحي بمنطقة "حوض الدرس"، بحسب إفادة أيمن سمير مدير الإعلام بمديرية التربية والتعليم في السويس.

وأعلن يوم الأربعاء كذلك، عن إصابة 25 طالبًا في إحدى المدارس الابتدائية، بمركز الفشن في محافظة بني سويف، جنوب مصر، بالتسمم بعد تناول وجبة مدرسية، وهو ما تكرر في محافظة دمياط، شمالي مصر، إذ أصيب عشرات التلاميذ بالتسمم عقب تناول وجبات التغذية المدرسية، وفق ما جاء في بيان رسمي صدر عن وزارة الصحة المصرية.

وقال شهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن أعداد المصابين ازدادت، وهو ما دفع بعض المواطنين إلى اللجوء إلى مكبرات الصوت في المساجد، للنداء على الأهالي وأولياء الأمور لمنع التلاميذ من تناول الوجبة المدرسية.


صراع على مبلغ 75 مليون جنيه

يكشف مصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن إسناد توريد وجبات التغذية إلى القوات المسلحة على مستوى مديريات التعليم في المحافظات تم مقابل نحو 75 مليون جنيه تدفعها كل مديرية في كل عام للقوات المسلحة، وتابع المصدر الذي رفض ذكر اسمه، حفاظا على أمنه الشخصي، أن "المبلغ مرتفع بالنظر إلى العقود التي كانت توقعها المديريات مع التجار والموردين المدنيين في السابق، إذ كانت الوزارة تعلن في الجرائد الرسمية عن مناقصات عامة لتوريد الوجبات إلى المدارس في 27 مديرية للتربية والتعليم بالمحافظات، وتختار من بينها أفضل الأسعار".

وتابع المصدر موضحا أن مناقصة التوريد كانت تجرى سنويا في شهر إبريل/ نيسان، إلا أنه في العام الماضي لم يتم ذلك الأمر على النحو المعتاد، إذ تم إصدار قرار من رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل بمنح القوات المسلحة حق توريد الأغذية بالأمر المباشر، بعد رفض مديرة إحدى المديريات التعاقد مع الجيش، نظرًا لارتفاع المبلغ الذي طلبته شركة "كوين سرفيس" المملوكة للجيش من أجل توريد وجبات التغذية المدرسية.


إلغاء وجبات التغذية المدرسية

تطالب عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، النائبة سهير الحادي، بإلغاء البند الخاص بالتغذية المدرسية من الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2017/2018، بعد تكرار حوادث التسمم، إذ بلغ عدد الحالات التي تعرضت للتسمم في مارس/آذار الجاري 4650 طالبًا وطالبة، في مقابل 4966 ظهرت لديها ذات الأعراض منذ بداية العام الدراسي، سبتمبر/أيلول الماضي.

وقالت النائبة خلال اجتماع اللجنة المصغرة لمناقشة موازنة البرامج والأداء لوزارة التربية والتعليم، "التغذية المدرسية مال سايب وباب للفساد والإهدار، واليوم الدراسي في أغلب المدارس لا يتعدى 4 ساعات لأنها تعمل بنظام الفترتين". وأشارت النائبة إلى أن الأسبوع الماضي شهد المئات من حالات تسمم الطلاب التي لم يعرف أسبابها، وطالبت بدراسة كيفية دعم الطلاب بعيدا عن التغذية المدرسية.

ويوافقها في الرأي عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، الدكتور عصام الدين مأمون، والذي يرى أنه لا بد من إعادة تقييم منظومة التغذية المدرسية، قائلا "التغذية المدرسية الحالية إهدار للمال العام، ولا بد من إلغائها واستبدالها بأي أمور أخرى ينتفع بها الطلبة".

وأوقفت وزارة التربية والتعليم  أمس صرف وجبات التغذية المدرسية مؤقتا وفقا لما قاله الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، ويرفض وكيل لجنة التعليم بالبرلمان، النائب عبد الرحمن برعي، إلغاء بند التغذية المدرسية من الموازنة العامة للدولة، مؤكدًا أن الإلغاء ليس حلا لعلاج الأزمة، قائلا "يجب الكشف عن حقيقة ما يحدث ومحاسبة المسؤولين عن حالات التسمم بدلا من السلبية والهروب من المسؤولية".

دلالات