خصخصة معسكرات الإيواء...معاناة اللاجئين تزيد أرباح شركات الإسكان بالسويد

خصخصة معسكرات الإيواء... معاناة اللاجئين تزيد أرباح شركات الإسكان في السويد

15 اغسطس 2017
شركات إدارة معسكرات اللجوء تحقق أرباحا كبيرة(العربي الجديد)
+ الخط -
تدهورت الحالة الصحية للاجئة السورية من أصل فلسطيني سهاد سعيد بعد تسعة أشهر من الانتظار في معسكر مولونغ وسط السويد دون الحصول على الإقامة، ما دعاها إلى التقدم بطلب نقل من المعسكر إلى منزل صديقتها في مدينة مالمو جنوبي السويد، هروبا من سوء الأوضاع التي يعانيها طالبو اللجوء في المعسكر المفتقد إلى النظافة، ما تسبب في انتشار البعوض والحشرات، إلى جانب الازدحام الشديد في "الكامب" الواحد، إذ تخصص غرفة واحدة للعائلة.

وتشترك أكثر من عائلة في المطبخ ما خلق الكثير من المشاكل بين اللاجئين من مختلف الجنسيات في ظل إهمال وافتعال للمشاكل من قبل إدارة المعسكر، الأمر الذي "أحال حياة القاطنين فيه إلى جحيم"، وهو ما يراه الناشط في الدفاع عن حقوق طالبي اللجوء في غوتيبورغ (جنوب غربي السويد) بيلد كارلسون، نتيجة طبيعية لتحول عملية استقبال طالبي اللجوء وإيوائهم، إلى "صناعة وتجارة يستفيد منها أطراف عديدون"، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" هو وزميلته الحقوقية في منظمة أصدقاء اللاجئين الدنماركية ماريا سكووسكغوورد، التي أرجعت معاناة اللاجئين إلى خصخصة عملية اللجوء بطريقة رأسمالية تجارية بحتة، باشتراك جهات رسمية ما أدي إلى تراجع كبير في أعداد اللاجئين الذين وصل عددهم في السويد إلى 162.877 لاجئ في العام 2015 بحسب كيفن مارهوم مدير مصلحة الهجرة في مقاطعة يافلبورغ التي يوجد بها أكبر مراكز إيواء للاجئين بالسويد، بينما انخفض العدد إلى 28.939 في عام 2016، وفقا لإحصاء موثق عبر موقع وكالة الهجرة السويدية.


معسكرات غير مؤهلة للإيواء

استغل مستثمرون المزارع والمستشفيات المهجورة، والفنادق البسيطة التي تعاني إفلاسا، لإسكان طالبي اللجوء، وقاموا بتكديسهم في أماكن غير مجهزة للإيواء يسمونها "الكامب" أو المخيم والمعسكر، بها عدد قليل من الغرف والحمامات والمطابخ التي تكتظ بالعائلات لطهي الطعام، إذ يخصص المطبخ الواحد لعدد من العائلات وفق ما وثقه معد التحقيق عبر شهادات عشرة من اللاجئين في معسكرات لجوء بالسويد، وتعد هذه واحدة من الطرق التي تتربح من ورائها الشركات الخاصة لإيواء اللاجئين الجدد بحسب اللاجئ الإيراني فرهاد حسيني الذي عمل متطوعا في مركز فيلستاد جنوبي السويد، والذي يقول لـ"العربي الجديد" :"الشركات الخاصة التي تدير المعسكرات لا توفر أقل احتياجات اللاجئين".

وهو ما تؤكده الحقوقية في منظمة "أصدقاء اللاجئين" سكووسكغوورد بالقول: "من هنا يبدأ اللاجئون الغوص في تدبير احتياجات سكنهم من طعام وشراب وأدوات للنظافة الشخصية وأشياء أخرى، يشترونها من موردين مرتبطين بشركات إدارة المعسكرات، فيقعون في عملية نصب واستغلال وتراجع عن الاتفاقيات التي وعدت بها تلك الشركات الخاصة بتحسين معسكرات اللجوء وتقديم الخدمات للاجئين مجانا، واصفة هذا الواقع بـ"المشين"، لأن خصخصة معسكرات الإيواء في السويد، أو حتى في الدنمارك كما تقول، "تنزع الوجه الإنساني لتلك العملية لمصلحة القطاع الخاص الذي لا يهمه سوى الربح".

ويقر القيادي في حزب الوسط السويدي (يمين وسط) ستيفان دانيلسون بوجود أخطاء في مساكن اللجوء، لكنه عاد وقال لـ"العربي الجديد": "من الطبيعي أن تظهر هفوات وأخطاء في بعض المراكز، ولكل إنسان الحق بالتقدم بشكوى إلى مصلحة الهجرة حول قضايا محددة، وليس تنظيف مطبخ، أو سوء استخدام السكن، يجب عدم النظر بسلبية إلى كل شيء، نحن نستقبل 200 ألف إنسان"، مضيفا "بعض الناس كان لديها توقعات أكبر في تصوراتها للإقامة في السويد، ولذا صدرت عنهم شكاوي من هذا النوع".

مقترح دانيلسون بالشكوى إلى مصلحة الهجرة، لجأ إليه وائل حسين المقيم في كامب فالستاد بمنطقة فيسترفيك، بعد أن أضرب عن الطعام بسبب انتشار الأوساخ ونوعية الوجبات المقدمة والتي وصفها لموقع الكومبس السويدي بأنها غير قابلة للأكل لكن مسؤولة الكامب عندما علمت بقرارهم هذا قامت بإتخاذ أجراء استباقي، إذ حطمت بعض أبواب الغرف، واشتكت لدى الهجرة قيام لاجئين بهذا الفعل.


التربح من معاناة اللاجئين

خصخصة إسكان طالبي اللجوء مثلت طوق نجاة لشركات وأصحاب أعمال ممن يملكون فنادق ونزل وعقارات مهجورة إذ تمكنوا من إعادة تشغيلها وفق عقود مع مصلحة الهجرة حصدوا بموجبها أرباحا كثيرة، وخصوصا شركة "جوكارجو" التي تعد أكبر شركة لإسكان طالبي اللجوء وفقا لبيانات صادرة عن مصلحة الهجرة السويدية في فبراير/شباط 2016.

ويمتلك الشركة السياسي السويدي ورجل الأعمال بيرت كارلسون والذي أسس في تسعينيات القرن الماضي حزبا سياسيا باسم الديمقراطية الجديدة جاعلا من تخفيض الهجرة أحد أهم بنود برنامج حزبه، الذي مثله في البرلمان (ريسداغ) في الفترة من عام 1991 وحتى عام 1994.

وحققت الشركة أرباحا صافية في عام 2015 وصلت إلى 195 مليون كرونة سويدية أي ما يعادل 24 مليون دولار أميركي وتتلخص فكرة كارلسون في الإدارة وفقا لمبدأ "أرخص وأفضل الطرق" كما يقول، ولا تعد الأرباح الكبيرة لشركته حالة فردية، إذ لا تقل هوامش أرباح الشركات الأخرى عن 50% و 60 بالمئة، كما هو حال شركة "ديفكون" للتأجير، وشركة إنسانية الشمال Nordic Humanitarian، بينما تراوحت أرباح عشرات الشركات صغيرة الحجم بين 12% و22 بالمئة، وهو ما حول عملية إسكان طالبي اللجوء في السويد والدنمارك إلى وسيلة تربح على حساب حياة كريمة يبحث عنها اللاجئون بحسب الناشط الحقوقي كارلسون، والذي أكد أن التنافس على تقديم مناقصات إسكان وإدارة لمعسكرات اللجوء، بأرخص الأسعار إلى مصلحة الهجرة نجم عنه تدن في مستوى الإيواء والخدمات، وهو ما عانت منه اللاجئة ميرنا عبد الفتاح، المقيمة في كامب Elmia ، الموجود في مقاطعة يونشوبينغ والتي وصفت الوضع بأنه "لا يطاق"، جراء انعدام النظافة، بسبب انتشار حشرات تعتاش على خشب المفروشات وأرضية الغرف.

حوادث عنف في المعسكرات

الاستمرار في بقاء اللاجئين في معسكرات ومراكز الإيواء التي تديرها شركات خاصة أثار الكثير من المشكلات الناتجة عن سوء الإدارة، ومنها تعرض 80 مركز لجوء للحريق منذ العام 2015 وفقا لإحصائية نشرتها القناة الرسمية السويدية "اس في تي"، لكن جيمي أوكسون زعيم حزب ديمقراطيي السويد اليميني المتشدد اتهم في أحاديث تلفزيونية محلية اللاجئين بافتعال الحرائق في معسكرات اللجوء، طالبا من اللاجئين في الوقت ذاته، "الرحيل عن بلده إذا لم يعجبهم العيش فيها".

ولم تخف الشرطة السويدية في وسط وغرب السويد قلقها من تزايد ظاهرة العنف التي بدأت تنتشر في بعض مراكز اللجوء، إذ يستغل البعض الأوضاع هناك لممارسة أعمال إجرامية. وهو ما أكد عليه المتحدث باسم الشرطة كريستر نوردستروم في ذات المنطقة، بعد أن كشفت السلطات السويدية النقاب عن جريمة اغتصاب جماعي لطفل أفغاني لاجئ في الرابعة عشرة من العمر على يد لاجئين يكبرونه سنا في معسكر اللجوء، وأُتهمت السلطات السويدية حينها إدارة ذلك المعسكر بـ"الإهمال"، وعدم الرعاية والانتباه الكامل على القُصّر.


مخصصات كبيرة للاجئين

تكشف بيانات الموازنة السويدية العامة لعام 2016، عن زيادة مخصصات مصلحة الهجرة السويدية لتصل إلى 19.5 مليار كرون (2.39 مليار دولار) بعدما كانت 17 مليار كرون (2.09 مليار دولار) في عام 2015، أي أن نفقات الهجرة في عام زادت بمقدار 11.76% في العام الماضي عن سابقه، فيما خصصت الموازنة العامة مبلغ 21 مليار كرون سويدي (2.58 مليار دولار) لمساعدة البلديات التي تغطي نفقات خطط دمج المهاجرين بزيادة قدرها 31% عن مصروفات عام 2015.

"لكن أين تلك المخصصات الكبيرة؟" هكذا تساءل اللاجئ في معسكر في ماولينغ، وسط السويد، الدكتور محمد ابو عمر القادم من مصر إلى السويد منذ عام ونصف، عانى خلالها من احتياجه للدواء في ظل ظروف معيشية سيئة لا يبدو أنها ستنتهي قريبا كما قال لـ"العربي الجديد" مضيفا "تجري محاولات كثيرة لفض الخلافات الداخلية بين اللاجئين في معسكرات الإيواء ويقوم اللاجئون بمبادرات لتحسين وإصلاح هذه المعسكرات رغم أن الملاك يحتجون أحيانا على إدخال أي تعديل على نزل آيل للسقوط أصلا، لكن يبدو أن تأخير البت في طلبات اللجوء يكون مقصودا لبث اليأس في نفوسنا وسحب طلب اللجوء والعودة من حيث أتيت".

وبالفعل سحب 9500 لاجئ طلبات لجوئهم خلال الأشهر الستة من العام الماضي، وتعيد مصلحة الهجرة التأخير في حصول اللاجئين على الإقامات لأسباب تتعلق بالإعداد والتحقق من الهوية الذي فرضته قوانين السويد الجديدة العام الماضي، فضلا عن مرور طالب اللجوء بمراحل قانونية مختلفة، تصل أحيانا، إلى عبور مراحل تقاض واستئناف في ثلاثة من المدن السويدية: استوكهولم وغوتيبورغ ومالمو، حيث تنتشر أماكن معسكرات إقامة طالبي اللجوء على امتداد الجغرافيا السويدية، بحسب مدير مصلحة الهجرة في يافلبورغ، والذي لفت إلى أن طالب اللجوء لديه خيار الإقامة عند أصدقاء أو أقارب، أثناء دراسة الطلب في حال لم يرد الإقامة في معسكر اللجوء في ظل حاجة كبيرة جداً لتأمين أماكن كافية لإيواء اللاجئين.