معوقات سبيل الحج [1]... مسنون ليبيون يعانون غياب المرافقين

معوقات سبيل الحج [1]...مسنون ليبيون تائهون في مكة ومرضى يعانون غياب المرافقين

17 اغسطس 2018
معاناة كبيرة لحجاج ليبيين كبار السن (مواقع التواصل)
+ الخط -

رفض السبعيني الليبي محمد بن محمود، السفر من طبرق، شرقي البلاد، حيث يعيش، إلى السعودية لأداء مناسك الحج، رغم حصوله على فرصة نادرة كما يصفها، إذ رفضت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية وجود مرافقين للحجيج من كبار السن، بسبب عدم زيادة حصة ليبيا من كوتة الحجيج التي تحددها السعودية والمحددة بسبعة آلاف فرصة في موسم الحج لعام 2018 - 1439.

ويعاني بن محمود من مضاعفات مرضي الضغط والسكر، كذلك يحتاج إلى من يشرح له المناسك ويساعده على أدائها، كما قال لـ"العربي الجديد"، مضيفاً بأسى "لم أسافر رغم أنني كنت أنتظر هذه اللحظة، إذ لم يسبق لي الحج"، وفي المقابل فإن 4200 حاج آخرين من كبار السن، ذهبوا إلى الحج، بدون مرافقين، الأمر الذي تسبب في معاناتهم منذ اللحظة الأولى لبدء السفر وحتى وصولهم إلى السعودية، ومن بينهم السبعيني مصطفى الغيضة، الموجود في مكة وقد تاه فيها ولم يجد من يرشده إلى الفندق حيث يسكن، كما قال لـ"العربي الجديد" عبر اتصال هاتفي أجراه معه معدّ التحقيق، مشيراً إلى أن المشرفين فقدوا السيطرة عليهم، بسب كثرة العدد الموجود.

وسمحت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في حكومة الوفاق الوطني لكبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 78 عاماً، ممن لم يسبق لهم الحج مطلقاً، بالحج هذا العام بدون التسجيل بالقرعة، لكن بدون اصطحاب مرافق، بحسب ما أوضح رئيس الهيئة عباس القاضي لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أن الهيئة اشترطت أن يكون الحاج لائقاً صحياً، لكن جلهم يعاني من أمراض مستعصية ويحتاج إلى رعاية صحية، كما يقول.


معاناة في السعودية

من مطار معيتيقة في العاصمة الليبية طرابلس بدأت معاناة المرضى من الحجاج كبار السن، قبيل مغادرتهم إلى السعودية لأداء مناسك الحج، إذ رصد معد التحقيق عدم قدرة بعضهم على المشي وجلوسه على كراسي متحركة، والبعض الآخر كانوا يعانون خلال سيرهم متكئين على عصي، فيما لم يكن السبعيني إبراهيم علي يعرف أين هو، وكل ما يعرفه أنه سيذهب إلى بيت الله الحرام، ولدى وصول الحجاج إلى مطار جدة الدولي وقعت مشاكل متعلقة بختم الجوازات، بحسب رئيس الهيئة العامة للأوقاف، الذي قال إنه تمت معالجتها من قبل اللجان التي تتابع الحجاج.

وتوفى 5 حجاج، من بينهم ثلاثة من كبار السن، حتى يوم الخميس 16 أغسطس/ آب الجاري، وفق ما كشف المتحدث باسم بعثة الحج الليبية عبد القادر المصري، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، قائلاً: "يوجد 5 حجاج لديهم جلسات غسيل كلى، و15 حالة في المستشفى، لكن أوضاعهم الصحية مستقرة"، مشيراً إلى وجود تجاوزات من قبل اللجان الطبية التي أجازت سفر الحجاج، إذ إن بعضهم وضعه الصحي صعب أو حتى لم يقم بالكشف الطبي، وعلى الرغم من ذلك سافر للحج، وهو ما تؤيّده إفادة نور الدين حسن عريبي، رئيس اللجنة الطبية لبعثة الحج، الذي أكد لـ"العربي الجديد" وجود بعض التجاوزات بشأن الحجاج كبار السن، من بينها معاناة ست حالات مرضية من مرض ألزهايمر والاختلال الذهني، اثنان منهم موجودون في أحد المستشفيات بالسعودية، والعدد الباقي موجود تحت إشراف البعثة الليبية.

ولا ينكر رئيس الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية وجود حالات صحية يرثى لها، لكنه لفت إلى أنه تم تلافي الأخطاء من خلال زيادة عدد أفراد البعثة للحج، مع توفير جميع الخدمات الصحية والدوائية، وهو ما أوضحه نائب رئيس بعثة الحج إيهاب رمضان الفرد، الذي قال لـ"العربي الجديد": "تمت زيادة عدد أفراد اللجان المشرفة على الحجاج من 26 عضواً في السابق، إلى 36 عضواً هذا العام"، مشيراً إلى أن "هذه اللجان تشمل الاستقبال والخدمات والمالية واللجنة الطبية"، الأمر الذي يراه ناجي أبوصلاح، نائب مدير سابق في إدارة الحج والعمرة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، غير كافٍ، قائلاً لـ"العربي الجديد": "من واقع خبرتي في الأعوام السابقة يوجد ضعف في قدرة اللجان المشرفة على خدمة الحجاج، كما رصدت حالات تهاون من بعضهم في سنوات سابقة، فما بالك في حالة كبار السن، ممن يعانون صحياً ولا يستطيعون تمييز الأماكن التي يوجدون فيها والسير بمفردهم، لأن العديد منهم لا يجيد القراءة والكتابة، وهم يعانون صحياً".



60% من الحجيج من كبار السن

بلغت حصة كبار السن من مجمل الحجاج الليبيين 60%، فيما ذهبت نسبة 20.5% من الحصة إلى حجاج القرعة، و15% إلى فئة أهالي الشهداء والمبتورين، و4.5% ذهبت إلى لجان ومنسقي ومشرفي خدمة ومرافقة الحجاج، بحسب إحصائية حصل "العربي الجديد" على نسخة منها، عبر الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في حكومة الوفاق الوطني، التي وزعت قرعة الحج في عام 2018 بين الأقاليم الليبية الثلاثة، طبقاً لتعداد السكان البالغ 7.5 مليون نسمة، وفقاً لبيانات مصلحة الأحوال المدنية.

وتقدم لقرعة الحج هذا العام 350 ألف مواطن، عبر المنظومة الإلكترونية، إذ يحجز كل مواطن ليبي عبر رقمه الوطني والهاتف، بحسب عباس القاضي، الذي أوضح أن حصة إقليم الغرب طرابلس من إجمالي كوتة الحج الليبية بلغت 3834 فرصة، بنسبة 54.77%، وبلغت حصة إقليم الشرق برقة 1135 فرصة، بنسبة 16.2%، وكانت حصة إقليم الجنوب فزان 203 تأشيرات، بنسبة 2.9%.

وتصل تكلفة الحج لليبيين إلى 10 آلاف دولار أميركي للحاج الواحد، الذي يدفع 5000 دينار ليبي للدولة بموجب صك مصدق، وتدفع الدولة عنه بقية هذه القيمة بالسعر الرسمي للدينار الذي يبلغ 1.37 دولار، كما قال القاضي.


المسؤولية مشتركة

حمّلت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين، السعودية "المسؤولية الكاملة عن أي خسائر محتملة في أرواح الحجاج الليبيين من فئة كبار السن أثناء تأديتهم للعبادة بدون مرافقين يساعدونهم"، وأضافت في بيان صحافي نشرته على موقعها الإلكتروني في 7 أغسطس/ آب، أن الحكومة الليبية منعت إرسال مرافقين مع الحجاج، كما أن إدارة الحج في المملكة أخلت مسؤوليتها، تاركة إياهم بدون حل لهم، على الرغم من تغطية الحجاج لرسوم الحج والإقامة في السعودية، وأوعزت الهيئة الدولية التي تعنى برصد ومراقبة سبل وطريقة إدارة المملكة للمشاعر المقدسة في مكة والمدينة، خاصة الحرمين، بما في ذلك المواقع التاريخية الإسلامية في المملكة، إلى "المؤسسات ذات العلاقة وبعثات الحج المختلفة التي وصلت إلى السعودية، بمساعدة الحجاج الليبيين من كبار السن والتواصل مع المؤسسات الراعية للحجيج من الدول الأخرى لإرسال متطوعين محليين أو دوليين لمساعدتهم ومرافقتهم"، وأكدت أنها ستتحمّل جميع التكاليف اللازمة لتغطية نفقات المتطوعين أو المرافقين.

ويؤكد رئيس الهيئة العامة للأوقاف في حكومة الوفاق عباس القاضي أن أهالي الحجاج يعرفون جيداً الحالة الصحية للحجاج كبار السن الذين لم يحصلوا على فرص الحج في الأعوام السابقة، وعلى الرغم من ذلك حدثت تجاوزات، وسافر معظمهم، وهم يعانون من أمراض صحية، محملاً الحجاج وأسرهم مسؤولية اتخاذهم هذا القرار، لكنه يلقي باللائمة أيضاً على اللجان الصحية بشأن الحجاج كبار السن، مشيراً إلى أن من بين الشروط الموضوعة بشأن الحج لكبار السن أن يكون الحاج لائقاً صحياً.

ويعترف عضو اللجان الطبية التابعة لوزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني الدكتور خالد بن عثمان أن العديد من الكشوفات الطبية للحجاج كانت غير لائقة صحياً، ولكن الأهل يتجاهلون هذه النقطة مع عدم الجدية من هيئة الأوقاف بشأن المطالبة بالتقرير الطبي للحاج، ما تسبب في هذا الوضع، لكن رئيس المجلس الأعلى للمصالحة في ليبيا الطاهر البدوي يعتبر عدم توفير مرافقين لكبار السن مراعاة لأوضاعهم الصحية استهتاراً كبيراً، قائلاً لـ"العربي الجديد": "أعرف حالة لسيدة ليبية كبيرة السن موجودة في الفندق لم تذهب إلى مكة مند أربعة أيام للطواف وعندما سألتها عن حالها قالت أنا نائمة في الممر بالفندق".



دعوة للتحقيق

ناشد البيان الصحافي للهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين الهيئات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان العربية والإسلامية بالتدخل لدى الإدارة السعودية للاهتمام بالحجاج الليبيين من فئة كبار السن ممن يفترشون الأرض، ولا يستطيعون أداء مناسك الحج وحدهم، فيما دعا رئيس المجلس الأعلى للمصالحة في ليبيا الطاهر البدوي إلى ضرورة التحقيق في الأمر، قائلاً "المجلس الأعلى دعا مكتب النائب العام لفتح تحقيق فيما يعانيه حجاج كبار السن من الإهمال والتسيب والظروف السيئة في المملكة العربية السعودية".


وتلقّى المجلس الأعلى للمصالحة 75 شكوى من مواطني مختلف المناطق في ليبيا، بضرورة التحرك بسبب معاناة أقاربهم من الحجيج، كون المجلس مؤسسة اجتماعية، ومنتشرة في مختلف أنحاء ليبيا من شرقها وغربها وشمالها، كما أوضح البدوي، قائلاً إن كبار السن ممن لم يحظوا بفرصة للحج كانوا في موقف صعب، إذ إن الفرصة نادرة، لكن ما جرى من فوضى، بسبب عدم وجود مرافقين، يتضرر منه الجميع، وهو ما يؤيّده الثمانيني علي الحسناوي؛، القاطن في مدينة سبها جنوب شرقي البلاد، إذ يعاني من ضعف النظر والنسيان، وكان يأمل أن يحظى بفرصة للحج للمرة الأولى في حياته، لكنه بعد أن عرف بما جرى لأقرانه يحمد الله أنه لم يثقل على نفسه ولا على غيره.