استخفاف بأرواح جيش مصر الأبيض... عُزّل في مواجهة كورونا

استخفاف بأرواح جيش مصر الأبيض... عُزّل في مواجهة كورونا

24 ابريل 2020
إصابات الكوادر الطبية بكورونا في مصر مرشحة للتزايد (Getty)
+ الخط -
أصيب الممرض في المعهد القومي للأورام بالقاهرة محمد عبدالفتاح، بفيروس كورونا (كوفيد – 19)، بسبب عدم تزويد أفراد الطاقم الطبي بوسائل الحماية الفاعلة، في الوقت الذي يتعاملون فيه مع مئات المرضى يومياً.

وتبينت إصابة عبد الفتاح بالفيروس عقب ثبوت إصابة زميل آخر له يعمل معه في المعهد، ما دفع الإدارة إلى إجراء الفحص لجميع المخالطين له، وبالرغم من أن عبد الفتاح كان قد شعر بأعراض المرض في وقت سابق أثناء إشرافه على فتاة مصابة بورم، لكن إدارة المعهد رفضت إخضاعه للفحص، بسبب ارتفاع ثمنه، وفق ما يقول، بينما يوضح المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية خالد مجاهد، أن قيمة الفحص تبلغ 1050 جنيهاً، أي ما يعادل 66.65 دولاراً أميركياً.

وبلغ عدد المصابين بفيروس كورونا من أعضاء الفريق الطبي في معهد الأورام 17 حالة، كما يوضح الدكتور حاتم أبو القاسم، مدير المعهد الذي عُزل من منصبه بعد تسجيل هذه الإصابات، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن الإصابات بكورونا انتقلت لأعضاء الفريق الطبي عن طريق ممرض ظهرت عليه أعراض الفيروس، وبعد عزله وإجراء الفحص له ثبتت إصابته، وكان قد التقط العدوى جراء عمله في مستشفى السلام بالجيزة، والذي سجلت فيه إصابات بالفيروس، وبعد ذلك خضع نحو 40 مخالطاً له داخل المعهد للفحص، وتبينت إصابة 9 منهم، ليصبح العدد الإجمالي للمصابين 3 أطباء و14 ممرضا وممرضة من العاملين في معهد الأورام. وفقاً لتوضيح أبو القاسم.



العدد مرشح للزيادة

يرجع أبو القاسم السبب في تفشي الفيروس بين الأطباء والممرضين إلى عدم التزامهم بإجراءات الحماية اللازمة أثناء فترات الراحة، معتبراً أنه لم يقصر في واجبه بل اتخذ عدداً من الإجراءات لدى تسجيل إصابات بالفيروس داخل المعهد، منها تقليل أعداد العمليات ومنع أقارب المرضى من الدخول، وعزل الحالات المصابة وإجراء الفحوصات للمخالطين. على حدّ قوله، بينما يؤكد الممرض عبد الفتاح أن المعهد يعاني من نقص حادّ في مستلزمات الوقاية، ما عرّض الطاقم الطبي للإصابة بالفيروس، وهو ما حذرت منه زميلته الطبيبة بالمعهد ماغي موسى والتي طالبت بتوفير أدوات حماية للعاملين حتى قبل تسجيل إصابات بينهم، كونهم يخالطون مئات المراجعين يومياً، ويمكن أن ينقل أحدهم العدوى للأطباء أو الممرضين إن كان مصاباً، واصفة حياتهم بالقول: "نعيش بين نارين فحياتنا وحياة عائلاتنا معرضة للخطر بسبب نقص وسائل الحماية، وكأن وزارة الصحة عاوزانا نموت".

ويعمل 190 ألف طبيب وطبيبة في مصر، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2018، ويقف هؤلاء على الخط الأول لجبهة مواجهة خطر الإصابة بالفيروس المتفشي، إذ لم يقتصر تسجيل الإصابات بالفيروس على أفراد الطاقم الطبي في معهد الأورام، بل أدى نقص الكمامات والقفازات والمواد المعقمة في المشافي والمرافق الصحية إلى إصابة 45 طبيباً في مصر، ووفاة 3 منهم حتى الخامس عشر من إبريل/نيسان بحسب بيانات نقابة الأطباء المصريين لكن الرقم ارتفع، وظهرت حالات جديدة منها إصابة عميد كلية طب الفم والأسنان بالفيروس والتي كشف عنها الدكتور محمود علم الدين المتحدث الرسمى باسم جامعة القاهرة،  30 أبريل مشيراً إلى أنه تم اكتشاف إصابة العميد بعد ظهور أعراض المرض عليه وإجراء تحليل أثبت إيجابية المسحة الخاصة به.

بينما تقول نقيبة التمريض كوثر محمود لـ"العربي الجديد" إنها رصدت 19 إصابة بفيروس كورونا بين الممرضين والممرضات، فيما أكد عضو النقابة والمتحدث السابق باسمها الدكتور هشام مبروك أن عدد المصابين وصل إلى 40 ممرضاً وممرضة، حتى منتصف إبريل، يتوزعون على مستشفيات حكومية، منها شبرا العام والمبرة في القاهرة، ومستشفى الزهور بمحافظة بورسعيد، فضلا عن المعهد القومي للقلب والمعهد القومي للأورام ومستشفى المنصورة الجامعي، لافتا إلى أن هناك 300 ألف ممرض وممرضة في مصر، بينهم 220 ألفاً يعملون في القطاع الحكومي. 

وبسبب ظهور حالات مصابة بين الكادر الطبي في مستشفى المنصورة للتأمين الصحي، بالدقهلية في دلتا مصر، أضرب عدد من الممرضات عن العمل في نهاية أبريل/نيسان الماضي، اعتراضًا على عدم أخذ مسحات منهن بعد ظهور 5 إصابات بالفيروس بين أطباء قسم عناية القلب، والذين تم نقلهم لمستشفى العزل.

أما المسعفين فقد وصل عدد حالات الإصابة بينهم إلى 19 مريضا حتى نهاية أبريل/نيسان، على مستوى الجمهورية من بين 2200 مسعف وسائق يعملون في نقل الحالات المشتبه في إصابتها بالمرض، بالإضافة إلى وجود عشرة إصابات بين ذويهم، وفق ما جاء في تصريحات صحافية لنقيب المسعفين، وائل سعفان.


"كمامة وزارة الصحة لا تقي"

لا تقي الكمامة العادية التي توفرها وزارة الصحة للأطباء والممرضين من الفيروسات، كما يقول الطبيب في مستشفى المنيرة بالقاهرة أحمد نادر، مؤكداً أن الوزارة ترفض تزويدهم بكمامة (N95) ومستلزمات الوقاية الأخرى، لارتفاع ثمنها، ما أدّى إلى إصابة أحد الأطباء العاملين في المستشفى بكورونا، وفقاً لنادر، معتبراً أن عدم توفير مستلزمات الوقاية للكوادر الطبية "استخفاف من الوزارة بأرواح الأطباء والممرضين ويعرضهم للخطر".

وتوقعت نقابة الأطباء أن يتزايد عدد المصابين، مؤكدة في بيانها الصادر في 11 إبريل على ضرورة توفير مستلزمات الوقاية في جميع المنشآت الطبية، والتشديد على استخدامها، مع ضرورة سرعة عمل المسحات اللازمة للمخالطين تطبيقا للبروتوكولات العالمية.

وأرسلت مخاطبات عديدة لوزارة الصحة منذ مارس/آذار المنصرم، لتوفير مواد الحماية اللازمة، لكن دون جدوى، وفق ما قاله الدكتور إيهاب الطاهر أمين عام نقابة الأطباء، مضيفا أن "المنظومة الطبية كلها في مصر تواجه تحدّياً كبيراً في حربها ضد وباء كورونا، وخاصة الفريق الطبي في مستشفيات العزل، فمنهم من لم يرَ أهله منذ أسابيع طويلة، ومنهم من أصيب بالعدوى ويرقد في العناية المركزة"، محذراً من تحول الأطباء والممرضين إلى مصدر للعدوى بسبب الوضع الراهن.


نقابة الأطباء تستنجد بالإنتاج الحربي

في 31 مارس 2020، أرسلت النقابة العامة للأطباء خطابا موجهاً إلى كل من وزير الإنتاج الحربي اللواء محمد العصار، ومدير مصنع 18 للإنتاج الحربي، ومدير مصنع 81 للإنتاج الحربي، يؤكد نقص مستلزمات الوقاية الشخصية من العدوى في المؤسسات الطبية، وتطلب النقابة فيه التعاون معهم لشراء كمية من أقنعة الوجه والفم "الكمامات"، والمطهرات للمنشآت الطبية.

وتتلقى النقابة شكاوى كثيرة تتعلق بنقص أدوات الوقاية التي يزوَّد بها أفراد الرعاية الصحية، وصعوبة إجراء اختبارات للطواقم الطبية المخالطين لمصابي فيروس كورونا بعدد كبير من المستشفيات، وفق ما أكدته الدكتورة منى مينا، عضو مجلس نقابة الأطباء في تصريحات صحافية، وهو ما يتفق مع يوضحه محمد إسماعيل عبده، رئيس الشعبة العامة لتجارة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية في القاهرة، والذي لفت إلى أن مصر تشهد نقصاً في مستلزمات الوقاية الطبية، من الكمامات والقفازات والمطهرات ومعقمات اليدين، بسبب ضعف الإنتاج المحلي لهذه السلع، إذ كانت تعتمد على استيرادها بشكل أساسي من الصين، لكن بعد توقف التصدير عقب انتشار فيروس كورنا بداية يناير/كانون الثاني 2020، تفاقمت الأزمة بينما يزداد الطلب على تلك المواد يوماً بعد آخر بسبب الفيروس المتفشي.

ويتابع عبده، أن زيادة الإقبال على هذه المستلزمات أسهمت في خلق سوق سوداء لبيعها والمغالاة في الأسعار، دون الاهتمام بمدى مطابقتها للمواصفات العالمية.

مطالبة بالحماية ورفع بدل العدوى

أقرّ قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة والسكان المصرية في السادس من إبريل  6 إجراءات جديدة يجب أن تتبعها المستشفيات في إطار مواجهة فيروس كورونا، وخاصة بعد تسجيل عدد من الإصابات بين أفراد الطاقم الطبي في معهد الأورام.

وتتضمن الإجراءات تخصيص ممر خاص بالمستشفى لدخول الحالات المشتبه بإصابتها بأعراض تنفسية، وإجراء فحص يومي للعاملين بالمستشفيات عند المدخل المخصص لهم، قبل التوقيع في دفتر الحضور، ووجوب التأكد من توافر جميع الأدوات الوقائية واللازمة لتعامل الفرق الطبية مع أي حالات مصابة أو مشتبه في إصابتها كما يوضح علاء عيد، رئيس قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة والسكان المصرية، مشيرا إلى أن القرار شدد على عدم السماح لأي مقدم خدمة طبية بالتعامل مع المرضى إلا بعد التأكد من ارتداء الأدوات الوقائية الشخصية، وتخصيص مراقب من فريق العدوى بالمستشفى للتأكد من التزام الفريق الطبي بسياسة ارتداء ونزع الأدوات الشخصية، وإبلاغ مدير المستشفى حول أي تجاوزات بشأن عدم تطبيق تلك السياسة.



وفي حال قيام أي فرد من أفراد الفريق الطبي بخرق العزل الصحي المنزلي إن اشتبه في إصابته، وثبت أنه يزاول عمله في منشأة خاصة خلال فترة العزل المحددة بـ 14 يوماً، يكون قد ارتكب مخالفة ويجب أن يحاسب قانونياً وفق المواد 1 و16 و26 من القانون رقم 137 لسنة 1958 بشأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية بالإقليم المصري، كما يقول عيد، وتطبق عليه العقوبات الجنائية بموجب القانون رقم 137 والمعدل بقرار وزير الصحة والسكان رقم 145 لسنة 2002، كما قررت وزيرة الصحة والسكان الدكتورة هالة زايد إدراج مرض كوفيد-19 الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد ضمن الأمراض المعدية في القرار الصادر في 1 إبريل الجاري.

خطورة الوضع السابق دفعت ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر جون جبور، إلى التحذير من أن في تصريحات صحافية أدلى بها في 13 أبريل، من أن 13 % من الإصابات بالفيروس هم من العاملين بالمجال الصحي، وحث السلطات المصرية على حماية الكوادر الطبية. قائلا إن :"المنظمة قدمت الدعم التقني لمصر في العديد من المجالات لمواجهة الجائحة، مضيفاً أن مصر كانت من أوائل البلدان التي استلمت الكواشف المخبرية لكوفيد-19 في إقليم شرق المتوسط".

ونشرت منظمة الصحة العالمية على موقعها الإلكتروني توصيات تتعلق بمكافحة فيروس كورونا، مؤكدة أنه ينبغي لجميع الأفراد الذين يتعاملون مع شراشف وفوط وملابس المرضى المصابين بعدوى كورونا القيام بارتداء معدات الحماية الشخصية المناسبة التي تشمل: القفازات المتينة والكمامات وحماية العينين (واقي الوجه/النظارات الواقية) وثيابا طبية بأكمام طويلة ومراييل (إذا لم تكن الثياب مقاومة للبلل)، وأحذية طويلة ومغلقة، قبل لمس أي أغطية وملابس متسخة، والحذر من حمل الملابس المتسخة قريباً من الجسم، ووضعها في حاوية مانعة للتسرب ومميزة بوضوح.

وعلى الرغم من الأخطار السابقة لا يزال الأطباء المصريون يطالبون بتنفيذ حكم القضاء برفع قيمة بدل العدوى، إذ يقول الدكتور محمد منسي نقيب الأطباء بالبحيرة إن الحكم صدر برفع قيمة البدل إلى 1000 جنيه (63.49 دولاراً) بدلا من قيمته الحالية 19 جنيها (1.21 دولاراً)، استناداً للحكم القضائي في القضية رقم 44987 الذي صدر لصالح الأطباء، إذ قضت الدائرة الخامسة عشرة في مجلس الدولة، في الرابع من يونيو/حزيران عام 2016، بأحقية الأطباء في تنفيذ حكم بدل العدوى الصادر في 28 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، وبناء على ذلك، تصبح وزارة الصحة ملزمة بتنفيذ هذه الأحكام القضائية، معتبراً أن الحكم ببدل العدوى للأطباء واجب النفاذ خاصة في ظل هذه المخاطر التي يخوضونها في مواجهة فيروس كورونا. مؤكدا أن الأطباء لا يسعون للأموال فهي في النهاية "مهنة إنسانية، لكن استمرار هذه الأوضاع الصعبة سيدفع المزيد من الأطباء لرفض التكليف ومغادرة مصر أو الهجرة منها، ولن يبقى لدينا أطباء".