العمالة الوافدة بالأردن… اتجار بالبشر وحياة مزرية بالمناطق الصناعية

العمالة الوافدة بالأردن… اتجار بالبشر وحياة مزرية بالمناطق الصناعية

عمّان

أنصار أبوفارة

avata
أنصار أبوفارة
07 نوفمبر 2016
+ الخط -
لم يحتمل العامل الهندي شيران، الاعتداءات المتكررة من مدير مصنع الملابس الذي يعمل به في مدينة الحسن الصناعية (شمال عمان)، ما دفعه إلى تقديم شكوى موثقة بآثار الضرب البادية على جسده، إلى النقابة العامة للعاملين في الغزل والنسيج والألبسة، بعد أن تغاضى كثيرا عن الشتائم المتكررة من مديره ومشرفي المصنع "الكريه"، كما يصفه، خوفا من ترحيله إلى بلده وفقدان عمله وراتبه المتأخر منذ ثلاثة أشهر.

لا تعد معاناة العشريني شيران حالة فردية، إذ تؤكد النقابة تلقيها 21 شكوى جماعية خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2016، تخص 3080 عاملاً وعاملة، تعرضوا لاحتجاز جوازات سفرهم، وتأخير استلامهم للرواتب أو الامتناع عن دفعها، بالإضافة إلى الاختلاف على آلية احتساب ساعات العمل الإضافية، وغيرها من الشكاوى، بحسب تقرير صادر في أغسطس/آب الماضي عن المرصد العمالي الأردني ومركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت.

وبحسب التقارير الدورية للنقابة، فقد نظم العمال في المدن الصناعية المؤهلة خمسة إضرابات خلال ذات الفترة، شارك فيها 1377 عاملا وعاملة، ليكون مجموع أيام الإضراب التي توقف فيها العمال عن العمل 44 يوما، وكانت أعلى نسبة للإضرابات في مصانع منطقة الضليل الصناعية، ويليها منطقة الحسن، ثم منطقة تجمعات سحاب، بينما تم تنظيم 17 إضرابا في العام 2105 شارك فيها 9154 عاملا وعاملة وبلغ عدد أيام التوقف عن العمل 73 يوما في حين تسلمت النقابة 30 شكوى جماعية تخص 1186 عاملا وعاملة.

وشهد العام 2014 تنظيم 13 إضرابا شارك فيها 7367 عاملا وعاملة ووصل عدد أيام التوقف عن العمل إلى 32 يوما وتسلمت النقابة 57 قضية جماعية تخص 2949 عاملا وعاملة، وفي العام 2013 نظم العمال 19 إضرابا شارك فيها 10.151 عاملا وعاملة، ووصل عدد أيام التوقف عن العمل إلى 64 يوما، بحسب ذات المصدر، كما تقدم 351 عاملا وعاملة، في النصف الأول من عام 2016، بشكوى جماعية إلى مركز تمكين للدعم والمساندة (منظمة أردنية لحماية حقوق العمال) وفقا لإحصائية موثقة حصلت عليها "العربي الجديد" من المركز.


انتهاكات جسيمة

يكشف هذا التحقيق الاستقصائي عن الانتهاكات بحق العمالة الوافدة من بنغلادش والهند في 5 من المناطق الصناعية الأردنية المؤهلة، التي أسست بعد تشريع من الكونغرس الأميركي تم سنه عام 1996، يسمح للأردن بتصدير منتجات إلى الولايات المتحدة معفاة من الجمارك ودون حصص محددة بشرط وجود مكونات ومدخلات من "إسرائيل" في هذه المنتجات.

ويجابه العمال في تلك المناطق انتهاكات جسيمة تفقدهم حقوقهم الإنسانية والعمالية، "وعلى الرغم من ذلك، يحتملون كل ما يتعرضون له، من معاملة سيئة، وإنهاك جسدي نتيجة العمل لساعات طويلة تتراوح بين 12 و16 ساعة، في سبيل الحصول على عائد يوفر احتياجات عوائلهم المعدمة"، كما تؤكد ليندا كلش مديرة مركز تمكين، والتي أوضحت لـ"العربي الجديد": "أن تأخير تسليم رواتب العمال شهراً أو شهرين، أو حتى أسابيع، يضاعف من معاناتهم"، وهو ما تكرر في كثير من المصانع، وفقاً لما يوثقه التحقيق.

وتنقسم المناطق الصناعية في الأردن، إلى 3 مدن تدار من قبل الدولة، و10 خاصة، وفقا لبيانات غرفة صناعة عمان، وتهيمن مصانع الألبسة على المناطق الصناعية، إذ بلغت قيمة صادراتها عام 2015 مليارا ونصف المليار دولار من قيمة الصادرات الكلية للأردن، وفقاً لبيانات وزارة الصناعة والتجارة الأردنية.



حياة لاآدمية

يعمل في المناطق الصناعية المؤهلة، 62.191 عاملا وعاملة، عدد الأردنيين بينهم 16.599، منهم 12.427 عاملة و4.172 عاملا، فيما يبلغ عدد الإناث غير الأردنيات 32.428، وغير الأردنيين 13.164 عاملا، أي أن الوافدين يشكلون 73% من العاملين في مصانع الغزل والنسيج بمناطق الأردن الصناعية المؤهلة، بحسب إحصائية صادرة عن نقابة العاملين في الغزل والنسيج في عام 2016.

وكشفت جولات ميدانية موثقة قامت بها معدة التحقيق على مدار شهرين، أن بعض الشركات المشغلة تخالف القانون الأردني، إذ توفر مساكن غير لائقة ولا تتوفر فيها شروط السلامة الصحية، وهو ما يبدو في تكدس ما بين 7 إلى 8 عمال أو عاملات في غرف صغيرة معدومة التهوية، تغزوها الحشرات، وتتحول إلى مطبخ تارة، وغرفة غسيل تارة أخرى، كما تكون المبيت والمتنفس الوحيد عقب يوم عمل شاق وطويل، غير أن تلك الغرف تعد عرضة للحريق نتيجة إهمال الصيانة الدورية، واستخدام الغاز لتحضير الطعام داخل الغرفة أو في رواق صغير ملاصق، إلى جانب استخدام المدفأة داخل الغرفة المكتظة في فصل الشتاء، كما رصدت معدة التحقيق، وهو ما يتطابق مع تقارير مديرية صحة البيئة التابعة لوزارة الصحة، الصادرة في بداية العام 2016، استناداً إلى كشوف برامج الرقابة الدورية التي تنفذها.


الإضرابات الجماعية

اعتادت العاملة البنغلادشية سيتا، الصمت كلما تعرضت لاعتداء بالضرب من قبل مدير المصنع الذي تعمل فيه بحجة قلة إنجازها في العمل، خوفا من الترحيل إلى بلدها الذي خرجت منه بحثا عن حياة كريمة لطفلتها، وبسبب جهلها بحقوقها وبالمؤسسات المهتمة بالدفاع عنها وعن زملائها، عدا عن عدم تمكنها من الحديث باللغة العربية، تكررت الاعتداءات، وفي آخر مرة وصلت إلى السب والركل انتهاء بفصلها من العمل، وتقديم بلاغ أمني ضدها بهدف ترحيلها، بعد مطالبتها وأخريات برواتبهنّ وحقوقهنّ، الأمر الذي دفعها مع زملائها من العمال بذات الشركة (التي تتحفظ العربي الجديد على اسمها) إلى تنظيم إضراب جماعي فضح المستور، وكشف عن حقوق ضائعة، وأوضاع صحية غير آدمية، ووفقا لما وثقته معدة التحقيق من خلال تتبع 7 شركات ألبسة تشغل 1206 عمال في 5 مناطق صناعية، فإن أسباب الإضرابات يمكن حصرها في العمل لساعات طويلة، وتأخير الرواتب والتلكؤ في استصدار تصاريح العمل وأذونات الإقامة، واحتجاز جوازات سفر العمال والعاملات، والاعتداءات اللفظية والجسدية، وتردي مكان المعيشة.

وتشكل الإناث الوافدات نسبة 71% من إجمالي القوة العاملة في مصانع الألبسة، وفقا لإحصاء نقابة الغزل والنسيج، ويعانين من سيل من المخاوف والقلق من تعرضهن للإهانة أو التحرش وعدم احترام خصوصيتهن. وبحسب ما أكدته عاملة في منطقة الحسن الصناعية، (رفضت ذكر اسمها خوفا من مديرها)، فإن مدير الإنتاج في المصنع (الذي تتحفظ العربي الجديد على اسمه)، اعتاد اقتحام حمام الإناث من غير سابق إنذار، تحت ذريعة تأخرهنّ على العمل! وهو ما يطابقه ما جاء في تقرير المرصد العمالي الأردني ومركز الفينيق، إذ أشارت عاملات إلى تعرضهن لاعتداءات جنسية، وصلت في بعض الحالات إلى الاغتصاب.

ومن ناحية أخرى، يجبر العاملون على العمل ساعات طويلة تتراوح بين 12 و16 ساعة متواصلة يحصلون خلالها على استراحة غذاء وأخرى لدقائق معدودة، مقابل أجر لا يتعدى 110 دنانير أردنية ( 155 دولاراً شهرياً)، وهو الحد الأدنى لأجور العمال الأجانب في شركات الألبسة وفقا لقانون العمل الأردني، إذ استثنى قرار وزارة العمل المتعلق برفع الحد الأدنى للأجور إلى 190 دينارا بدلا من 150 دينارا شهريا العاملين في قطاع الغزل والنسيج، وعمال المنازل، والطهاة، ومن في حكمهم، ويخضع هذا الراتب لاقتطاعات الضمان الاجتماعي، وبدل السكن، في بعض الشركات، حيث قد تصل قيمة هذه الاقتطاعات إلى 30 دينارا أردنيا شهريا، وفي العديد من عقود العمل لا تتم الإشارة إلى التأمين الصحي، ويستخدم مصطلح الرعاية الصحية بدلا منه، بحسب المرصد العمالي الأردني.



الاتجار بالبشر

استناداً لما وثقته "العربي الجديد" من خلال مقابلة 50 عاملاً وعاملة، فإنهم يعانون من احتجاز جوازت سفرهم، وتأخير إصدار تصاريح عمل لهم مما يجعلهم عرضة للتوقيف الأمني والإبعاد، وخسارة حقوقهم المالية في حال وقوع أي خلاف مع مديري المصانع، كما يحول عدم استصدار تصاريح العمل دون حصولهم على إذن الإقامة، مما يغرم العامل دينارا ونصف (دولارين) عن كل يوم تأخير، أي ما يعادل (550 ديناراً سنوياً وهو ما يوازي 763 دولارا) يتوجب عليه دفعها قبل مغادرة الأردن، وبذلك يحمله القانون عقوبة الإخلال بالتزام يقع أصلا على عاتق صاحب العمل، ويتطابق ما رصدته معدة التحقيق، مع ما جاء في تقرير "العاملون في المناطق الصناعية المؤهلة.. دائرة الانتهاكات على حالها" الصادر عن المرصد العمالي ومركز الفينيق، والذي أضاف انتهاكات "تشغيل العمال والعاملات ساعات طويلة مع احتساب الإضافي بطريقة تمنحهم أجرا أقل من حقهم القانوني وتعريضهم للانتهاكات التي تصل إلى حد الاعتداء الجسدي وأحيانا الجنسي".

وتنص المادة 59 من قانون العمال الأرني على أنه يجوز تشغيل العامل بموافقتة أكثر من ساعات العمل اليومية او الاسبوعية على أن يتقاضى العامل عن ساعة العمل الاضافية أجراً لا يقل عن 125% من أجره المعتاد، كما أنه إذا اشتغل العامل في يوم عطلته الأسبوعية أو أيام الأعياد الدينية أو العطل الرسمية يتقاضى لقاء عمله عن ذلك اليوم أجراً إضافياً لا يقل عن (150%) من أجره المعتاد.
وتكشف إحصائيات وحدة مكافحة الاتجار بالبشر التابعة لمديرية الأمن العام الأردنية، أنها تلقت خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، 7 حالات بها شبهة اتجار بالبشر، تم تكييف 3 منها قانونيا ضمن قضايا الاتجار بالبشر من قبل المدعي العام، ومن بين تلك الحالات، ما وقع لـ119 عاملا وعاملة يعملون في مصنع بمدينة الحسن الثاني الصناعية، لم يستلموا أجورهم لمدى شهرين، كما أن 40 منهم جوازات سفرهم محجوزة لدى الشركة، وهو ما يعد مخالفة لنص المادة 23/2 من قانون جوازات السفر رقم 2 لسنة 1969 وتعديلاته لسنة 2013 والتي تنص على الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات أو بغرامة لا تقل عن خسمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار أو بكلتا العقوبتين لكل من وجد في حيازته جواز سفر أو وثيقة سفر بصورة غير مشروعة".

وبحسب بيانات مركز "تمكين"، فقد احتجزت إدارة أحد المصانع جوازات سفر 80 عاملة من بنغلادش في مطلع العام الحالي، بحجة إتمام معاملاتهنّ، لكنهنّ بقين بلا تصاريح عمل أو إذن إقامة عدة أشهر، ما يدلل على وجود نوايا لحجز حرية العاملات وإبقائهن تحت سيطرة الشركة، وفقا للمركز، وهو ما دفع المحامي العمالي أحمد مطالقة، إلى تصنيف تلك الاعتداءات على أنها ضمن "الاتجار بالبشر".

ومن خلال البحث والتقصي، فإن حجز جوازات السفر يتم عبر إحدى طريقتين، إما بالتحايل على العمال بدفعهم لتوقيع إقرار، لا يدركون فحواه، يجيز لصاحب العمل الاحتفاظ بالجوازات خوفاً من ضياعها، أو سحبها بذريعة استصدار التصاريح والمماطلة في ردها إلى العمال.

وعلى الرغم من إصدار قانون مكافحة الاتجار بالبشر الأردني عام 2009، "إلا أن القضاء مازال يتعامل مع غالبية الانتهاكات بحق العمال الوافدين على أنها قضايا عمالية"، وفقاً لتقرير حقوق الإنسان حول العالم الصادر عن منظمة هيومان رايتس واتش في العام 2016، "الأمر الذي أدى إلى إفلات المتورطين في تلك الانتهاكات"، بحسب المحامي مطالقة، الذي أوضح لـ "العربي الجديد" أن المتورط في انتهاك قانون العمل قد يرتكب أكثر من جريمة تبدأ بالإهانة اللفظية وما تنضوي عليه من سبّ وتحقير، مرورا بتهديد العامل، وربما يصل الحال إلى ضربه أو إيذائه، علاوة على تأخير الرواتب لشهور متتالية، انتهاء بتحقق كافة شروط جريمة الاتجار بالبشر، لكن غالباً ما تعترض مشكلة نقص الأدلة القانونية هذه القضايا، كون العامل تحت سيطرة صاحب العمل بصورة كاملة، مكانياً وزمانياً، وهو ما يؤدي إلى تصنيف المدعي العام للقضية على أنها عمالية تجنباً للدخول في حيز عدم توفر القرائن القانونية الداعمة للقضية.

على الرغم من ذلك فإن مصدراً مطلعاً في وحدة مكافحة الاتجار بالبشر أكد لـ"العربي الجديد"، أنهم ينفذون زيارات تفتيشية على المصانع لرصد أي مؤشرات على حجز جوازات السفر، أو حرمان العمال من حريتهم، او انتهاكات القانون المنظم لسكن العمال أو وقوع اعتداء، وفي حال اجتمع أكثر من مؤشر تحال القضية إلى المدّعي العام نظراً لتحقق أركان جريمة الاتجار بالبشر.

في عام 2016 أحال مركز تمكين 6 قضايا إلى وحدة مكافحة الاتجار بالبشر بعد تحقيق ميداني خلص إلى وجود مؤشرات تحقق الجريمة، أهمها احتجاز جوازات السفر، وتعرض العمال للضرب والشتم، والامتناع عن دفع الأجور لأشهر متتالية، وحرمانهم من الإجازات السنوية والمرضية، لكن قضية واحدة من بين تلك القضايا الست، تم تكييفها على أنها اتجار بالبشر وما تزال منظورة أمام القضاء، فيما اعتبرت الأخرى قضايا عمالية.

ويجبر تأخير الرواتب وتردي المعيشة والمعاملة السيئة ْالعمال على التسليم بالأمر الواقع، كما يؤكد رئيس النقابة العامة للعاملين بالغزل والنسيج فتح الله العمراني، والذي تابع موضحا أن "افتقار العمال إلى الوعي بحقوقهم يزيد من معاناتهم، ويسمح ترددهم في تقديم شكوى بتمادي أصحاب العمل في استغلالهم".

"وتستغرق القضايا العمالية أشهرا طويلة، لا يستطيع العامل خلالها التوقف عن عمله والاستغناء عن الراتب الذي تعتاش أسرته عليه، وقد يصل بهم الحال إلى فقدان تصريح العمل خلال مرحلة النظر بالقضية، ما يضطرهم إلى العودة إلى بلادهم بعد خسارة مصدر رزقهم"، لكن خيار البقاء في العمل والصبر على الانتهاكات أثناء اتخاذ الإجراءات القانونية يجعلهم عرضة لسوء معاملة إضافية على يد صاحب العمل"، وفقاً للناشطة الحقوقية كلش.



مخالفة شروط المساكن العمالية

تختص وزارة الصحة، بالتفتيش البيئي على مساكن العمال، في حال وردت شكوى حول أحد هذه المساكن الجماعية، أو مخاطبات وتقارير من المركز الوطني لحقوق الإنسان، وفقاً لمدير دائرة صحة البيئة صلاح الحياري.

وتشمل المادة رقم (49) من قانون الصحة العامة رقم (47) لعام 2008، تعليمات منع حدوث المكاره الصحية الناجمة عن الوحدات السكنية للتجمعات العمالية، وحددت المادة الشروط العامة للمساكن في "توجب إبعادها عن مصادر الضجيج، وتخصيص أماكن مستقلة لغايات النوم والجلوس وطهي الطعام وتناوله في كل وحدة سكنية، كما يشترط توفير مساحة لا تقل عن 3.5 أمتار مربعة لكل عامل أو عاملة في مكان النوم، وتأمين سرير وخزانة ملائمين لكل فرد، وتزويد الغرف بوسائل تهوية وإضاءة وتدفئة آمنة، مع توفير وسائل الوقاية من الحريق، ويمنع منعاً باتاً الطبخ داخل غرف النوم".

وبناء على هذه التعليمات فقد أنيطت مهمة التفتيش على المساكن العمالية بمديريات صحة البيئة في المحافظات، بحيث يتم تسليم أصحاب الشركات بعد الكشف إشعاراً بالنواقص الصحية، وتحدد مهلة زمنية لتصويب الوضع.

وخلصت نتائج تفتيش دائرة صحة البيئة في وزارة الصحة إلى وجود ثلاث مجموعات من مساكن العمال؛ الأولى تتوافر فيها غالبية المتطلبات الواردة في التعليمات، والثانية فيها عدد لا بأس به من النواقص، ويتم إبلاغها خطياً بها لتصويبها خلال مهلة زمنية محددة.
وتفتقر المجموعة الثالثة التي تتركز في مدينة الحسن الصناعية، إلى أدنى المتطلبات الواردة في التعليمات، ووفقا لنتائج التفتيش التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن أكثر المخالفات المتكررة هي الاكتظاظ في مكان المعيشة، وطهي الطعام داخل الأماكن المخصصة للنوم، وعدم توفر مكان لتناول الطعام، وتكاثر الحشرات والقوارض خاصة في المطابخ، واستخدام تمديدات ووصلات كهربائية غير آمنة، وعدم توفر تهوية وإضاءة مناسبتين، وعدم توفر مياه ساخنة في المرافق الصحية، وعدم توفر أنظمة تدفئة، وتخزين واستخدام إسطوانات الغاز الصغيرة للطبخ والتدفئة في أماكن النوم، ووجود تشققات في الجدران، وعدم توفير حاويات نفايات منزلية، بالإضافة إلى سلبيات أخرى كثيرة يعاني منها العمال الوافدون على وجه التحديد، بحسب الحياري مدير صحة البيئة.

وسجلت مديرية صحة البيئة خلال النصف الأول من عام 2016 مخالفتين بحق مصنعي ألبسة، خلال جولة تفتيشية نفذتها بناء على تحقيقات قام بها فريق من المركز الوطني لحقوق الإنسان، شملت 3 مساكن عمالية. وتعزو المديرية عدم قدرتها على كشف جميع المخالفات، إلى أن بعض الشركات التي توفر مساكن للعمال، لا تقوم بالإفصاح عن أماكنها، لذا لا تتم زيارتها من قبل مفتشي الصحة.

ويؤكد العمال أن أغلب السكنات العمالية، لا ترقى لتكون مكانا يعيش فيه البشر، إذ لا يتم عمل أي نوع من الصيانة لها، كما أن الحمامات شديدة السوء، فضلا عن عدم توفر ماء نظيف، كما أن بعض المصانع تمنع العاملات من مغادرة السكن بعد انتهاء دوامهن الرسمي في المصنع وهو ما يعد احتجازا لحريتهن بحسب تقرير المرصد العمالي ومركز الفينيق.

انتهاكات في شركات مدرجة بالقائمة الذهبية

يقدر عدد مفتشي وزارة العمل الموجودين في مكاتب داخل ثلاث مناطق صناعية بـ 12 مفتشاً، يتولون متابعة أوضاع العمال والالتزام بتطبيق القانون في 60 شركة ملابس وغزل ونسيج في تلك المناطق، ووفقا لما رصدته معدة التحقيق عبر الجولات الميدانية وشهادات العمال، فإن آليات عمل المفتشين ضعيفة، إذ إن جولاتهم المباغتة قليلة، ويقتصر دورهم على متابعة مخالفات قانون العمل المتمثلة في شكاوى تأخير الرواتب، أو عدم احتساب الإضافي، والتأخر في إصدار تصاريح العمل، وغالباً، ما ينتهي الأمر بتوجيه غرامة إلى الشركة المخالفة لا تقل عن 50 ديناراً أردنياً (69 دولاراً)، ولا تزيد على 500 دينار (694 دولاراً)، وفقا للمادة 9 من قانون العمل، والتي تنص على "تحكم المحكمة على المخالف بإزالة المخالفة وبغرامة لا تقل عن خمسين دينارا ولا تزيد على خمسمائة دينار ولا يجوز تخفيض الغرامة عن حدها الأدنى لأي سبب من الأسباب التقديرية".
وبسبب قصور الآليات التفتيشية الجادة، تعرض عمال في ثلاث شركات مدرجة على ما يسمى بـ"القائمة الذهبية" للشركات الملتزمة بتطبيق أحكام قانون العمل الأردني في عام 2016، لانتهاكات متكررة، إذ تشغل الشركات التي تتحفظ "العربي الجديد" على أسمائها، ما يزيد عن 1200 عامل أجنبي، يعانون من المعاملة السيئة والسكن غير اللائق، بالإضافة إلى تأخير دفع الرواتب واستصدار تصاريح العمل، في ظل تجاهل كامل من مفتشي الوزارة، وفقا لتقرير حصلت عليه "العربي الجديد" من نقابة العاملين في الغزل والنسيج، في يوليو/تموز 2016.

وظهرت القائمة الذهبية للمرة الأولى في عام 2006 بعد أن بدأت تقارير حقوقية دولية في انتقاد وضع العمال الوافدين، وتستفيد الشركة من وصولها إلى القائمة الذهبية في حصولها على إعفاء من الكفالة البنكية المنصوص عليها في تعليمات قانون العمل الخاصة باستقدام العمال، وتسهيل تسويق منتجاتها خارج المملكة.

وتعزو مديرة مركز تمكين الحقوقي هذا التناقض المرتبط بوجود انتهاكات تجاه العمالة الوافدة من قبل شركات مشمولة بالقائمة الذهبية، إلى "اشتراطات القائمة المتعلقة بمجرد تطبيق نصوص وأحكام قانون العمل فقط، في الوقت الذي يعد هذا الأمر جزءا أصيلا من دور الشركات تجاه العاملين، ولا يعتبر ميزة". على حد قولها.

ويوضح الخبير في الشؤون العمالية حمادة أبو نجمة أن البتّ في طلب أي مؤسسة للانضمام إلى القائمة يستغرق سنة من مراقبة وزارة العمل لها، وفي حال حصلت على العلامات 80 – 100% كمجموع التزامها في المعايير المتعلقة بحقوق العمالة، تصبح عضواً في القائمة الذهبية، أما في حال إخلالها بالالتزامات تبقى تحت المراقبة إلى أن تعالج التقصير أو تستبعد من القائمة.

ويرى المحامي مطالقة أن العجز في التحكم بالانتهاكات مرده قصور تشريعي ورقابي، إذ إن القانون الأردني لمكافحة الاتجار بالبشر بحاجة إلى تفصيلات وتعديلات، قائلا "الغرامات التي تفرضها وزارة العمل في حال تم إجراء التفتيش لا تعد رادعة لصاحب الشركة الذي يوفر مبالغ كبيرة باعتماده على أيدٍ عاملة رخيصة، وإهماله مساكن العمال والصيانة وعدم الدفع مقابل الساعات الإضافية التي يقضيها العاملون في العمل".


ضبابية توزيع الأدوار بين "العمل والصحة"

يرفض المستشار الإعلامي لوزارة الصناعة والتجارة ينال برماوي، تحميل مسؤولية متابعة أوضاع عمال مصانع الملابس وتحصيل حقوقهم لوزارة الصناعة، موضحا لـ"العربي الجديد": أن "وزارة الصناعة والتجارة تعنى بنجاح الاستثمارات ودعمها، وفتح أسواق أمام السلع الأردنية، ولا تقع متابعة الشؤون العمالية في نطاق اختصاصها" وتابع :"الأمر منوط بوازرة العمل".

من جانبه، قال مساعد مدير الرقابة والتفتيش في وزارة العمل فؤاد أبو جابر إنهم يعتمدون على تحقيقات ميدانية دورية لتقييم التزام المنشآت االصناعية بتطبيق قانون العمل، بالإضافة إلى بيانات الشركات التي توفرها للوزارة، قائلا "في حال تأخر شركة ما بتجديد تصاريح العمل يتم إمهالها فترة للقيام بذلك، لكن أحيانا تتهرب بعض الشركات من المخالفة بحجة نية عمالهم الأجانب السفر وعدم حاجتهم لتجديد التصاريح وأذونات الإقامة".

وعن التفتيش على المساكن العمالية، أوضح أبو جابر أن هناك ضبابية تتعلق بتقسيم الأدوار بين وزارتي الصحة والعمل، وتم إعداد مسودة مذكرة تفاهم بين الطرفين لتفويض مفتشي وزارة العمل بصلاحية التفتيش على المساكن في المناطق الصناعية المؤهلة، لكنها لم توقع حتى تاريخ النشر.

في ضوء غياب ضمانات جدية لحماية للعمالة الوافدة، ترى ليندا كلش، ضرورة تقليص دائرة الانتهاكات التي يجابهونها من خلال ترسيخ مبدأ احترام إنسانية العامل، وتبديل نظرة السخرة لدى أرباب العمل تجاه العمال الأجانب، بالإضافة إلى زيادة وعيهم بحقوقهم قبل انخراطهم في سوق العمل.