ثمن التغيّر المناخي [6/7]... هل تغرق الإسكندرية؟

ثمن التغيّر المناخي [6/7]... هل تغرق الإسكندرية؟

18 ابريل 2016
التغيّرات المناخية تهدّد الإسكندرية ودلتا مصر بالغرق (الأناضول)
+ الخط -

خلال الأيام الماضية، شهدت مصر تقلبات جوية حادة، تضمنت موجة حارة محمّلة بالرياح والأتربة وانتهت بتساقط الأمطار على بعض المناطق، وهو ما يعد أحد علامات التغيّر المناخي التي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، حتى أن العديد من التقارير والدراسات تشير إلى أن مصر، وتحديدًا منطقة الدلتا والإسكندرية، ستصبح ضمن أكثر المناطق الأكثر تضررًا من آثار التغير المناخي، وفقا لما قاله خبراء أمام مؤتمر قمة تغير المناخ الذي عُقد في باريس في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

لماذا الدلتا والإسكندرية؟

في العام 2002، نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، دراسة بعنوان "التنمية والتغير المناخي في مصر: تركيز على الموارد الساحلية ونهر النيل"، أوضحت فيها أن دلتا النيل تنحسر بمعدّل 3 إلى 5 ملليمترات كل عام، وأن ارتفاع سطح البحر 25 سنتم فقط سيؤدي إلى وجود 60% من الكثافة السكانية بالإسكندرية تحت مستوى سطح البحر، بالإضافة إلى تأثر 56% من المناطق الصناعية بالإسكندرية التي تمثل وحدها 40% من الصناعة المصرية كاملةً. كذلك أوضحت الدراسة أن ارتفاع منسوب سطح البحر إلى 50 سنتم سيؤثر على 67% من الكثافة السكانية، و65.9% من المناطق الصناعية، و75.9% من قطاع الخدمات، ستقع جميعها تحت مستوى سطح البحر، هذا بالإضافة إلى تشريد ما يقرب من مليون ونصف المليون شخص وهجرتهم من الإسكندرية وحدها، وفقدان نحو مائتي ألف وظيفة.


أيضًا في العام 2007، قام "معهد مراقبة العالم"، بنشر دراسة توقع فيها أن يهدد ارتفاع مستويات سطح البحار بحلول عام 2015، 33 مدينة حول العالم ذات معدلات سكانية عالية من بينها مدينة الإسكندرية في مصر. ليس هذا فقط، بل تم تصنيف مصر من خلال البنك الدولي كواحدة من خمس دول على مستوى العالم تعد أكثر الدول تعرضًا للآثار السلبية للتغيرات المناخية، إما من خلال ارتفاع سطح البحر، أو غرق بعض أجزاء الدلتا، إلا أن تلك القضايا لم تؤخذ بجدية منذ حينها وحتى الآن.

أما في عام 2013، فقد قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بنشر تقرير بالتعاون مع الحكومة المصرية حول تأثير تغير المناخ على الاقتصاد في مصر على المدى المتوسط في عام 2030، والبعيد عام 2060. اشتملت نتائج التقرير انخفاض معدل الإنتاج الزراعي من 8 إلى 47% بحلول عام 2060، بالإضافة إلى انخفاض العمالة في مجال الزراعة بنسبة 39%، وزيادة أسعار الغذاء بنسبة من 16 إلى 68%. هذا بالإضافة إلى الخسائر الزراعية التي تقدّر بـ40 إلى 234 مليار جنيه مصري. كذلك أشار التقرير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة قد يتسبب في زيادة أعداد الوفيات بمقدار ألفين إلى خمسة آلاف شخص كل عام، ووصول قيمة الخسائر النقدية من 20 إلى 48 مليار جنيه سنويًا.
 

 
 


سر الأزمة

لا تكمن الأزمة الحقيقية التي تواجهها مصر، على الأخص الإسكندرية ودلتا النيل، في الأمطار الغزيرة وحدها التي تشهدها المنطقة في الآونة الأخيرة، بل في مشاكل الاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع منسوب مياه سطح البحر وغرق مئات الآلاف من المواطنين، كما أوضحت التقارير السابقة.

وبالرغم من أن التغيرات المناخية لا تشغل الرأي العام بالقدر ذاته الذي تشغله قضايا السيول والأمطار الغزيرة، إلا أن السيول والأمطار الغزيرة لا تحدث إلا بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري التي تُعد الأكثر تعبيرًا وتأثيرًا في تغيرات المناخ والتي ينتج بسببها العديد من الكوارث البيئية والطبيعية، مثل سقوط الأمطار الغزيرة، موجات الحر، تغيرات الطقس غير المعهودة، وارتفاع منسوب سطح البحر، كما يحدث في الإسكندرية.

ويُقصد بالاحتباس الحراري ارتفاع درجة حرارة الأرض زيادة عن المعدل الطبيعي نتيجة لتراكم الغازات الدفيئة التي تقوم بحبس الحرارة على سطحها. بسبب ممارسات البشر السلبية لناحية البيئة في ما يتعلق بقطع الأشجار، وإزالة الغابات، وزيادة معدلات استخدام الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسد الكربون، ارتفعت تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، إذ تقوم تلك الغازات بامتصاص الطاقة الحرارية التي يُطلقها سطح الأرض ما يعمل على ارتفاع درجة حرارة الأرض.

وحينما تزداد درجة حرارة الغلاف الجوي، فإنه يصبح محمّلًا أكثر ببخار الماء، ولعلك تلاحظ هذا الأمر في المنزل أثناء الاستحمام بالماء الساخن فإن درجة حرارة الحمّام تزداد ويصبح الهواء ساخنًا ومحملًا بالكثير من بخار الماء، على عكس الاستحمام بالماء البارد فإن بخار الماء يصبح أقل حيث يكون الهواء في درجة حرارته العادية أو درجة حرارة أقل. وحينما تصطدم جزيئات الهواء الساخن المحمّلة ببخار الماء بجزيئات الهواء البارد، يبدأ بخار الماء في التحوّل إلى قطرات، ومن ثم ينشأ المطر الذي تختلف شدته حسب كمية بخار الماء التي قد تؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى حدوث أمطار غزيرة وسيول مثلما حدث خلال الفترة السابقة وكما هو متوقع حدوثه أيضًا خلال الفترات القادمة من فصول الشتاء المقبلة.

كيف تعاملت الحكومة المصرية مع الأمر؟

بالرغم من صدور العديد من التقارير والدراسات التي تحذر من آثار ومخاطر التغير المناخي على مصر، إلا أن الحكومة المصرية تجاهلت كافة تلك التقارير، حتى واجهت الفشل في التعامل مع نتائج تلك الأزمة التي تمثلت في مشكلة إدارة الأزمات والتحكم في مياه المطر الزائدة التي تسببت في العديد من المشاكل والوفيات بمحافظات الإسكندرية، والبحيرة بشكلٍ أساسي خلال الأشهر الماضية. فقبل إعلان استقالته بساعات، صرّح هاني المسيري، محافظ الإسكندرية الأسبق، أن الأمطار الشديدة ما هي إلا "كارثة بيئية"، وبالرغم من هذا إلا أنه لم يضع في الحسبان بعض الخطط لمواجهة الأزمات الطارئة التي قد تنشأ مثل أزمة الأمطار هذه. كما استسهلت السلطات إعلان أن سبب تلك الأزمة يرجع إلى قيام بعض الأفراد بسدّ بالوعات مياه الصرف ما أدى إلى غرق بعض المناطق، دون العمل على وضع خطط وإجراء بحث علمي لمواجهة آثار التغيرات المناخية والتقلبات الجوية المتوقعة، فضلًا عن أخذ التقارير البيئية بعين الاعتبار والبدء في التخطيط من أجل الاستعداد لمواجهة الأزمات الناتجة عنها خلال السنوات القادمة.
 

 



أين يكمن الحل؟

على النطاق الدولي، يمكن تطبيق العديد من الآليات التي تحد من زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري مثل الحدّ من قطع الأشجار، ومواجهة تصحير الغابات، وفرض الرقابة على استخدامات الوقود الأحفوري، واستخدام مصادر طاقة بديلة ومتجددة لا تسبب التلوث، بالإضافة إلى الحفاظ على البيئة في القطبين الشمالي والجنوبي، ومنع عمليات الاستعمار والبحث عن الوقود فيهما، ونشر التوعية العامة للمواطنين من أجل الحد من القيام بالممارسات التي تتسبب في تزايد آثار تلك الظاهرة.

أما على المستوى المحلي، فيجب على مصر اتخاذ كافة الاحتياطات، واتباع كافة النصائح والإرشادات التي يقدمها الخبراء والمتخصصون، مثل بنك التنمية الأفريقي الذي أوضح من خلال دراسة نشرها أن كلفة تأقلم أفريقيا مع تغيرات المناخ تراوح بين 20 إلى 30 مليار دولار سنويًا خلال العشرة أعوام أو العشرين القادمة.

ويمكن أيضًا البدء في وضع خطط إدارة الأزمات، والبدء في تحديد أكثر المناطق عرضة للخطر وتجنب زيادة أعداد السكان بها، وعدم السماح بالبناء والتشييد في تلك المناطق، بالإضافة إلى إعادة تطوير وبناء البنية التحتية، وأنظمة الصرف بدلًا من تحميل مسؤولية تلك الكوارث البيئية إلى بعض الممارسات التي تم الإعلان عنها مثل سد بالوعات الصرف.