عودة أبو تريكة إلى مصر... انتقائية النظام تستثني معارضيه

عودة أبو تريكة إلى مصر... انتقائية النظام تستثني معارضيه

01 مارس 2017
أبو تريكة حرم من وداع والده المتوفي (فرانس برس)
+ الخط -
عقب الإعلان عن وفاة والد لاعب الكرة العالمي ونجم المنتخب المصري، محمد أبو تريكة، في مسقط رأسه بمدينة ناهيا التابعة لمحافظة الجيزة في 26 فبراير/شباط الماضي، تضاربت الأنباء حول عودة اللاعب المعروف بـ"الماجيكو"، لحضور مراسم دفن والده وإلقاء النظرة الأخيرة عليه، إذ وضعت الدائرة السادسة بمحكمة جنايات القاهرة أبو تريكة و1533 اسماً آخرين على قائمة الإرهاب لمدة 3 أعوام، على ذمة القضية رقم 653 لسنة 2014 حصر أمن دولة عليا، التي يتم التحقيق فيها بناء على بلاغ مقدم من لجنة أموال الإخوان، الأمر الذي يهدد بحرمان النجم المصري من السفر إلى الخارج مرة ثانية وإمكانية تحفظ النيابة عليه من أجل استكمال التحقيقات حال عودته إلى مصر، وهو ما دعا زملاءه وأصدقاءه وأشقاءه، للتدخل لإقناع اللاعب، بعدم العودة من الدوحة التي يعمل فيها محللاً بقنوات "بي إن سبورت" إلى القاهرة لحضور عزاء والده، وفقاً لما قاله المعلق الرياضي في قنوات "بي إن سبورت" محمد الكواليني، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

وعلى الرغم من تصريح، اللواء طارق عطية، مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات، أنه لا يوجد ما يمنع عودة محمد أبو تريكة لحضور عزاء والده، إلا أن تعامل الأجهزة الأمنية والقضاء المصري مع حالات مشابهة، وثقها معد المادة، يكشف عن حالة من التناقض والانتقائية، تتمثل في السماح للمتهمين في قضايا مالية وجنائية بدخول مصر والخروج منها، في حين يتم حرمان من يصنفهم النظام باعتبارهم معارضيه من ذلك.


إسماعيل الإسكندراني وباسم يوسف

في يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015، قبضت قوات الأمن بمطار الغردقة على الباحث إسماعيل الإسكندراني الذي عاد إلى مصر من أجل زيارة والدته المريضة، تحت مزاعم وجود اسمه على قوائم ترقب الوصول، وبعد إخفائه 30 ساعة ومنعه من الاتصال بأهله أو بمحاميه، وجهت له نيابة أمن الدولة العليا عدداً كبيراً من الاتهامات من بينها الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، ونشر أخبار كاذبة.

ويربط نشطاء وقانونيون بين جهد إسماعيل البحثي خلال الأعوام السابقة، والمنصب على الشأن السيناوي، وما تعرض له من توقيف لدى محاولته العودة إلى مصر، وهو ما علق عليه مقدم البرامج الساخرة، باسم يوسف، الذي لم يتمكن من العودة إلى مصر لدفن والده الذي توفي في حادث سير قائلاً "إسماعيل الإسكندراني باحث وصحافي نزل مصر عشان يزور والدته المريضة محتجز منذ وصوله المطار حتى الآن. رداً على السؤال الكلاسيكي مش بتنزل مصر ليه؟".


عاطف بطرس

في يوم الجمعة 29 يناير/كانون الثاني عام 2016، أوقفت قوات الأمن بمطار القاهرة الأكاديمي المصري عاطف بطرس، أستاذ الأدب بقسم الدراسات الشرق أوسطية في جامعة ماربورج الألمانية، وبعد ساعات طويلة من التحقيق معه رفضت أجهزة الأمن دخوله مصر ورحلته إلى الخارج".

كتب بطرس تعليقاً على الواقعة: "عند وصولي مطار القاهرة تم التحفظ عليّ ولمدة سبع ساعات من التحقيقات تم ممارسة الضغط النفسي بالترغيب والترهيب للحصول على أسماء أصدقاء وأقارب وبياناتهم. وبعد الانتهاء من أخذ ما يمكن أخذه تم إلقائي في الحجز، وأخبروني أنني ممنوع من دخول مصر وبدأوا المساومة على ترحيلي".

الحالات السابقة وإن كانت لمشاهير، إلا أن 10 حالات وثقها معد المادة، من غير المشاهير من المنتمين إلى جماعة الإخوان وحركات معارضة حرموا من العودة إلى مصر لدفن قريب أو عيادة مريض على العكس من الحالات التالية.


الوجه الآخر... عماد الدين أديب

في 20 أبريل/نيسان عام 2014 غادر الإعلامي عماد الدين أديب الأراضي المصرية متوجهاً إلى إحدى الدول الأوروبية بعد أن أصدرت محكمة جنح العجوزة، 3 أحكام، بحقه في 17 دعوى، أقامتها مؤسسة الأهرام ضده بصفته رئيساً لمجلس إدارة مجموعة "جود نيوز"، لعدم سداد مديونياته لصالح المؤسسة والتي تخطت حاجز 16 مليون جنيه، مقابل طبع جريدتي "نهضة مصر" و"العالم اليوم" ومجلة "كل الناس" بمطابع الأهرام منذ عام 2009، وكانت مؤسسة الأهرام قد أقامت 12 جنحة ضد أديب لإصداره عدداً كبيراً من الشيكات بدون رصيد، بالإضافة إلى إصدار ذات المحكمة خلال عام 2012 فقط سبعة أحكام غيابية عليه قضي في كل منها بحبسه غيابياً لمدة 3 سنوات مع الشغل، بالإضافة إلى حكم آخر بحبسه لمدة 3 سنوات في قضية مماثلة لصالح الشركة السعودية ـ المصرية للتنمية السياحية، والتي قامت بإصدار شيكات لها بدون رصيد هي الأخرى، وحكماً بالسجن عامين لصالح هيئة التأمينات الاجتماعية، لعدم سداده المبالغ المستقطعة من أجور العاملين لصالحها.

ولم يكن سفر أديب إلى الخارج رغم كل تلك الأحكام السابقة هو المفاجئ في الأمر، إذ إنه على الرغم من وضع اسمه على قوائم ترقب الوصول، إلا أن أديب عاد إلى مصر لحضور مراسم دفن والدته، ورغم وجوده في مصر وظهور صور له في كل الوسائل الإعلامية أثناء تلقيه العزاء في قاعة مناسبة مسجد شهداء الشرطة وحضور عدد كبير من المسؤولين دون التعرض له، لم يتم توقيفه، والأنكى من ذلك، أن أديب تمكن من الهروب من مصر مرة أخرى والخروج من مطار القاهرة رغم وجود أمر ضبطه وإحضاره، ووجود اسمه على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول.

حسن هيكل

في ديسمبر/كانون الأول عام 2014 أذاعت قناة الشرق الفضائية تسريباً صوتياً للواء عباس كامل، مدير مكتب عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية مع النائب العام الراحل، هشام بركات، طالبه فيه بالتدخل في القضية المعروفة إعلامياً بالتلاعب في البورصة لرفع اسم نجل الكاتب الصحافي الراحل، محمد حسنين هيكل، من قوائم المنع من السفر.

خلال المكالمة قال، اللواء عباس كامل، "حسن محمد حسنين هيكل، الراجل يعني متأذي جدا من موقف ابنه، وبيقول ابنه معملش حاجة، وهو مدرج، لا عارف يجي ولا يروح ولا كلام من ده، والنبي يا سعادة النائب هو راجل محترم يعني، ياريت يا فندم بعد إذنك"، وبالفعل قدم حسن هيكل إلى مصر عقب وفاة والده في يوم 14 فبراير/شباط 2016 من أجل حضور مراسم الدفن.

وعلق حسن هيكل على ذلك: "إنه لم يصدر بحقه أمر ضبط وإحضار، وإن قرار منعه من السفر مرة أخرى سيقوم بتنفيذه وإن ذلك القرار لا يمنع من عودته إلى مصر".

وخلال الأعوام الماضية شهدت مصر عدداً كبيراً من الحالات المشابهة، التي تم السماح فيها بالسفر من مصر، أو إليها ومن بين تلك القضايا، ما جرى أثناء حكم المجلس العسكري للبلاد، عقب ثورة يناير، إذ تم السماح لسبعة متهمين أميركيين بمُغادرة مصر على متن طائرة عسكرية كما تم السماح لأمين عام البرلمان السابق سامي مهران بالسفر إلى الكويت رغم قرار منعه من السفر، وهو ما يراه كريم عبدالراضي الحقوقي والمحامي بالشبكة العربية لحقوق الإنسان، أداة عقاب تستخدمها السلطة في مواجهة معارضيها في الوقت الذي تتجاهل تطبيقها ضد المحسوبين عليها، موضحاً أن "المنع من السفر والحبس الاحتياطي وسائل نص عليها المشرع المصري حتى يحفظ سلامة المحاكمات والتحقيقات الجارية، ولكن السلطات المصرية أصبحت تستخدمها لعقاب معارضيها".

ووفقاً لعبدالراضي فإن الظاهرة تتوسع، إذ إن العشرات من أصحاب الرأي المعارض والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وغيرهم صدرت في حقهم قرارات منع من السفر من غير توجيه لهم أي اتهامات جدية، أو حتى التحقيق معهم.

وما يزيد الأمر سوءاً والحديث للمحامي عبدالراضي، يتمثل في أن قانون الكيانات الإرهابية سمح بإضافة كيانات وأشخاص إلى قوائم الإرهاب وتجريدهم من جوازات السفر ومنعهم من السفر أو ملاحقتهم دون حق مثل اللاعب، أبو تريكة، الذي لا يُعرف عنه أي نشاط سياسي غير أن الدولة لم تستطع تطويع نشاطه الخيري لصالحها ما جعلها تستخدم هذا القانون ضده، الأمر الذي أحال مصر إلى سجن كبير بموجب التشريعات والممارسات التي تتبعها الدولة، والتي أصبحت سيفاً مسلطاً على رقاب المعارضين، في حين يتم تجاهل رموز نظام مبارك ومؤيدي السلطة الحالية من تطبيق هذه القوانين، التي تكشف الكيل بمكيالين في ظل حالة طوارئ مقنعة.