اليسار في السعودية.. ندرة المراجع وغياب التوثيق

اليسار في السعودية.. ندرة المراجع وغياب التوثيق

22 سبتمبر 2015
+ الخط -

ظهرت التوجهات اليسارية والقومية في السعودية، كرد فعل على الأحداث العالمية الكبرى مثل انتصار حركات التحرر الوطنية على الاستعمار، خاصة في الدول العربية والدول القريبة من المنطقة والثورة ضد الملكية في مصر، والثورة ضد شاه إيران، بالإضافة إلى ظهور النفط في المملكة العربية السعودية، مما أدى إلى نشوء الطبقة السعودية العاملة التي تأثرت بالكوادر العربية التي استقدمتها شركات النفط للعمل، وكان بعض هؤلاء العرب يحملون الأفكار والنظريات السياسية اليسارية، ورغم تأثر المنطقة بهذه الأفكار، إلا أننا نجد القليل من التاريخ والتدوين لتلك الفترة.

تعتبر المراجع المختصة بدراسة التاريخ الاجتماعي في المملكة العربية السعودية نادرة جداً، وأندر ما تكون المراجع المختصة بالحركات السياسية ذات التوجهات اليسارية، والقومية، وذلك لأسباب كثيرة منها تراجع المد اليساري الشيوعي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وساهمت أيضاً الملاحقات الأمنية والاعتقالات والانشقاقات الداخلية المتتالية داخل الأحزاب نفسها في تلاشي أفكار اليسار، وبرز منذ بداية الثمانينيات حتى الآن التيار الإسلامي سواء الشيعي أو السني، ولكل منهما مؤيدوه إقليمياً ودولياً. ومن هنا تحوّل محور العمل السياسي والاهتمام من الفكر اليساري الشيوعي أو القومي أو غيره، إلى الإسلام السياسي.

بالرغم من ازدهار الأحزاب والأفكار اليسارية في الستينيات والسبعينيات إلا أن وثائق هذه المرحلة، والتقارير والمراسلات ومحاضر اجتماعات الأحزاب ونشراتها نتيجة العمل السري الطويل ومصادرة الجهات الأمنية الحكومية لها، وكثير من الوثائق لا تزال لدى الجهات الأمنية، ولكنها ورغم هذه المدة الطويلة لا تعرضها للباحثين والمؤرخين كما في الدول الأخرى.

كما أن اليساريين أنفسهم كانوا يقومون بإتلاف الوثائق والمراسلات خشية الملاحقات الأمنية، وكذلك رحيل كثير من مؤسسي الأحزاب اليسارية والمساهمين فيها دون أن يكتبوا تجاربهم، وحتى المتبقي منهم يمتنع أحياناً عن تقديم الملاحظات او التعليق أو تصحيح المعلومات حول ما يكتب عن أحداث عاصروها، رغم امتلاكهم المعلومات. البعض أسبابهم معروفة مثل المنفيين من السعودية بسبب انتمائهم لليسار، الذين يتحاشون الكتابة أو الرد على ما يكتب حول تلك الحقبة بسبب وجودهم في بلدان عربية علاقتها جيدة بالمملكة، إذ يخشون التسبب في الحرج للبلاد التي تستضيفهم.

اقرأ أيضاً: أزمة اليسار العربي

الكتب والوثائق التي أرخت لليسار السعودي


على الرغم من قلة المراجع عن اليسار في السعودية، يمكن تقسيم الكتب والمراجع للمهتم كالتالي، الوثائق الأميركية والبريطانية، خاصة وثائق وكالة المخابرات الأميركية ووثائق وزارة الخارجية البريطانية، لأنها تهتم بالأحداث الداخلية والمد القومي والحركات العمالية في مناطق النفوذ والمصالح الأميركية والبريطانية. الكتب التي تناولت تاريخ المملكة العربية بشكل عام، وتطرقت لتأثر المملكة بالحركات التحررية والقومية في فترة الستينيات والسبعينيات ومن أفضل هذه الكتب، كتاب ألكسي فاسيليف، (تاريخ العربية السعودية).

 كتب الباحثين الخليجيين الذين تناولوا تاريخ الحركات اليسارية في الخليج، ومن ضمنها السعودية، مثل كتاب عبد النبي العكري،(التنظيمات اليسارية في الجزيرة والخليج العربي)، ويتميز العكري بأنه أحد المساهمين في العديد من التنظيمات اليسارية أو تربطه علاقات متينة مع قيادات الحركات اليسارية الخليجية. وكذلك إنتاج عبدالرحمن النعيمي، وهو مسؤول حركة القوميين العرب، فرع الخليج، ومهتم بجمع أرشيف ومراسلات التنظيمات اليسارية، سواء التي ساهم فيها أو التنظيمات الأخرى في الخليج العربي. وأيضاً كتاب سيف بن علي،(قضايا التحرر والديمقراطية في البحرين والخليج)، وكتب الدكتور (فلاح المديريس)، خاصة كتاب(البعثيون في الخليج والجزيرة العربية).

من الكتب المهمة جداً، التي تناولت التيارات الفكرية في الخليج العربي وخصصت جزءاً كبيراً ومهماً للحركات القومية واليسارية، كتاب (التيارات الفكرية في الخليج العربي) لمفيد الزيدي بجزأيه.

الكتب التي تحدثت بشكل خاص عن اليسار في المملكة العربية السعودية، ومن أحدثها وأهمها كتاب(الحركة الوطنية السعودية)، لسيد علي العوامي، وهو سيرة ذاتية كتبها أحد رموز الحركة الوطنية. يتميز الكتاب بوجود معلومات تنشر لأول مرة، فما كان ينشر كرؤوس أقلام أو بدون ذكر أسماء جاء كتاب العوامي لينشره بالأسماء والتفاصيل.

ومن الكتاب الذين كتبوا كثيراً عن مشاركتهم في النضال اليساري، خاصة الشيوعي منه، اسحق الشيخ يعقوب، خاصة سيرته (إني أشم رائحة مريم).

اقرأ أيضاً: أزمة اليسار العربي6.. ناشطون غير منظمين ضد الأحزاب الرسمية

مدونات أخرى


أيضا كانت هناك محاولات لتدوين نضالات رموز اليسار، أبرزها ما قام به الصحافي أحمد عدنان في كتابه (السجين 32 أحلام محمد سعيد طيب وهزائمه)، إذ أجرى حوارا مع الناشط القومي، محمد سعيد طيب، عن تجربته في المعارضة السياسية وسنوات الاعتقال.

أيضاً نجد في كتاب علي الدميني، (زمن للسجن.. أزمنة للحرية ) سرداً لنضالات اليسار، رغم أن هذا الكتاب يغلب عليه توثيق مسيرة الحركة الدستورية السعودية ووصف تجربة السجن للكاتب، إلا أنه خصص جزءاً كبيراً في بداية الكتاب لسرد بدايات المطالب الوطنية للإصلاح السياسي وحراك اليساريين وتذكر رموز الحركات العمالية وتجربتهم في السجن.

ومن الكتب التي لم تخصص للكتابة عن اليسار، ولكنها تحتوي على معلومات كثيرة عن اليسار، كتب الأستاذ محمد السيف، (الطريقي صخور النفط ورمال السياسة) وكتاب ناصر المنقور، (أشواك السياسة وغربة السفارة) وهي كتب سيرة لوزير النفط، عبدالله الطريقي، والآخر عن حياة السياسي والدبلوماسي ناصر المنقور. هاتان الشخصيتان عاصرتا فترة المد اليساري. تأثرتا به وأثّرتا فيه، وطبيعة كتب السيف أنه لا يتناول السيرة الشخصية وإنجازاتها بمعزل عن محيطها العام والأحداث التاريخية والسياسية، التي عاصرتها. لذلك، نجد كثيراً من سرد وتحليل الأحداث التاريخية المرتبطة باليسار.

اقرأ أيضاً: حال اليسار العربي3.. الاشتراكيون في مصر إلى اليمين دُر



الكتابات الأجنبية


في النهاية لا بد من ذكر بعض الكتاب الأجانب المهتمين بحركات التحرر واليسار في الجزيرة العربية، وكانت كتبهم مصدراً مهمّاً للباحثين والمهتمين بتاريخ اليسار في الخليج، مثل إصدارات الكاتب اليساري البريطاني، فريد هاليدي، خاصة كتاب Arabia without sultan : a political survey of instability in the Arab world وأحدث ترجمة صدرت له هي التي قام بها الدكتور، محمد الرميحي، بعنوان (الصراع السياسي في شبه الجزيرة العربية).

ومن المصادر الأولية الأجنبية المهمة، التي رصدت فترة من فترات النشاط السياسي اليساري، والقومي، في المملكة، كتابات المؤرخة الأميركية، فيبي مار، التي كانت تعمل في شركة أرامكو في فترة الخمسينيات والستينيات، فقد كانت فيبي مار تزود أرامكو بتقارير ذات طبيعة رصدية-تحليلية حول الصراع بين القوى التقليدية والتيارات الثورية الشبابية في المنطقة الشرقية.

كذلك لا يمكن أن ننسى إصدارات الكاتب، توبي ماثيسين، خاصة سلسلة مقالات بعنوان(الهجرة، والأقليّات، والشبكات الراديكاليّة: الحركات العماليّة وجماعات المعارَضة في السعودية 1950-1975م) وقد تمت ترجمتها إلى العربية في موقع ما العمل.

ستصدر قريباً ترجمة عربية لأحد أهم الكتب، التي تحدثت عن الحركة العمالية ضد شركة النفط، وهو كتاب "مملكة أميركا"، للمؤلف روبرت فيتاليس.

حاولتُ جمع ما رأيت أنه مَراجع مهمة عن اليسار في السعودية وثقت بموضوعية، بعيدا عن المجاملة من جهة، وبعيداً عن الشيطنة والهجوم من جهة أخرى، وبنسبة جيدة من التدوين التاريخي التحليلي، غير السردي، للأحداث. ويبقى موضوع اليسار في المملكة يعاني من تعتيم ونقص المصادر، لعل المقال يفتح المجال للمهتمين والمعاصرين لتلك الحقبة، للكتابة وإثراء هذا الموضوع.