الأقباط في عهد السيسي.. عام من الانتهاكات وتزايد القمع

الأقباط في عهد السيسي.. عام من الانتهاكات وتزايد القمع

21 يونيو 2015
تظاهرات الأقباط ضد المجلس العسكري في 2011 (فرانس برس)
+ الخط -
"مصر دولة مدنية ليه الكنيسة تتحكم فيا" هكذا هتف الشاب مجدي لمعي، داخل الكاتدرائية المرقسية الواقعة في حي العباسية في العاصمة المصرية القاهرة، جاء هتاف لمعي أثناء عظة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في حالة نادرة من الاعتراض القبطي على القيادة الكنسية، ما أدى بلمعي ومجموعة من رفاقه إلى احتجازهم من قبل قوات الشرطة المعنية بتأمين الكنيسة.

يشعر لمعي بيأس كبير من إمكانية تحول مصر إلى دولة مدنية، وتطبيق قانون مدني للأحوال الشخصية للأقباط، ما أدى إلى احتجاجه في نهاية المطاف، لما يراه من قوة تحالف الكنيسة والدولة، ولم ينعكس التحالف السابق على أوضاع الأقباط، إذ تكشف "العربي الجديد" عبر تحقيقها في وضع المسيحيين المصريين بعد عام من حكم عبد الفتاح السيسي، عن تزايد الانتهاكات بحقهم، وسط تجاهل وسائل الإعلام واقعهم، على الرغم من اهتمامها وقت حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي بأوضاعهم ومعاناتهم.

عام من الانتهاكات

وثقت "العربي الجديد" الانتهاكات التي وقعت بحق الأقباط خلال عام من حكم السيسي، أحدث تلك الانتهاكات، تهجير 17 أسرة قبطية في بني سويف نهاية مايو/أيار الماضي، برعاية أمنية على خلفية توترات واعتداءات طائفية مشبوهة، اللافت أن أجهزة الأمن والسلطات المحلية أقرت مبدأ "التهجير القسري" كسبيل لإنهاء النزاع، في مخالفة واضحة للدستور المصري وتحديدا المادة 63 من الدستور التي تنص على أن "التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم".
قامت مظاهرة قبطية ضد السيسي في يوليو/تموز من العام الماضي، بعد غرق 11 قبطياً في البحر الأحمر، اتهم أهالي الضحايا، الجيش بالتقصير في إغاثتهم، كما اعتقلت قوات الشرطة ما يقارب 40 قبطياً بتهم تنوعت بين إثارة أعمال شغب أمام أقسام الشرطة خلال تظاهراتهم المنددة بأساليب الشرطة في التعامل معهم خلال الوقائع السابقة، ووقع طفل قبطي برصاص قوات الأمن خلال فضهم تظاهرة بمنطقة عين شمس شرق القاهرة في يناير/كانون الثاني 2015.

وفي الأول من يونيو/حزيران 2014، وقعت اعتداءات على أقباط في قرية المحاميد بحري بمركز أرمنت بمحافظة الأقصر (جنوب مصر) على خلفية اتهام شاب مسيحي بعمل "لايك" لصفحة على موقع التواصل (فيسبوك) قيل إنها مسيئة للإسلام، وأسفرت الاعتداءات عن حرق عدد من المحال التجارية والورش المملوكة لأقباط. وفي 15 من يوليو/تموز العام الماضي، تم تهجير القبطي جابر عزيز درياس (53 عاما) من قرية نجع الطويل بمركز الطود في محافظة الأقصر، على الرغم من براءته من تهمة الاعتداء على صبي مسلم.

وفي 3 أغسطس/آب 2014، نشبت اشتباكات بين مسلمي ومسيحيي عزبة يعقوب القبلية في صعيد مصر، على خلفية استكمال بناء كنيسة مار جرجس بالقرية وأصيب عدد من الجانبين، وفي 29 أغسطس/أب 2014، نشبت مشاجرة بين مسيحيي ومسلمي قرية الطيبة بالمنيا في صعيد مصر، بسبب حادث سيارة، "لكن الحوادث السابقة انتهت بصلح عرفي برعاية أمنية أو تهجير للمسيحيين على طريقة نظام حسني مبارك"، وذلك حسبما يقول الباحث يسري وهبة الباحث بمؤسسة مدارات الفكرية.

امتيازات الكنيسة

يبرر الباحث "وهبة"، المُتخصص في الشؤون الدينية دعم الكنيسة للمسار السياسي للنظام الحالي بعدد من الامتيازات، استفادت منها الكنيسة منذ أحداث 3 يوليو/تموز، لتقوية سلطتها ونفوذ رجال الدين الأقباط على حساب المواطنين المسيحيين، عبر دعم المسار السياسي مقابل استمرار الاستقلال المالي عن الدولة، وعدم الالتزام بأحكام القضاء الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط، كما كان الحال في عهد المخلوع مبارك، وصرف الأقباط عن السياسة أو المطالبة بحقوق المواطنة لاستمرار السيطرة عليهم.

حسب البيان الختامي للموازنة العامة للدولة لعام 2014 – 2015، فإن الكنيسة كانت ضمن المؤسسات التي لم تدرج ميزانيتها في الموازنة العامة للدولة، كما أنها لا تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات أعلى جهة رقابية في الدولة، والمسؤول عن مراقبة أوجه إنفاق كافة مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية.
"العربي الجديد" حصلت علي نص مشروع قانون دور العبادة الموحد الذي تقدمت به ثلاث كنائس إلى وزارة العدالة الانتقالية في شهر أغسطس/آب العام الماضي، يستبعد المشروع ضمن 20 ورقة يتكون منها، كافة المواد التي تعطي الحق للجهاز المركزي أو أي جهة حكومية في الإشراف المالي أو الإداري على الكنائس، ما يجعل الكنائس خارج رقابة الدولة، وهي المسألة التي يراها القمص عبدالمسيح بسيط، مدير معهد دراسات الكتاب المقدس بشبرا الخيمة، في تصريحات إلى "العربي الجديد": "مسألة طبيعية، ومحاولة بعضهم تصوير المسألة على أنها امتياز من الدولة لصالح الكنيسة، أمر مغلوط، وهذا حق لا ينبغي أن ينتزع تحت أي ظرف من الظروف". يتابع بسيط موضحا "لا حق للدولة في مراقبة التبرعات المسيحية للكنيسة لأنها ليست أموالا من خزينتها".

وجهة النظر السابقة وثقها كاتب التحقيق، عبر قرار المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية الصادر في عام 2010، والذي ينص على أن "الكنيسة القبطية تحترم القانون، ولكنها لا تقبل أحكامًا ضد الإنجيل، وضد حريتنا الدينية، التي كفلها لنا الدستور، كما تؤكد أن الزواج هو سرٌ مقدسٌ وعملٌ دينيٌ بحت وليس مجرد عمل إداري"، وهو ما بدا في تجاهل البابا تواضروس الحكم الصادر في أبريل/نيسان في القضية التي تحمل رقم 28032 لسنة 61 قضائية، بإلزام الكنيسة بمنح تصريح بالزواج الثاني لمواطن.

يعلق على هذه المسألة القمص بسيط، قائلاً "أحكامنا وأمورنا الدينية لا تستطيع أي جهة أو مخلوق المساس بشأنها، لأنها شأن عقائدي ديني لا دخل للمحاكم أو القضاء بها، وهذا أمر متعارف عليه في علاقتنا مع الدولة منذ قديم الأزل، ولا قيمة للأحكام الصادرة طالما أنها مخالفة لعقيدتنا، وعلى المواطنين الأقباط ممن يحاولون إثارة الشغب من وقت لآخر تجنب هذه الأمور، لأنها تأتي لصالح جهات تريد زعزعة استقرار وضع الكنيسة، الذي بالضرورة سينعكس على البلد بأجمعها".

رجل الدولة في الكنيسة

خلال الفترة التي تلت ترشيح السيسي للانتخابات الرئاسية، استخدمت الكنيسة أبواقها الإعلامية وأموالها لدعمه بقوة، إذ تحول المركز الثقافي القبطي، الذي يديره الأنبا أرميا سكرتير البابا الراحل الأنبا شنودة، إلى مقر لتنظيم الندوات السياسية لكبار مسؤولي الدولة، في موضوعات ليس لها علاقة بالكنيسة أو القضايا الدينية، كان آخرها ندوة عن الأنفاق والكباري تحدث فيها المهندس هاني عازر، وحضرها ممثلون عن حملة عبدالفتاح السيسي الانتخابية خلال فترة ترشحه للانتخابات.
يقول أحد المصادر القريبة من صناع القرار داخل الكنيسة المصرية، إن الأنبا أرميا بعلاقاته الواسعة ونفوذه القوي لدى أجهزة الدولة يعد رجل الدولة في الكنيسة، إذ لديه خطوط اتصال مفتوحة مع الأجهزة الأمنية، ويتمتع بعلاقة قوية مع مؤسسة الأزهر، التي دعم ممثلها الشيخ أحمد الطيب، الانقلاب على مرسي، وزادت علاقة أرميا بالمؤسسة، بعد مشاركته في لقاءات ما يعرف بمبادرة بيت العائلة لمواجهة الفتنة الطائفية والتي أطلقها الطيب.

يوضح الباحث القبطي وهبة أن الكل تواطأ من أجل أن تصبح الكنيسة الممثل الشرعي والوحيد للأقباط، والمتحكم الأوحد في شؤونهم الدينية، مقابل الامتناع عن ترديد الشعارات المناوئة للنظام الحاكم والتصديق على سياسة النظام، والالتزام بدعمه داخلياً وخارجياً، محذراً من أن تغييراً كبيراً طاول العقلية المصرية بعد الثورة، إذ أصبح الشباب يرفضون سيطرة القيادات الدينية الرسمية مثل الأزهر والحزبية مثل الدعوة السلفية على شؤونهم، وهو ما طاول الشباب القبطي، ودفع بعضهم لتأسيس عدد من الحركات الاحتجاجية المناوئة لتدخل الكنيسة في السياسة، وللتعبير كذلك عن احتجاجهم على ممارسات النظام الحالي.

ومثلما ينظر إلى دور للكنيسة الأرثوذكسية في حشد التأييد لانقلاب السيسي، فإن مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء المصرية قامت بدور مماثل لحشد الدعم للانقلاب بل وإعطاء غطاء شرعي لأفعال النظام المصري لاحقا، وهذا يتم من خلال منح امتيازات وإجهاض أي تحرك مدني ديمقراطي مصري على قاعدة المواطنة من دون تمييز طائفي.

رفض شبابي

مينا حنا، أحد الشباب القبطي المنتمي لحركة " اتحاد شباب ماسبيرو" يبرر رفضه القاطع لما يسميها الوصاية الكنيسة على المواطنين الأقباط في شؤونهم السياسية والاجتماعية، بالآفاق الجديدة التي فتحتها ثورة 25 يناير للشباب القبطي، لمجابهة الكنيسة في سياستها التي لا تزال تمضي فيها متجاهلة التغيير الجذري في أفكار الشباب القبطي، الذي يرغب في تأسيس دولة للمواطنة تتمتع فيها بكامل حقوقها السياسية، كما قال لـ"العربي الجديد".

بشكلٍ تكتنفه السرية، ووسط تجاهل وسائل الإعلام المصرية، خرجت أول تظاهرة قبطية، ضد قيادات الكنسية داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في أعقاب اختيار ممثلي الكنيسة الأرثوذكسية الأنبا بولا والأنبا أرميا في لجنة الخمسين، طالبت التظاهرة الكنيسة بالابتعاد عن السياسة والعودة لتعاليم المسيحية، كما نظمت مجموعة من أهالي المفقودين وقفة احتجاجية ضد السيسي في محافظة المنيا جنوب القاهرة، على خلفية اتهامهم للقوات المسلحة "بالتقاعس" عن إنقاذ ذويهم من الغرق، وهو ما يوافق ما قاله ميلاد، من تغير العقلية الشبابية المسيحية.

--------
اقرأ أيضا :
فرق الموت.. الإصدار المصري من طريق الهلاك
عمال مصر في عهد السيسي.. متهمون بالانتماء لجماعة إرهابية