عمال مصر في عهد السيسي.. متهمون بالانتماء لجماعة إرهابية

عمال مصر في عهد السيسي.. متهمون بالانتماء لجماعة إرهابية

27 مايو 2015
تأتي القاهرة في مقدمة مدن الاحتجاجات العمالية
+ الخط -

تأبى صورة محمد زكي، العامل المفصول من شركة بتروتريد، وهو مقيد بالأصفاد الحديدية، وعيناه مغطاتان بقطعة قماش، أن تغادر ذاكرة ابنه، الذي اعتاد الفخر بنضال والده من أجل استعادة حقوق العمال، مما جعله يحظى بمكانة كبيرة بينهم. في فبراير/شباط الماضي، اعتقلت قوات الأمن زكي، ومن يومها تجدد نيابة بولاق الدكرور حبسه، بتهم الانتماء إلى جماعة إرهابية، وحيازة منشورات مناهضة للنظام.

منذ عام 2009، وزكي وزميله كريم رضا، يناضلان في شركة بتروتريد الحكومية من أجل وقف التمييز في الرواتب والحوافز والبدلات بين الزملاء المتساوين في الخبرة والمؤهلات الوظيفية، وإقرار لائحة موحدة للشركة، مما دعاهم وعدد من زملائهم إلى رفع دعوى قضائية لتطبيق اللائحة التأسيسية للشركة على العمال، لكن الإدارة ردت على تصرفهم بفصل كلِّ مَنْ رفع قضية أو قدم طلب تسويته بزملاء له على الدرجة نفسها أو المؤهل نفسه.

القاهرة في مقدمة مدن الاحتجاجات

يكشف تقرير للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن القطاع الحكومي شكل أكثر الجهات العمالية احتجاجا، إذ مثلت الاحتجاجات العمالية في القطاع الحكومي 63 ٪ في  عام 2014 و69 ٪ في الربع الأول من عام 2015 من إجمالي الاحتجاجات العمالية، التي بلغت 1655 احتجاجاً عام 2015 ووصلت إلى 267 احتجاجاً في الربع الأول من 2015.

من بين أهم حالات الاحتجاج في أبريل/نيسان 2014، ما وقع في شركة نايل لنين جروب المملوكة للمستثمر، سعيد أحمد، رئيس المجلس التصديري للمفروشات المنزلية، فبعد أن قامت الشركة بتخفيض نسبة توزيع الأرباح أكثر من 50 % عن العام المالي السابق أصبح نصيب العامل 2180 جنيهاً مصريّاً (285 دولاراً أميركيّاً) في مقابل 5000 جنيه مصري (655 دولاراً أميركيّاً) للعامل فى العام السابق، مما اضطر محمد السيد وإسلام رمضان العاملين بالشركة إلى تأسيس صفحة إلكترونية على موقع التواصل الاجتماعي، " الفيسبوك"، للتعبير عن مظالم العُمال والأوضاع السيئة.

أدى نجاح الصفحة في اجتذاب أعداد كبيرة من العمال إلى الضغط على رئيس الشركة، الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع مسؤولي الأمن، مما دعاه إلى إبلاغ أجهزة الأمن للكشف عن هوية من يديرون الصفحة، ليتم اعتقال العاملين، بنفس الشكل المهين الذي وقع لعمال شركة بتروتريد.

يقول محمد لـ"العربي الجديد":"هددوني لو لم أعترف على مَن يدير صفحة الفيسبوك معي، أنهم سيقومون بإدخالي للمسجونين الجنائيين، لاغتصابي، ومن بعدها تم إجباري على الاستقالة".

يكشف التقرير، الذي اطلع عليه "العربي الجديد"، عن إحتلال القاهرة مقدمة محافظات الجمهورية من حيث عدد الاحتجاجات التي شهدتها، إذ بلغ إجمالي الاحتجاجات 394 احتجاجاً في عام 2014، ومن بعدها بفارق كبير تأتي محافظات الإسكندرية (وقع فيها 169 إضراباً) والغربية (151 إضراباً) والسويس (144 إضراباً) والشرقية (137 إضراباً) والمنوفية (119 إضراباً).

المطالب المادية لها الأولوية

يشير التقرير إلى تصدر المطالب المالية (أجور متأخرة، مطالب بصرف حوافز، أو مطالب بزيادة الأجور) نسبة 49 ٪ من إجمالي أسباب الإضرابات، وهو أمر متوقع خاصة في ضوء أهمية الاحتجاجات المطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور في العام الماضي. وتنقسم المطالب المالية بين مطالب دفاعية لحق منقوص، كتأخر الأجور والحوافز، وبعضها إيجابية يطالب فيها العمال بزيادة في الأجور.

لكن نهاية شهر أبريل/نيسان من العام الجاري، حملت خبرا سيئا للحالة العمالية في مصر، إذ أصدرت المحكمة الإدارية العليا، حكمًا يقضي بإحالة الموظفين العموميين المضربين عن العمل أو المعتصمين إلى المعاش، كعقاب لمخالفتهم أحكام الشريعة الإسلامية، وهي المسألة التي يراها يسري عبدالتواب، الباحث القانوني بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات "غير دستورية" ويقول لـ"العربي الجديد":"الحكم يشوبه عدد كبير من المشاكل، أقلها مثلا الاستناد على القانون 34 لسنة 2011، الساري فقط وقت تطبيق حالة الطوارئ، وهو ما يخالف ظرف صدور الحكم، ناهيك عن أنه مخالف للاتفاقات الدولية، التي يقرها الدستور المصري ولها قوة القوانين المحلية بعد توقيع مصر عليها".

تصاعد المواجهة الأمنية

مع تصاعد الاحتجاجات العمالية خلال العام الماضي، لجأت وزارة القوى العاملة إلى استخدام قوات الأمن كوسيلة لفض الاعتصامات، كما جرى في وقائع متعددة أبرزها فض اعتصام أصحاب المعاشات، وعمال شركة "الصناعات الهندسية بشبرا الخيمة" أمام مجلس الوزراء، واعتصام عمال شركة وبريات سمنود، وعمال "طنطا للكتان".

وتأتي واقعة اعتقال قوات الشرطة لــ 28 عاملاً من الأوقاف، كأبرز وقائع الاعتقال التعسفي للعمال خلال حكم  عهد السيسي، إذ قامت قوات الأمن المركزي بعملية اعتقال عشوائي لمئات العاملين بمساجد الإسكندرية المحتجين على تدني رواتبهم وذلك بعد تفريق وقفتهم الاحتجاجية أمام وزارة الأوقاف، ليتم تجديد الحبس لهم واعتقالهم على ذمة القضية.

يروي محمد ياسين، أحد عمال الأوقاف المُفرَج عنهم مؤخراً تفاصيل اعتقاله لـ"العربي الجديد" قائلا:" الشرطة قامت بتخييرنا بين التوقيع على الإقرار الصادر عن وزارة الأوقاف، الذي يحرم العمال من كافة حقوقهم عن فترة عملهم بالوزارة، أو الحبس، فرفض العمال التوقيع، فقامت باعتقالنا وتجديد الحبس لعدد من زملائنا".

حصل "العربي الجديد" على نص قرار التعيين، الذي ألزمت وزارة الاوقاف العاملين بها، على توقيعه، وينص على "قبلتُ أن يكون تعييني من تاريخ موافقة لجنة شؤون العاملين، أي أن يكون تعييني جديداً، ولا يحق لي المطالبة بأية حقوق سابقة، وإن كان ثمة دعاوٍ مرفوعة مني بخصوص المطالبة بمدة سابقة في الأوقاف على تاريخ التعيين، يكون هذا الإقرار بمثابة تنازل عن تلك الدعوى، وتنازل عن أية مدة سابقة، وهذا إقرار مني بذلك"، وهو ما يعد حرمانا للعمال من حقوقهم من قبل الحكومة.

820 عاملاً مفصولاً

وثقت "العربي الجديد" أعداد العمال المفصولين خلال الفترة منذ تولي عبدالفتاح السيسي الحكم منذ يونيو/حزيران 2014 حتى الآن، وبلغ عدد العمال المفصولين 820 عاملاً منهم 100 حالة اعتقال، تنوعت التهم ما بين الدعوة إلى الإضراب عن العمل والانتماء إلى جماعة إرهابية.

يغيب دور الاتحاد العام لنقابات مصر (حكومي) عن قضايا العمال، حتى أن رئيسه، جبالي المراغي، والذي كان من أبرز أعضاء حملة السيسي الانتخابية، سلمه ميثاق شرف في احتفال عيد العمال الماضي، يتعهد فيه باسم العمال بـ"رفض الإضراب، مع الالتزام بالحوار الاجتماعي، وتجديد العهد بدعم ما أسفر عنه مؤتمر دعم وتنمية اقتصاد مصر"، وهي المسألة التي يراها القيادي النقابي، ياسر عبدالله عضو دار الخدمات النقابية والعمالية أمراً طبيعياً، لأن الدولة هي مَن قامت بتعيينه لتأدية دور معين يتمثل في الترويج لجهود الحكومة وإحكام السيطرة على العمال، والتغاضي عن مطالبهم.

من جانبها، أكدت وزيرة القوى العاملة والهجرة، ناهد العشري، في تصريحات لـ"العربي الجديد" على مواصلة جهودها في حصر كافة أعداد العمال المفصولين، مؤكدة أن مديريات القوى العاملة والهجرة بكافة مكاتبها تبحث كافة الشكاوى وإحالة الحالات اللازمة للقضاء للفصل فيها.

وأضافت العشري أنه توجد لجنة جرى تشكيلها من جانب الوزارة لفحص ودراسة حالات الفصل التعسفي للعاملين المخاطبين بأحكام قانون العمل معتبرة في الوقت نفسه أن من يثبت عليه تهمة الانتماء إلى الجماعات الإرهابية، فالقضاء هو الفصل في هذه الأمور.

---------
اقرأ أيضاً :
موريتانيا.. لا يفلّ الحديد إلا الإضراب
التجنيد الإجباري في مصر.. الخدمة في صالات الأفراح
توت عنخ آمون.. تشويه قناع الملك بالمتحف المصري

دلالات