أحمد موسى.. رجل السيسي المجنون

أحمد موسى.. رجل السيسي المجنون

31 ديسمبر 2015
+ الخط -

توصلت أدبيات علم العلاقات الدولية إلى العديد من النظريات التي تحكم إدارة الأزمات الدولية، من بينها نظرية "المجنون" التي برزت في الأساس في الولايات المتحدة، للتعامل مع من يتحدونها في أي منطقة من العالم، ومفاد النظرية بأنه "ينبغي لأعداء الولايات المتحدة أن يفهموا أنهم يواجهون مختلين لا يمكن التكهن بتصرفاتهم".

في تقرير لها في أبريل/نيسان الماضي، كشفت مجلة "نيوزويك" الأميركية، أن الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، حاول تطبيق هذه النظرية بالتعاون مع مستشاره للأمن القومي ووزير الخارجية فيما بعد هنري كيسنجر، أثناء المفاوضات مع الجانب الفيتنامي خلال الحرب في فيتنام، إذ عندما كانت تصل المفاوضات إلى طريق مسدود، كان كيسنجر يحاول الإيحاء لرئيس الوفد الفيتنامي أن نيكسون ما هو إلا "رجل مجنون" وإنه إذا علم أن المفاوضات لا تسير على ما يرام، فإنه سوف يأمر بالهجوم على المدن الفيتنامية مرة أخرى، وينصحهم بضرورة تقديم التنازلات كي يتمكن من السيطرة على "المجنون الجالس في البيت الأبيض" كما يقول الباحث عبادة محمد التامر، في كتابه سياسة الولايات المتحدة وإدارة الأزمات الدولية: (إيران - العراق - سورية - لبنان أنموذجاً)، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

بالطبع لم يتمكن الأميركيون من استخدام هذه النظرية بما يخدم مصالحهم، ولم تؤد هذه الطريقة إلى تأثير كبير، وكان يسهل استنتاج أن ما يقوم به كيسنجر إنما هو بالاتفاق مع نيكسون.

اقرأ أيضا: التعاطف مع ضحايا رابعة وباريس.. 6 نقاط تكشف الفارق

النظام "المجنون"

إذا كانت هذه النظرية تطبق على مستوى الأزمات السياسية بين الدول، إلا أننا يمكن أن نرى فيها تشابها واضحا مع سلوك النظام المصري منذ ما بعد الانقلاب وحتى اليوم.

إذ لم يكتف النظام بالإيحاء بأن هناك أطرافا "مجنونة" داخله، وإنما لم يترك أي فرصة كي يؤكد أنه هو نفسه "مجنون" في تصرفاته ولا يمكن توقع أفعاله، نظام هيستيري يتحرك بدافع الانتقام ويؤمن تمام الإيمان أنه في معركة صفرية لا يجب فيها التنازل قيد أنملة، وهو ما ترجمه في ارتكابه فظائع غير مسبوقة صارت معروفة للجميع، يريد بها أن يؤكد على أنه لا توجد لديه أي خطوط حمراء، وأنه ليس لديه أي منطق، ليدفع معارضيه إلى الخوف والاستسلام.

موسى وكيل "الجنون"

من خلال الاستعراض السابق، يمكن القول إن المذيع أحمد موسى في مجال الإعلام يعد أوضح تعبير عن هذا النظام، فهو الأكثر تطرفا وحماقة وهيستيريا في الدفاع عن السيسي، والأكثر لامعقولية في مطالباته، وكأنه يريد أن يقول "أنا المجنون" أو كأن النظام يتركه يمارس ذلك العبث حتى ندرك جيدا أننا أمام "مجنون" لا يتورع عن فعل شيء، وأن النظام رغم جنونه إلا أنه يعتبر عاقلا أمام ما يقوله موسى وزملاؤه.

إذا كان بعض الإعلاميين قد تورطوا في التحريض على معارضي الانقلاب، والدعوة إلى قتلهم في الشوارع، فإن موسى تجاوز ذلك إلى الدعوة إلى تهجير المعارضين وأسرهم خارج البلاد، حتى إنه في حلقة حدد عدد القتلى من المتظاهرين الذين يريد من الشرطة أن تقتلهم في منطقة المطرية (400 شخص) مطالبا بدك المنطقة بالكامل.

كان موسى واحدا ممن ساهموا في الوصول بخطاب التحريض في الإعلام المصري إلى مستويات غير مسبوقة، وكان أحد "أبطال" التمهيد لمذبحة فض رابعة "أيا كانت الخسائر" على حد قوله. بالإضافة إلى التحريض على الاحتراب الأهلي "عايزكوا تنزلوا تدكوا المطرية.. مش عايز أشوف كلب إخواني فيها" متحدثا إلى وزارة الداخلية.

"القانون بالرصاص. الضرب في سويداء القلب" "عايز بكرة ألاقي دم، دلوقتي ألاقي دم، دم بالعشرات، دم بالمئات" "مش عايز حد يقبض على حد، أنا عايز جثث، جثث". كما قال بلسانه في مقتطفات من حلقات متفرقة لموسى.

اقرأ أيضا: المحكمة الدستورية والسيسي.. لا أرى لا أسمع لا أحكم



الدعاء على الظالمين

عندما دعا الشيخ محمد جبريل، على من سماهم "الظالمين" خلال ليلة السابع والعشرين من رمضان، خرج موسى صارخا مهاجما الشيخ. يومها تعجب كثيرون وقالوا إن موسى وقع في شر أعماله، لأنه بذلك يثبت بصورة غير مباشرة أن السيسي ونظامه هم الظالمون الذين قصدهم جبريل في دعائه، لكن الحقيقة أن موسى كان يريد فعلا توصيل هذه الرسالة: نعم نحن ظالمون ونغضب ممن يدعو على الظالمين، نحن "مجانين".

ما يدعم هذه الفرضية مثلا أن الموقع الرسمي لقناة "صدى البلد" التي يعمل فيها موسى أبرزت هجومه على الشيخ جبريل "بسبب دعائه على الدولة" على حد قول الموقع، رغم أن الدعاء كان واضحا أنه موجه ضد "الظالمين".

اقرأ أيضا: نيران صديقة في مصر..4 وقائع موثقة لضحايا الجيش والشرطة

"أنا بقول أهو"

يظن بعضهم أن موسى ليس أكثر من "ذراع" إعلامية مثل غيره، وأن ما يقوله لا يعد إقرارا من النظام بذلك، لكن استعراضا بسيطا للعلاقة بين موسى والنظام يثبت لنا أن الأول هو الأكثر قربا وحصولا على دعم النظام وتعبيرا عن حقيقته.

عندما هاجم السيسي الإعلام الذي طالما سانده، انتفض موسى مهاجما "الإعلام" أيضا، رغم أنه من المفترض أنه ينتمي إلى هذا الإعلام، لكنه بشكل ما اعتبر نفسه خارج المعادلة، أو أنه لا يعتبر نفسه "إعلاميا" بل أكبر من ذلك بالنسبة إلى السيسي ونظامه.

نجد هذا أيضا في مطالبة موسى بمنع عقد مؤتمر للتحالف الوطني لدعم الشرعية للرد على تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي أصدره حول فض اعتصام رابعة في أغسطس/آب 2014.

يومها هاجم موسى متوعدا وزارة الداخلية إن لم تمنع هذا المؤتمر وتعتقل كل من يشارك فيه، واعتقال كافة المؤيدين للإخوان الذين قدرهم بمليون شخص، مستخدما نبرة زاعقة، وناطقا كلمة تلازمه في كل جملة تقريبا من حديثه "أنا بقول أهو" عشرات المرات، وكأنه يتماهى مع النظام العسكري الذي لا يعرف غير طاعة الأوامر، فيكون موسى هو وكيل هذا النظام الذي من حقه أن يأمر. وبالفعل منعت وزارة الداخلية عقد المؤتمر، رغم أن النظام وقتها كان يسمح بهامش للحركة أمام تحالف دعم الشرعية قبل أن يغلقه هو الآخر ويعتقل قياداته كما كان يطالب موسى.

مظاهر الدعم من النظام

بلا شك فإن موسى هو الأكثر "إخلاصا" لرحلات السيسي الخارجية، فلم يتوقف عن المشاركة في أي من هذه الرحلات، رغم ما يتعرض له في كل مرة من اعتداءات والضرب على القفا والقذف بالأحذية والرشق بالطماطم والبيض، وهي اعتداءات أدت إلى توقف بعض الأذرع عن السفر مع السيسي حتى لا يحدث معهم ذلك مرة أخرى، لكن كل هذا لم يفتّ في عضد موسى.

ولا تقتصر العلاقة بين الطرفين على موسى وحده، وإنما يبادل النظام إخلاصه برعاية فائقة، تمثلت في تدخله لمنع حبسه في قضية السب التي صدر ضده فيها حكم نهائي بحبسه (تزامن ذلك الحكم مع سفر السيسي إلى ألمانيا، ورغم ذلك سافر موسى ليؤدي دوره المخلص وكأن حكما لم يصدر) كما ناقش السيسي بنفسه قضية الاعتداء على موسى أثناء زيارته إلى باريس مع وزير الداخلية الفرنسي، وذكرت قناة "صدى البلد" أن السيسي "انزعج بشدة" من الاعتداء على موسى. وخرج بعدها موسى نفسه ليؤكد أن السيسي "قلب الدنيا" بعدما علم بالاعتداء عليه.

يعد موسى الأكثر حضورا على المواقع الإخبارية للصحف المصرية، ففي كل ليلة تقريبا يكون له نصيب كبير من الأخبار، تتحدث عن تفاصيل حلقاته وأهم ما قاله هو وضيوفه، وكأننا بصدد "تفريغ" لبرنامجه لينتشر بكل الطرق، وبطريقة غالبا ما تكون مؤيدة لمضمون ما يقول، إذ تبدأ عناوين هذه الأخبار غالبا بكلمة "أحمد موسى يكشف... إلخ" أو "أحمد موسى يفجر مفاجأة حول ... إلخ" وكأن ما يقوله هو الصواب المطلق.

ولنعد بالذاكرة قليلا إلى الليلة التي أذيعت فيها التسريبات الأولى لمكتب السيسي على قناة "مكملين" الفضائية، وكيف تولى أحمد موسى مهمة محاولة التشويش على هذه التسريبات بإطلاق الشائعة المعتادة عن موت حسني مبارك.

في ذلك اليوم بدا وكأن المواقع الإخبارية المصرية تم تجنيدها لصالح موسى لمساعدته في عملية الإلهاء، ونشرت عشرات الأخبار عن الشائعة ومتابعة الاتصالات التي يقوم بها للتأكد من صحة الخبر المزعوم طوال ساعات حتى تنجح علمية التشويش التي فشلت في النهاية، لكنها كانت دالة على كيفية عمل المنظومة الإعلامية التابعة للسيسي بقيادة "المايسترو" أحمد موسى.

اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري.. كيف توسّعت القدرات المالية بعد الانقلاب؟

اعتداءات

رغم أن بعض الأذرع الإعلامية تم الاعتداء عليها بطريقة مماثلة لتلك التي تعرض لها موسى، خارج مصر، من قبل رافضي الانقلاب، مثل ما تعرض له مقدم البرامج يوسف الحسيني، إلا أن موسى يظل هو الأكثر تعرضا لتلك الاعتداءات وبأكثر الطرق عنفا وشراسة، يعود ذلك في جانب منه إلى كون موسى الأكثر التصاقا بالسيسي كما ذكرنا من قبل، لكنه يعود من جانب آخر إلى وجود علاقة وثيقة بين جموح موسى وتطرفه في دفاعه عن النظام، وبين جموح الاعتداء عليه والإصرار على اختياره هو بالذات لممارسة العنف بتلك الصورة عليه.

خلال تلك الأحداث التي رافقت تواجد إعلاميي السيسي معه في الخارج، لم يجد بعض معارضي الانقلاب، غضاضة في مناقشة بعض الأذرع الإعلامية، حتى وإن كانت مناقشات حادة، لكنها لم تتجاوز الاشتباك اللفظي، إلا أنهم تجاوزوا ذلك إلى ما هو أكثر بكثير مع موسى، رغم أن ذلك يعرضهم في أحيان كثيرة إلى القبض عليهم من قوات الشرطة وسجنهم، لكنهم لا يبالون، وكأن طاقة الغضب بداخلهم تتعدى أي تخوفات من الشرطة، وتجعلهم يودون توجيه رسالة كراهية لموسى تليق بحجم الكراهية و"الجنون" الذي يبثه بشكل يومي على شاشة قناته.

مصير واحد

إذا كان الإعلاميون يشعرون بأنهم جزء من النظام، وأن انهيار ذلك النظام سيؤدي بالضرورة إلى الانتقام منهم بسبب ما فعلوه، الأمر الذي يجعلهم يتطرفون أكثر فأكثر في تأييده، فمن الطبيعي أن يكون موسى أكثرهم تخوفا من هذا السيناريو المرعب، فنراه في حلقة من حلقات برنامجه يتعهد باستمرار ما يقوم به "دون خوف" وإلا "نتدفن أحسن.. نموت أحسن.. نضرب نفسنا بالرصاص" حسب تعبيره، مضيفا "يإما تأدي رسالتك ووسيلتك وأمانتك قدام بلدك وقدام شعبك وتبقى راجل يإما تضرب نفسك بالنار أحسن".