تردي البيئة العربية[3/7]..غابات ليبيا.. من "الزردة" إلى مكب للنفايات

تردي البيئة العربية[3/7]..غابات ليبيا.. من "الزردة" إلى مكب للنفايات

08 يوليو 2015
الاحتطاب والحرائق والتعديات دمرت غابات ليبيا (فرانس برس)
+ الخط -
يشعر الليبي أحمد السويحلي بحسرة شديدة على مساحات شاسعة من الأشجار، كانت بمثابة مصدات رياح تحمي مدينته تاجوراء (شرقي طرابلس) من زحف التصحر، لكنها ضاعت بعد الثورة، تم قطعها، والبناء على الأرض بهدف السكنى أو البيع للآخرين مما أدى إلى انتهاء الغابات، التي تم تشجيرها في عهد الحكم العثماني وعهد الملك إدريس السنوسي قبل حكم معمر القذافي لليبيا 1969.

"يتحجج من دمروا الغابة بأنها ملك سابق للعائلة"، يقول السويحلي، والذي تشبه معاناة مدينته البيئية، ما حدث في مدينة شحات بإقليم الجبل الأخضر شرقي ليبيا المعروفة بكثرة غاباتها، كما يقول الناشط صلاح بو نباء. يقول صلاح لـ"العربي الجديد":"ما تحدث عنه السويحلي عن غابات غرب ليبيا، يشبه تماماً ما حدث في شرقها، إذ أقيمت مبان سكنية على أراضي الغابات، التي كانت مكان للزردة أي الرحلات البرية كما يطلق عليها الليبيون".

مصدر للفحم ومكبات للنفايات

يرجع المهندس، عدنان جبريل، وكيل وزارة الزراعة الليبية السابق، ما لحق بالغابات من تدمير، إلى استغلال أراضيها في الأغراض الزراعية والعمرانية، أو للحصول على الفحم، أو تحويل أراضيها إلى مكبات للنفايات أو مناطق تصريف للصرف الصحي كما حدث في الجبل الأخضر وكثير من المناطق.

في فترة ما بعد الثورة، تزايدت الاعتداءات، يقول جبريل متابعا "ما شهدته الغابات من اعتداءات وتخريب خلال الأربع سنوات الماضية صادم".

توسعت الرقعة الغابية في عهد الملك إدريس السنوسي من 0.25% من مساحة الدولة الليبية، تركزت في الجبل الأخضر على ساحل شرق ليبيا وبقايا تشكيلات طبيعية أخرى في جبل نفوسة غرب ليبيا، إلى نحو 300 ألف هكتار في المنطقتين الغربية والشرقية، مما زاد من مساحة الرقعة الجغرافية للغابات فأصبحت تشكل ضعف المساحة الطبيعية للغابات حتى حوالى 0.50% من المساحة الجغرافية لليبيا (1.760.000 كيلومتر مربع)، تمت عمليات التشجير لحماية المدن والأراضي الزراعية من هجوم الرمال وتحصين التربة من الانجرافات، لكن "معظم هذه المساحات الشجرية انتهت الآن" كما يقول جبريل.

الحرائق والاحتطاب

ونتيجة الحرب التي تدور رحاها في عدد من مدن الشرق الليبي حالياً، رصدت "العربي الجديد" رواجاً واسعاً للحطب المستخرج من أشجار غابات الجبل الأخضر بداية العام الجاري، بسبب العجز الشديد في غاز الطهو والانقطاع المتكرر للكهرباء مما اضطر المواطنين إلى البحث عن بدائل للتدفئة وطهو الطعام ، خاصة وأن منطقة الجبل الأخضر تتميز بشدة البرد بسبب طبيعتها الجبلية المرتفعة عن مستوى سطح البحر.
يحمّل الليبي، سلطان مهدي، أجهزة الدولة التنفيذية والأمنية في الجبل الأخضر مسؤولية ما تعرضت له الغابات من حرائق قائلاً "في منتصف العام قبل الماضي 2013، اجتاحت الحرائق غابات الجبل الأخضر بشكل متزامن، غالب الظن أنها مفتعلة من قبل بعض الطامعين بهدف الاستيلاء على الأرض بعد تجريدها من الغطاء الشجري، بينما وقفت الدولة تتفرج على الحرائق تلتهم الغابات في مناطق رأس الهلال والوسيطة ـ التي فقدت 1000 هكتار من غاباتها ـ وشحات والحنية والأثرون وبلخنة وحنون وكلها مناطق وقرى بالجبل الأخضر، ثم طلبت الغوث من دول تونس وتركيا وإيطاليا وإسبانيا التي أرسلت بعضها طائرات للمساهمة في إخماد الحرائق. وإلى يومنا هذا لم يُكشف عن الفاعلين ولم يعاقب أحد وضاعت مساحات كبيرة من الغابات".

المهندس عدنان جبريل اعتبر الحرائق سبباً مهماً من أسباب تقلص مساحة الغابات في ليبيا، مؤكداً أنها مفتعلة أو نتيجة للإهمال، ويتابع موضحا "بشكل طبيعي ساهم ارتفاع درجة الحرارة في تمدد الحرائق، لكن توجد عوامل مساعدة مثل حرق النفايات التي تسبب في اندلاع الحرائق، كما أن الآفات الحشرية والمرضية وغيرها من الأمراض النباتية الأخرى، ساهمت في تقليص الرقعة الغابية، لكن بالدرجة الأولى الحرائق تعود إلى الفساد ورغبة بعض الأفراد في الاستيلاء على أراضي الغابات".

يتفق الدكتور عبدالسلام الصلاي، الأستاذ بجامعة عمر المختار، ومدير مركز البحوث الزراعية والحيوانية، مع رأي المهندس جبريل، ويضيف "تقلص المساحة الشجرية له مردود صحي سيئ، خاصة على مرضى الربو والأمراض الصدرية كما يتسبب تجريف الغابات في التصحر وانتشار العواصف الرملية والغبار الرملي في الأجواء، بالإضافة إلى الأضرار الاجتماعية المتمثلة في الحرمان من التنزه في أجواء عائلية وترفيهية في هذه الغابات".

قوانين القذافي

في عهد نظام القذافي تم إلغاء وزارة الزراعة عام 1986، وهو ما يعده المهندس، عدنان جبريل، أبرز أسباب الكارثة التي حلت بالغابات في ليبيا. يقول جبريل: "لم تشهد ليبيا قبل فترة القذافي اعتداءات على الغابات بأي شكل من الأشكال في ظل قوانين مفعّلة تحمي الغابات، إذ كانت إدارة الغابات واحدة من أهم الإدارات في وزارة الزراعة عبر تاريخها، وقد صنفت ليبيا في عقد الستينيات من القرن الماضي من قِبل الأمم المتحدة باعتبارها الدولة الرائدة على مستوى العالم في مكافحة التصحر، لكن عندما ألغيت الوزارة بكامل إداراتها وأجهزتها الضبطية والرقابية المختلفة على مستوى الدولة، فتح الباب على مصراعيه أمام التعديات فشهدت الفترة من 1986 إلى 1990 عبثا كبيرا بالغابات واعتداء كارثيّاً دونما حسيب ولا رقيب، ثم أُعيدت وزارة الزراعة عام 1990، لكن المأساة كانت قد وقعت وأصبحت آثارها السلبية ملموسة وظاهرة مما فتح الباب أمام استمرار التعديات".

وفي عام 1992 تم إنشاء جهاز الشرطة الزراعية من أجل دعم حماية الموارد الطبيعية بما فيها الغابات، لكن المؤسف أن العبث لم يتوقف، كما يقول المهندس جبريل.
في الفترة التي تلت ظهور قانون "الأرض ليست ملكاً لأحد" عام 1986، والذي أصدره نظام القذافي وإلغاء وزارة الزراعة، حدث اعتداء كبير وتحويل لرقعة غابية مهمة إلى الأغراض الحضرية والبناء والعمران، كما يتابع جبريل موضحا، أنه تم الاعتداء على أراضٍ غابية بحجج تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل، لكن هذه الأراضي لم تكن زراعية بالأساس وبالتالي فقدت خصوبتها بسرعة، بعد إزالة الغطاء الشجري بسبب مبررات واهية أدت في النهاية إلى تدمير كبير للغابات.

في أواخر عهده، حاول نظام القذافي تجميل صورته فأصدر القانون رقم 15 لسنة 1371 و ر (بتأريخ القذافي يعادل 2003) في شأن حماية وتحسين البيئة، الذي جاء في مادته الخامسة "على الجهات العامة المختصة أن تأخذ في الاعتبار الطرق والوسائل الكفيلة بالمحافظة على توازن البيئة عند وضع مخططاتها المتعلقة بالتطوير العمراني وإنشاء المدن السكنية وإقامة المصانع وغيرها من المنشآت الأخرى".

وفي المادة رقم 53 في البند السادس نص على "إقامة الأحزمة الخضراء لمنع انجراف التربة والمحافظة على الغطاء النباتي"، كما نص في المادة رقم 54 البند الثالث على "حماية جميع أنواع الحياة النباتية من أشجار فاكهة وغابات ونباتات طبية وغيرها من النباتات، وعلى الأخص البرية منها لمنع انقراضها" وحدد القانون في المادة 72 "عقوبة بغرامة لا تقل عن ألف دينار (740 دولاراً) ولا تتجاوز خمسة آلاف دينار (3700 دولار) بحق كل من قام بقطع أشجار الغابات بدون ترخيص أو ألحق الضرر بالمساحات الخضراء أو أضرم فيها النيران بأي شكل كان، أو قام بتغيير أو إخفاء أماكن العلامات المحددة للغابات".

نظام القذافي كان قد تسبب في حرق مساحات كبيرة من الغابات، أثناء قصفه منطقة شرق الجبل الأخضر بالطيران الحربي عام 1996، في محاولة للحد من أنشطة مقاتلين معارضين له تحصنوا في غابات الجبل ووصفهم وقتها بالمتطرفين.

الانفلات وخذلان الدولة

تشكو الجهات المعنية بحماية البيئة في ليبيا من قلة المخصصات المالية وضعف التمويل لبرامج حماية البيئة وغياب الرادع القانوني والأمني في مواجهة التعديات المتزايدة باضطراد، وعدم قدرة أجهزة الدولة التنفيذية والأمنية على إيقاف هذه الانتهاكات، وهو ما أرجعه الناشط، صلاح بو نباء، إلى الطبيعة القبلية التي يتسم بها المجتمع الليبي، إذ يصعب التعامل مع هذه الأمور بالمنطق الأمني والقانوني فقط في ظل ممارسة المعتدين على أراضي الغابات للضغوط القبلية على أجهزة الدولة واستنادهم لقوتي القبيلة والسلاح، بحسب تعبيره.

لكن المهندس عدنان جبريل أثنى على جهود مؤسسات المجتمع المدني خلال السنوات الأربع الماضية ونشاطها في مجال نشر الوعي وتشجير بعض المناطق والمرافق التعليمية والصحية والسياحية وغيرها، وتنظيف بعض الغابات، لكن بحسب تعبيره، فإن دور المجتمع المدني في الأساس يبقى دوراً مكملاً لدور الدولة التي قال إنها تعاني من نقص الطرق والبرامج البديلة للاستخدام والاستفادة من الغابات، بعد تدمير جزء كبير منها خلال حقبة القذافي لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل على حساب الإنتاجية والبيئة، قائلا "لا يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تأخذ دور الدولة، وليس هذا في استطاعتها، ولا تمتلك الأجهزة والموارد المالية والخبرات الكافية، ومع ذلك كان لها نشاط ملحوظ ومشهود، فهي على أقل تقدير حافظت على أن يبقى ناقوس الخطر يدق بعواقب الكارثة البيئية التي يمكن أن تحدث، إذا استمر العبث بالغابات على هذا المنوال.

--------
اقرأ أيضا :
تلوث البيئة العربية [1/7].. سموم "الحرّاقات" تقتل السوريين
تردي البيئة العربية[2 / 7]..الرياض على وشك الاختناق