استهداف المعارضين المصريين في الخارج... تضييق للإسكات

استهداف المعارضين المصريين في الخارج... ضغوط لإعادتهم أو إسكاتهم

30 نوفمبر 2018
استهداف عائلات المعارضين في الخارج(صفحة هشام عبدالله على فيسبوك)
+ الخط -
لا يفتأ النظام المصري وأذرعه الإعلامية يقللون من أهمية المعارضين في الخارج، والتأكيد على الرفض الشعبي لهم، لكن بالرغم من ذلك الخطاب والفكرة المركزية التي تكررها وسائط النظام الإعلامية، وتلك الخاصة والحزبية من المحسوبة عليه، يعاني معارضون مصريون مقيمون خارج البلاد من محاولات تضييق متنوعة لإسكاتهم أو إجبارهم على الحياة في صمت عبر تهديدهم أو ممارسة الضغوط عليهم أو التنكيل بذويهم في الداخل.

وتختلف أدوات استهداف الإعلاميين والمعارضين إذ يعمد النظام إلى محاولة التواصل معهم في البداية من أجل استمالتهم وتخفيف حدة خطابهم، وفي حالة عدم الاستجابة تتنوع الضغوط، بدايةً من التهديد وإصدار أحكام قضائية بالسجن، ومرورا باستهداف العائلة المقيمة في مصر قانونيا أو حتى هدم منزل العائلة كما جرى مع
أسامة جاويش، المذيع السابق في قناتي مكملين والحوار، والذي قال لـ"العربي الجديد" إنه تعرض في مصر لمحاولة قتل خلال أغسطس/آب من عام 2013 ما دفعه للسفر إلى تركيا، وبعد ظهوره على قناة مكملين أُقيل من عمله طبيب أسنان من وزارة الصحة في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2014، وتبع ذلك إقامة دعويين قضائيين لإسقاط الجنسية المصرية ضده، تم حفظ إحداهما والأخرى ما زالت قيد التحقيق.

يُضيف جاويش أنه وبعد إذاعته بعض التسريبات التي تناولت عبد الفتاح السيسي، تلقى تهديدات بالقتل وخطف أبنائه من إسطنبول، ثم أُحيل إلى قضية عسكرية على خلفية التسريبات، ليتم الحكم عليه بالسجن الغيابي لمدة خمس سنوات بتهمة بث أخبار كاذبة، في الوقت الذي قدّم ضده موالون للسلطة بلاغات تتهمه بالتخابر مع قطر، وتم وضع اسمه على قوائم الإرهاب، ثم تقدمت السلطات المصرية ببلاغ للإنتربول لمطالبة الحكومة التركية بالقبض عليه وتسليمه إلى مصر.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، والحديث لجاويش، "إذ دمرت قوات الأمن بيتي بالكامل في محافظة دمياط شمال غرب القاهرة في يناير/كانون الثاني من عام 2018، ومنعوا تصوير ذلك أو تحرير محضر بالواقعة لمن وكلتهم بذلك".

بسبب ما تعرض له جاويش غادر تركيا بحثا عن ملاذ آمن لمحاولة البداية من جديد تاركا خلفه زوجته وأطفاله في مدينة إسطنبول التركية.

وقضت محكمة جنح القاهرة على جاويش بالسجن لمدة خمس سنوات مع الشغل، لنشر وإذاعة أخبار كاذبة تضر بمصلحة الوطن، وفي يناير الماضي نشرت عدة مواقع إلكترونية خبر اقتحام منزله بمحافظة دمياط وتدمير محتوياته بالرصاص الحي، بعد إذاعته تسريبات صوتية لعبد الفتاح السيسي ومعاونيه.

حالة أخرى مشابهة، إذ تعرض مسعد البربري، المدير التنفيذي السابق لقناة مصر 25، للقبض عليه من بيروت وترحيله إلى مصر من دون أي سبب، كما يروي قائلا إنه كان قد غادر مصر متجهاً إلى بيروت بعد فض اعتصام رابعة العدوية، إذ تم احتجازه في مبنى الأمن الوطني ليوم واحد تم إطلاق سراحه بعدها.

يُضيف مسعد قائلاً "أثناء إقامتي القانونية في بيروت تم القبض عليّ من قبل الأمن العام اللبناني يوم 2 إبريل/نيسان عام 2014، ثم احتجازي في مبنى الأمن العام لمدة خمسة أيام، تبعها اقتيادي بالقوة إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، حيث تم إجباري على ركوب طائرة مصر للطيران الذاهبة إلى القاهرة وتم حجز تذكرتي بمعرفة الأمن المصري، وإنهاء إجراءات سفري داخل المطار، على أنها بشكل طوعي وأني مسافر بمحض إرادتي، وحاولت الاستغاثة بقائد الطائرة من دون جدوى، إذ كان يرافقني قوة من 3 ضباط لبنانيين مدججين بالسلاح، حتى الوصول إلى مطار القاهرة، وهناك تم التحقيق معي بمعرفة خمسة ضباط من الأمن الوطني، وتم ترحيلي بعدها إلى تخشيبة الجيزة ثم سجن استقبال طرة، والذي بقيت فيه حتى 18 مايو/أيار من عام 2017، وكنت قد أُحلت إلى محاكمة على ذمة قضية غرفة عمليات رابعة التي حُكم عليا فيها بالسجن المؤبد، ثم قُبل طعني وتمت تبرئتي وسافرت بعدها إلى تركيا".

وأدانت منظمات حقوقية عدة، واقعة ترحيل البربري من لبنان كونه لم يكن مدرجاً على أية لوائح دولية تسمح بترحيله ما يهدد حياته للخطر، خاصة أن عودته قد تمت تحت غطاء كاذب وادعاء أنها تمت بشكل طوعي.


رفض استخراج الوثائق


خرجت غادة نجيب، زوجة الممثل والإعلامي هشام عبد الله، في عام 2016 هي وزوجها وأطفالها من مصر خوفاً على حياتهم ما دعاهم للذهاب إلى تركيا، ولكن منذ وصولنا إلى إسطنبول لم تتوقف الضغوط المصرية على العائلة كما تقول، "بداية من رفض القنصلية استخراج أية وثائق رسمية لي أو لزوجي أو أطفالي، إذ رفضوا استخراج شهادات ميلاد للأطفال لاستكمال أوراق الإقامة، ورفضوا استخراج جواز سفر لزوجي بعد انتهائه أو عمل توكيل رسمي منا لأحد الأقارب في مصر بدعوى عدم ورود الموافقات الأمنية على ذلك أو بحجة عدم وجود اسمي على النظام الآلي بالسفارة".

وتُضيف غادة "في نوفمبر 2017 تم التواصل معي عن طريق زوج صديقتي الذي تم تكليفه من النظام بالعرض علينا العودة إلى مصر دون خوف وتأسيس حزب سياسي معارض بسقف مقبول، وهو ما رفضناه ورددنا عليه أننا سنعود بعد خروج المعتقلين من السجون"، وتابعت "تكرر العرض أثناء الانتخابات الرئاسية في مايو 2018، إذ طُلب مني الموافقة على التحدث مع أحد المسؤولين الكبار في جهاز أمني، وهو ما رفضته أيضاً".

تابعت غادة "بعد ذلك بدأت موجة من التنكيل بالعائلة الكبيرة، بدأت باعتقال شقيقيّ، إسلام ويوسف، في يوم 31 يونيو/حزيران الماضي، أحدهما من الزقازيق والآخر من القاهرة، ثم اعتقال شقيق زوجي الكبير البالغ من العمر 65 عاماً من دون أسباب، ثم تم التواصل مع هشام عن طريق أحد المسؤولين في القنصلية المصرية بإسطنبول، طالباً منه التهدئة والتوقف عن إهانة الرموز الوطنية وقيادات النظام، وهو ما رفضه عبر برنامجه في قناة الشرق التي تبث برامجها من إسطنبول، وهو ما تبعه اعتقال هشام زوجي من منزلنا في إسطنبول عن طريق الإنتربول لتسليمه إلى مصر في 16 أغسطس/آب الماضي، إلا أنه قد تم الإفراج عنه بعد أربعة أيام".

وكانت الدائرة 21 إرهاب في محكمة جنايات الجيزة قد حكمت بالحبس على هشام بالسجن ثلاث سنوات عام 2016 بتهمة نشر الأخبار الكاذبة، كما أدرجت المحكمة اسمه في يونيو/حزيران الماضي على قوائم الإرهاب، بينما ضمت نيابة أمن الدولة العليا اسمي شقيقَي غادة في القضية رقم 441 بتهم الانضمام لجماعة محظورة وبث أخبار كاذبة.
 

توسع في استهداف المعارضين


لا تتوقف عمليات الاستهداف على الإعلاميين، إذ يعاني من آثارها كل المحسوبين على المعارضة، حتى ولو لم يكن لهم أي نشاط، وهو ما وثقه معدّ المادة عبر 20 دعوى إسقاط للجنسية المصرية عن معارضين في الخارج، أبرزهم الدكتور يوسف القرضاوي، الرئيس السابق لاتحاد العلماء المسلمين، على الرغم من كونه في التسعينات من العمر، بينما تقدمت الحكومة بـمشروع قانون في سبتمبر/أيلول من العام الماضي يسمح لها بالتوسع في إسقاط الجنسية عن المعارضين السياسيين، وفق ما أكدته منظمات مصرية حقوقية.

ويمتد الاستهداف حتى دول مثل ألمانيا، كما يقول الناشط المصري المقيم في برلين كريم صابر، (اسم مستعار خوفاً على أمن عائلته)، والذي قال إنه بعد إعلان الحكومة الألمانية عزمها التصديق على اتفاقية تعاون أمني مع النظام المصري شارك في تنظيم حملة في مواقع التواصل الاجتماعي، وعدة مظاهرات في العاصمة برلين، وبعد تهديدات وتحذيرات تلقاها اعتقلت قوات الأمن والدي في مصر وأخفته لعدة أيام لإسكاتي، ثم تم إطلاقه لاحقاً من دون محضر ضبط أو قضية.

وأقر البرلمان الألماني "بوندستاغ" اتفاقية للتعاون الأمني مع النظام المصري، في إبريل/نيسان من عام 2017، وذلك للتعاون في ملفات الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة وغيرها، وكان أحد أطرافها جهاز الأمن الوطني المعروف عنه التوسع في التعذيب والإخفاء القسري، بينما صدق عليها السيسي في 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2017.

ويصف عليّ الرجال، الباحث في علم الاجتماع السياسي، ما يقوم به النظام المصري بأنه "هاجس من أية معارضة خارجية، فهو شديد الحساسية من الإزعاج الدولي كونه دائماً ما يُصدر نفسه بوصفه الخيار الوحيد لاستقرار المنطقة"، وتابع الرجال: "يخشى النظام من المعارضة في الخارج ومن المجتمع المدني في الغرب الذي يمارس الضغوط على الأنظمة في الخارج، لذا فإن بعض الأمور مثل الحديث عن مشتريات أسلحة من فرنسا لدولة تمارس عمليات قمع داخلي مثلاً هي أمر في غاية الخطورة عليه".

ويُضيف الرجّال أن النظام يرى أنه أحكم السيطرة داخلياً ويرى في إسكات المعارضة في الخارج الهدف الحالي، وهو ما تراه في خطاب المؤيدين الذين يتحدثون عن قرب ترحيل كل المعارضين في الخارج لتأديبهم داخلياً، الأمر الذي يعد أحد دوافعه لتعزيز الاتفاقات الأمنية مع السودان مثلاً، والذي بدأ في تسليم المعارضين السياسيين إلى مصر، منتظراً الرد بالمثل وتسليم المعارضين السودانيين في مصر.

وبالفعل، فإن منظمة هيومن رايتس ووتش أعلنت يوم الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني ترحيل المعارض السوداني محمد البوشي، والذي كان قد أُخفي قسرياً في مصر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

لكن الرجّال يستبعد إقدام النظام على أفعال مثل التي تمت مع الصحافي الراحل جمال خاشقجي، لأن تكلفتها أكبر من قدرة النظام على التحمل، قائلاً إن: "تاريخ النظام المصري منذ يوليو 52 لا يعرف اغتيال المعارضين في الخارج، حتى مع وجود حالات شديدة الالتباس مثل مقتل أشرف مروان، لكن يبقى النظام المصري تاريخياً مختلفاً تماماً عن النظامين السوري والعراقي".