آيات الرحمن في جهاد الهان

آيات الرحمن في جهاد الهان

27 اغسطس 2015
عشرات الأطفال بملامح صينية يحملون السلاح في سورية(الإنترنت)
+ الخط -

(1)

"تعال يا صديقي إلى الخلافة التي أعلنت الآن.. السعادة والبهجة لأهل الإيمان اليوم.. نحمد الله الذي منحنا النصر والمجد والشرف.. كم انتظرنا طويلاً هذا اليوم".

من نشيد باللغة الإيغورية نشره داعش في مايو/ أيار 2015.

(2)

24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989.. الشيخ عبدالله عزام في الطريق إلى مسجد سبع الليل، الذي بنته جمعية الهلال الأحمر الكويتية في باكستان، لعلّه كان يراجع خطبة الجمعة التي سيلقيها اليوم، كان يفكر بألم في الفتنة التي تحدث الآن. من يصدّق أن يتقاتل المجاهدون الأطهار، بعد أن نصرهم الله؟!

في البداية كان كل شيء مثالياً. الشيخ الفلسطيني طلب عام 1981 من إدارة جامعته السعودية أن تعيره إلى باكستان. كرّس الشيخ عزام حياته كلها لجذب الشباب العرب للجهاد الأفغاني، تدريجياً زاد نفوذه وشهرته، حتى أنشأ دار خدمات الجهاد عام 1984، وتولى بالتعاون مع الاستخبارات الباكستانية وجهات سعودية ترتيب توافد آلاف المجاهدين العرب، تدريبهم وتسليحهم، وكانت أغلب الدول العربية ترحب، حتى أن السعودية خفضت سعر تذكرة الطيران لأقل من النصف.

كان الشيخ يطوف العالم الإسلامي ليحكي عن كرامات الشهداء الذين فاح المسك من جراحهم، والشهداء الذين لم يتمكن أحد من نزع سلاحهم من أيديهم، كل ذلك جمعه في كتابه الشهير "آيات الرحمن في جهاد الأفغان".

الأب الروحي للجهاديين كان تأثيره طاغياً، وانتشرت فتواه أن الجهاد فرض عين. كتب في وصيته عام 1986: "الناس كلهم آثمون بسبب ترك الجهاد.. لا إذن لوالد على ولده، ولا زوج على زوجته". فجأة بدأ عالمه كله ينهار. أسامة بن لادن أوقف التبرع لدار الخدمات، وأقام معسكره الخاص "القاعدة"، قادة الجهاد الأفغان بعد النصر أصبحوا أمراء حرب وبدأوا الاقتتال.

من آخر ما كتب بحياته مقال بعنوان "حسبنا الله ونعم الوكيل"، يقول به: "لقد اطمأن الغرب تحت زعامة العم سام أن مصالحه في أواسط آسيا وغربها لم تعد مهددة.. أما وتر التدمير والإبادة والمعوقين الذي استعملته أميركا قميصاً تتاجر به في المحافل الدولية لتحطيم سمعة روسيا، فقد اختفى".

ويظهر حزنه من تغيّر موقف العالم الإسلامي: "قال لي خطيب مسجد مشهور في جدة أصبحنا الآن نستحي أن نتكلم فوق المنابر بكلمة واحدة عن الجهاد الأفغاني".

قبل عام واحد من هذا التحوّل الدرامي كان الشيخ عزام يتكلم بكل ثقة في فبراير/ شباط من العام 1988 رداً على شائعات من "وسائل الإعلام اليهودية"، بوجود تسليح أميركي بأن القادة الأفغان رفضوا المساعدة الأميركية في مجال الإغاثة، رغم ضرورته كأكل الميتة، (المصابون ينشرون أقدامهم بالمناشير)، فما بالنا بتلقي السلاح.

فجأة صمتت كل الأصوات في رأس عزام بعد دوي صوتٍ أعلى: انفجار اللغم تحت سيارته.
لم يعرف أحد حتى اليوم من قتل الأب الروحي.



(3)

26 يوليو/ تموز من العام 2013.

العائلة الصينية اللطيفة تبدو سعيدة بهذه الرحلة البعيدة إلى بكين.. رجل وزوجته ووالدتها المسنّة يحيّون رجال الأمن بود، فيُسمح لهم بالمرور بسهولة.. وصلوا إلى ميدان تيانانمين، أهم ميادين العاصمة وأكثرها تأميناً، وازدحماً بالسياح.

العائلة اللطيفة تبدو سعيدة لأنها وصلت إلى الصورة العملاقة للزعيم ماو تسي تونغ.

العائلة اللطيفة سعيدة لأنها ذاهبة في رحلة أخرى إلى الجنة، إذ أسفر التفجير الذي نفذوه عن مقتل اثنين من السائحين، و40 مصاباً. العائلة كانت من الإيغور، تحديداً من حركة "الحزب الإسلامي التركستاني".

الإيغور قومية مسلمة تعيش في مقاطعة شينجيانج الصينية، صاحبة الاسم القديم: تركستان الشرقية، يتحدثون لغة قريبة من التركية. عبر مئات السنين حدثت عشرات الحروب الضخمة بين عرق الإيغور وبين عرق "الهان" الذي يمثل أغلبية الصين. في العصر الحديث غزت الصين تركستان أعوام 1878، 1933 ثم كان الغزو الدموي الأخير بعهد ماو تسي تونغ عام 1949، وبعده أطلقت الصين عليها الاسم الحالي.

الحكومة الصينية الشيوعية اتخذت سياسات قاسية وتمييزية لإرغام الإيغور على الاندماج، منها فرض التعليم والمعاملات الحكومية باللغة الصينية، التضييق على بعض الشعائر الإسلامية كمنع النقاب بحزم شديد، يحرم المنقّبة من كل شيء، ومراقبة مشددة لخطب المساجد، حتى أن بعض الإدارات المحلية أمرت الطلاب والموظفين الحكوميين في بعض الأعوام بعدم صوم رمضان.

السياسة الأكثر تأثيراً كانت تشجيع هجرة الصينيين من مناطق أخرى، حتى أن نسبة الإيغور انخفضت إلى 46% من سكان المقاطعة، علماً بأن عددهم يتراوح ما بين 9 إلى 10 ملايين نسمة.

رغم كل السياسات والأعوام رفض الإيغور الذوبان، حتى مع أقرانهم المسلمين، علماً بأن الإيغور واحدة من 10 قوميات/ أعراق مسلمة من 56 قومية صينية. أحد هذه الأعراق المسلمة هم الخوي (الهوي)، كانوا من أوائل معتنقي الإسلام عام 31 هجرية، وهم صينيون أقحاح بالتاريخ والثقافة واللغة، لذلك تعامل معهم الإيغور باعتبارهم احتلالاً كالـ"هان" بالضبط.

تاريخياً، المسلمون الصينيون على المذهب السني الحنفي، تنتشر بينهم الطرق الصوفية، عدد أتباع الطرق الصوفية من الخوي فقط وصل عام 1950 إلى نصف مليون صيني. الصوفية مسالمة وهادئة تليق بالخوي الذين لا يشعرون بأي تمييز، لكن الإيغور الغاضبون بحاجة لأيديولوجيا أكثر تعبئة.

عام 1997 هاجر الشيخ حسن مخدوم إلى أفغانستان، حيث أسس في كنف طالبان والقاعدة حركته "الحزب الإسلامي التركستاني". كانت بيانات الحزب المتوعّدة تظهر مع إصدارات القاعدة، إلا أن تأثيره الواقعي كان محدوداً جداً. وقتل مخدوم على أيدي القوات الباكستانية في 2003.

اقرأ أيضاً: إمبراطورية آل مخلوف المالية..أسرار علاقة خال بشار الأسد بإسرائيل

أخيراً أتى العصر الذهبي للحزب مع عصر الجهاد السوري.

في 2011 و2012 ظهر مقاتلو الإيغور كأفراد لبوا النداء المقدس، وقاتلوا مع النصرة وأحرار الشام، قبل أن يرفض زعيمها أبوعبدالله الحموي انضمامهم لمخاوف أمنية. البداية الحقيقية مع مطلع 2013 حين أعلن الحزب إنشاء تنظيمه الخاص "الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام"، وأصبحت لمقاتليه معسكرات خاصة اجتذبت المئات منهم.

في أغسطس/ آب 2014 نشر الحزب إصدار "طوبى للغرباء"، وبه يظهر العشرات من المقاتلين الإيغور حول أبو رضا التركستاني، الذي يتحدث عن العمليات التي قاموا بها في الصين، وخلفه تظهر صور جثث الصينيين، ويقول إنهم نفذوا 20 عملية جهادية في 4 أشهر فقط.

افتخر بشكل خاص بعملية قطار أورمجي (أوروموتشي)، حيث "قُتل 50 صينياً كافراً وجرح مائة"، فكبّر الحاضرون جميعاً.

في أبريل/ نيسان 2015 نشر الحزب إصداراً خاصاً بمشاركته في تحرير جسر الشغور مع جيش الفتح، يبدأ الإصدار ببكائهم تأثراً بينما يدعون الله، ثم معارك ضارية تنتهي برفع أبو رضا التركستاني رايتهم فوق إحدى بنايات المدينة وسط دوي التكبيرات. في أغسطس الجاري نشروا إصدارين عن مشاركتهم بمعارك ريف إدلب، وتظهر زيادة واضحة بعددهم وتسليحهم وشراستهم.

الشهادات الواردة من إدلب تؤيد دعايتهم. نقلت "القدس العربي" في 17 أغسطس الجاري عن أبوعبدالعزيز من أحرار الشام: "لم أشاهد أحداً يقاتل مثلهم، يهجمون بالعشرات على المناطق المستهدفة، يموت نصفهم خلال الاقتحام". في الشهر الماضي، يوليو/ تموز، نشر الحزب ضمن سلسلة "صور من أرض الملاحم"، صور عشرات الأطفال بملامح صينية يحملون السلاح في سورية.

هذا هو المستقبل الذي ينتظر الصين..



(4)

زبيغنيو بريجنسكي وتشارلي ويلسون كانا أبوين روحيين للجهاد العالمي أيضاً!.. الرجل الأول بريجنسكي كان مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس كارتر، تحدث عام 1997 في مقابلة مع "سي إن إن" حول دوره الحاسم. قال إنه ذهب إلى باكستان، حيث استخباراتها ذات العلاقة الوثيقة مع أميركا، وأطلق حملة كبرى لتمويل وتسليح الجهاد الأفغاني مع السعودية وباكستان ومصر وبريطانيا.

ولتجنب ظهور الدعم الأميركي كي لا تحدث مواجهة مباشرة، رتّب الحصول على أسلحة سوفييتية ليظهر كأن المجاهدين غنموها في الحرب: "حصلنا على الأسلحة السوفييتية من المصريين والصينيين، ثم وصلتنا من الحكومة الشيوعية التشيكوسلوفاكية نظير حوافز مادية".

هنا يأتي دور تشارلي ويلسون الذي زار مصر وأقنع المشير أبوغزالة بأن يبيع لهم الأسلحة السوفييتية في المخازن المصرية، وأن تقوم المصانع الحربية المصرية التي تملك رخصة تصنيع الأسلحة السوفييتية بتصنيعها.

في العام 2007 تم إنتاج فيلم أميركي اسمه "حرب تشارلي ويلسون" يحكي هذه القصة الفريدة، وأبرز الفيلم القصة غير المؤكدة أن إقناع المشير أبوغزالة تطلّب مساعدة راقصة!

اقتضى الأمر الانتظار أعواماً أخرى ليحكي بريجنسكي تفاصيل أخرى، كشف أن كارتر وقّع قراراً بتقديم المساعدات للمجاهدين في 3 يوليو/ تموز 1979، قبل 6 أشهر كاملة من الغزو السوفييتي أصلاً. كان بريجنسكي قد توقع مبكراً مستقبل الصراع بين الحكومة الأفغانية الشيوعية الموالية لموسكو ومعارضيها الإسلاميين.

يقول بريجنسكي ما يلخّص كل شيء: "إننا لم ندفعهم للغزو، لكننا زدنا احتمالاته، وبالتالي فهم الذين اختاروا"، ورداً على سؤال حول وجوب اعتذاره بسبب تسببه في تصاعد قوة المتطرفين، قال: "أعتذر عن ماذا؟ أيها أهم بالنسبة لتاريخ العالم، طالبان أم انهيار الإمبراطورية السوفييتية؟ تحريك مجموعة من المسلمين أم تحرير وسط أوروبا ونهاية الحرب الباردة؟".

بريجنسكي ما زال حياً، يرفض أي تدخل أميركي مباشر في سورية الآن، ويتحدث عن منافس وحيد: الصين.

في حوار مع "يورونيوز"، يناير/ كانون الثاني 2013، أجاب على سؤال عن القوى العالمية الناشئة مثل الصين والهند وروسيا: "إحداها فقط هي القوة الناشئة. واحدة تكافح مع حنين إلى الماضي، والأخرى تبالغ في تقدير نفسها.. هناك قوة واحدة هي الصين، وبالطبع علينا أن نحتاط لها".

اقرأ أيضا: منظرو الجماعات الإسلامية..من حروب البرغوث إلى إدارة التوحش

(5)

طالبان ليست القاعدة. هذا ما يعرفه أي دارس للحركات الإسلامية، وتعرفه أميركا أيضاً.
في التسعينات كان التصوّر الأميركي أن استيرادهم للنفط سيتزايد، لذلك خططوا لوجود مصدر إضافي بجوار الخليج. عام 1995 وقعت شركة يونوكال الأميركية مع باكستان وتركمانستان، اتفاق خط أنابيب نفط يمر بهما وبأفغانستان لاستيراد نفط آسيا الوسطى، قيل إن هذا "طريق الحرير الجديد"، في إشارة لطريق التجارة العالمي التاريخي.

المشكلة أنه لم يكن هناك رئيس في أفغانستان ليوقّع بدوره، فالبلد لم تهدأ بها فوضى المليشيات قط. في العام التالي مباشرة، 1996، (بالصدفة) ظهرت حركة طالبان، واجتاحت البلد في أشهر قليلة.

طلاب العلوم الدينية من قومية البشتون كانت حركتهم محلية، ليس لها علاقة بالجهاد العالمي، ولا تطمح لأكثر من "الإمارة الإسلامية"، والتي تلقت فور إعلانها الاعتراف والدعم من باكستان والسعودية والإمارات.

حين دخلت طالبان كابول أرسلت شركة يونوكال برقية تهنئة لها، وفي العالم التالي، نوفمبر/ تشرين الثاني 1997، دعت الشركة وفداً من حركة طالبان إلى الولايات المتحدة، التقى المولوي محمد خان وزير التعدين بنائب وزير الخارجية الأميركي أندرفورت، وتبع ذلك في ديسمبر/ كانون الأول، افتتاح مركز لتدريب الأفغان على تقنيات أنابيب النفط في جامعة أوماها.

لكن عاملاً مفاجئاً أربك الحسابات، وهو عودة أسامة بن لادن إلى أفغانستان قادماً من السودان، وإعلانه في فبراير/ شباط 1998 إطلاق جبهة إسلامية دولية. لذلك بعدها بشهرين حين زار وليم ريتشاردسون المندوب الأميركي في الأمم المتحدة أفغانستان، أثار القضية، لكن مسؤولي طالبان طمأنوه وقللوا من أهمية الموضوع، لكن في 8 أغسطس من العام ذاته حدثت عملية تفجير السفارتين الأميركيتين في دار السلام ونيروبي، فردت أميركا بغارات على أفغانستان والسودان، ومع ذلك لم يتوقف التفاوض حتى هدمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول طريق الحرير الأميركي مع البرجين.

تمر السنوات ويعود طريق الحرير للحياة من جديد، لكنه صيني هذه المرة. عام 2013 أعلن الرئيس الصيني عن تفاصيل مشروع بالغ الضخامة لربط التجارة العالمية من شنغهاي إلى برلين، يشمل بناء السكك الحديدية والطرق والشبكات والموانئ المجهّزة، ويقدّر نتاجه المستقبلي بـ21 تيرليون دولار. في 2014 أطلقت الصين البنك الدولي للبنية التحتية الآسيوية لتمويل المشروع، انضمت له 58 دولة، ومنها بعض حلفاء أميركا، كبريطانيا واستراليا وألمانيا. هذه منظمة مرعبة تهدد مكانة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين تهيمن عليهما أميركا.

في 20 أبريل/ نيسان 2015، وقّعت الصين وباكستان اتفاقاً ضخماً لربط غرب الصين بميناء جودار الباكستاني، باستثمارات صينية تبلغ 46 مليار دولار، ثم جاء دور أفغانستان التي تعهّدت الصين لها بمبلغ 330 مليون دولار.

تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأسبوع التالي، بأشد العبارات صراحة للمرة الأولى، قال في 27 أبريل لـ"وول ستريت جورنال": "يمكن للصين الهيمنة على هذه المنطقة باستخدام حجمها، وستدعم دول أخرى لإفقادنا امتيازاتنا.. إذا لم نكتب نحن القواعد في هذه المنطقة فستكتبها الصين"، "سوف يتم استبعادنا، الشركات الأميركية والزراعة الأميركية، وهذا يعني فقدان الوظائف الأميركية".

كل هذا الزخم الاقتصادي يحتاج استقراراً وأمناً تاماً، لذلك كان على رأس أولويات الرئيس الأفغاني الجديد، أشرف غني، محادثات السلام مع طالبان. في 16 يوليو/ تموز الماضي قال الملا عمر في آخر رسالة كتبها ـ أو نسبتها قيادة الحركة إليه (قبل أن تعلن عن موته) ـ إن الجهود السياسية والطرق السلمية تشكل "مبدأ إسلامياً شرعياً"، في اليوم التالي وجّه الرئيس غني الشكر له في خطابه بعد صلاة عيد الفطر.

طالبان ليست القاعدة.. وليست داعش أيضاً.



(6)

10 يوليو/ تموز 2015

بيان رسمي من الولايات المتحدة الأميركية في الشهر الماضي يدين.. ترحيل تايلاند 109 من المتسللين الإيغور الذين عبروا حدودها بطريقة غير شرعية، بناءً على طلب الأمن الصيني الذي رصد نيّتهم السفر إلى سورية، وأعلن التلفزيون الصيني اعتراف 13 منهم بذلك. أميركا التي تخوض حرباً ضد الإرهاب، اتخذت علنياً هذا الموقف دفاعاً عن متهمين بالإرهاب.

من اللافت للغاية هنا أن نتذكر أن أميركا تأخرت جداً في تصنيف الحزب الإسلامي التركستاني منظمة إرهابية حتى 2009 بعد مطالبات صينية متكررة، رغم أن وجوده ونشاطه مع القاعدة منذ 1997.

كان صديقي الكاتب الإسلامي أيمن عبدالرحيم يناقشني منذ أكثر من عام، حول أن التفسير المنطقي لتجاهل أميركا لجهاديي سورية ـ وذلك قبل تشكيل التحالف الدولي، فقط بعد استهداف الرهائن الغربيين والأكراد والأيزيديين ـ هو أنه يُخطط لسورية أن تكون أفغانستان الجديدة لتربية وتصدير المقاتلين إلى الصين، ثم يتم بعدها نقل البؤرة إلى تركستان نفسها.

كان يقول مازحاً إننا سنقرأ كتاب "آيات الرحمن في جهاد الهان".

اقرأ أيضاً: عزة الدوري.. 3 سيناريوهات لمصير آخر رجال صدام

(7)


أنهى الشيخ جمعة طاهر، 74 سنة، صلاة الفجر بمسجد "إد كاه"، أكبر مساجد شينجيانج. سلّم على المصلين خلفه، وتناقشوا في بعض آرائه المعروفة، مثل رأيه بالتخلي عن الاستقلال القومي وإمكانية الحياة كمواطنين صينيين ما دامت أساسيات الإسلام مُصانة، الصين بها 35 ألف مسجد تقيم الصلاة بلا مشاكل، والحجاب يكفي بشأنه غطاء الرأس التقليدي، النقاب مرفوض تماماً، قتل المدنيين الصينيين حرام. حين خرج من المسجد، تعجّب من الشابين اللذين لم يصليا. اقتربوا منه، مد يده بالسلام، فمدوا أيديهم... بالخناجر.

قال بيان الحزب الإسلامي في تبني عملية ذبحه إن الشيخ طاهر كان "يبدي عداوته للشباب المؤمنين الغيورين، ولقد وصف عملية "لكجن" بأنها عمل إرهابي".

الحزب الإسلامي التركستاني لا يقبل أي حلول وسط. تحفل إصداراته بالتأكيد على تحريم الديمقراطية الكافرة، ورفض حتى الإيغور المعارضين غير الإسلاميين، فالغرض هو إقامة الشريعة. المناضلة المنفية ربيعة قادري، رئيسة مؤتمر الإيغور العالمي، هدف مهم لهجومهم.

في مجلة "تركستان الإسلامية"، المجلة الرسمية للحزب، العدد 14، يقول بيان عملية قرية لكجن التي تم بها "قتل 35 من الكفار الصينيين والمسؤولين الحكوميين"، إن العمليات الاستشهادية أذاقت الويلات "للمرتدين في العراق وباكستان وديار الشام".
ويقول بيان آخر: "أيها المسلمون في تركستان الشرقية، عليكم التمسك بعقيدة الولاء والبراء، وضّحوا موقفكم للشيوعيين الكفار ومعاونيهم المرتدين من بني جلدتنا".

في موضوع آخر بالمجلة تحذير شديد من المؤسسات الدينية الرسمية التابعة للملحدين، "المجتمع الإسلامي"، و"إدارة الشؤون الدينية". وتحت عنوان "الوقائع البطولية"، هناك 3 من 4 بطولات كان ضحاياها مسلمون، أبرزها أن مجاهداً هاجم ثلاثة رجال شرطة بسكين، فقتل أحدهم وهو مسلم قرغيزي اسمه محمد نور الدين، وأصاب الاثنين الآخرين، أحدهما إيغوري والآخر صيني.

بطولة أخرى هي قتل عبدالرحيم داملا، نائب رئيس المجتمع الإسلامي لمدينة داملا، وهذه المرة انتظره المجاهدون بعد صلاة العشاء.

الحزب الإسلامي التركستاني لا يقبل أي حلول وسط، لهذا هو مناسب تماماً لتحقيق المصالح الأميركية في هذه المنطقة، لكن طالبان تقبل الحلول الوسط للأسف.. إذن فليأتِ مكانها من لا يعطي الدَنية في دينه: دولة الخلافة المباركة. في 23 أبريل 2014 حدث التحوّل الأكبر بما يُعرف بـ"البيعة الخراسانية"، حيث أعلن تسعة من القادة المحليين في باكستان وأفغانستان بيعتهم للخليفة أبو بكر البغدادي.

سريعاً تطورت الأحداث إلى اقتتال واسع بمناطق الحدود الباكستانية الأفغانية، ثم انتقل القتال من جنوب أفغانستان إلى شمالها (حيث الموقع المفترض للخطط التجارية الصينية).

اتهمت ولاية خراسان طالبان بالكفر والردة لتعاملها مع حكومات الطاغوت، وعمالتها للروافض (إيران)، بينما في المقابل تتهم طالبان داعش بالعمالة للأميركيين وتلقي الدعم منهم.
في 10 أغسطس الجاري نشر تنظيم داعش إصداراً يظهر إعدام 10 من المتعاونين مع طالبان بطريقة بشعة جديدة: قنبلة في حفرة أسفل كل منهم، لتتطاير أشلاؤهم.

في 22 أغسطس الجاري تم نشر إصدار "ويوم إذن يفرح المؤمنون"، يقول فيه المتحدث الداعشي: "وفاة الملا عمر أظهرت ما كانت طالبان تخفيه، سنُقاتل أي كافر في أرض خرسان لإقامة الشريعة، قاتلنا الروس لعدة سنوات وسنحارب ضد أي شخص في الشمال والجنوب والشرق والغرب". هذه هي بالضبط الروح المتحمسة المطلوبة أميركياً في هذه اللحظة.

بدأ داعش توجيه الخطاب باللغة الإيغورية لدعوته للخلافة. في يونيو/ حزيران الماضي، ظهر فيديو غير رسمي مفترض أنه مصور بجوار الموصل، تظهر فيه كتيبة من عشرات الإيغوريين يرددون عبارات صينية مع هتافات "دولة الإسلام باقية". دولة الخلافة ستمتد من الموصل إلى بكين إن شاء الله.

اقرأ أيضاً: مقاطع مصورة تدين المعارضين في مصر..حتى لو ثبتت براءتهم

(8)

في بداية كتابه "آيات الرحمن"، يشرح الشيخ عزام بتفاصيل طويلة أدلة الدعم الأميركي للاتحاد السوفييتي في حرب الإسلام. وكان يقول إن هدفه النهائي نقل الجهاد إلى بلده فلسطين.

عبدالله عزام لم يكن أبداً عميلاً لأميركا، بل كان من أشد أعدائها، لكنها استفادت بسببه أكثر من كل عملائها الأقحاح. بن لادن لم يترك ثروته الطائلة ليعيش في الكهوف ليخفي عمالته، والداعشي الذي فجر نفسه في 4 يوليو/ تموز أثناء تناول مقاتلي النصرة إفطار رمضان داخل مسجد سالم بأريحا لم يفعل ذلك ليتقن التمثيلية، بل كان مقتنعاً تماماً بالآيات والأحاديث الشريفة أنه ذاهب للجنة.

السياسة لا توجد بها نظرية المؤامرة الكرتونية على طريقة أن بن لادن عميل أميركي، والبغدادي يهودي متنكر، وكل هذه التخاريف المنتشرة! والسياسة لا توجد بها الشماعات التي توفّر حيلاً نفسية للتهرّب. والسياسة لا يوجد بها تحكّم مطلق، وكم تكرر انقلاب السحر على الساحر. والسياسة لا توجد بها الطهرانية المثالية والتصديق الساذج أيضاً. لكن السياسة يوجد بها فن الممكن، فن استغلال الظروف الموجودة.

فعلاً حدث الغزو السوفييتي لأفغانستان، وفعلاً ارتكب السوفييت مذابح أدت لتصاعد الجهاد الأفغاني، وكان من الطبيعي أن يقبل الأفغان مساعدة أي جهة. هذه تفاعلات طبيعية تماماً، وأطرافها الرئيسية في قمة الإخلاص، لكنها تمت في إطار مسار كبير كامل يتم توجيهه أميركياً لمصالحها، ويتم عرقلته بعد أن ينتهي غرضه.

أثناء نمو تنظيم داعش في سورية على حساب مناطق الجيش الحر، ظل جيش بشار لأكثر من عام لا يقصفه إطلاقاً، كان البعض يقولون إن هذا يثبت كون داعش صنيعة النظام وإيران، لكن هذه الأسطورة الساذجة أفقدتهم مصداقيتهم حين خاض التنظيم والجيش النظامي معارك كبرى، وأعدم داعش مئات من أسراه.

التفسير الأكثر عقلانية هو ببساطة "استغلال الفرص". داعش صنيعتنا، نبت هذه المنطقة بتاريخها وطائفيتها وفشلها، والدولة الإسلامية معلنة منذ 2006 في العراق، لكن تنظيم داعش أخذ زخمه (باستغلال) الثورة السورية، وبدوره (استغل) نظام بشار السفاح بنجاح ذلك لتصدير صورته كمحارب للإرهاب، والآن أميركا بدورها مرشحة (لاستغلال) داعش في معركتها بوسط آسيا. للأسف نظرية "الاستغلال" لا تحظى بشعبية النظريات الساذجة نفسها: نظرية المؤامرة، ونظرية الطهرانية.

(9)

في كتابه، يقول الشيخ عبدالله عزام عن قصص "اشتراك الملائكة وقوى غير منظورة": "حدّثني يوردل: قامت معركة استمرت سبعة أيام، نفدت ذخيرتنا، وفي تلك الليلة دارت معركة على الشيوعيين من ثلاث جهات دون أن ندري مصدر النيران، فتعجّب الكفار من نوع الرصاص لأنهم لم يروا مثله، وقتل 500 من الكفار منهم 23 ضابطاً".

لم يتصوّر أحدهم أن الملائكة أحياناً قد تكون ملائكة أميركية.

-------
اقرأ أيضاً:
إعادة تموضع الإخوان (2-5)..اللجوء إلى القوة في مواجهة النظام

دلالات