مرضى الجرب في سجون مصر...زنازين مكدّسة تلهب جلود المعتقلين

مرضى الجرب في سجون مصر...زنازين مكدّسة تلهب جلود المعتقلين

23 ابريل 2017
ظروف الاحتجاز السيئة تدمر صحة المعتقلين المصريين(العربي الجديد)
+ الخط -
فشلت احتياطات الشاعر والكاتب عمر حاذق، في حمايته من مرض "الجرب" المستشري بين معتقلي زنزانته في سجن برج العرب المسمى بالغربينات في الإسكندرية شمالي مصر، إذ لم تنجح محاولات حاذق في وقاية جسده من الحكة أو ما يعرف بـ"الهرش"، خلال فترة احتجازه منذ 2 ديسمبر/كانون الأول عام 2013 وحتى 25 سبتمبر/أيلول 2015، بعد الحكم عليه بالحبس عامين وغرامة 50 ألف جنيه (2750 دولارا أميركيا) لإدانته بالتظاهر بدون تصريح بالتزامن مع إعادة محاكمة قتلة خالد سعيد.

لاحظ حاذق عقب احتجازه في زنزانة تضمّ 23 سجيناً حُشروا في مساحة 3 أمتار ونصف المتر عرضاً وخمسة أمتار ونصف المتر طولاً، أن المعتقلين يدسون أياديهم تحت ملابسهم من أجل حك جلودهم، بشكل متباين يتوقف في قوته وضعفه على مقدار توغل الجرَب في أجسادهم، التي امتلأت ببقع دم صغيرة لوثت ملابسهم.

بعد اشتداد وطأة المرض، "لم يعد بعض السجناء قادرين على الاكتفاء بالهرش في الحمام أو أثناء نومهم، إذ صاروا يهرشون علانية، بقطع خشبية، أو بأية أداة صلبة"، وفق ما رواه حاذق لـ"العربي جديد"، مؤكداً أنه "على الرغم من مواظبته على دهن جسده بدواء يعالج الجرب ويقي منه، إلا أن الرغبة في حك جلده هاجمت ساقه وركبتيه، وما لبثت الحبوب الحمراء الصغيرة أن انتشرت في جسده"، كما يقول.


انتشار واسع للمرض

تؤكد منظمات التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمنظمة العربية لحقوق الانسان الحقوقية على تزايد حالات الإصابة بمرض الجرب داخل السجون وأماكن الاحتجاز في مصر، غير أن تلك المنظمات لم تحصر المرضى بسبب تعنت إدارات السجون وأولوية أمراض أخرى مثل السرطان والالتهاب الكبدي الوبائي بحسب ما قاله كل من رضا مرعي الباحث في المبادرة المصرية ومسؤول ملف المعتقلين وأماكن الاحتجاز، وعزت غنيم الباحث بالتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، بإلإضافة إلى مصطفى عزب مسؤول الملف المصري بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، والذي لفت إلى تلقي المنظمة شكاوى من انتشار المرض في سجن المنصورة العمومي وغيره من مقار الاحتجاز وعلى رأسها أقسام الشرطة المنتشرة في مصر، وهو ما أيده فيه الناشط في مجال الصحة داخل السجون وعضو حملة "الإهمال الطبي في السجون جريمة" الطبيب طاهر مختار والذي تم القبض عليه في 14 يناير/كانون الثاني 2016 وأودع في قسم شرطة عابدين ثم تمت إحالته إلى سجن طرة، بتهمة حيازة مطبوعات تدعو لقلب نظام الحكم في القضية رقم 498 لسنة 2016، وبقي فيه حتى 6 أغسطس/آب 2016.

كانت حالات الجرب التي رصدها الطبيب مختار في قسم شرطة عابدين أكثر من سجن طره، إذ انتشر المرض بين المحتجزين بسبب الزحام الشديد وعدم إمكانية تريض المعتقلين داخل قسم الشرطة مثل ما يجري في السجون، بالإضافة إلى عدم دخول الشمس إلى الزنازين الأمر الذي يعد من أهم عوامل انتشار المرض، في ظل حرمان المعتقلين من الاستحمام والاهتمام بنظافتهم الشخصية، ما أدى إلى توغل المرض في أجساد المعتقلين، وفق ما أكده كذلك مصطفى عزب، مشيراً إلى رصد المنظمة العربية لحقوق الإنسان انتشار المرض بين أكثرية المحتجزين داخل قسمي شرطة منيا القمح وأبو حماد بمحافظة الشرقية.

في تقرير صادر في ديسمبر/كانون الأول عام 2016 حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، رصدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات 18 حالة من المصابين بالجرب إلى جانب أمراض أخرى داخل أقسام شبرا الخيمة ثان في محافظة القليوبية، ومركز شرطة عزبة اللحم في محافظة دمياط، وقسم شرطة زفتى بالغربية.

وتأتي مصر في المرتبة الـ 16 عالمياً لعدد السجناء بإجمالي 106 آلاف سجين حتى أغسطس/آب من عام 2016، من بينهم 90 ألف محتجز داخل السجون و16 ألف سجين داخل مقار الاحتجاز المختلفة وعلى رأسها أقسام الشرطة بحسب تقرير صادر عن المركز الدولي لدراسات السجون، (مؤسسة مستقلة مقرها في بريطانيا)، فيما تبلغ القدرة الاستيعابية لتلك السجون 60 ألفًا فقط، وفق ما أكده في تصريحات صحافية رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعدة.



وتقدر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عدد السجناء السياسيين في مصر بنحو 60 ألف سجين، وفق ما جاء في تقرير (سجون مصر قبل وبعد ثورة يناير... هناك متسع للجميع)، الصادر في سبتمير/أيلول الماضي، وقدر التقرير عدد السجون المركزية في مصر بـ 122 سجنا، بينما ذكر أن عدد أقسام ومراكز الشرطة يبلغ 320 قسما ومركزا، بالإضافة إلى 43 سجنا عموميا ورئيسيا تم تشييدها في مصر قبل ثورة يناير و19 سجنا آخر بنيت بعد الثورة.

وتعرف المادة الأولى من قانون السجون رقم 396 لسنة 1956 السجون العمومية بأنها تلك التي تنفذ فيها الأحكام الصادرة ضد المحكوم عليهم بعقوبه السجن من الرجال؛ والنساء المحكوم عليهن بعقوبه السجن المؤبد أو المشدد، وأيضًا الرجال المحكوم عليهم بعقوبه السجن المؤبد أو السجن المشدد الذين يتم نقلهم من الليمانات لأسباب صحية أو لبلوغهم سن الستين أو لقضائهم فيها نصف المدة المحكوم بها، في حين تضم السجون المركزية المحبوسين احتياطيا في أماكن منفصلة عن غيرهم من المسجونين، وتضم المحكوم عليهم بفترة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو إذا ضاقت السجون العمومية بهم والعقوبات المالية، وضمنها سجون خاصة بالنساء، وفق ما جاء في تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

وتعرف مقار الاحتجاز من غير السجون بأنها أماكن الحجز الملحقة بالمراكز والأقسام أو نقط الشرطة أو إدارات البحث الجنائى أو فروعها من الأماكن التي يجوز أن يودع بها المحتجزون والمتحفظ عليهم والمسلوبة حريتهم؛ وهي التي قررها وزير الداخلية طبقا لقرار رقم 5 لسنة 1969.


أعراض المرض

قضى الصحافي العشريني أحمد فؤاد، ثلاثة أعوام داخل سجن برج العرب خلال الفترة من 25 يناير/كانون الثاني 2014 وحتى 25 يناير/كانون الثاني 2017، بسبب القبض عليه أثناء تغطيته لمظاهرة لصالح موقع كرموز المحلي في الإسكندرية، وعانى فؤاد من الجرب بعد شعوره بحكة في اليد انتقلت سريعاً إلى القدم ثم الفخد ثم منطقة الصدر وبعدها إلى الأعضاء التناسلية ما أدى إلى احمرار في الجلد وأرق شبه دائم، وتتراوح مدة معاناة السجين من المرض بين أسبوعين إلى شهرين، إلا أنه عادة ما يعاني من نوبة حكة كل شهرين أو ثلاثة لمدة يومين تقريبا ثم تزول وحدها، وفق ما عايشه فؤاد داخل السجن.

وعلى الرغم من أن الزنزانة التي احتجز فيها فؤاد، كانت أفضل من غيرها في السجن، كما قال لـ"العربي الجديد"،  إذ كانت مساحتها 4 أمتار ونصف المتر عرضا و5 أمتار ونصف طولا، وتواجد بها من 20 محتجزاً إلى 27 محتجزاً حسب معدل الإفراج والقبض على السجناء، إلا أن الشمس لم تكن تدخل مباشرة إلى الزنزانة، كما كانت فترة التريض غير منتظمة وتعتمد على رضا ومزاج مسؤولي السجن، الذين حرموا المساجين ومن بينهم الصحافي فؤاد من التريض لمدد مختلفة وصلت في إحدى الأحيان إلى 42 يوما، وهو ما تكرر مع محمد الإمام الطالب في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية الذي عانى من الجرب مدة 20 يوما، بعد احتجازه في سجني الحضرة وبرج العرب في الإسكندرية، في الفترة من 28 إبريل/نيسان 2014 وحتى 17 فبراير/شباط 2016، إذ تم القبض عليه لدى خروجه من الجامعة، ووجهت له اتهامات التظاهر بدون ترخيص وتخريب منشآت عامة تابعة لجامعة الإسكندرية والسعي لقلب نظام الحكم.

يقول محمد لـ"العربي الجديد"، أصابني الجرب أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول 2014 واستمرت الحالة لمدة عشرين يوماً تقريباً، وكان أسوأ ما فيها هو انتشار حبوب غريبة في كل جسدي ووصلت حتى العضو التناسلي"، وعلى الرغم من استعمال بعض المراهم والأدوية التي كانت تأتيه من خارج السجن فإن الأعراض لم تتوقف بسبب انتشار الحكة بنسب متفاوتة بين كل نزلاء الزنزانة وسهولة انتشار العدوى بينهم.

كيف يتعامل المعتقلون مع المرض؟

يلجأ المحتجزون إلى استعمال حبوب اناليرج المضادة للحساسية والحكة والتي تسمى علميا بـ "كلورفينامين" Chlorphenamine وتُصرف في بعض الأحيان من إدارة السجن، بالإضافة إلى مراهم فنستيل وتافيجيل المضادة للحساسية والحكة، بحسب ما رصده الطبيب وليد عبد الغني الذي تم القبض عليه خلال مظاهرة، ووجهت له تهم الانضمام إلى جماعة محظورة والتظاهر بدون ترخيص وتم احتجازه بسجن برج العرب خلال الفترة من 25 يناير/كانون الثاني 2014 وحتى 25 يناير 2017.



وتنتشر الحالات التي تعاني من الحساسية والحكة بشكل كبير داخل سجن برج العرب، ولم تستجب بعضها لأدويه الحساسية المعروفة، نتيجة لعدم القضاء على العامل المسبب للمرض، بسبب اللامبالاة التي واجهت بها إدارة السجن الأمر، وفق ما أشار له الطبيب عبدالغني في إفادته التي قدمها لـ"العربي الجديد"، لافتا إلى أن حشرة الفراش وسوء التهوية وعدم دخول الشمس إلى الزنازين وصعوبة النظافة والتكدس "كلها عوامل أدت إلى انتشار المرض"، وهو ما أيده فيه ياسر فتحي أستاذ الأمراض الجلدية بجامعة الأزهر، مشيراً إلى أن الظروف البيئية التي يعيش فيها المساجين لفترات طويلة، والتلامس بسبب تزاحم السجون وغياب وسائل الوقاية تؤدي إلى انتشار العدوى بشكل واسع.

وتؤدي قلة التريض إلى ضعف في الدورة الدموية وهو ما يتسبب في قلة الدم الواصل للأطراف، الأمر الذي يزيد معدل الإصابة بالأمراض الجلدية، وفق ما قاله الطبيبان عبدالغني وفتحي.


أين المجلس القومي لحقوق الإنسان؟

لم تصل إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، شكاوى حول معاناة المساجين من مرض الجرب وفق ما قاله لـ"العربي الجديد" جورج إسحق، عضو المجلس، متابعا "نحن في انتظار حالات موثقة حتى يتم اتخاذ إجراءات رسمية". وأضاف: "أدعو كل متضرر إلى إرسال شكوى للمجلس، وفي حال وصول شكاوى رسمية، سيتم التعامل معها من خلال الدكتور صلاح سلام، عضو المجلس ونقيب أطباء العريش، والذي سيتخذ الإجراءات الطبية اللازمة عبر إدارة السجون".

دلالات