الأمن الغذائي في البحرين.. 3 تحديات تواجه مزارعي المملكة

الأمن الغذائي في البحرين.. 3 تحديات تواجه مزارعي المملكة

المنامة

اسلام الزيني

avata
اسلام الزيني
28 سبتمبر 2016
+ الخط -

لا يفارق المزارع البحريني حسين صادق مزرعته في قرية البديع، غرب مملكة البحرين، رغم ارتفاع درجات الحرارة، غير أن مشاعر الإحباط، التي تشتد وطأتها يومياً، تنهكه أكثر من معاناة العمل، ما يجعله يفكر جديا في بيع أرضه، "ومشاركة أشقائه مشروعهم التجاري الذي يجني أرباحا أفضل"، كما يقول.

لا يعد المزارع الخمسيني صادق وحده من يفكر في ترك مهنة الزراعة، إذ تكشف إحصائيات حصل عليها "العربي الجديد"، من إدارة الثروة النباتية بشؤون الزراعة في وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني بالبحرين، عن انخفاض أعداد المزارعين البحرينيين من 15 ألف مزارع في العام 2002 إلى 650 مزارعا فقط، مسجلين بصورة رسمية في العام الجاري.

وعلى النقيض من الأرقام الرسمية، أكد مزارعون لـ"العربي الجديد"، أن أعدادهم الحقيقية باتت لا تتجاوز حاجز المائة مزارع فقط، على الرغم من أن الزراعة لعبت دورا رئيسيا في دعم الاقتصاد البحريني منذ القدم، إذ فقد عشرات المزارعين البحرينيين أعمالهم خلال العام الماضي 2015 ومنتصف العام الجاري بسبب تجريف الأراضي الزراعية وتخصيصها للبناء، كما يقول المزارع السيد جعفر، قبل أن يتابع موضحا "مالك الأرض التي أستأجرها منذ 12 عاما، باعها فجأة إلى مستثمر عقاري، فقدت العمل الوحيد الذي أجيده".

حيال وضع كهذا، وجد جعفر وعائلته أنفسهم أمام تحد صعب للغاية، إذ إنه لا يستطيع الإنفاق على أبنائه منذ ذلك الحين، كما ذكر، مكملا حديثه "لا أريد دعماً أو أموالاً، فقط أرضاً أعتاش منها".

تجريف الأراضي الزراعية

قضى الزحف العمراني على مساحات من الأراضي الخضراء في البحرين، وتعرضت 7 مزارع كبيرة للتجريف خلال النصف الأول من عام 2016، بحسب إحصاء حصل عليه "العربي الجديد" من بلدية العاصمة، وبحسب مصادر "العربي الجديد" في البلدية، فقد وزعت مساحات الأراضي ضمن القسائم السكنية، على الرغم من وجود أراض قريبة خالية يمكن استخدامها للسكن.

لكن المزارع كاظم مهدي، يرى أن المشكلة لا تتمثل فقط في تجريف الأراضي الزراعية في البحرين، وانما الأهم هو تدني المستوى المعيشي لمعظم المزارعين البحرينيين، إذ لا يملكون الأراضي وإنما يستأجرونها من الأوقاف (إدارة تابعة لوزارة العدل)، ومن أصحاب الأراضي والأملاك، في الوقت الذي ارتفعت أسعار الإيجارات بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية، بحسب مهدي.

إلى جانب ذلك، يستطرد المزراع مهدي قائلا لـ"العربي الجديد": "الأراضي قد تكون وقفية غير مسجلة رسميا، أو خاوية ومهملة، ولكن عندما يستخدمها المزارع المحلي ويستصلحها، فإن إدارة الأوقاف تبالغ في تعديل كلفة ايجارها، ما يجعل المزارعين يفضلون البحث عن أخرى".

ويبلغ حجم الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة في البحرين 5067 هكتاراً، في حين أن الأراضي المزروعة فعلياً تبلغ 3209 هكتارات فقط، وذلك بحسب بيانات إدارة شؤون الزراعة التي صدرت العام الجاري.

من جانبه، يؤكد مدير إدارة الثروة النباتية عصام مصطفى، على ضرورة تفعيل التشريعات المتعلقة بتنظيم استعمالات الأراضي لمختلف الأغراض، وكذلك الأنظمة والقوانين التي تحكم نظام تأجير الأراضي الزراعية (الضمان).

ويؤكد وكيل شؤون الزراعة والثروة البحرية، في وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني خليفة بن عيسى، أنه بسبب الزيادة السكانية المتسارعة في البحرين، وصغر مساحة البلاد، تزايد الزحف العمراني على المناطق الزراعية لحاجة السكان للحصول على مساكن، بينما تم التركيز على الاتجاه للاستثمار الخارجي في دول مثل السودان والهند، حيث تتوفر الأراضي والمياه واليد العاملة الرخيصة.

ويبلغ عدد القوى العاملة في الزراعة البحرينية 9120 عاملاً، بحسب إحصاء للعام 2016 حصل عليه معد التحقيق من إدارة الزراعة والثروة البحرية، وتمثل القوى العاملة الأجنبية حوالي 80 في المئة من هذه النسبة، فيما يعمل 650 بحرينيا بالزراعة. ويقول مدير إدارة الثروة النباتية بشؤون الزراعة: "أغلب العمالة الأجنبية في مجال الزراعة، وخصوصا السائبة منها، غير مدربة ومؤهلة للعمل وهو ما يشكل تحديا إضافيا".

أراض زراعية تم تبويرها في البحرين (العربي الجديد)



الأمن الغذائي

يؤكد خليفة بن عيسى على أهمية ملف الزراعة، كونه جزءا من قضية الأمن الغذائي، التي باتت تشكل تحديا لمعظم حكومات الوطن العربي.

ويضيف بن عيسى لـ"العربي الجديد": "ليس لدينا احتياطي من الأمن الغذائي، أي خلاف سياسي قد يحدث غدا أو مشكلة في العلاقات الدبلوماسية مع دولة أخرى، قد يمنع البحرين من استيراد المنتجات الاستراتيجية ويهدد أمننا الغذائي".

وتنتج البحرين من الفاكهة 4% من احتياجات سكانها البالغ عددهم 1.316 مليون نسمة، وفقا لبيانات إحصاء السكان في عام 2014. وتمكنت الدولة التي تتكون من 33 جزيرة، من إنتاج 20% من احتياجاتها من الخضروات وما بين 4 إلى 6% من اللحوم، و18% من الدواجن، وتأتي الأسماك في مقدمة القطاعات التي تنتج المملكة احتياجاتها منها بنسبة 40%. وبحسب أحدث إحصائية حصل عليها "العربي الجديد" عن إنتاجية البحرين في القطاع الزراعي، فقد ساهم هذا القطاع في الناتج المحلي البحريني بنسبة 2% حتى عام 2014، وتم تقدير حجم مساهمة القطاع بـ35 مليون دينار بحريني (93 مليون دولار أميركي).

وبحسب وكيل الزراعة والثروة البحرية، فإن القطاع الزراعي في البحرين يواجه عدة تحديات، أهمها المحافظة على الرقعة الخضراء وندرة المياه الصالحة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية، بالإضافة إلى ملوحة التربة، وضيق المساحات الصالحة للزراعة، لذلك تتجه المملكة إلى التوسع في بناء البيوت الزراعية المحمية لتوفير المياه والاعتماد على "الزراعة الرأسية"، لزيادة الإنتاج.

تراجع الدعم الحكومي

يجمع مزارعون التقاهم معد التحقيق، على تراجع الدعم الحكومي بما في ذلك دعم البذور والأسمدة الكيميائية وعدم توفير غطاء لبيوت المحميات المعروف بالطربال، بالإضافة الى  الشبك والأنابيب ومستلزمات الزراعة والحراثة. ويعترف مدير إدارة الثروة النباتية، عصام مصطفى، بأن حجم الدعم الحكومي للقطاع الزراعي تم تقليصه في موازنتي 2015 و2016. وهو الأمر الذي زاد من معاناة المزارع صادق أحمد، بعد عمله منذ 30 عاما في مهنة الآباء والأجداد، كما يقول، ويستطرد أحمد قائلا "كل شيء تزيد قيمته، مثلا أسعار الأدوات الزراعية المستوردة من خارج البحرين ترتفع سنويا، بدون الدعم لا نتمكن من العمل"، بيد أن إدارة الزراعة والثروة النباتية، تعزو مشكلة الدعم إلى حصول أفراد لا يعملون بالزراعة على منح حكومية عام 2010 دون وجه حق، ما أدى إلى إحالة القضية للنيابة العامة، التي فرضت المزيد من الشروط على تسجيل المزارعين.

ويؤكد صادق في تصريحه لـ"العربي الجديد"، على وجود دعم حكومي للمزراعين يشمل البيوت المحمية ومواد الري ولكنه شحيح للغاية ولا يكفي لاستدامة العمل الزراعي، وعلى مدار السنوات الماضية، كانت "تمكين" (هيئة شبه حكومية)، تقدم للمزارعين قروضا بقيمة 10 آلاف دينار للمزارع الواحد (27 ألف دولار) ولكنها توقفت منذ منتصف عام 2012.

ويؤكد بن عيسى أن إدارة الزراعة توفر معدات الري، والمبيدات والأسمدة وكذلك المرشدين الزراعيين، مشيرا إلى أن الدعم الحكومي قد ارتفع إلى 60% من تكاليف زراعة الأراضي في العام 2015، مقارنة بـ40% كانت تدفعها الحكومة حتى العام الماضي 2014، غير أن المزارع صادق يرد بأنهم كانوا يحصلون على كافة الأدوات الزراعية من الحكومة مجانا، ولكن منذ منتصف عام 2014 أصبحت تلك المساعدات شحيحة للغاية ويضطرون لشراء هذه الأدوات من الخارج بصعوبة بالغة.

شح المياه

في مرزعته شبه القاحلة، بقرية البسيتين، شمالي محافظة المحرق، يجلس المزراع محمد جعفر لا يدري ماذا يفعل، كما قال لمعد التحقيق عند الحديث إليه، مؤكدا أن الزراعة في البحرين التي طالما اشتهرت ببلد (المليون نخلة) لم تعد تغطي تكاليفها الأساسية التي يتكبدها المزارع.

وعلى الرغم من ولعه الشديد بعمله الذي ورثه عن والده، إلا ان جعفر (66 عاما)، لا يخفي مشاعره المحبطة من قدرته المحدودة على استغلال ربع المساحة المتاحة في مزرعته فقط بسبب شح المياه، مستطردا بصوت مختنق وهو يحاول الاتكاء على عصاه الخشبية: "لا أستطيع الاستمرار في مهنة لا توفر مدخولاً مادياً يساعدني على إعالة أسرتي المكونة من زوجة وستة أبناء".

ويتسبب الانقطاع المتكرر لمياه الري عن مزرعة جعفر، في موت الكثير من المحاصيل التي تكلفه كثيرا، ما يزيد من شعوره باليأس ويكبده خسائر كبيرة. ويقول جعفر لـ"العربي الجديد": "المياه المعالجة تنقطع عن المزراع لأشهر طويلة، جهود المزارعين لا تمثل أكثر من محاولات شخصية بائسة لإنقاذ المهنة من الاندثار".

وتستهلك البحرين 69 مليون متر مكعب من المياه الجوفية سنوياً للأغراض الزراعية، كما تنتج 37 مليون متر مكعب من المياه المعالجة في السنة، وبلغت الزراعة في البيوت المحمية نحو 75 هكتاراً، فيما يتم زراعة 15 هكتاراً فقط بأسلوب الزراعة المائية، طبقاً لإحصائيات وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني في العام 2014.

وبحسب خليفة بن عيسى، فإن البحرين تعمل على  استخدام تقنية (الهيدروبونيك) والتي تسمى الزراعة المائية للتغلب على مشكلة شح المياه الصالحة للزراعة، مشيرا إلى أن أهم طرق الزراعة المائية المستخدمة في البحرين، تتمثل في غمر الجذور في محلول مائي مغذ، يمر من خلال محرك صغير يعمل على تدوير المياه، يستخدم في إنتاج معظم محاصيل الخضر كالطماطم والبروكلي والخس والخيار، وتعطي هذه الطريقة فرصة جيدة في زراعة أصناف متعددة من كل محصول، لتحقيق أكبر قدر من الأمن الغذائي البحريني.