ليبيا.. لمن النفط اليوم ؟

ليبيا.. لمن النفط اليوم ؟

12 يناير 2015
+ الخط -

"النِعَم تحمل في طيّاتها النِقَم".. مقولة تنطبق على احتياطي ليبيا النفطي الضخم الذي تحول في ظل الصراع على السلطة إلى وقود للصراع وهدف للمتحاربين.

يتركز أغلب نفط ليبيا في المنطقة المعروفة بالهلال النفطي وسط البلاد، حيث يضم نطاق الهلال النفطي عدة موانئ لتصدير النفط هي: السدرة والزويتينة ورأس لانوف والبريقة، إلى جانب الحريقة في أقصى شرق ليبيا. وهذه الموانئ مجتمعة تعتبر منصة ليبيا لتصدير نفطها إلى العالم عبر البحر المتوسط.

كلمة السر: الجضران

أسس إبراهيم الجضران في 17 أغسطس/آب 2013 ما عُرف بالمكتب السياسي لإقليم برقة شرق ليبيا، ويتبعه مكتب تنفيذي في شكل حكومة تضم عددا من الوزراء يترأسها عبدربه البرعصي. رافعاً مطالب، أبرزها المطالبة بإقرار نظام فيدرالي في ليبيا، واقتسام الثروة. ثم ما لبث أن سيطر على الموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي على سواحل وسط ليبيا ومنع تصدير النفط. ينتمي الجضران، آمر عمليات السدرة (منطقة النفط وسط ليبيا) والمسيطر على حرس المنشآت النفطية في الوقت الحالي، إلى قبيلة المغاربة ذات الثقل السكاني والقبلي في منطقة نطاق الموانئ النفطية، ويعد واحدا ممن خرجوا لإسقاط نظام القذافي في ثورة 2011. وقد نجح الجضران في استقطاب عدد من شيوخ القبائل، وضم الكثير من المسلحين إلى جانبه.

بحسب أحمد الدايخ عضو المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي قاد الثورة ضد القذافي 2011، فإن رئيس المجلس الوطني الانتقالي، المستشار مصطفى عبدالجليل، كان قد أسند مهمة حرس الحدود والمنشآت الحيوية والنفطية إلى مدني محسوب على الثوار هو "الصديق الغيثي"، على أن يكون وكيلاً لوزير الدفاع في اختصاصه. لكن الغيثي مارس صلاحيات واسعة تدخل ضمن مسؤوليات وزير الدفاع ورئيس الأركان، بينما لم تشكل قوات حرس الحدود على أساس مهني، فقد انضم عناصرها في المنطقة الشرقية لتحرك الجضران، وتورطوا معه في غلق الموانئ وحقول تصدير النفط. وشارك الصديق الغيثي وكيل وزارة الدفاع سابقاً في العملية، وأصبح أحد أعضاء ما عرف بالمكتب السياسي لإقليم برقة، ثم انسحب بعد أن دب الخلاف بينه وبين باقي الأعضاء.

ويضيف الدايخ "حرس المنشآت النفطية في المنطقة الشرقية انضم إلى هذه العملية بقيادة إبراهيم الجضران، الذي أدمج فيه عناصر أخرى، ومن ثم تولى دفع مرتباتهم عن طريق دول أجنبية، وعن طريق بعض الشيكات التي حصل عليها عن طريق بعض الوزارات" حسب قوله.

ويرى كثير من المتابعين لممارسات الجضران، الذي نصّب نفسه حارساً للمنشآت النفطية مستنداً لقوتي السلاح والقبيلة، أنه يتعامل مع الدولة المنقسمة على نفسها أصلًا بمنطق الابتزاز؛ إذ كشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن الجضران زار في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الفائت مدينة البيضاء، شرق ليبيا، مقر عبدالله الثني رئيس الحكومة الموالية للبرلمان المنحل. وطلب الجضران من الثني مبلغ 300 مليون دينار ليبي (حوالى 170 مليون دولار) يقول إنها مستحقات مسلحيه القائمين على حراسة المنشآت النفطية. وهو ما أثار غضب بعض وجهاء مدينة البيضاء، الذين اعتبروا هذا بمثابة الابتزاز للحكومة ونهب لمبالغ ضخمة من الدولة باسم مستحقات حرس المنشآت النفطية. وطالبوا بطرد الجضران من المدينة، حيث كان يقيم في ضيافة عبدربه البرعصي، رئيس ما عرف بالمكتب التنفيذي لإقليم برقة التابع للمكتب السياسي للإقليم الذي يترأسه الجضران.

بعض المتابعين يعتبرون انحياز الجضران لما يعرف بعملية الكرامة، بزعامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مجرد التقاء مصالح مؤقت لن يستمر طويلاً. لكن الإعلامي المقرب من الجضران المذيع في فضائية برقة التابعة للجضران "علي أحواس" (المنسق الإعلامي لعملية الكرامة بجبهة السدرة أيضاً) قال لـ"العربي الجديد": "قواتنا جزء من عملية الكرامة، ندافع عن الموانئ النفطية، حتى لا تقع في يد مليشيات مصراتة"، في إشارة إلى قوات عملية الشروق التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني الموالية للمؤتمر الوطني العام. مؤكداً أن المكتبين السياسي والتنفيذي لإقليم برقة قد تم حلهما، وأن مسلحيهم باتوا جزءًا لا يتجزأ من عملية الكرامة.

المصرف المركزي

منذ إغلاق ميناء السدرة وميناء رأس لانوف على يد مسلحي الجضران في أغسطس/آب 2013، تعاني ليبيا من انخفاض شديد في إنتاج النفط، بلغ 350 ألف برميل يومياً، مقارنة بـ 1.6 مليون برميل قبل الثورة. تعزز هذا الهبوط الحاد في الإنتاج بالمعارك الدائرة حالياً في منطقة الهلال النفطي التي تحتوى على حوالى 60% من احتياطي ليبيا من النفط، وهو ما انعكس سلباً على اقتصاد البلاد.

"بعد التوقف شبه التام لإنتاج وتصدير النفط الخام مع بداية النصف الثاني من عام 2013، بدأت تظهر مؤشرات سلبية في الاقتصاد الليبي، منها انخفاض معدل النمو الاقتصادي، وتحقيق عجز في الميزانية العامة، وتراجع احتياطيات المصرف المركزي الليبي من النقد الأجنبي" يقول عصام العول، مدير مكتب الإعلام في مصرف ليبيا المركزي لـ"العربي الجديد".

يضيف العول "أتوقع أن تحقق الإيرادات العامة عجزاً غير مسبوق يقارب 22 مليار دولار، والذي سينعكس على انخفاض حجم احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية بنفس المقدار تقريباً، فضلاً عن انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وتدهور قيمة الدينار الليبي في السوق الموازي. كل هذه المؤشرات مصدر قلق كبير للمصرف المركزي ولمن يقومون برسم السياسات الاقتصادية".

بسبب النزاع على الحكم بين الحكومتين المنبثقة عن البرلمان المنحل، برئاسة عبدالله الثني، والمنبثقة عن المؤتمر الوطني العام، برئاسة عمر الحاسي، اضطر مصرف ليبيا المركزي إلى إعلان الحياد "حماية لمقدرات الشعب من الصراع السياسي" حسب وصف بيان المصرف. لكن حكومة الثني اتهمت الصديق الكبير رئيس المصرف المركزي بالانحياز لحكومة الحاسي، واستصدرت قرارا من البرلمان المنحل بعزل الكبير وتعيين آخر يتخذ من مدينة البيضاء شرق ليبيا مقراً له، بينما بقي الصديق الكبير قائماً على رأس المؤسسة في طرابلس يحظى بدعم من المؤسسات النقدية الدولية، بما فيها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأميركية التي زارها الكبير مؤخراً والتقى بعدد من مسؤوليها، كما ناقش السياسات الاقتصادية لليبيا مع مسؤولي صندوق النقد والبنك الدوليين.

الحكومة في طرابلس

في ظل النزاع على السلطة والنفط في ليبيا، ما زالت المؤسسات والأجهزة الإدارية في المنطقة الشرقية، رغم ولائها للحكومة المنبثقة عن البرلمان المنحل برئاسة عبدالله الثني، مضطرة للتعامل مع حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة عمر الحاسي في طرابلس، باعتبارها المستحوذة على الميزانية الجارية والحسابات المصرفية للوزارات.

مصادر خاصة على رأس الأجهزة الإدارية والتنفيذية في المنطقة الشرقية أكدت لـ"العربي الجديد": "أن وزراء حكومة الثني مجرد أشخاص بلا مؤسسات، بينما المؤسسات موجودة في طرابلس تحت إمرة حكومة الحاسي".

أمد الصراع

يرى رمضان بن طاهر، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة عمر المختار، أن "النفط أساس الصراع السياسي والاجتماعي في ليبيا. وهناك أزمة سياسية معقدة وأبعاد إقليمية ودولية، ولا يمكنني وصف الحالة إلا بأن هناك غموضا وعدم وضوح للحقيقة، جعل الكثيرين في حيرة وتناقض إزاء فهم طبيعة الصراع السياسي".

يتابع لـ"العربي الجديد": "تقديري أن الصراع بين الطرفين قائم إلى حين تحقق الغلبة وكسر العظم، لا ينبغي أن نتوهم أن طرفا سيحقق انتصاراً ساحقاً على الآخر، وما نحتاجه أو نرجوه هو درجة متقدمة من التفاهم والتوافق، كي نحقق على الأقل بعضا من الاستقرار الذي يعطينا فرصة للتفكير وإعادة النظر في المأساة التي وقعت".

وأضاف بن طاهر "كل طرف من أطراف الصراع يستمد قوته من القبائل والمدن المؤيدة له. وهذا الأمر يعني أننا نعيش حالة انقسام اجتماعي وسياسي، وأننا نفتقر إلى ما يُعرف بالإجماع الوطني، ونعيش الآن، بسبب الأزمة السياسية، حالة من انكسار الإجماع الوطني وطغيان للهويات الفرعية القبلية والجهوية على حساب الهوية الوطنية. وهذا جوهر المشكل السياسي في ليبيا".

علي الحاسي، المتحدث باسم قوة حرس المنشآت النفطية الموالية لعملية الكرامة بقيادة اللواء حفتر قال لـ"العربي الجديد": "أعطينا فرصة لمساعي الحوار والصلح، لكنهم متعنتون رافضون للحوار".

يوضح العقيد يوسف دوّه، مستشار الأمن القومي في حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة الحاسي، أن عملية الشروق تهدف إلى تفكيك منظومة الفساد المستحوذة على النفط، قائلا "نضبت خزائن الدولة، بينما السيد الجضران يسيطر على النفط لحسابات خاصة، ويكلف الدولة 2.2 مليار دينار سنوياً (حوالى 1.3 مليار دولار) تدفعها لمنظومته. وحتى هذا المبلغ الضخم لم يكفه، وما زال يطمح إلى المزيد؛ إذ يتوسع في تعيين المزيد من الأشخاص لحسابات خاصة، فلم يعد هناك حل أمام الدولة سوى إنهاء منظومة حرس المنشآت من عسكريين ومدنيين باتت تنهب الدولة، فبعض منتسبيها يحصل على أكثر من راتب بناءً على أكثر من هوية".

وعن دور قبائل منطقة الهلال النفطي في الصراع، أضاف العقيد يوسف: "كل قبيلة منقسمة على ذاتها، فمنها من ينحاز إلى قوات حكومة الإنقاذ الوطني، ومنها من ينحاز لما يعرف بعملية الكرامة بقيادة اللواء حفتر، بما في ذلك قبيلة المغاربة التي ينتمي لها الجضران صاحبة الثقل السكاني في منطقة المرافئ النفطية. لكن ثمة أطرافا تسعى إلى تسويق فكرة الصراع القبلي لأهداف خاصة. وبعيدًا عن كل ذلك مصادر ثروة الليبيين يجب أن ترجع إلى جميع الليبيين. وفي النهاية نحن كطرفي صراع يربطنا نسب وقرابة، ويجب أن تنتهي هذه المأساة في أقرب وقت".

أما خالد الشريف، وكيل وزارة الدفاع في حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة الحاسي، فقد أكد أن هدف عملية الشروق هو إعادة تحرير الموانئ النفطية من المليشيات التي تسيطر عليها، والتي منعت تصدير النفط، وكبدت الشعب الليبى خسائر تقدر بأربعين مليار دولار منذ بداية الأزمة. قائلا "لا أحد يعارض دخول قوات حكومة الإنقاذ إلى المنطقة سوى قبيلة واحدة فقط في منطقة الحقول النفطية؛ لأنها تسيطر على الموانئ، أما بقية القبائل فلا تمانع في ذلك".