سعوديون في داعش.."العربي الجديد" يكشف أسرار 362 عضواً بالتنظيم

سعوديون في داعش.."العربي الجديد" يكشف أسرار 362 عضواً بالتنظيم

05 مايو 2016
+ الخط -
عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حصل "الجهادي" السعودي، أبوالدحداح الشرقي، على تزكية من الناشط السعودي في العالم الافتراضي، أبو ليث الجزراوي المعروف بـ"السمبتيك"، للالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

توجه الشرقي إلى سورية، عبر الحدود التركية، التي دخلها بجواز سفر شقيقه، تاركا خلفه عائلة مكونة من زوجة وطفل في مقتبل عمره. وبينما عاد "السمبتيك" إلى بلاده، هارباً من داعش، في يناير/كانون الأول من العام 2014، بعد "اكتشافه انحراف فكر التنظيم واستخدامه لحسابه في تويتر لأغراض ترويجية" كما قال، فإن أبو الدحداح لا يعلم أحد مصيره، وما آل إليه هو و361 منتسبا لتنظيم الدولة، في الفترة من منتصف العام 2013، وحتى نهاية العام 2014، بحسب استمارات التنظيم المسماة بـ"بيانات مجاهد"، والتي تضم 282 سعودياً اختاروا تصنيف أنفسهم ضمن فئة "المقاتلين" في صفوف التنظيم، و48 من "الاستشهاديين" (الإنتحاريين)، و32 كـ "انغماسيين".


كشف المستور

تضم استمارات عضوية تنظيم الدولة المسرّبة، معلومات تفصيلية عن منتسبي داعش، تقع في 23 خانة، معنونة بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، (تغير الاسم في العام 2014 وأصبح "الدولة الإسلامية" بعد إعلان "خلافة" أبو بكر البغدادي)، ثم عبارة الإدارة العامة للحدود، وتبدأ المعلومات التي يملؤها الراغبون في الالتحاق بالتنظيم، بالاسم واللقب ثم الكنية، واسم الأم، وفصيلة الدم، وتاريخ الولادة والجنسية، والحالة الاجتماعية، والعنوان ومكان الإقامة، والتحصيل الدراسي، والمستوى الشرعي، والمهنة، والبلدان التي سافر إليها وكم لبث فيها والمنفذ الذي دخل منه والواسطة، وتاريخ الدخول، وهل سبق له الجهاد وأين، ونوع التخصص هل مقاتل أم استشهادي أم انغماسي، والاختصاص (مقاتل، شرعي، أمني، إداري)، ومكان العمل الحالي، والأمانات التي تركها.

ويتضح من الاستمارات التي حصلت "العربي الجديد" عليها من خلال موقع زمان الوصل السوري، ضآلة التأثير لعمليات تجنيد السعوديين عبر موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، إذ لم تتجاوز حالات التزكية عبر الموقع 4 أفراد. وتكررت وبشكل ملحوظ، عمليات انتحال منضمين إلى داعش، لشخصيات أخرى، من أجل السفر إلى سورية إذ أقر بعض العناصر السعوديين، باستخدامهم جوازات سفر تعود لأحد أقاربهم، أو أصدقائهم، إذ يُكتب في الاستمارات أن الجواز لـ "شبيه" للعنصر المنضم إلى داعش.



من أين جاء سعوديو داعش؟

تكشف بيانات سعوديي داعش تنوعا مناطقيا لافتا، إذ انضم سعوديون من مختلف مناطق المملكة إلى التنظيم، فيما زادت الكثافة العددية للعناصر الملتحقة بداعش من مناطق وسط المملكة (الرياض والقصيم وحائل)، والمنطقة الغربية (مكة المكرمة والمدينة)، والمنطقة الشرقية. ووفقا لما رصده معدّا التحقيق، عبر الاستمارات، فإن غالبية العناصر الملتحقة بالتنظيم من هذه المناطق (313 داعشيا أي ما يوازي 86% من إجمالي الاستمارات)، جاءوا من المدن الكبرى مثل الدمام والرياض ومكة وجدة وبريدة.

وتأتي الرياض على رأس قائمة المناطق التي التحق منها عناصر بتنظيم الدولة، إذ ملأ 115 شابا استمارات عضوية التنظيم، وتليها القصيم بعدد 75 سعوديا، غير أن اللافت في منطقة القصيم هو أن بريدة، وهي أكبر مدن القصيم، التحق منها 60 شابا أي ما نسبته 80 %، وهو ما يراه عبدالعزيز الخضر، مؤلف كتاب "السعودية سيرة دولة ومجتمع"، رقما لافتا، مرجعا الأمر إلى ما يسميه "تراكمات ما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن"، والتي يعني بها تأثر شباب القصيم بشكل عام، بشخصيات متطرفة ومحورية من قيادات تنظيم القاعدة، مثل يوسف العييري، والذي نشط في المنطقة، ما انعكس على الوضع الأمني في بريدة. ويعتبر العييري من القيادات البارزة للقاعدة، وقُتل في مواجهات مع رجال الأمن في السعودية في العام 2003.
ووفقا للاستمارات، تقلّ أعداد الشباب السعودي المنضمين إلى التنظيم من مناطق شمال المملكة (الحدود الشمالية والجوف وتبوك)، والجنوب (نجران وعسير والباحة وجازان)، إذ ملأ 23 شابا من الشمال الاستمارات، بينما التحق 26 من الجنوب بداعش، كما توضح بيانات المنتسبين الـ(362).

وتدعم قلة أعداد المنتمين إلى داعش من الجنوب، ما يراه عبدالعزيز الخضر تفنيدا للنظريات التي راجت حول "حجم الحالة الجهادية" في تلك المنطقة، بناء على انتماء عدد من منفذي 11 سبتمبر، إلى مناطق جنوبية، قائلا لـ"العربي الجديد": "توهّم البعض بناء على التوزيع المناطقي لمنفذي 11 سبتمبر، أن الملتحقين بالتنظيمات المتطرفة من المناطق الجنوبية سيكونون أكثرية، والواقع أن الأرقام فيما بعد لا تدعم هذه الفرضية".

وشدد الخضر على ما سمّاه بإشكالية التمثيل الجغرافي لأعضاء داعش المنتمين إلى دول بعينها أو حتى داخل دولة محددة، معتبرا أن التفسيرات المناطقية "مختزلة"، وأن كلا من عوامل، السياق والفترة التاريخية والشخصيات الجهادية المؤثرة في أبناء تلك المناطق، لها تأثير واضح على جذب أعضاء بعينهم إلى تلك التنظيمات، ضاربا المثال بأسامة بن لادن، ونشاط الحركات الإسلامية، والذي كان بارزا في المنطقة الغربية، خلال فترة الثمانينات، ما أدى إلى كثافة الحضور الحجازي في الجهاد الأفغاني، وهو ما تغير بعد 11 سبتمبر، إذ برزت حالة جهادية نشطة في القصيم ضمت القيادي في القاعدة، يوسف العييري، الأمر الذي تطلب مواجهة أمنية استمرت تداعياتها لفترة طويلة، لافتا إلى تأثير القرابات والعلاقات الشخصية في نشر الأفكار الجهادية في أماكن بعينها خلال فترات زمنية محددة.


مفارقة المستوى الشرعي

على موقعها الإلكتروني، تذكر وزارة التعليم السعودية، أن من أهدافها "بناء شخصية الطالب الإسلامية والوطنية والفكرية معرفيا ومهاريا وقيميا"، ووفق لما رصده معدّا التحقيق، فإن التعليم الديني في السعودية، يتم في كل المراحل الدراسية ما قبل الجامعية، إذ يدرس السعوديون القرآن والتفسير والفقه والحديث النبوي والتوحيد، بالإضافة إلى مواد عامة للثقافة الإسلامية في الجامعة، لكن المفارقة الواضحة هي أن 50% من المنتمين إلى داعش من السعودية، وصفوا مستواهم الشرعي بالبسيط بينما وصف 30% منهم مستواهم بالمتوسط و6% فقط في أعلى مستوى، وهو "طالب العلم"، ولم يحدد 14% مستواهم إذ لم يضعوا البيانات.

ولا يشعر الباحث السعودي في الحركات الإسلامية، عبد الله المالكي، بالمفاجأة من دلالات الأرقام السابقة، معتبرا أنها تتوافق مع استهداف داعش لمن يتسمون بضحالة معرفتهم الدينية، إذ يستغل حماستهم لدفعهم للتضحية بأنفسهم. وعن مقارنة نسب هؤلاء، بكثافة التعليم الديني في السعودي، أكد المالكي أن العلم الشرعي المقصود لدى هذه الجماعات، مختلف مضمونا وكماً، لافتا إلى أن خريجي المدارس النظامية السعودية يُعتبرون من "العوام" بنظر الحركات الإسلامية، واعتبر المالكي أن "الخصوم الحقيقيين لداعش، هم المتمكنون في العلوم الدينية" معللا هذا بقدرتهم على "طرح التساؤلات حول أيديولوجية التنظيم وانتقادها".
وهو ما يفسر قلة المنضمين إلى التنظيم، ممن وصفوا أنفسهم بـ "طلاب علم" والذين لم يتجاوزوا 22 عنصرا، أي ما نسبته 6% من مجمل الاستمارات التي تم تحليل مضامينها. وبعكس شرائح واسعة من المهتمين بالشأن العام في السعودية، ممن يدعون للحد من كثافة الدراسات الدينية، لمواجهة التطرف والإرهاب، يرى المالكي أن "تكثيف العلم الشرعي وتطويره والارتقاء به من أهم وسائل مواجهة التطرف". باعتبار أن "صاحب العلم الشرعي، معتاد على الجدل، ويصعب أن يُقاد، بينما يسهل التلاعب في غير المتمكنين في العلوم الشرعية".

ويضيف المالكي: "معظم طلاب العلم الشرعي قد درس على أيدي علماء المذاهب التقليدية والتي معظمها ليست مسيسة ولا تتبنى خطابا عنيفا ضد المجتمعات، فضلا عن التكفير والقتل".

ويتفق الكاتب والمحلل السياسي السعودي، جمال خاشقجي، مع الرأي السابق، في أن أغلب المنتمين إلى داعش هم من غير الدارسين أو المتعمقين في العلوم الشرعية، موضحا أن التعليم الشرعي الذي توفره المدارس في السعودية لا يصل مستواه إلى ما يعتبره المتخصصون "مرحلة طلب العلم" والذي يفوق بكثير ما يدرسه السعوديون في التعليم العام.

وأدلى الباحث المتخصص في العلوم السياسية، سلطان العامر، بدلوه في هذه النقطة، مؤكدا أن بيانات هذه الشريحة من السعوديين المنضمين إلى داعش، تكشف أن جلّهم من مخرجات النظام التعليمي الجديد، والذي تشكّل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

يستدرك العامر: " تُلقي هذه الأرقام، بظلال كبيرة من الشك على جدوى الربط (النمطي) ما بين الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة وطبيعة المناهج التعليمية في السعودية وما استتبع ذلك من تغيير للنظام التعليمي في تلك الفترة".



تجانس العمر والمستوى التعليمي

تكشف استمارات أعضاء داعش السعوديين عن ارتفاع نسبة المتعلمين بينهم، إذ جاء الحاصلون على الشهادة الثانوية في المركز الأول، بإجمالي 54% من الاستمارات، وغير بعيد عنها كانت نسبة الجامعيين 37%، وبلغ عدد الحاصلين على الشهادتين الابتدائية والمتوسطة 7% فقط، بينما لم يحدد 2% من بين المنضمين للتنظيم مستواهم العلمي.

وتتوافق الأرقام السابقة مع المستوى العمري لسعوديي داعش، إذ حصل من هم في المرحلة العمرية ما بين الـ20 والـ30، على نسبة 78%، وهو ما يتوافق مع الفترة التي قد يستغرقها الدارسون حتى إنهاء المرحلة الجامعية في السعودية، وفي المركز الثاني جاء من هم في المرحلة العمرية ما بين الـ30 والـ40، بنسبة 15%، وفي المركز الثالث من هم دون العشرين بنسبة 4%، بينما توزعت بقية النسب المئوية على الأعمار التي تفوق 40 عاما فأكثر.

ويرى أكاديمي سعودي متخصص في علم الاجتماع، (رفض ذكر اسمه)، أنّ توافق الحالة التعليمية والعمرية، يؤكد على التجانس بين المستويين، وهو ما يكشف تشابه منتسبي التنظيم من الناحيتين التعليمية والعمرية، بينما يعلق المحلل السياسي خاشقجي، على أن المستوى التعليمي لـ 91% من الأعضاء ثانوي أو جامعي بقوله، "ينفي هذا ما يروج بأن أعضاء التنظيم من الجهلة، كما أنه يتوافق مع ارتفاع نسبة التعليم في السعودية".
ووفقا للاستمارات، فإن 11 من السعوديين المنتمين إلى داعش، سبق لهم الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا، وأغلب هذه الشريحة، لم يكملوا دراستهم، إذ قاموا بقطعها، والذهاب إلى مناطق النزاع، بحسب المعلومات المدرجة في الاستمارات.

لكن ما دلالة كون أعمار 81% من المنتمين السعوديين إلى داعش دون الثلاثين؟، يجيب الباحث في علم الاجتماع، أحمد العوفي، قائلا: "العديد من الدراسات في مجال الحركات الاجتماعية (من أهمها دراسة ماك آدم لحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة)، تتفق على أن فئات الشباب والعزّاب هم أكثر الشرائح الاجتماعية ميلًا للانخراط في العمل السياسي الرافض للواقع سواء أكان سلميًا أم مسلحًا".

وتكشف استمارات المنضمين إلى داعش، أن 76% منهم ضمن فئة العزاب، و17% من المتزوجين بينما لم يحدد 7% منهم حالتهم الاجتماعية. ويرى العوفي أن تفسير حالة الكثافة العددية للملتحقين بداعش من الشباب العزاب، يرجع إلى اندفاع الشباب وقلة العوائق المقيدة لهم، موضحا: "الشباب الذين ليس لديهم عوائق اجتماعية، مثل أسر تحتاج إلى إعالة أو التزامات تجاه الأقارب، أو أنشطة اقتصادية خاصة، في هذه الفئة العمرية المذكورة، لديهم قدرة أكبر على اتخاذ قرارات مثل هذه، دون الكثير من الحسابات المعقدة".

وينفي العوفي أن الموضوع له علاقة بالميل إلى العمل المسلح، أو قلة الوعي والإدراك، لدى هذه الفئة، قائلا: "الشباب ميالون أكثر من أي فئة عمرية للمشاركة في الحركات الاجتماعية والسياسية سواء البنّاءة أو الهدامة". ويضيف: "كون هذا الميل العمري يبرز أيضا في الحركات السلمية، فإنه يدعونا للتشكيك في التفسير الشائع الذي ينسب إلى الشاب قلة الوعي وانعدام الإدراك وأنه تعرض للخداع بسبب سذاجته".


هل أعضاء داعش عاطلون من العمل؟

تكشف استمارات عضوية سعوديي داعش، عن عدة مفاجآت في ما يتعلق بالحالة الوظيفية لمنتسبي التنظيم، إذ فاق عدد الموظفين عدد العاطلين والطلاب، وبلغت نسبة الموظفين 46%، بينما بلغت نسبة البطالة 24% والطلاب 26% فيما لم يحدد 4% حالتهم الوظيفية. وتفوّق القطاع الخاص على القطاع الحكومي بفارق يناهز الـ 4%.

عبر موقع البنك الدولي، وثّق معدّا التحقيق تقارب نسبة البطالة في الشريحة العمرية من الذكور بين عمر 15و 24 عاما ونسبة المنضمين إلى داعش، في ذات المراحل إذ بلغت نسبة العاطلين من العمل وفقا لاستمارات "العربي الجديد" 24%، عن الفترة من منتصف 2013 حتى نهاية 2014، وهو ما يتوافق مع متوسط العامين، إذ تراوحت النسبة بين 21.1 و22.2%.



لماذا ينضمّون إلى داعش؟

لا يشعر جمال خاشقجي بالدهشة من نتائج تحليل مضمون استمارات السعوديين المنضمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، إذ يرى بأن الدافع العقائدي و"الأيديولوجيا الجهادية" محرّكان قويان لجذب الشباب السعودي للتنظيم ممن يبحثون عن تطبيق مفاهيم الإسلام كما يرونها. وأشار رئيس قناة العرب إلى أن النتيجة تظهر أن أغلب منتسبي التنظيم السعوديين من غير العاطلين، وهو ما يدعم وجهة نظره، بأن هؤلاء يبحثون عن دولتهم الإسلامية كما يحلمون بها وليس عن عمل.

ويتفق معه سلطان العامر في نفي الأسباب الاقتصادية، قائلا "سبب الانضمام سياسي بالأساس"، مرجعا ذلك، من وجهة نظره، إلى شُح الخيارات المتعلقة بالمشاركة في الشأن العام، وهو ما يلعب دورا مهما في انخراط الشباب في مثل هذه التنظيمات. ويضيف: "منذ أرسطو، والإنسان يُعرّف بأنه (حيوان سياسي)، أي أن من طبيعته العناية بالشأن العام، ولأن المجال العام في الدول العربية محتكَر ومُقفر، فإن الحركات المسلحة تجد مخزوناً هائلاً من الشباب المتعطش للعمل في الفضاء العام، فتقوم بتجنيده".



أبو محمد الشمالي

عبر بلدات الراعي وأعزاز وجرابلس، دخل سعوديو داعش إلى سورية، غير أن عاملا مشتركا جمع بينهم، إذ دائما ما ذكروا إلى جانب المنفذ الذي دخلوا منه، اسم أبو محمد الشمالي على أنه "الواسطة" التي سهّلت الأمر. فمن هو الشمالي؟ وفقا لموقع "المكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأميركية، فإن الشمالي يعد "مسؤول الحدود" في تنظيم داعش، واسمه طارق الجربا (كتب الاسم بشكل خاطئ في الموقع على أنه طراد الجاربا)، ورصدت الولايات المتحدة مبلغ 5 ملايين دولار لمن يدلي بأي معلومات من شأنها أن تفضي إلى اعتقاله.

وأبو محمد الشمالي سعودي الجنسية، من مواليد العراق، وفي 20 نوفمبر /تشرين الثاني المقبل سيبلغ عمره 37 عاماً، وتقول واشنطن، التي أدرجت الشمالي على لائحة الإرهاب العام الماضي، إن الرجل أشرف في العام الماضي على استقبال المتطوعين في التنظيم في مدينة أعزاز السورية، والتي أدار فيها مركزا لتجهيز المجندين الجدد، وعمل الشمالي في صفوف تنظيم القاعدة في العراق منذ العام 2005، قبل أن ينضم إلى داعش.


مؤسستان وأولوية مواجهة التطرف

يعتبر "مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية" أو ما يُعرف إعلاميا بـ "برنامج المناصحة" أبرز المشاريع السعودية في "معالجة أفكار التطرف"، إذ يخضع المتورطون مع الجماعات الإرهابية لبرامج دينية ودورات "داخل التوقيف وخارجه" بهدف تحجيم ظاهرة التطرف والغلو الديني، المرتبط بالإرهاب. وتم تأسيس المركز في عام 2004، ليكون بمثابة الجسر ما بين السجن وإطلاق سراح المتورطين في قضايا أمنية.

ومرّ المركز بثلاث مراحل، الأولى حين تم تأسيس نواته، على هيئة "لجان مناصحة"، إذ يناقش متخصصون أفكار الموقوفين الأمنيين. والمرحلة الثانية، في عام 2006، بعد أن تم تأسيس المركز ليعمل مع "لجان المناصحة". أما المرحلة الثالثة، فكانت تحويل أنشطة المركز واللجان إلى عمل مؤسسي أكبر، يهدف إلى "تصحيح المفاهيم وإعادة التأهيل والدمج الاجتماعي" لحاملي الأفكار المتطرفة. ويُعرف المركز اليوم نفسه كـ "مؤسسة إصلاحية مختصة بعمليات المعالجة الفكرية للمتطرفين من خلال مجموعة من البرامج التي يقوم عليها نخبة من أصحاب العلم والخبرة في التخصصات العلمية المتنوعة" بحسب موقعه الإلكتروني. ويقدر عدد المستفيدين من المركز، حتى العام الماضي، بـ 3071 مستفيدا.

ويقدم المركز للمستفيد برنامجاً مكثفاً يرتكز على النقاشات الشرعية مع علماء دين ومتخصصين اجتماعيين هدفه التهيئة النفسية للموقوفين لإعادة الثقة إليهم وإعادة دمجهم في المجتمع لبناء حياتهم. ويبلغ عدد القائمين على المركز نحو 220 من الأكاديميين في الأقسام الشرعية والنفسية والاقتصادية والسياسية، يتم اختيارهم بواسطة لجنة من الجامعات السعودية لتحديد مكامن الخلل لدى المستفيدين.

كما أطلقت السعودية، حملة السكينة، وهي حملة "إلكترونية تطوعية" تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في عام 2003، وتنشط بحسب موقعها الإلكتروني "في عالم الإنترنت" بهدف "بث المفاهيم الصحيحة ومناقشة الأفكار المنحرفة".

ووضعت الحملة أربعة أهداف لها، تتلخص في "التصدّي للأفكار والمناهج المنحرفة المؤدية إلى العنف والغلو" و "نشر المنهج المعتدل" وذلك من خلال "التعامل مع المستهدفين بصفة شخصية ودية".

ومن الإنجازات التي تتحدث عنها الحملة "تصحيح أفكار" 1500 شخص، من أصل "3250" تم الحوار معهم. بالإضافة إلى نشر 300 مادة علمية حول المفاهيم الفكرية المثيرة للجدل، وتقديم خدمات للدارسين للتطرف والغلو، إذ يشير موقع الحملة إلى مساهمتها في تقديم إحصائيات وتقديم خدمات علمية وبحثية لـ 15 رسالة علمية أكاديمية.

وتؤكد الحملة أن 50% من الذين تمت مناقشتهم، من منطقة الخليج العربي، و30% من الدول العربية الأخرى، و20% من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

سياسياً، تولي السعودية أولوية قصوى لمواجهة التطرف والإرهاب، خاصة بعد التفجيرات التي هزّت الرياض في 2003 و2004، وضربت مجمعات سكنية لأجانب (مجمع المحيا ومجمع الحمرا)، والهجمات التي تبعتها مواجهة واسعة مع تنظيم القاعدة في السعودية. وتوج هذا الاهتمام، بالإعلان عن "التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب" ديسمبر/ كانون الأول الماضي من أجل توحيد الجهود لمواجهة الإرهاب "عسكريا وفكريا وإعلاميا وماليا". وأشار المستشار في وزارة الدفاع السعودية، العميد أحمد عسيري، إلى أن التحالف يضع ضمن أولوياته معالجة مشكلة "تجنيد العرب والمسلمين في التنظيمات الإرهابية، وأنّه سيحاول استعادة المنضمين إلى هذه التنظيمات".


بلا سوابق "جهادية"

تكشف استمارات سعوديي داعش عن عدة ملاحظات، من أهمها كون 99% من المنضمين إلى التنظيم، بلا سوابق جهادية ماعدا ثلاثة، قالوا إنهم قاتلوا في أفغانستان (إبان الاحتلال الأميركي في 2001)، وعنصراً واحداً، قال إنه قاتل في إرتيريا، بينما أفاد الباقون بأنهم "بلا سوابق جهادية".

ووفقا للاستمارات، فإن 9 من مقاتلي داعش، سبق لهم القتال مع جبهة النصرة وفصائل أخرى أهمها أحرار الشام، ويتسق هذا التحول مع التقارير التي تحدثت عن انشقاق أعداد من جبهة النصرة، والتحاقهم بتنظيم الدولة، بعد خلافات "خليفة داعش"، أبو بكر البغدادي، مع زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، ومبايعة الأخير لأيمن الظواهري، زعيم القاعدة، في أبريل / نيسان 2013، من أجل التخلص من أي تبعية لتنظيم الدولة.

وتبقى المواجهة بين تنظيم الدولة والمملكة العربية السعودية من أهم ما يثير قلق السعوديين، خوفا من انتشار "الفكر المنحرف" كما تسميه المؤسسة الدينية الرسمية، في أوساط الشباب، الذين يشكلون 67% من السعوديين.