التجربة الألمانية في مواجهة كورونا...كيف تميزت عن إيطاليا وفرنسا؟

التجربة الألمانية في مواجهة كورونا...كيف تميزت عن إيطاليا وفرنسا؟

برلين

باسل الحمدو

avata
باسل الحمدو
13 ابريل 2020
+ الخط -
يعتبر الدكتور فيضي محمود كبير الأطباء في مشفى جامعة إرلنغن الواقعة في مقاطعة بافاريا جنوب شرقي ألمانيا، أن انخفاض نسبة وفيات المصابين بفيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، يعود إلى تفسيرات وفرضيات ما تزال في مرحلة الفحص، غير أنها ترتكز بشكل أساسي على متانة النظام الصحي، وقوة وعدد وحدات العناية المشددة، والتي تضاهي ما تملكه عدة دول أوروبية غنية، فضلا عن عدد الفحوص والتحاليل التي تجرى يوميا للكشف عن المصابين بالفيروس، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن ألمانيا لديها مستشفيات في أقبية مجهزة منذ الحرب العالمية الثانية، وما تزال مغلقة وبإمكانها أن تدخل الخدمة في حال الاحتياج لها.

وتمتلك ألمانيا نظاماً صحياً قوياً يتألف من 1160 مستشفى بسعة 28031 سريرا، بمعدل 33.7 وحدة عناية مشددة لكل 100 ألف شخص، وشغل مرضى كورونا منها 613 سريراً فقط، وفق بيان رسمي أصدره الاتحاد الألماني للعناية المشددة والحالات الطارئة في 26 من مارس/آذار الماضي، كما جرى رفع وحدات العناية المشددة خلال الجائحة إلى 40 ألف وحدة عناية مشددة و30 ألف جهاز تنفس اصطناعي، بحسب بيانات وزارة الصحة الألمانية التي حصل عليها معد التحقيق من مديرة الصحة في برلين جيزوند هايتس آمن.

وبلغ عدد الوفيات بالفيروس 2673 حالة، من إجمالي عدد المصابين البالغ 120479، وفق بيانات منظمة الصحة العالمية الصادرة في 12 إبريل/نيسان، وهو ما يعني أن عدد المتعافين تجاوز لأول مرة عدد المصابين وفق ما أعلنه معهد "روبرت كوخ" للأمراض المعدية والسارية التابع لوزارة الصحة الألمانية، في بيان صحافي، لافتا إلى أنه تم شفاء 60200 مريض، وتوفي نتيجة هذا المرض 2673 شخصا، وبذلك يكون عدد المصابين 57606.






كيف جرى احتواء عدد الإصابات الكبير؟


يعد معهد روبرت كوخ المؤسسة المرجعية المسؤولة عن تقييم مخاطر وباء فيروس كورونا في ألمانيا، ويقدم توصياته للحكومة لمكافحة انتشار الوباء، ومع توفر وحدات العناية المشددة وأجهزة التنفس الاصطناعي والأوكسجين، بفضل السعة الكبيرة للمشافي الألمانية حصل المصابون على الرعاية اللازمة، بخلاف ما حصل في إيطاليا وإسبانيا، وفق ما تؤكده ميريكي ديغين الناطقة الإعلامية لمعهد روبرت كوخ، والتي أوضحت أنه في 4 إبريل/نيسان كان عدد الإصابات بين من تجاوزت أعمارهم 80 عاماً 5925 حالة من أصل 85778 حالة مصابة بالفيروس.

وتعتبر ديغين أن رفع عدد الفحوصات التي تُجرى لمن يشك الأطباء في إصابتهم، من أسباب احتواء المرض وتقليل عدد الوفيات الناجمة عنه، موضحة أن هذه الاختبارات كان لها الفضل في البدء في رؤية الحالات في مراحل مبكرة من الإصابة بالمرض.

ورفعت ألمانيا عدد التحاليل المخبرية للتأكد من الإصابة بفيروس كورونا من 7115 اختبارا في اليوم الواحد، بمشاركة 28 مختبراً في السادس من مارس الماضي، إلى 103 آلاف اختبار يوميا، ويتراوح عدد الاختبارات بين 517 ألفاً وحتى 724 ألف اختبار أسبوعياً مع نهاية  مارس الماضي بحسب بيانات معهد روبرت كوخ  التي حصل عليها معد التحقيق.

ووفرت شركات ألمانية مثل بوش جهاز فيفاليتك، والذي يعطي خلال ساعتين ونصف الساعة فقط نتائج عالية الدقة حول الإصابة بكورونا، ويستخدم مستشفى ميونخ الجامعي جهازا يجري 100 اختبار مرة واحدة ويعطي نتائج فورية، ويستفيد من الاختبار مظفو القطاع الطبي من أجل إعادة الأصحاء للعمل بدون إخضاعهم لأسبوعي الحجر الاحترازي، وفق ما جاء في مقطع مصور بثته قناة Deutsche Welle.







وبالمقارنة مع التحاليل المخبرية اليومية التي تجرى للتأكد من الإصابة بفيروس كورونا في دول أوروبية، تتفوق ألمانيا في هذا المجال، إذ أجرت فرنسا خمسة آلاف اختبار يوميا، أما إسبانيا فأجرت 15 ألف اختبار يومياً، وبينما أجرت إيطاليا 21 ألف فحص يومياً بالإضافة إلى 50 ألف فحص إجمالي أجرته مقاطعة إيميليا راماغونا حتى تاريخ 31 من شهر مارس/آذار الماضي وفقا لبيانات منظمة الصحة الأوروبية.


استقبال مصابين من إيطاليا وفرنسا

تختلف مستوى جاهزية النظام الصحي في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا عن ألمانيا، من حيث التجهيزات الطبية، خاصة وحدات العناية المشددة، إذ كان لدى إيطاليا في بداية حالة الطوارئ الصحية 5179 وحدة عناية مشددة، ثم رفعت إلى 9284 وحدة عناية، وفق بيانات وزارة الصحة الإيطالية الصادرة في 4 إبريل الجاري، وبدرجة أقل في فرنسا، إذ زادت سعة أسرة الإنعاش من 5 آلاف وحدة عناية مشددة قبل الوباء، إلى 8 آلاف وحدة بحلول 24 مارس الماضي وفق بيانات منظمة الصحة الأوروبية، وتمتلك إسبانيا 3363 وحدة عناية مشددة فقط وفقا لبيانات وزارة الصحة الإسبانية.

واستقبلت مشافي ألمانيا إيطاليين مصابين بالفيروس، بحسب ما قاله الدكتور فيضي محمود والذي عمل 30 عاماً مشرفاً على العناية المشددة، ونقل طيران الجيش الألماني مرضى بالفيروس في ست رحلات، من أجل تلقي العلاج في مشافي ألمانيا حتى الثامن والعشرين من مارس الماضي، وفي اليوم التالي بدأت طائرات عسكرية ألمانية أخرى بنقل مصابين فرنسيين من مدينة ستراسبورغ إلى المشافي الألمانية لمعالجتهم بحسب بيانات حركة طيران الجيش المنشورة على موقعه الإلكتروني.



يوميات الكادر الطبي في مواجهة الفيروس


عايش الطبيب السوري القعقاع المُغير اللحظات الأولى لتفشي الفيروس في ألمانيا، فهو يعمل في مشفى شمال الراين غربي البلاد، ويروي المغير مراحل تطور المواجهة الصحية لكورونا في مشافي ألمانيا، قائلا: "لم نكن نملك حينها معرفة واضحة ورصينة حول الفيروس، وبقيت المسألة على هذا الحال حتى وصول المرض لنا في المشفى وتمكنّا من إجراء فحص على أحد زملائنا ممن أصيبوا من الكادر الطبي. وبدأت بعدها تتوالى حالات الإصابات والوفيات، ووقتها عاشت ألمانيا حالة ارتباك واضحة في الأيام الأولى لتفشي الفيروس، ونقص شديد في الأقنعة والكمامات ووسائل الحماية".

لاحقا بدأ تنظيم المواجهة مع الفيروس، من خلال تخصيص وحدات إسعاف خاصة للمشكوك في إصابتهم، وإحداث نقلة نوعية بعد زيادة عدد أسرة العناية المشددة، وفق ما قال الطبيب المغير، موضحا أن الحالات التي تعاني من إصابات خفيفة بالمرض يتم إرسال الكثير منها إلى الحجر الصحي في المنازل، والحالات المتوسطة الخطورة والخطرة يتم فرزها من قبل إلى العناية المشددة.



ويضيف الدكتور فيضي محمود إلى ما سبق: "نقوم في الوقت الحالي بإجراء مناوبات تمتد لست أو سبع ساعات متواصلة، يتولى ذات الكادر الطبي العمل فيها مع المرضى الذين تقع على عاتقه رعايتهم، حتى نتجنب ارتفاع عدد الإصابات بين الأطباء في حالة إصابة الطبيب بالمرض حتى لا ينقله إلى زملائه أو غيره من المرضى"، مضيفا أنهم يقومون بأبحاث متواصلة بهدف إنتاج لقاح مضاد"

وسجلت 2300 إصابة بين الأطباء وموظفي الرعاية الصحية ممن تعرضوا للعدوى بفيروس كورونا خلال عملهم، ولم تسجل حالات وفيات بين الكوادر الطبية وفق إحصائيات مديريات الصحة في المقاطعات الألمانية التي نشرت في 3 إبريل، وفي المقابل بلغ عدد المصابين بالفيروس ضمن الأطقم الصحية الإيطالية 8956 مصابا، حسب آخر نشرة صادرة في 30 مارس/ آذار الماضي عن معهد الأوبئة التابع للمعهد العالي للصحة وتسجل الإحصائيات اليومية لتفشي فيروس كورونا في إيطاليا وفاة طبيب واحد أو أكثر، منذ انطلاق حالة الطوارئ في 31 من يناير/ كانون الثاني الماضي بحسب الموقع الرسمي للفيدرالية الوطنية لنقابات الأطباء والجراحين وأطباء الأسنان.


إهمال أماكن إيواء اللاجئين

رغم ما فرضته ألمانيا من إجراءات للحد من تفشي كورونا وخفض الوفيات، إلا أن قوانين الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي التي أقرتها ألمانيا تتعارض مع ما يحدث في أماكن إيواء اللاجئين، حيث يستخدم الجميع دورات المياه الصحية والمطابخ ذاتها.

انتقال العدوى إلى أحدهم يعرض العشرات في نفس المكان للإصابة، وفق ما وثقه معد التحقيق في لقاءاته مع لاجئين، ومنهم السوري شكري شيخ الذي يقبع مع عائلته في مأوى للاجئين في لاندس هوت، التابعة لمدينة بافاريا منذ أكثر من 21 يوماً تحت الحجر الصحي بسبب اكتشاف إصابات بفيروس كورونا بين اللاجئين في المأوى.

ورغم أن نتيجة فحوصات عائلة شكري كانت سلبية ولم تثبت إصابتهم، لم يتم نقلهم من المأوى إلى مكان آخر، وفي الوقت نفسه تعرضوا للحجر الصحي مرة أخرى، بسبب اكتشاف إصابات جديدة، وفق روايته لـ"العربي الجديد"، مؤكدا عدم عزل كبار السن والأطفال والمرضى.

لم تكن هذه الحالة الوحيدة بل وقعت حالات مماثلة في فندق أماريا سيتي الذي يستخدم مأوى للاجئين في منطقة الشارلتون بورغ في برلين، ومأوى آخر في مدينة أويسكن كيرشين غرب ألمانيا، عندما نقلت إدارة المأوى لاجئين آخرين كانت من بينهم حالات مصابة، ما دفع الإدارة إلى حجر اللاجئين سويةً. لكن هذه الإجراءات لاقت انتقادات في مجلس اللاجئين البافاري والذي طالب بعزل اللاجئين في الفنادق الفارغة.

ذات صلة

الصورة
أزمة القبور باب لاستغلال أوجاع الفلسطينيين في لبنان

تحقيقات

امتلأت 13 مقبرة مخصصة للاجئين الفلسطينيين في لبنان والذين يعيش 80 % منهم تحت خط الفقر، ما أسفر عن أزمة البحث عن قبر لا يتوفر إلا بالدولار، بينما يتاجر سماسرة الموت بالأماكن الشحيحة المتوفرة وينتهكون حرمة المدافن
الصورة

مجتمع

تعاني جزيرة قبرص طفرة من فيروس كورونا السنوري "تسببت بمقتل 300 ألف قط منذ يناير/كانون الثاني"، فيما يحضّ مدافعون عن الحيوانات بينهم دينوس أيوماميتيس الحكومة على التحرّك لوقف تفشي الوباء الذي قد يمتد إلى لبنان وفلسطين وتركيا، بحسب خبراء.
الصورة
محتجون في رام الله يطالبون بوقف تقليصات وكالة اونروا (العربي الجديد)

مجتمع

طالب محتجون، اليوم الثلاثاء، أمام مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- أونروا، مكتب منطقة القدس وأريحا، الواقع في رام الله وسط الضفة الغربية، بتوفير تمويل دائم ومستدام من موازنة الأمم المتحدة للوكالة.
الصورة
خيام للاجئين مشردين تحت جسر في دبلن (بول فايث/ فرانس برس)

مجتمع

يكشف مخيم أنشأه المكتب الأيرلندي للحماية الدولية، وهو منظمة غير حكومية، وسط العاصمة دبلن في مارس/ آذار الماضي حجم أزمة طالبي اللجوء في أيرلندا التي تترافق مع تصاعد حركات اليمين المتطرف التي تعارض استقبالهم.