وراء قضبان المليشيات (4/1)سجون متنقلة لدى "داعش" العراق

وراء قضبان المليشيات (4/1)سجون متنقلة لدى "داعش" العراق

24 نوفمبر 2014
داعش تستعمل منازل الأقليات مقرات احتجاز (فرانس برس)
+ الخط -
تعلو الأصوات ويعم الارتباك أرجاء سوق الدواسة في مدينة الموصل شمال العراق، ترتفع صرخات توسل مع كلمات غير مفهومة من أحد الاشخاص الذين يطالبه مسلحان بالصعود الى سيارتهما، يحذّرانه من عصيان الأوامر فيما يكتفي المارة بمتابعة المشهد السريع الذي ينتهي بصوت قاس لعجلات سيارة مسرعة تقل المسلحين والضحية فيما يعلّق أحد الواقفين أن مصير المعتقل لن يخرج عن واحد من اثنين إما القتل أو إطلاق السراح.

رغم استمرار معاناته من آلام وكدمات منتشرة في أنحاء جسمه إلا أن اسماعيل الجبوري يؤكد أنه سعيد الحظ لأنه يجلس بين أهله وأصدقائه على قيد الحياة بعد خوضه تجربة السجن والتحقيق والتعذيب داخل سجن تابع للدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" والتي تبحث عن شقيقه الضابط في شرطة المدينة منذ سيطرتها على المدنية في يونيو/حزيران الماضي .

بمجرد خروجه من السجن غادر الجبوري الموصل منتقلاً إلى بيت لأقربائه في مدينة كركوك التي تضم عدداً كبيراً من أبناء عشيرته الذين عمل أغلبهم في قوى الامن الداخلي بالموصل ويعتبرون أنفسهم الهدف الأول لتنظيم "داعش". يروي اسماعيل الجبوري لــ"العربي الجديد" قصة اعتقاله من سوق الدواسة ونقلة إلى سجون داعش قائلاً "مقر الاحتجاز عبارة عن بيت كبير ومؤثث بشكل فخم تركت به لأكثر من يومين قبل أن يتم التحقيق معي معصوب العينين من قبل شخص يبدو من صوته بأنه في مرحلة الشباب"، مبيناً أن جميع الاسئلة تدور عن مكان شقيقة الأكبر مع وعد بأن إرشادهم اليه يقوده الى الحرية.
يضيف الجبوري أنه في صباح اليوم الثالث ظن أنه سيتم إعدامه بعد اقتياده إلى خارج المنزل، لكن تبين أن أمراً صدر بنقله إلى سجن رئيسي من أجل التحقيق الموسع وإصدار الحكم النهائي، لافتاً إلى أنه في اللحظة الاولى التي أزيلت قطعة القماش عن رأسه عرف أنه في سجن منطقة الغابات الذي يستخدمه مقاتلو "داعش" في احتجاز خصومهم من العيار الثقيل.

عذابات الجبوري الحقيقية بدأت لحظة دخوله هذا المكان، إذ لم يتركه جلادوه للحظة دون تعذيب توزعت أساليبه بين التعليق والجلد والصعق الكهربائي وتوجيه السلاح الى رأسه وإيهامه بإطلاق النار عليه، "ولم توصلهم أساليب التعذيب بالسجن إلى شيء" يقول الجبوري موضحاً أنه يجهل أين شقيقه ضابط الشرطة مضيفاً "قلت لهم مراراً آخر اتصال به كان قبل سقوط الموصل بثلاثة أيام، وتأكدوا من الأمر بمراجعة المكالمات في هاتفي الذي استخدم ضمن (أدلة التحقيق)".



داخل السجن المركزي

داخل سجن "داعش" المركزي في الموصل التقى الجبوري بأطباء وموظفين وخطباء مساجد وضباط جيش سابقين ومرشحين خاسرين في الانتخابات البرلمانية وشيوخ عشائر وحتى مقاتلين في مجاميع مسلحة أخرى، وجميع هؤلاء يشتركون في تهمة عدم مبايعة الدولة الإسلامية التي تعد أكثر الجرائم التي يتم احتجاز المعتقلين في سجون داعش ومقرات الاحتجاز بسببها.

قضى الجبوري أسبوعين في سجن داعش المركزي بالموصل، تعد الأسوأ في حياته، كما قال موضحاً أن معاناته الأكبر كانت مع المخبرين والعيون الذين ينتحلون صفة السجناء ويندسّون بينهم في محاولة لاستخراج أي معلومة، كما يحدث في سجون الأنظمة الحاكمة على حد وصفه.
الجبوري دأب على تدوين جزء من تجربته في سجون "داعش" بناء على طلب صديقة الأستاذ السابق في جامعة الموصل ساطع النعيمي والذي يعكف على وضع كتيب عن الحياة الموصلية تحت سيطرة "داعش"، لكنه غير مـتأكد من توفر الظروف المناسبة لنشره، ومع هذا يستمر في جمع المصادر والروايات وإجراء الاتصالات اليومية مع العديد من الاصدقاء والاقرباء الباقين في الموصل.

خصص النعيمي فصلاً من كتابه للبحث في النظام الأمني والقضائي لدى تنظيم داعش بيّن فيه أن جهاز الامن الداخلي لـ"داعش" يتكون من (الشرطة الاسلامية) المسؤولة عن ضبط الأمن داخل الأحياء السكنية والأسواق ورصد المخالفين للائحة (قوانين الدولة الاسلامية) التي أعلنت عقب السيطرة على المدينة بينما يتولى جهاز "الأمنية"، القيام بمهام الاستخبارات الداخلية وجمع المعلومات ومراقبة خصوم الدولة المحتملين عبر عناصر قيادية وشبكة مخبرين واسعة جداً وقوة ضاربة تتولى مهمة تنفيذ أوامر الاعتقال.

القسم المتنقل

يكشف النعيمي أن المرحلة السابقة للقصف الدولي على الموصل شهدت انتشار مراكز شرطة "داعش" ومقرات احتجاز في عدة أحياء تعود للمسيحيين المرحّلين أو (المرتدين الذين أعدمهم من أبناء المدينة)، يتم داخل مقرات الاحتجاز إجراء التحقيقات الأولية، بعدها يتم النقل إلى السجون الرئيسة وهي سجن الاحداث وسط المدينة المخصص لمرتكبي جرائم السرقة والزنى وشرب الخمر وغيرها من الاتهامات التي تعد طبيعية مقارنة بنزلاء سجن منطقة الغابات الأشد تحصيناً وأمناً والمخصص لمخالفي تنظيم الدولة الاسلامية والعاملين ضده، وهناك فرع الشرطة النسائية ويتألف من قوة نسوية تتولى التعامل والتحقيق مع السجينات في بيوتهن.

ويواصل الأستاذ الجامعي تصريحاته كاشفاً لـ"العربي الجديد" أن الجانب الأكثر سرية في سجون "داعش" هو القسم المتنقل، الذي يتم تحريكه ونقل معتقليه بشكل مستمر لتفادي استهدافه بالقصف الجوي والمخصص لسجناء فوق العادة من أمثال الضباط ذوي الرتب العالية أو الشخصيات التي تشغل منصباً حكومياً رفيعاً، والرهائن الأجانب والذين يتم نقلهم بشكل مستمر بين العراق وسورية، وجميع هؤلاء يستعملون للمساومة والضغط على الاطراف المحاربة لداعش.

عقب تزايد قصف طائرات التحالف الدولي على المقرات والبنايات التي يشغلها التنظيم، رصدت "العربي الجديد" نقل التنظيم للجزء الأكبر من السجناء المهمّين إلى مواقعه السرية والبديلة وأغلبها يتمركز في سوق الشعارين وحي "السرجخانة"، وهي مناطق شعبية في جانب الموصل الأيمن.

الأحكام القضائية

تصدر أغلب أحكام داعش القضائية عن المحكمتين الشرعيتين في الموصل واللتين تشغلان بنايات تابعة للحكومة المحلية الهاربة تقع إحداهما في الجانب الايمن من المدينة والأخرى في الأيسر. يحمل القاضي لقب (حاج) وتخلو المحاكمة من المحامين وتتكون من صاحب الدعوة (مدّع) ومتهم (مدعى عليه) ويفصل بينهما القاضي بعد الاستماع الى الطرفين.

وثّق النعيمي في مؤلفه حالات لتنفيذ الحدود الشرعية في مناطق الدواسة وباب شمس الموصل، منها جلد لشاب متهم بشرب الخمر ورجم لامرأة متهمة بالزنى وحالة قطع يد لشخص قيل انه ضبط متلبساً بالسرقة من المنازل، وجميع العقوبات علنية.
يختم النعيمي كتابه بقصة لأحد معارفه الذي يعمل في استيراد الاجهزة الكهربائية بالموصل والذي أصابه اليأس من استرجاع مستحقاته المالية التي ترتبت بذمة أحد الموزعين الذين يتعامل معهم، فقرر اللجوء إلى (المحكمة الشرعية) في الجانب الايمن من المدينة واستصدار قرار باستدعاء الشخص الخصم وتحديد موعد لنظر القضية.

يروي تاجر الأجهزة الكهربائية لـ"العربي الجديد" أن وقائع المحاكمة عقدت بحضور القاضي الحاج فارس وبدأت بالاستماع إلى مظلمته ومن ثم إجابة الخصم الذي أكد أن أوضاعه المادية صعبة ولا يستطيع السداد في الوقت الحاضر، مما دفع القاضي إلى الحكم بتأجيل السداد لحين ميسرة مع تزويد المدعى عليه بورقة تثبت ان قضيته تم البت فيها تجنباً لمقاضاته مجدداً أمام المحكمة الشرعية الثانية بالموصل.

نينوى

غير بعيد عن الموصل وفي محافظة نينوى، جنوب الموصل، يستخدم تنظيم داعش سجن "بادوش" ثاني أكبر السجون العراقية والتي كانت تخضع لسلطة القوات الأميركية منذ عام 2003 حتى 2008، يكفي السجن لاحتجاز ما لا يقل عن 3500 معتقل والآن يحتجز فيه داعش نحو 1250 معتقلاً من أفراد الأمن وأبناء العشائر والرافضين لمبايعة التنظيم المتطرف، كما يقول نائب رئيس مجلس محافظة نينوى نور الدين قبلان لـ"العربي الجديد".

أحد الناجين من سجون داعش منتسب سابق لشرطة نينوى يدعى يونس ذنون قال لـ"العربي الجديد" إن مسلحي داعش اعتقلوه لعدم دفع الغرامة المفروضة على منتسبي الأجهزة الأمنية والبالغة 500 ألف دينار نحو"400 دولار".

يقول ذنون: "تم نقلي الى مقر احتجاز حقق معي فيه شخص يتحدث باللكنة التونسية، تم نقلي إلى مقر احتجاز بمقر الشرطة السابق في منطقة باب الطوب وبعدها بثلاثة أيام تم نقلي إلى مقر المحكمة العليا لداعش، حكم علي القاضي الشرعي بثلاثين جلدة ونفذ الحكم وسط ساحة عامة، تلاها إطلاق سراحي بعد أخذ المبلغ كاملا من أسرتي ومصادرة سلاحي الخاص بالشرطة".

الفلوجة

تضم الفلوجة خمسة سجون يقبع فيها زعماء قبائل وعناصر أمن ورجال دين رافضون لمبايعة التنظيم أو اتهموا بالعمل ضد مشروعه، كلها تحت إمرة قيادي في داعش من الجنسية الصينية يدعى أبو آسيا، بحسب الناشط المدني عمر الدليمي والذي أضاف لـ"العربي الجديد" أن سجون داعش أحدها بالمنطقة الصناعية بينما يوجد أربعة سجون في المقرات الحكومية وسط المدينة".

وبضيف الدليمي أن "التنظيم في الفلوجة لديه محكمة شرعية عليا فيها ثلاثة قضاة أحدهم يحمل الجنسية السورية وتختص بقضايا الانتماء للحكومة أو مخالفة قوانين التنظيم وعدم مبايعته".