الدواء في زمن الحرب: الرصيد "تحت الصفر" في غزة

الدواء في زمن الحرب: الرصيد "تحت الصفر" في غزة

غزة

رائد أبو جراد

avata
رائد أبو جراد
08 سبتمبر 2014
+ الخط -

يعاني الغزي أحمد عبداللطيف (45 عاماً) من فشل كلوي منذ 9 سنوات، حالته تقتضي زيارة المستشفى 3 مرات أسبوعياً لإجراء غسيل للكلى، كثيرا ما يذهب فلا يجد مواد غسيل الكلى لدى مستشفى الشفاء بغزة.

يضطر عبد اللطيف وبقية مرضى غسيل الكلى للحصول على الأدوية بطرقهم الخاصة في ظل عجز وزارة الصحة الغزاوية عن توفير تلك الأدوية نتيجة نقصها المتكرر، دائما ما سمعنا عبارة " معذرة الرصيد صفر من الدواء المطلوب عليك تدبيره بنفسك" يقول عبداللطيف متألما لـ"العربي الجديد"، ولم يكن حال المسنة "أم خضر" أفضل من عبداللطيف فهي تُعاني منذ سنوات طويلة من عدة أمراض مزمنة (الضغط والسكري والقلب) وبالكاد تتمكن من الحصول على دواء الضغط الخاص بعلاجها من وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بينما تظل تبحث عن أدوية القلب والضغط فلا تجدها مما يضاعف من آلامها التي لا ينقذها منها إلا عودة قريب من الخارج ومعه جانب من دوائها يكفيها لفترة إلى أن تعود المشكلة مرة ثانية.

حالة عبداللطيف وأم خضر ليست الوحيدة وفقا لما توصل له تحقيق ميداني حول الوضع الدوائي في قطاع غزة الذي يعاني حصارا وحروبا إسرائيلية متكررة، إذ يعاني مرضى الفشل الكلوي والسرطان وذوو الأمراض المزمنة بالإضافة للأطفال والمرضى الذين ستجرى لهم عمليات جراحية نقص 350 صنفاً دوائياً في الوقت الذي يغيب فيه 431 صنفأً من أصل 902 من الأدوية المستهلكة في المهمات الطبية والعمليات الجراحية وخاصة خلال الحرب المستمرة بحسب أشرف أبو مهادي مدير الصيدلة والمخازن في وزارة الصحة بغزة.

تفاقم المشكلة
يؤكد الدكتور أبو مهادي لـ"العربي الجديد" أن وزارة الصحة في قطاع غزة تعاني استنزافا شديدا في بعض أدوية الطوارئ والعناية الفائقة بسبب الحرب الأخيرة على القطاع والتي أنهت رصيد هذه الأدوية في مخازن الوزارة، واصفا الوضع الدوائي في غزة بالـ "هش"، مبيناً أن وزارة الصحة عملت على مدار الأعوام السابقة على إدارة ما وصفها بـ"الأزمة" المستمرة ونقص رصيد بعض الادوية وغياب البعض الآخر للحفاظ على استمرار تقديم الخدمة للمرضى بالحد الأدنى "لكن الحرب المستمرة على غزة وحصارها الممتد منذ أعوام يعمق من المأساة التي يعيشها الأهالي ليزيد الوضع الهش صعوبة".

مسؤول الصيدلة بوزارة الصحة في غزة لفت إلى أن المساعدات الدوائية التي دخلت خلال العدوان تُغطي جزءًا من العجز، "لكن لا تتوفر أدوية خاصة بالرعاية الأولية وأمراض الأورام والأوبئة والعجز في هذه الأصناف ما زال يراوح مكانه" كما قال.

تصل تكلفة الأدوية الأساسية التي تحتاجها غزة شهريا إلى 2,5 مليون دولار فيما تصل الاحتياجات الدائمة من الأدوية إلى 460 صنفا تعاني المؤسسات الطبية الغزاوية في الحصول عليها.



خالد إبراهيم صيدلي في وسط قطاع غزة يصف حال مخازن الأدوية في القطاع بـ"المرير" إذ يتوفر 5% فقط من احتياجات الفلسطينيين من بعض الأدوية الحيوية في ظل عدم سماح إسرائيل بدخولها بسبب الحصار الممتد منذ فترة.

إبراهيم تابع أن "تدمير معامل شركة الشرق الأوسط لصناعة الأدوية بمنطقة بيت حانون ساهم في تعقيد الموقف لأن الشركة كانت تصنع العديد من الأدوية الخاصة، وكان قطاع غزة يشكل ميدانها الأول لتسويق منتجاتها الدوائية، وبالطبع هذه الادوية الآن غير موجودة، الأمر الذي يؤثر بشكل خاص على حياة آلاف المرضى الذين لا توجد لديهم بدائل عن هذه الأدوية".

وتتراوح نسبة مساهمة المؤسسات الطبية الأهلية العاملة في قطاع غزة بين 5 و10% من إجمالي حاجة القطاع الدائمة إلى الأدوية بقيمة تصل إلى 8 ملايين دولار من إجمالي 31 مليون دولار هي قيمة الأدوية الأساسية التي يحتاجها القطاع سنويا.

مسؤول في شركة "مسروجي" لصناعة واستيراد الأدوية قال إن "الشركات العاملة في غزة تُغطي جزءاً بسيطاً من أدوية الرعاية الأولية والأمراض المزمنة بالقطاع" وأوضح أن إصابات العدوان الإسرائيلي الأخير تحتاج إلى علاج بأدوية قد يمتد تناولها لعام أو أكثر، العديد منها غير متوافر في ظل الأزمات التي يمر بها القطاع.

من جانبه يرى الدكتور خليل أبو ليلة نقيب الصيادلة في غزة أن وزارة الصحة تُعاني نقصاً في كثير من الأصناف المهمة والضرورية في مخازنها، معتبراً أن حياة المرضى في خطر حقيقي بسبب نقص هذه الأدوية وعدم توفرها في المسنشفيات "لأن المريض يلجأ لتلك المراكز فلا يجد ما ينقذ به حياته ويصبح عاجزا".

وفسر أبو ليلة حديثه بالقول "هناك فرق كبير بين احتياجات مخازن وزارة الصحة واحتياجات القطاع الخاص، لأن كثيراً من الأدوية الضرورية في مستودعات الصحة غير ضرورية بالصيدليات ".

خطر محدق
صيادلة قطاع غزة أيدوا حديث أبو ليلة مؤكدين أن الخطر الذي يُشكله العجز في الأدوية يتمثل في عدم توفرها في مستودعات وزارة الصحة مما يشكل خطراً محدقاً على حياة من يعانون أمراضاً مزمنة أو المصابين جراء الحرب.



الصيدلي ياسر الكحلوت ذكر أن العجز الحالي في الأصناف الدوائية موجود من قبل الحرب على غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر، لافتاً إلى أن تدمير السلطات المصرية لكافة الأنفاق أسفل الشريط الحدودي بين القطاع ومصر زاد نسبة العجز وقال الكحلوت "هناك أصناف متوفرة لكن نعاني نقصا في بعضها كالمحاليل الخاصة بغرف العمليات وأدوية الطوارئ التي يجدها المرضى والأطباء بصعوبة في الصيدليات"، مشيراً إلى أن تدني الوضع الاقتصادي لدى مرضى السرطان والأمراض المزمنة زاد من صعوبة شرائهم لهذه الأدوية لارتفاع ثمنها".

الحرب "مفاجئة"
من جانبه يرى الدكتور عبد الله الهشيم مدير شركة بيرزيت لاستيراد الأدوية في غزة أن الحرب على غزة كانت "مفاجئة" لشركات الأدوية العاملة هنا فهي لم تكن على درجة كافية من الاستعداد لتوفير الأصناف الدوائية وبين أن المخزون الذي كان يتوفر في مستودعات وزارة الصحة لم يكن يسُد حاجة القطاع، مضيفاً "لا مكان لصناعة الدواء في غزة على خريطة الاقتصاد "الهش" نظرا للحصار والحرب على القطاع لكنها تسعى إلى توفير بديل محلي ولو بقدر محدود".

ويصف مسؤول شركة بيرزيت لاستيراد الأدوية هذا الأمر بـ"الصعب"، مبيناً أن صناعة الأدوية في غزة تحتاج لإمكانيات كبيرة غير متوفرة في القطاع، وقال الهشيم "هناك جزء بسيط من الأصناف الدوائية يمكن صناعته في غزة لكنْ هناك أصناف يُمنع تصنيعها إلا بواسطة شركات أجنبية كبرى لعدم توفر مواد كيماوية وصعوبة إدخالها لغزة لرفض إسرائيل"، وأشار إلى أن إسرائيل ليس من مصلحتها تصنيع الدواء في غزة لإجبار الفلسطينيين على استهلاك الأدوية التي تصنعها وهو ما وافقه فيه نقيب الصيادلة بغزة باعتبار "تصنيع الأدوية في غزة عملية صعبة للغاية".

حل جذري
لا يمكن – بحسب المسئوولين في غزة – حل مشكلة نقص الدواء في قطاع غزة "بشكل جذري" بدون وجود نظام واحد يقوم بشراء الأدوية وتوفيرها للمرضى الذين يعانون منذ ما يزيد على سبع سنوات جراء استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة.

من جانبه يعود الدكتور أبو مهادي إلى القول بأن ما وصلهم من وزارة الصحة في رام الله خلال فترة الحرب من أدوية ومستلزمات طبية تُقدر نسبته بأقل من 25% من الأدوية المطلوبة لسد النقص الحاصل في قطاع الدواء من قبل الحرب و"هي نسبة لا تفي باحتياجاتنا في القطاع" - كما يقول أبو مهادي - الذي يتوقع العودة إلى ذات الأرقام والاحصائيات السابقة من نسبة العجز في الأصناف الدوائية في حال لم يتم إيجاد حل جذري للأزمة خاصة مع انتشار مراكز الإيواء وتوقعات العديد من المتخصصين بانتشار أمراض وأوبئة في المناطق المدمرة التي تحتاج لأصناف دوائية كالمضادات الحيوية للأطفال وأدوية لعلاج الأمراض الجلدية لا توجد بالقطاع.
---------------
إقرأ أيضا
الدواء في زمن الحرب:التصدير مستمر وشح محلي في سورية
الدواء في زمن الحرب: العلاج القاتل بالعراق