مشافي الموصل... إهمال صحي يفاقم معاناة أهالي المدينة المنكوبة

مشافي الموصل... إهمال صحي يفاقم معاناة أهالي المدينة المنكوبة

24 مارس 2019
مؤسسات الموصل الصحية بحاجة ماسة لإعادة تأهيلها(العربي الجديد)
+ الخط -
فشلت محاولة الأربعيني العراقي أحمد جاسم لاستكمال علاجه في إقليم كردستان، بعد معاناته من آثار شظيتين حجمهما 7 سنتيمترات استقرتا في بطنه وقدمه، نتيجة سقوط قذيفة هاون من عيار 60 مليمترا بالقرب من بيته الواقع في حي الانتصار شرقي مدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى في يناير/كانون الثاني 2017.

أعاقت قلة ذات اليد جاسم عن إتمام علاجه، ما اضطره للعودة إلى مدينته التي لم يجد العلاج في مشافيها، بسبب الدمار الذي لحق بمؤسساتها الصحية جراء المواجهات العسكرية التي دارت بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، والقوات الحكومية التي أعلنت عن تحرير المدينة بالكامل من سيطرة التنظيم الإرهابي في ديسمبر/كانون الأول من عام 2017.

غير أن المعارك أدت إلى تعرض 14 مشفى حكوميا للدمار الجزئي، بنسب تتراوح بين 20% و80% للمباني والأجهزة والإمكانيات الطبية، بينما أسفرت العمليات الحربية عن تدمير كامل لمشفيي ابن سينا والجمهوري الحكوميين، وفق ما رصده مدير عام دائرة صحة محافظة نينوى الدكتور فلاح الطائي، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن: "المحافظة كانت تحتوي على 6 مراكز طبية متخصصة و16 مشفى حكوميا بسعة 4600 سرير قبل احتلال داعش لها في يونيو/حزيران 2014، لكن عدد الأسرة انخفض بعد الحرب إلى 1700 سرير مخصصة لـ3.7 ملايين مواطن، هم قوام سكان المحافظة".


خريطة التدمير

ضررت المنشآت الصحية الواقعة في الجانب الأيمن غربي مدينة الموصل بشكل كبير، إذ خرج المجمع الطبي الحكومي الذي يضم مشافي "ابن سينا والأورام والبتول والجمهوري" بالكامل عن الخدمة، ولم يتبق في المنطقة سوى مستشفى الموصل العام الذي ظل يعمل منذ تحرير المدينة حتى الآن، رغم أنه لم يسلم من آثار العمليات العسكرية وإرهاب تنظيم داعش، لكن نسبة الأضرار لم تتجاوز الـ 40% بحسب تأكيد الدكتور سعدالله عبد العزيز مدير مستشفى الموصل العام، والذي قال لـ"العربي الجديد"، إن المستشفى عاد للعمل بعد فتح ردهات الجراحة والطوارئ بسعة 50 سريرا، بينما كان يحتوي على 280 سريرا قبل تعرضه للدمار الجزئي نتيجة ما وقع خلال الحرب.

وبدأ المشفى في استقبال المرضى في 20 إبريل/نيسان 2017، بعد عشرين يوما من تحرير المنطقة التي يقع فيها، كما يقول الدكتور عبدالعزيز موضحا أنه "تمت إعادة تأهيل المؤسسة الطبية على نفقة كل من جمعية الهلال الأحمر القطري وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، بينما بادرت منظمة داري الإنسانية بدعم من منظمة الصحة العالمية، وبالتعاون مع مديرية بلديات الموصل وصحة نينوى، لنقل عدة مشاف ميدانية مؤقتة كانت على أطراف المدينة إلى داخل الموصل، بعد انتهاء عملها في تقديم الخدمات الطبية للقوات المحررة والنازحين الذين عاد بعضهم إلى مناطقهم، غير أنها لم توفر سوى 125 سريرا وثلاثة أجهزة أشعة CT. SCAN وجهاز سونار وجهاز فحص ايكو، ويفترض أن تعمل تلك الأجهزة في خدمة 500 ألف نسمة هم عدد سكان الجانب الغربي لمدينة الموصل، بحسب ما ذكره الدكتور الطائي، والذي أكد أن أبرز الجهود التي بذلت لتأهيل المؤسسات الصحية في الموصل كانت ذاتية وتجري عبر دعم مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، مشيرا إلى أن مشافي محافظة نينوى الحكومية كانت تفتقد لجهاز رنين مغناطيسي، بعد أكثر من 15 شهرا على إعلان تحرير الموصل بالكامل من التنظيم الإرهابي، لكن مديرية صحة نينوى تمكنت في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 من العثور على جهاز رنين مدمر من آثار الحرب وعملوا على تأهيله وبدأ استخدامه، قائلا: "الفقراء لا يمكنهم دفع تكاليف الفحص عبر هذا الجهاز، والتي تصل في المراكز الخاصة إلى 80 دولارا، إضافة إلى التنقل خارج المدينة، ما يضيف العديد من التكاليف التي تثقل كاهلهم".



معاناة المرضى

بالرغم من تعرض المدينة ومؤسساتها الصحية للتدمير، إلا أن البرنامج الحكومي المقدم من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي جرى الكشف عنه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يتطرق بشكل واضح وتفصيلي إلى معاناة ومتطلبات محافظة نينوى، بما في ذلك الواقع الصحي في المدينة، وفق ما قاله النائب البرلماني عن ائتلاف الوطنية نايف الشمري في تصريحات صحافية، لافتا إلى أن البرنامج لم يتضمن قضية إعادة الإعمار وتعويض المتضررين من العمليات الإرهابية والعسكرية في المدينة، وهو ما توافقه فيه النائبة البرلمانية عن محافظة نينوى بسمة بسيم، والتي قالت في تصريحات صحافية إن حصة المحافظة من موازنة 2019 تبلغ 143 مليار دينار وهي قليلة جدا، ولا تكفي لإعمار عدد من القرى، أو ناحية داخل المحافظة، مشيرة إلى أن هذا المبلغ قليل جدا مقارنة بما تحتاجه المحافظة من إعادة إعمار للبنى التحتية وتعويض ضحايا الإرهاب كما تقول.

ويعاني 2865 معاقا بترت أطرافهم نتيجة حرب تحرير الموصل من صعوبة الحصول على أطراف صناعية، وفق إفادة الدكتور ليث الحجار مدير مركز إعادة التأهيل البدني في نينوى، ومن بين هؤلاء العشريني فادي جمال، والذي بترت قدمه ولم يتمكن من الحصول على طرف صناعي حسبما قاله لـ"العربي الجديد".


وبالرغم من أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر افتتحت في الموصل معملا لصناعة الأطراف الصناعية، في 14 أكتوبر من عام 2018 لكنه اقتصر على صناعة الأطراف السفلية بداية من تحت الركبة فقط، بواقع 5 أطراف أسبوعيا وفق ما ذكره لـ"العربي الجديد" محمود حامد أحد الفنيين الستة الذين يعملون في المعمل.



وتتكرر المعاناة في مركز الثلاسيميا (اضطراب وراثي في الدم يتسبب في نقص الهيموغلوبين وقلة عدد خلايا الدم الحمراء في الجسم) بمستشفى ابن الأثير الحكومي مع 1500 مصاب بالمرض، وفق توثيق معد التحقيق مع خمسة مصابين بالمرض، ومنهم الأربعيني علي أحمد الذي قال إن عملية تبديل الدم كانت مجانية قبل دخول داعش إلى المدينة، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن الدم والعلاجات غير متوفرة بشكل مستمر وتكلفة الجلسة الواحدة توازي 10 دولارات أميركية، بالإضافة للعلاجات الأخرى التي كان يحصل عليها بالمجان سابقا.

ويتعالج الأخوة نور، ريان، أماني، (أكبرهم 9 وأصغرهم 5 سنوات) المصابون بالثلاسيميا، في مستشفى ابن الأثير التعليمي الحكومي الواقع في الجانب الأيسر من مدينة الموصل بشكل دوري منذ إصابتهم بالمرض، بحسب تأكيد والدهم محمد الياس والذي قال لـ"العربي الجديد"، إن العناية بالمرضى وتوفير احتياجاتهم اختلفت بعد تحرير المدينة عما كان عليه الحال قبل العام 2014، فالدم في بعض الأحيان لا يتوفر، ما اضطره لجلب متبرع لمصرف الدم، أو تأجيل العلاج للشهر الذي يليه حتى يتوفر الدم، علما أنه كان لكل مريض رصيد سنوي من الدم قبل تدمير مشافي المدينة كما يقول.

ويبرر الدكتور مزاحم الحمداني مدير مركز الثلاسيميا في مشفى ابن الأثير، النقص الذي حصل في الآونة الأخيرة بالقول "قلة المواد اللوجستية المجهزة من قبل وزارة الصحة والبيئة في العاصمة بغداد لعموم مدينة الموصل هو سبب هذا النقص"، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أنهم اضطروا مع هذا النقص لتقديم العلاج للحالات الأخطر، فالأقل خطورة، لكنه يقول إن التحدي الحالي هو عودة توفر كافة المستلزمات بدون انقطاع.



5 سنوات لإعادة التأهيل الكامل

تحتاج مؤسسات مدينة الموصل الصحية إلى 5 أعوام لإعادة تأهيلها حتى تعود إلى ما كنت عليه قبل عام 2014، وفق ما يراه مدير عام دائرة صحة نينوى الدكتور فلاح الطائي، والذي لفت إلى أن المنظمات الدولية عملت على تأهيل 17 مركزا صحيا رئيسيا في المحافظة، وإعادتها للعمل، أربعة منها في الجانب الشرقي للمدينة و13 مركزا صحيا في الجانب الغربي، مضيفا أن معظم المراكز الصحية في نينوى مفتوحة وتقدم خدماتها للمواطنين باستثناء تلك المراكز التي تقع في المناطق التي لم يعد السكان إليها، كقضاء سنجار غربي الموصل.


وبالرغم من إعلان صندوق إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية على موقعه الرسمي عن إعادة إعمار 4 مشاريع تعليمية، وإعادة تأهيل طرق وشوارع في ناحية القيارة والشورة وحمام العليل في نينوى خلال العام 2018، إلا أنه بعد أكثر من 15 شهرا على تحرير الموصل، لم تعمل مشاريع الصندوق على مواجهة الواقع الصحي المتردي في المدينة، وفق إفادات سكان المدينة المنكوبة، والذين ينتظرون تنفيذ وعود حكومية وأخرى تقدم بها نواب مدينتهم في آخر انتخابات نيابية جرت في مايو/أيار 2018 بإعمار المدينة وفي مقدمتها الجانب الصحي، إلا أن هذه الوعود لم تنفذ، رغم مرور أكثر من 10 أشهر على بدء الدورة البرلمانية الرابعة، ولم يتغير شيء على الواقع الصحي في مدينة الموصل التي تعرضت مشافيها للقصف على يد التحالف الدولي والطيران العراقي، وكذلك كتيبة المدفعية والصواريخ التابعة للجيش العراقي، بحجة وجود دواعش داخل تلك المؤسسات أو أنها مقرات للتنظيم، بينما كانت هذه المستشفيات مليئة بالمرضى، الذين راحوا ضحية القصف على تلك المؤسسات الصحية، في الوقت الذي يهدد الموت أقرباءهم ممن يعانون من الأمراض المزمنة، والذين بقوا على قيد الحياة ويبحثون عن مكان يتعالجون فيه من آلامهم التي لا تتوقف.

دلالات