مضادات الحوثيين.. نصبها بين البيوت يزيد معاناة أهالي صنعاء

مضادات الحوثيين.. نصبها بين البيوت يزيد معاناة أهالي صنعاء

02 ابريل 2015
رادار حربي دمرته طائرات تحالف عاصفة الحزم (الأناضول)
+ الخط -
"اقتربت أصوات ضربات الطائرات المشاركة في عملية عاصفة الحزم من بيتنا. وقتها نشر الحوثيون على عجل مضادات الطيران على أسطح المنازل الكبيرة وسط الحارة التي نسكن بها في صنعاء. شاهدت نوافذ المنزل تهتز من شدة القصف.

تخيلت أن المكان داهمه زلزال"، هكذا يروي محمد عقيل المخلافي، أحد قاطني ميدان السبعين جنوب العاصمة اليمنية، تفاصيل حياته، التي تغيرت من الاستقرار إلى النزوح عن بيته الذي يبعد 500 متر عن دار الرئاسة اليمنية، التي تستهدفها الغارات الجوية.يؤكد المخلافي أن أكثر من عشرة منازل في الحي خلت من السكان، الذين أصبحوا رقماً في معادلة النزوح المفتوح في اليمن منذ أعوام بلا نهاية.

يرفض اللواء صالح الأصحبي - الخبير العسكري - إقدام الحوثيين على نشر المضادات الأرضية للطائرات داخل المناطق الآهلة بالسكان، قائلاً لـ"العربي الجديد": "طائرات عاصفة الحزم تستمر في توجيه القصف صوب أهدافها ولا تتأثر بمضادات الطيران هذه لأنها تطير على ارتفاعات أعلى من مضادات الطيران العتيقة التي لدى الحوثيين، إذ يصل ارتفاع تحليق طائرات أف 15 وأف 16 إلى 15 كيلومتراً، كما أن سرعتها العالية (تصل إلى 2230 كيلومتراً في الساعة) لن تسمح لهذه المضادات بالاقتراب منها، وبالتالي فإنها تمثل موتاً محققاً وخطراً أكيداً يهدد الساكنين في تلك المناطق وينشر الخوف بينهم".

هلال السماوي، أحد المواطنين الساكنين في شارع الميثاق، والذي يبعد 4 كيلومترات عن دار الرئاسة وميدان السبعين، يقول لـ"العربي الجديد": "لم نستطع النوم طوال فترات الليل نتيجة الغارات وأصوات مضادات الحوثيين".
وثق كاتب التحقيق توزيع الحوثيين مضادات طيران في عدد من المدارس، منها مدرسة الثلايا بجانب مقر الفرقة الأولى مدرع، جوار معسكر الصيانة، مدرسة سواد صنعاء، وسط العاصمة صنعاء، ومدرسة الطبري، وسط مدينة صنعاء التاريخية.

تركز دعاية الحوثيين على أن كل هذه التداعيات التي يعيشها اليمن تأتي نتيجة لتدخل عاصفة الحزم، فيما يتجاهلون أن جلبهم السلاح إلى الأحياء والمناطق القريبة من المواقع العسكرية يعد السبب الذي دفع قوات التحالف إلى توجيه القصف إلى بعض المناطق، منها تلك المنازل غير النظامية جوار مطار صنعاء، والتي كان يتمركز فيها بعض عناصر اللجان الشعبية الحوثية ويشتبه في تخزينهم السلاح، الأمر الذي راح ضحيته عدد من المدنيين بحسب شهادات أهالي الضحايا وأبناء منطقة المطار، إذ وصل إجمالي القتلى الذين راحوا ضحايا أول غارة جوية 32 قتيلاً، منهم ثماني نساء، وما يقارب 12 طفلاً بينهم أسرة واحدة من ستة أشخاص، كما تعرض أكثر من 15 شخصاً آخرين لجروح بالغة.

في جولة ميدانية في عين المكان، وثق كاتب التحقيق تدمير أكثر من ثمانية منازل سكنية، بعضها يتكون من طابقين وبعضها من ثلاثة طوابق، كانت تقطن في كل شقة منها أسرة كاملة. محمد حسن المعلم، رب أسرة سكن في هذا المكان، عمل سابقاً في الكلية الحربية، توفي مع واحدة من بناته، فيما يرقد بقية أربعة من أولاده الآخرين بالمستشفى.

ضحايا

خلال جولتنا، يروي حمد عبد راشد أنه فقد متجره، الذي دمره القصف، ويحمد الله على أنه لم يكن متواجداً فيه، ويقول لـ"العربي الجديد" : "أول ما وصلت إلى المكان صباح ليلة الحادثة شاهدت عدداً من الأطقم العسكرية التابعة لجماعة أنصار الله الحوثيين، وذهبت مباشرة لمشاركة الجيران في إخراج جثث القتلى من تحت الركام، ويذكر أن تلك المشاهد كانت مؤلمة.

كان الوقت عصراً من اليوم نفسه ولم يمضِ سوى ساعات على الحادثة، شاهدنا مهدي يقلب ركام منزله ويستمر في البحث عن بقية أغراضه، وكل ما استطاع أن يحصل عليه شاحن هاتفه المحمول وبعض الملابس. يقول مهدي: "لا أتذكر كيف وجدت نفسي في هذه الزاوية تحت هذه الأخشاب عندما انهار علينا سطح المنزل".

يسكن مهدي الشرفي في الطابق الثاني، أخذ زوجته وتسلقا الركام حتى خرجا بين أصوات الغارات والمضادات الأرضية، حتى وصلا إلى الشارع الرئيسي فجراً، أخذ زوجته صباحاً إلى المشفى، لإصابتها بجروح في رجلها اليسرى، وعاد هو إلى مكان الحطام للبحث عن ذهب زوجته، والذي لم يستطع إيجاده.


طلقة مرتدة من مضاد أرضى للحوثيين(العربي الجديد)


الحوثيون

"ادعاءات الحوثيين بأن لا ضحايا منهم في المناطق العسكرية، التي تنفذ فيها عمليات عاصفة الحزم، وهمية" ذلك ما يؤكده العميد في كلية الشرطة، صالح الأصبحي، قائلاً: "حتى اللحظة لا يستطيعون الإفصاح عن معلومات دقيقة حول ذلك، خصوصاً وأن العمليات لا تزال في بدايتها والحوثيون يصعب دائماً الكشف عن القتلى من عناصرهم، ربما حرصاً منهم وسعياً إلى الحفاظ على الروح المعنوية بين عناصرهم، ومليشياتهم".

"الخسائر العسكرية هي الهدف الرئيسي لطائرات تحالف عاصفة الحزم، إذ سيطر الحوثيون على 70% من سلاح الجيش اليمني منذ الاستيلاء على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وهو ما جعلهم يستقوون على بقية مكونات الشعب اليمني ويجرّون المنطقة كلها إلى حالة العنف التي تعيشها"، بحسب رئيس منظمة وثاق، نجيب السعدي.

ويشير مصدر عسكري إلى أن الغارات الأولى استهدفت مدرج مطار صنعاء والذي تشترك فيه الطائرات الحربية والمدنية في الإقلاع والهبوط، مما أدى إلى تدمير أربع طائرات حربية وعسكرية كانت موجودة بداخل هناجر القاعدة الجوية.

موجات نزوح ومعاناة

كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء بعد إحدى غارات طائرات تحالف عاصفة الحزم، وقت أن رصد كاتب التحقيق عشرات الأسر وهي تحزم أمتعتها في أماكن النقل الجماعي، بعد أن قررت النزوح من الأماكن القريبة من المطار والمواقع العسكرية المستهدفة، ومن صنعاء بشكل عام.
محسن الجرموزي (56 عاماً)، صاحب محل تجاري في شارع المطار في صنعاء، التقاه كاتب التحقيق، بينما كان يقوم بجمع ما بقي له من بضاعة في متجره، أفاد بأنه قرر النزوح بعد أن وصلته أخبار استمرار الغارات التي اقتلعت باب متجره إلى الداخل. يتحدث عن تلك اللحظات قائلاً: "كدت أفقد ذاكرتي عندما سقطت البضاعة على رأسي واختنقت بالغبار، والسبب نصب الحوثيين مضاداً للطائرات لا يبعد عن متجري بأكثر من 450 متراً".

محمد عبد القادر، مسؤول في وزارة النفط، كان يقف بسيارته ضمن طابور طويل في انتظار أن يأتي دوره ليزود سيارته بالوقود، أوضح لـ"العربي الجديد" أنه يكتفي عادة بتعبئة سيارته بـ 20 لتر وقود، لكنه مجرد أن سمع الأخبار والغارات سرعان ما بادر إلى تزويد سيارته بـ 100 لتر من البنزين، وذلك حتى يستطيع تأمين احتياجه لأسبوع، ومثله آخرون كانوا يمسكون بأنابيب بوتاجاز للتعبئة.

عندما يشاهد إسماعيل علي، مشرف محطة بنزين في صنعاء، ازدحام الناس من حوله وتدفقهم بشكل كبير، يكون أكثر سعادة، وبدوره يتحدث مع "العربي الجديد" قائلاً: "إذا أردت أن تعرف ما إذا كان الوضع العام للبلاد مستقراً أو متوتراً، يمكنك المرور على أقرب محطة بنزين وستقرأ ذلك من وجوه الناس".

أصوات الغارات العالقة في ذهن مصطفى الشرعبي هي ما جعلته يتخيل شبح الحرب بتفاصيلها في الأيام المقبلة، وبدلاً من أن يجد نفسه محاصراً لا يستطيع الخروج إلى السوق، قرر شراء احتياجاته الأساسية التي تكفيه لمدة شهر كامل، لكنه وجد أن البائع قد ضاعف الأسعار".

موقف الحوثيين

بالمقابل، انتقل كاتب التحقيق إلى جماعة الحوثي وتحدث مع عضو المكتب السياسي، ضيف الله الشامي، عن سبب وضعهم المضادات الأرضية وسط السكان، وما هو ردهم على اتهام البعض لهم بإيصال البلاد إلى هذا الحال؟ فأجاب أن الحوثيين اليوم هم الطرف المظلوم، وهم الضحية، ولا يتحملون المسؤولية. وفي سياق حديثه، يصف الشامي التدخل العسكري في اليمن "بالعمل السافر". ويرى أن من يتحمل المسؤولية عن مواجهته هو "الشعب اليمني بأكمله لأن ثورته هي المستهدفة"، على حد تعبيره.

ويؤكد الشامي لـ"العربي الجديد" أن جماعته "ستقف في وجه الهجمات وستواصل معركتها ولا يهمها مواقف العالم أو ما يتحدث به المرتهنون للأحزاب السياسية اليمنية المعروفة بعمالتها، حتى آخر رجل"، على حد قوله.