مقاطع مصورة تدين المعارضين في مصر..حتى لو ثبتت براءتهم

مقاطع مصورة تدين المعارضين في مصر..حتى لو ثبتت براءتهم

21 اغسطس 2015
المصورة الصحافية إسراء الطويل (العربي الجديد)
+ الخط -

استوقف بكاء شديد، لشاب مصري، ظهر في مقطع فيديو، روَّجه المجلس العسكري، الناشط السياسي نور حمدي، إذ دفع بكاء الشاب، المتهم بالبلطجة وحيازة سلاح، بالناشط الشاب نور، إلى التساؤل بينه وبين نفسه، هل يكذب الجيش؟!.

لم يتوقع نور، الذي كان ينتمي إلى حركة السادس من أبريل، أن يصبح ضحية، فيديو مفبرك، في اليوم التالي مباشرة، لمشاهدته المقطع السابق، إذ ألقت قوات الجيش المصري القبض على نور في 30 يناير/كانون الثاني 2011، هو وشقيقه من أمام كورنيش العجوزة في القاهرة، لحيازته منشورات مكتوب عليها "الشعب يريد إسقاط النظام"، وقت حظر التجول في تلك الفترة، قبل خلع الرئيس مبارك في 12 فبراير/شباط.

يقول نور لـ"العربي الجديد":"تم احتجازي وشقيقي، في وحدة تابعة للجيش، تعرضت للتعذيب والضرب، وتم صلبي على بوابة حديدية في جو قارص البرودة".

يتابع نور في شهادته: "في اليوم التالي تم فتح باب زنزانة، وإخراجي بصحبة عدد من الرجال يلبسون ما يستر عوارتهم، يبدو عليهم إعياء شديد. وزع ضابط ملابس على الجميع وتم تقسيمنا إلى مجموعات، تتكون كل واحدة من 5 أفراد، تم تقييد أيادينا إلى الخلف، وأمام كل مجموعة وضعت بطانية عليها تشكيلة متنوعة من الأسلحة، ثم تم تصويرنا بواسطة كاميرا يحملها مجند في الجيش". يقول نور:"في تلك اللحظة، تذكرت الفيديو الذي رأيته على شاشة التلفزيون المصري، في اليوم السابق، تيقنت من فبركة الاعترافات عبر هذه الفيديوهات".



اقرأ أيضاً: إجبار مدنيين على التعاون مع الشرطة المصرية..القتل يلاحقهم

كيف تفبرك الاعترافات المصورة؟

في الأول من يونيو/حزيران 2015، اختفى الناشط الشاب، صهيب سعد، وصديقاه الناشط عمر محمد، والمصورة الصحافية إسراء الطويل، أثناء خروجهم في نُزهة، على كورنيش المعادي. لم تعرف الأسر الثلاث مكان وجود أبنائها، حتى ظهر صهيب وعمر بصورة مفاجئة في مقطع فيديو نشرته إدارة الشؤون المعنوية، التابعة لوزارة الدفاع المصرية، في 11 يوليو/تموز تحت عنوان "القبض على أخطر خلية إرهابية تهدد الأمن القومي".

أثار المقطع جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ظهرت على وجه صهيب ورفيقه، آثار تعذيب واضحة، وشككت عدد من منظمات حقوق الإنسان، في الاعترافات الواردة على لسان صهيب، في حادث فتح باب الحديث عن مقاطع الفيديو المصورة، التي تصورها وتبثها الأجهزة الأمنية في مصر (الجيش والشرطة)، منذ ثورة يناير 2011، كما يكشف التحقيق.

حصر مقاطع الفيديو

في محاولة لحصر عدد مقاطع الفيديو المصورة في مرحلة ما بعد ثورة يناير، تتبعت كاتبة التحقيق، ثلاثة خيوط، الأول عبر المنظمات الحقوقية ومجموعة الدفاع عن متظاهري مصر، (مجموعة حقوقية تضم محامين يتولون الدفاع عن المتظاهرين)، تبين عدم وجود حصر للفيديوهات لدى المجموعة ومركزي النديم وهشام مبارك الحقوقيين.

الخيط الثاني كان عبر وزارة الدفاع، إذ تبين عدم وجود أية فيديوهات على موقع الوزارة، التي بثت فيديو صهيب ورفاقه كنشرة إعلامية صادرة عن الوزارة، فيما كان الخيط الثالث عبر صفحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وهي لسان حال المجلس العسكري الحاكم لمصر في أعقاب ثورة 25 يناير، التي تم بث الفيديوهات السابقة عليها، لكنها أغلقت مع الإعلان عن تعيين العقيد، أحمد علي، متحدثا عسكريا، وبذلك اختفى كل المحتوى الموجود عليها.

بالبحث عبر موقع "اليوتيوب"، رصدت "العربي الجديد" ما يزيد عن 160 فيديو لقضايا سياسية، (تم استبعاد 70 فيديو جنائيّاً)، موزعة بين الشرطة، والقوات المسلحة، وكذلك مقاطع صورها مدنيون لاعترافات أشخاص وصفوهم بأعضاء بالتحريات العسكرية في ميدان التحرير، بالإضافة إلى مقاطع مصورة، زعم من بثوها، أنها لاعترافات بلطجية حاصروا قصر الاتحادية، وقت رئاسة محمد مرسي.

عبر تحليل مضمون الفيديوهات، تبين أن أغلب الفيديوهات المنسوبة للشرطة تم نشرها في أعقاب أحداث 30 يونيو، وتنوعت وسائل الإعلام التي نشرتها ما بين قنوات خاصة على رأسها الحياة، النهار، وسي بي سي، بالإضافة إلى التلفزيون المصري الرسمي، فيما أصبحت ظاهرة الفيديوهات المصورة بواسطة الشؤون المعنوية نادرة عقب 30 يونيو، في الوقت الذي كانت فيه هذه الظاهرة هي السائدة قبل الانتخابات الرئاسية في 2012.



اقرأ أيضاً: "إخوان" البيت الأبيض.. هكذا صنع اليمين الأميركي شائعات الاختراق

فيديو أحداث مجلس الوزراء

يعد فيديو متهمي أحداث مجلس الوزراء (وقعت في ديسمبر/كانون الأول 2011)، أشهر الفيديوهات التي تم نشرها بواسطة القوات المسلحة ووزارة الداخلية، رغم تصويرها بواسطة التلفزيون المصري، إذ عرضه وزير الداخلية آنذاك، محمد إبراهيم يوسف، في المؤتمر الذي عقد لتبرئة ساحة القوات المسلحة.

وعقب الحكم عليها في قضية أحداث مجلس الوزراء، بالسجن المؤبد وغرامة 17 مليون جنيه مصري، (2.3 مليونَي دولار أميركي)، نشرت الناشطة هند نافع، (سافرت خارج مصر)، شهادتها عن الفيديو المفبرك لاعترافات المتهمين.

تقول هند في شهادتها أن "الطفلة نعمة علي سعيد، إحدى المتهمات، كان عمرها 14 عاماً وقت إلقاء القبض عليها"، مضيفة "نعمة اتسحلت واتضربت لحظة القبض عليها وكانت رابع بنت يجيبوها غرفة التعذيب داخل مجلس الشورى، وطبعا لم يكتفو بضربها وسحلها فى الشارع لكنهم كملوا عليها فى غرفة التعذيب، وكان الضابط بيكهربها كل شوية عشان يجبرها تقول إنها هربانة من أهلها ونزلت قبضت فلوس عشان تولع في المجمع العلمي وتحرق منشآت الدولة ، وطبعا مش دي الحقيقة".

وأضافت هند، استمر الضابط فى عنفه مع نعمة، لم تحتمل التعذيب، فقالت للضابط "شوف إنت عايزني أقول إيه وهقوله".

وأشارت هند إلى أن مراسل التلفزيون المصري وصل لمكان احتجازهم، وقال لهم الضابط:"هتتطلعو وتشوفو الباشا عايزكم تقولو إيه، واللي يقولهولكم تقولوه بالحرف أمام الكاميرا.. طبعا أنا وقتها كنت سايحة في دمي وما بنطقش فأنا الوحيدة اللي ما طلعونيش أصور عشان ما يتفضحوش. نعمة كانت طرحتها ووشها كله غرقان دم، فالضابط شخصيا غسلها وشّها بالميّة ولبّسها بإيده طرحة زميلة أخرى بدل اللي عليها دم، وخرجت نعمة وقالت اللي هما عايزينه تحت تهديد الضرب والتعذيب، والتلفزيون المصري صور التقرير المتين المزور للحقيقة اللي طلعنا فيه بلطجية ومُخرّبين، ليتمّ الحكم لاحقاً".

هل يعتد القضاء المصري بمثل هذه الفيديوهات؟

يؤكد المحامي أسامة خليل، أحد أعضاء الفريق القانوني لمركز هشام مبارك، ومحامي المتهمين في أحداث مجلس الوزراء، أن تصوير هذه الفيديوهات دون إذن من النيابة، لا يؤخذ به في المحكمة إلا على سبيل الاستدلال، قائلا في تصريحات خاصة، لـ"العربي الجديد":"إذا كان فيديو الاعتراف دون إذن النيابة العامة فهو باطل، وإذا كان الاعتراف بإكراه فهو أيضا باطل".

وأضاف خليل: "على الرغم من المبدأ القانوني السابق، فإن كل من ظهروا في فيديو مجلس الوزراء حصلوا على أحكام، من القاضي ناجي شحاتة، وكان من ضمن الأدلة فيديو الاعتراف الذي أذاعه التلفزيون المصري".

وأوضح خليل: "أن اللجنة التي تقوم بفحص الفيديوهات، لتحديد مدى صحتها من الناحية التقنية (عدم وجود تلاعب بأصوات من تم تصويرهم أو فبركة أو تلاعب تقني بها)، تكون من التلفزيون المصري وليست لجنة مستقلة"، مضيفاً أن "إمكانيات اللجنة التي من المفترض أن تفصل في الفيديوهات إذا كانت مفبركة أو لا ضعيفة جدا، وليست لديها أية قدرات تكنولوجية وتعتمد على الرؤية والسمع فقط".

وكشف خليل عن أن المحكمة تجاهلت ظهور متهمين في الفيديوهات، تبدو على وجوهم آثار التعذيب، حتى لا يتحولوا من متهمين إلى ضحايا.

انتهاك الأدلة الجنائية

من جانبه، قال المحامي والخبير القانوني، عصام الإسلامبولي، إن الفيديوهات المصورة لاعترافات متهمين، إذا تم تصويرها ونشرها قبل إجراء التحقيق تمثل انتهاكا للأدلة الجنائية المقدمة أمام المحكمة، "لأن الاعترافات والأدلّة لا تقدم إلا أمام جهة التحقيق وهي النيابة أو قاضي التحقيق، وغير ذلك هو خطأ فادح، يهدر قيمة التحقيقات والأدلة".

وأضاف الإسلامبولي، لـ"العربي الجديد":"نشر فيديوهات الاعترافات سواء في القضايا السياسية أو القضايا الجنائية، يهدر أحد ضمانات المحاكمة العادلة للمتهم، لأن الأصل هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولكن ما يتم هو محاكمته وإدانته قبل أن يحاكم".

مصداقية وسائل الإعلام

يرى الخبير الإعلامي، ياسر عبد العزيز، أن تورط مذيعين أو مراسلين تلفزيونيين، في إجبار متهمين على الاعتراف في فيديوهات مصورة، خطأ فادح، يضر بأخلاقيات المهنة ومصداقية وسائل الإعلام.

لكن عبد العزيز، يطالب بالسماح للمتهمين وذويهم ومحاميهم بالحديث لوسائل الإعلام، ولا يرى مانعا من نشر فيديوهات الاعترافات، شريطة ألا يكون بها إجبار للمتهمين، قائلا "الإجبار يمكن التحقق منه، عن طريق النيابة العامة بعد وصول المتهمين لها".

ويتابع الخبير الإعلامي موضحا:"طالما لا يوجد حظر من النائب العام أو السلطة القضائية، من حق المتهم الحديث إلى وسائل الإعلام، مشيراً إلى أن فيديوهات اعتراف المتهمين لا تشكل أزمة، إلا إذا تم التشكيك في أنها تمّت تحت الإكراه"، على حد قوله.

وتابع عبد العزيز أنه أحد المطالبين بنشر فيديوهات المتهمين وحديثهم لقطع الطريق على الشائعات، خاصة وأن مصر تعيش حالة من إطلاق الاتهامات للسلطات، فيما لا تنشر وسائل الإعلام غير محاضر الشرطة التي تمثل وجهة نظر كاتبيها.

-------
اقرأ أيضاً:
خلفاء "غوبلز" في الإعلام المصري