بالصور السوريون في قبرص.. اللجوء المُر

بالصور السوريون في قبرص.. اللجوء المُر

نيقوسيا

عمر الشيح

avata
عمر الشيح
29 فبراير 2016
+ الخط -
دفن الشاب السوري أحمد أبو الخير، بندقيته الروسية في تراب حي الحجر الأسود الدمشقي، بعد لفّها بشاله الذي رافقه أثناء المظاهرات، إذ نجحت العائلة في إقناعه بمحاولة اللجوء إلى قبرص.

عبر ضابط في جيش النظام من أقربائه، سافر أحمد إلى مدينة القامشلي تهريباً ثم إلى تركيا، ليصل أخيراً لاجئاً إلى قبرص، التي تبعد عن ساحل اللاذقية السوري 110كم، لينتهي به الحال في قبرص، إلى جانب 5000 سوري آخر تقدموا بطلبات لجوء إلى سلطات الجزيرة منذ عام 2011، موزعين بين مقيم ولاجئ في ظروف شديدة السوء، كما يقول.

اقرأ أيضا: الهاربون إلى الجنة.. الطريق إلى أوروبا مفروش بجثث السوريين

خارطة توزيع اللاجئين في قبرص

تتوزع النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين في مدينة ليماسول، بينما تعتبر العاصمة نيقوسيا المدينة الثانية لكثافة السوريين فيها، وتأتي بعدها منطقة بافوس ثم مدينة لارنكا، حسب ما يقول يانيس يوانو الصحافي في جريدة بولتيس القبرصية والمتخصص بشؤون اللاجئين والسياسة الدولية.

يؤكد يوانو "أن نسبة الحاصلين على اللجوء الكامل من السوريين ضعيفة للغاية، لأن الجزيرة خارج منطقة شنغن، ولا توجد تشريعات تنظم ذلك، كما يحدث في باقي دول الاتحاد الأوروبي".

ويستحق اللجوء الكامل كل من ترى الحكومة القبرصية أن حياته في خطر كبير في بلده، ما يؤهله للحصول على إقامة سنوية وجواز سفر خاص باللاجئين، كما يحق له السفر خارج قبرص إلى دول أوروبا والإقامة لمدة لا تتجاوز تسعة أشهر، كما يوضح المحامي يورغوس جورج، المختص بقضايا اللجوء في الجزيرة، وفسر يورغوس الفرق بين اللجوء الكامل والحماية الثانوية، في أن اللاجئ الحاصل على اللجوء الكامل يحصل على هوية ووثيقة سفر تخوله السفر خارج قبرص، مع الإمضاء على تعهد العودة إلى بلده الأصلي في حال توقفت المشكلات الأمنية، وكلا الحاصلين على اللجوء والحماية الثانوية يحق له العمل في قبرص.

وتستطيع قبرص قبول أو ترحيل أي شخص وفقاً لقوانينها، كما يقول المحامي يورغوس لذلك لم يبق سوى مخيم لجوء واحد في منطقة كافينو البعيدة عن مدينة لارنكا 23 كلم، ويقطنه 400 شخص من جنسيات مختلفة أبرزها فلسطيني لبناني، فلسطيني سوري، وبعض السوريين وعشرات الجنسيات الأخرى.



اقرأ أيضا:
الهاربون إلى الجنة..3 أسباب وراء هجرة السوريين من مصر

الخيار الأسوأ

يلخص اللاجئون الذين التقاهم معد التحقيق، ثلاثة أسباب جعلت من قبرص البلد الأسوأ، في خياراتهم للبحث عن وطن بديل، أهمها مشاكل الإعانات المالية، وصعوبة وجود عمل مناسب لمهن اللاجئين، التأخر بالحصول على قرار اللجوء أو الرفض.

"معاناة السوريين هنا مالية بامتياز، فالأزمة المالية التي عصفت بالجزيرة عام 2013 أثرت في بنية الاقتصاد والميزانيات المخصصة للمهاجرين واللاجئين" كما يؤكد المحامي يورغوس، وهو ما يوافقه عليه اللاجئ أبو الخير الذي لا يكفيه، مبلغ (680) يورو الذي تمنحه دائرة (الويلفر) المسؤولة عن إعانة اللاجئين في لارنكا، حتى أن الدفع المالي غير منتظم، وقد يتوقف في أية لحظة.

أما اللاجئ أويس الحمصي فأكد أن مكتب العمل يقدم للاجئين السوريين، عروض عمل في مهن متواضعة، أهمها الزراعة في مناطق نائية، وإن كان الحظ حليفاً جاءت مهمته في مناطق زراعية في الضواحي. يقول الحمصي " لا أملك سيارة أو أجرة طريق تكفي، ماذا أفعل؟ ".

على عكس الحمصي يحاول مهاب المحلول، الجامعي الحاصل على ليسانس إدارة أعمال، البحث عن أي عمل، إذ يعيش في كامب كافينو منذ "شهر سبتمبر/أيلول الفائت، ويأخذ كما كل المقيمين في الكامب، راتباً شهرياً (40) يورو، وجبات طعام ثلاث. لم يحصل الشاب حتى الآن على قرار في طلب اللجوء حتى ينطلق في الحياة العملية ".

لكن مهاب يشعر بالضيق والغضب هو وزملاؤه من تأخر الرد على طلبات لجوئهم في حين حصل عميد منشق عن الجيش السوري على اللجوء الكامل، "لكنه ما زال مقيماً في الكامب، رغم أنه وصل منذ ثلاثة أشهر فقط، ونحن لا يرد أحد على طلبنا حتى الآن" كما يقول.

اقرأ أيضا:
إمبراطورية آل مخلوف المالية..أسرار علاقة خال بشار الأسد بإسرائيل

الطريق إلى قبرص

يؤكد اللاجئون السوريون في قبرص أنهم وصلوا إلى الجزيرة عن طريق البحر، إمّا بطلب للدراسة الجامعية في القسم التركي للجزيرة ثم العبور إلى القسم اليوناني وتقديم على طلب اللجوء، أو عبر تأشيرة زيارة لأحد الأقرباء من الدرجة الأولى جواً، أو تهريباً عبر قوارب صغيرة من سواحل لبنان.

من بين هؤلاء الطالب السوري حسان غالب، الذي وصل إلى ميناء قبرص عبر القسم التركي قادماً من ميناء سليفكي التركي بتذكرة على باخرة تركية دفع للقائمين عليها 90 ليرة تركية، ثم اتصل بأخيه المقيم أساساً في القسم اليوناني للجزيرة، ويقول غالب: "جاء أخي عبر معبر ليذرا في العاصمة نيقوسيا ليدخلني من القسم التركي إلى القسم اليوناني، اعترضت الشرطة القبرصية عند المعبر، حتى وصلنا لحل هو تقديم اللجوء بدل دخولي كزائر، لأني لا أمتلك تأشيرة على جواز سفري".

بينما وصل السوري أدهم الإدلبي (اسم مستعار) إلى شواطئ الجزيرة، بعدما تاه قاربه في المياه الإقليمية في رحلة بدأت من ساحل طرابلس اللبنانية برفقة 120 مهجرا سوريا وفلسطينيا كانوا في طريقهم إلى اليونان على متن القارب غير المخصص للسفر، بعد أن دفعوا مبلغ أربعة آلاف دولار للمهرب، ويقول الإدلبي في حديثه مع "العربي الجديد": "مررنا بفزع هائل بعد البقاء مدة يوم كامل في عرض البحر، جاءت سفينة تابعة للبحرية الأميركية، وهذه الأخيرة أجرت اتصالات مع البحرية القبرصية لتتولى مهام إيصالنا إلى كامب كافينو".

أمّا عائلة أويس الحمصي فوصلت إلى مدينة لارنكا عبر تأشيرة زيارة مسجلة في السفارة القبرصية في لبنان، وكان ذلك منتصف عام 2012 قبل أن تمنع تأشيرات السياحة والزيارة للسوريين إلى قبرص مطلع عام 2013 حسب ما ذكر الحمصي.



البحث عن حياة

"حين تلتصق كلمة العربي باسم مقهى أو مطعم أو بقالة في لارنكا، فلا بد أن تجد عمالاً سوريين مهرة هناك" كما يقول مهران كسرواني (اسم مستعار) صاحب أحد المطاعم العربية في لارنكا. لكن فؤاد العبد الله ابن مدينة درعا المقيم حالياً في كامب كافينو، والذي يطمح للعمل في مهنته كمعلم في صناعة المعجنات، لا يشعر بالحماس لافتتاح مشروع تجاري ويفسر العبدالله الأمر قائلا: "حصلت على اللجوء كاملا، لكني أبحث عن شريك ثري في الاستثمار، لدي الخبرة ولدى الكثيرين هنا المال والمكان المناسبين، لكن لا بد من الاعتماد على أحد من أهل البلد"، بينما الصيدلاني أمجد محمد (اسم مستعار) يجلس الآن في كامب كافينو، يبحث في غوغل عن طرق تقليب الأرض، قطف الزيتون، تشذيب الأشجار، توقيت سقاية المزروعات، لأن المهنة الجديدة التي منحها له مكتب العمل هي مساعد مزارع.

اقرأ أيضا: الهروب من الحلم الأميركي.. سوريون يتمنّون رفض طلبات لجوئهم

الحل السحري

"العمل أو الزواج هما حلان مثاليان للاجئ السوري في قبرص حتى يصبح مواطناً" كما يقول المحامي السوري عدنان الغزالي المقيم في قبرص منذ عشرين عاماً والمختص بالشؤون القانونية للزواج والإقامات، ويضيف الغزالي في تصريحات لـ"العربي الجديد": "يحق التقدم لطلب الجنسية في حال أتم اللاجئ سبع سنوات إقامة مستمرة في قبرص، ويستثنى كل من دخل الجزيرة بتأشيرة دراسية، كما يحق لكل متزوج من امرأة قبرصية أو من دول الاتحاد الأوربي لمدة ثلاث سنوات تماماً التقدم بطلب الجنسية ولا يهم إن أنجب منها طفلاً أم لم ينجب، ولكن المشكلة هنا في مدة دراسة طلب الجنسية".

يعتبر الغزالي أن أمر الحصول على الجنسية القبرصية ليس بالأمر السهل، إذ يجب أن توقع زوجة صاحب طلب الجنسية على موافقتها حتى تقرّ موافقة السلطات على طلبه وفي حال لم توقع، يرجح أن يلغى الطلب نهائياً.

أمّا إذا أنجب الزوج اللاجئ من امرأة قبرصية، فيستطيع ابنه منحه الإقامة الدائمة فقط، ويعني ذلك منحه وثيقة سفر ويجب على من يتقدم للحصول عليها أن يكون قد أقام مدة سبع سنوات في البلد، ويعمل بها ولديه رصيد في البنك، والقيام بدفع التأمين اللازم، بحسب قول الغزالي.

محمد زهير هو أحد اللاجئين السوريين الذين التقاهم معد التحقيق في قبرص، جاء من أوكرانيا إلى قبرص للجوء، يقول: "دخلت تهريباً من القسم التركي إلى القسم اليوناني بمبلغ 400 يورو لمهرب قبرصي، لم أنتظر مساعدات اللاجئين، كنت أنام في متجر صديقي، وأتواصل مع شركات العمل عبر الإنترنت، بانتظار وثيقة سفر لإكمال الهجرة إلى روسيا أو بريطانيا". لكن زهير عدل عن ذلك بعد لقائه "بفتاة بريطانية مسلمة، تعمل في تصميم مواقع الإنترنت" عقد قرانه عليها في لارنكا، وقريباً يسقط عنه اللجوء ليتحول إلى مقيم أجنبي شرعي ضمن أراضي الجزيرة.

ربما لا يناسب هذا الحل السحري اللاجئ السوري معاذ كرم، فاللغة التي يتقنها هي العربية فقط، لكن امرأة قبرصية تجاوزت الأربعين كانت على علاقة به، وهو يعيش عندها، بينما خطيبته السورية حصلت على الإقامة في السويد من دون زواج، ولا يمكنه التوفيق بين هذه وتلك، يقول كرمل: "إذا رفضت أي تواصل مع المرأة القبرصية فسأخسر أوراقي هنا، لقد تزوجتها لثلاث سنوات، أنتظر حتى السنة الثالثة حتى أقدم على الجنسية، وأهاجر إلى السويد" يبتسم معاذ لأن زوجته القبرصية لا تنجب فهو ينتظر ابناً سورياً فقط من خطيبته السورية الاسكندنافية كما يقول.