تجارة الوهم في السعودية [3/5].. رقاة مزيفون يتحرشون بالنساء

تجارة الوهم في السعودية [3/5].. رقاة مزيفون يتحرشون بالنساء

الرياض

خالد الشايع

avata
خالد الشايع
04 اغسطس 2016
+ الخط -
فوجئ سكان حي الثقبة في وسط الخبر القديمة (شرقي السعودية)، بمداهمة سيارات الشرطة منزلاً يقع في شارع ضيق بالحي الشعبي. بدايةً سرت شائعات بين الأهالي مفادها بأن الشرطة تحاول القبض على عدد من مهربي المخدرات، أو كشفت عن مصنع للخمور المحلية، غير أن الحقيقة كانت أن قوات الأمن تداهم منزلاً لأحد الرقاة الشرعيين، بعد أن وردتهم بلاغات تم التأكد منها، تتهم الراقي المزيف بأنه يقيم علاقات محرمة مع النساء، بعد أن يوهمهن بأنهن ملبوسات من الجان، وأن معاشرته لهن ستطرد الجان من أجسادهن.

تلقت الشرطة بلاغاً من سيدة، بعد أن تحرش بها الراقي المزيف، وفيما بعد كشفت التحقيقات أن سيدات أخريات تقدمن ببلاغات ضد رقاة مدعين، يتهمونهم فيها بالتحرش الجنسي خلال عملية الرقي التي تتم عادة في غرفة مغلقة وعلى انفراد، من بين المبلغين زوج عرّف نفسه بـ"محمد"، خسر 100 ألف دولار في أقل من عامين لمصلحة أحد الرقاة المدعين، ولكن الراقي لم يكتف بالمال، وتحرش بزوجته، الأمر الذي دفعه لتقديم بلاغ ضده. يقول محمد لـ"العربي الجديد":"مرضت زوجتي وأولادي، وبعد أشهر من مراجعة مستشفيات الطائف (غربي السعودية)، أخبرني أحدهم أننا قد نكون مسحورين، وفي نهاية المطاف دلني أحد الأصدقاء على راقٍ، بزعم أنه مبارك، ولكنه كان باهظ الثمن، كان يأخذ على جلسة الرقية الواحدة 100 دولار، واستمر على هذا الحال عامين، عدا قيمة العسل والأعشاب، كنت أدفع على أمل الشفاء، وكلما كنت أشتكي طول فترة العلاج كان يدعي أن السحر قوي، وأنه مدفون في البحر، لهذا يأخذ علاجه وقتاً طويلاً"، بعد أن استولى المدعي على الكثير من المال، بدأ يعتقد أنه يسيطر على العائلة، فحاول أن يتحرش بالزوجة، غير أن محاولته انتهت بالقبض عليه في أقل من أسبوع متلبساً بالجرم.


315 ملفاً لرقاة مزيفين

يؤكد مصدر في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لديهم 315 ملفاً لشكاوى من هذا النوع، ويتم التدقيق فيها بالتنسيق مع الجهات الأمنية، ويضيف متعجباً:"العدد كبير جداً، لدرجة أنني صرت أشك بوجود راقٍ حقيقي، الملفات تضم اتهامات بالاعتداء أو التحرش، وفي أخف الحالات يكون الاتهام للراقي بأنه مدعٍ".

وتكشف استشارية المخ والأعصاب الدكتورة نورة السنيدي، أن محاولة اعتداء أحد الرقاة على طفلة مصابة بتشنجات عصبية انتهت بوفاتها، وروت تفاصيل ما حدث مع الحالة الموثقة قائلة لـ"العربي الجديد":"تجاهل أفراد عائلة الطفلة التشنجات التي أصابتها طبياً، وقاموا بمعالجتها بالقرآن لاعتقادهم بأنها مسكونة بالجان، ولم يعرضوها على الطبيب"، وتضيف السنيدي التي كانت تعالج الحالة بعد أن ساءت نتيجة الاعتداء: "ظلت الفتاة تراجع الراقي، وبعد فترة سولت له نفسه الاعتداء عليها جنسياً، الأمر الذي تسبب في مضاعفات خطرة، انتهت بنزيف حاد أدى إلى وفاتها، كان يمكن تلافي كل هذا الأمر لو أن العائلة اتجهت إلى الطريق الصحيح".



دراسة: 74% من الرقاة مدّعون

يرى المختص في التاريخ الإسلامي الدكتورعبدالعزيز الموسوي، أنه بات من النادر وجود راقٍ شرعي حقيقي، مرجعاً ذلك إلى غياب الرقابة والضوابط على هذه الفئة، ما شجع المدعين على مخالفاتهم. الموسوي سبق أن قام بدراسة مسحية للرقاه الشرعيين، وخرج بنتيجة تؤكد أن الغالبية منهم ضلوا السبيل، ويقول لـ"العربي الجديد": "النتيجة كانت صادمة، بحثت في وضع نحو 520 راقياً شرعياً، وخرجت بنتيجة مفادها بأن 74% مدّعون، و18% متحرشون، و8% صادقون في رقيتهم".

حسناً، كيف يمكن معرفة هذه القلة القليلة؟ يجيب الدكتور الموسوي:"الأمر ليس صعباً، الراقي الصادق لا يبيع عسلاً وأعشاباً طبية، وإن فعل، فتكون بأسعار عادية، ولا يقوم ببدعة القراءة الجماعية، ولا يتقاضى مبالغ كبيرة نظير قراءته، والأهم من هذا كله لا يطلب الاختلاء بالنساء وحدهن".

على النقيض يؤكد الراقي الشرعي أحمد السبيعي، ما يحدث من بعض الرقاة، ويشدد على كلمة "بعض"، وهي حالات فردية لا يجب تعميمها على الكل، على الرغم من تأكيد "الهيئة" أن لديها ملفات تضم مئات الشكاوى ضد رقاة متحرشين جنسياً بالنساء، وهي ملفات تختلف عن أخرى تضم بلاغات النصب والاحتيال التي اتهم فيها عدد أكبر من الرقاة المزيفين، ويقول لـ"العربي الجديد": "بالتأكيد هناك حالات تحرش وابتزاز، لا أقول إنه لا يوجد في هذا المجال محتالون، ولكنهم يظلون قلة لا يمكن تعميمها على الجميع، للأسف غياب التنظيم والمراقبة يشجع هؤلاء المدعين"، ويعترف الشيخ السبيعي بأن هناك مخالفات وتجاوزات من "بعضهم" محملا وزارة الشؤون الإسلامية المسؤولية لأنها لا تراقب، ولا تضع قوانين منظمة، ويضيف: "ما يحدث فوضى حقيقية، يمكن لأي شخص أن يدعي أنه راق شرعي، ويستأجر منزلا لاستقبال الناس، ويستغلهم، ولكن الأمر بات يتجاوز الاستغلال المادي، ووصل للاستغلال الجنسي والتحرش، وهذا أمر بالغ الخطورة ولا بد من وضع حد له، فكثير من النساء يرفضن تقديم شكوى تجاه الراقي المتحرش، خوفا من الفضيحة، كما أن الكثير منهن مريضات، ولا يستوعبن ما يحدث معهن".


ابتزاز العائلات

"جرائم تحرش الرقاة لا تعتبر نادرة"، هكذا يعترف الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبدالرحمن السند، والذي أكد بشكل رسمي تورط رقاة ومفسري أحلام في ابتزاز فتيات وعائلات بكاملها.

هذه التجاوزات دفعت الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى السعي للسيطرة على انفلات الرقية الشرعية، بهدف ضمان عدم حدوث حالات انتهاك للأعراض أو ابتزاز النساء على يد مدعي الرقية الشرعية، وكشف الدكتور عبدالرحمن السند أنه تم إنشاء وحدة خاصة اسمها وحدة مكافحة السحر والشعوذة ومدعي الرقية، وتراقب هذه الوحدة أعمال الرقاة وتقبض على المتجاوزين بعد رصد مخالفاتهم، كما أن الهيئة خاطبت مفتي عام المملكة عبدالعزيز آل الشيخ بتجاوزات الرقاة الشرعيين، وأضاف: "هناك دراسة مع وزارة الداخلية ودار الإفتاء لإيجاد تنظيم خاص لعمل الرقاة الشرعيين أو منعها بشكل نهائي"، وتابع: "عقدنا ورشة عمل الشهر الماضي خاصة بهذا الموضوع وخرجت بتوصيات منها أن يكون هناك تنظيم ولائحة لعمل الرقاة، وشدد الدكتور السند على أن الرئاسة حريصة على حماية المجتمع مما يكون فيه اعتداء على أعراضهم أو سلب مالهم.


قانون التحرش

لا يوجد قانون خاص لمحاسبة الرقاة المتحرشين، وعلى الرغم من أنهم يستغلون الدين، ومرض الآخرين لخداعهم وابتزازهم، "فإن ما ينطبق عليهم هو قانون التحرش، وفي ظل عدم وجود قانون مكتوب يحدد العقوبات، يتم ترك التقييم للقاضي الذي يمكن أن يحكم بعقوبة مغلظة بالسجن لمدة طويلة، أو يكتفي بالسجن لأشهر قليلة"، هكذا يؤكد المستشار القانوني والمحامي أحمد الراشد، الذي ينتقد عدم تحديد النص القانوني الخاص قانون التحرش في السعودية وهو ما جعله مطاطاً، ويوضح الراشد لـ"العربي الجديد": "إن قانون التحرش في السعودية قاصر عن متابعة مثل هذه الأمور، وعندما يتم القبض على مدعي رقية بالتحرش والابتزاز أو حتى الاعتداء الجنسي، يتم التعامل معه كأي متهم آخر، ولكن في تصوري لا بد من أن تكون عقوبة هؤلاء مغلظة، فمن يستغل الدين للقيام بجرائم بشعة مثل هذه، يجب أن تكون عقوبته أكبر".

ويضيف: "رفعت قبل عامين قضية ضد أحد الرقاة بتهمة التحرش الجنسي نيابة عن موكلة لدي، وحُكم في الدعوى بالسجن لمدة ستة أشهر، وكان يجب أن تكون العقوبة مغلظة، وليست مخففة، المشكلة تكمن أنه لا يوجد قانون مكتوب ومحدد للعقوبات في السعودية، وهذه الجريمة تعامل قانونياً مثل كل القضايا التعزيرية التي تخضع لتقدير القاضي، والذي قد يتعاطف مع المتهم لكونه راقياً شرعياً، وهذه مشكلة كبيرة، قد تجعل بعض أصحاب النفوس الدنيئة يستغلون الأمر".

دلالات