بعثة الخليل الدولية..جدل بعد 18 عاماً من العمل المؤقت

بعثة الخليل الدولية..جدل بعد 18 عاماً من العمل المؤقت

08 فبراير 2016
مراقبو بعثة التواجد الدولي المؤقت يتجولون في الخليل (Getty)
+ الخط -
على وقع دماء مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، قبل سبعة عشر عاماً، بدأت بعثة التواجد الدولي المؤقت (TIPH) العمل بمدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، لرصد وتوثيق وتصوير انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق مواطني المدينة، ومراقبة الأوضاع وكتابة التقارير حول خروقات الاتفاقيات الموقعة حول مدينة الخليل، بين كيان الاحتلال والفلسطينيين، إضافة إلى القانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان.

مهام بعثة التواجد الدولي المؤقت، بدأت بعد مجزرة الطبيب اليهودي المتطرف باروخ غولدشتاين التي وقعت في 25 شباط/ فبراير العام 1994، داخل المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل. وكان الهدف من تواجد البعثة "تزويد الفلسطينيين بالشعور بالأمان في مدينة الخليل، والمساعدة في تحقيق الاستقرار".

مهام البعثة

تبين رئيسة قسم الإعلام في بعثة التواجد الدولي ميري أنل لـ"العربي الجديد"، أن أفراد البعثة مدنيون يتحدثون العربية والعبرية والإنجليزية، يتنقلون بشكل يومي، من أجل رصد أي انتهاك أو اعتداء يتعرض له السكان، وتوثيق الحدث في شكوى رسمية من المواطنين.
ويتم كتابة تلك الأحداث ورفعها في تقارير شهرية، ثم تجمع وترسل بصفة دورية كل ثلاثة أشهر إلى الدول الشريكة من أجل مناقشتها، والعمل عليها من ناحية دبلوماسية، ولفت انتباه الدول إلى حقيقة الأوضاع، إذ تعتبر كتابة التقارير بمثابة حجر الزاوية في طبيعة عمل بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل، كما تقول أنل.

لا تقف مهام البعثة الدولية على توثيق الانتهاكات، بل تتعدى إلى تقديم مساعدات لأماكن العوز في المناطق المستهدفة من جيش الاحتلال ومستوطنيه. تقول أنل: "بابنا مفتوح لجميع المؤسسات المحلية، من أجل تقديم المشاريع، بناء على الفئة المستهدفة لكل مؤسسة، سواء كانوا أطفالاً أم شباباً أم كبار سن، وبعد دراسة المشاريع المقدمة نختار الأكثر فعالية وخدمة لأهالي الخليل، ونعمل على تمويلها من أجل تطوير بعض القطاعات المختلفة، كالرياضة أو الاقتصاد أو حتى الجانب السياحي وغيرها".

وعلى الرغم من أن تلك التقارير يحظر نشرها، إلا أنه يتم مشاركتها مع الاحتلال والجهات الفلسطينية، وينبغي على الطرفين تقديم إجابات رسمية حول الاستفسارات المقدمة من البعثة، من أجل إيجاد حلول مناسبة للحوادث المسجلة، وتقوم البعثة بمشاركة التقارير مع الدول الست المشاركة في البعثة (النرويج، الدنمارك، إيطاليا، السويد، سويسرا، تركيا)، والتي بدورها تقوم في بعض الحالات باستخدام وسائل دبلوماسية لإيجاد حلول للخروقات في المدينة.

اقرأ أيضا: احتلال السياحة بالقدس.. إسرائيل تحاصر أهالي المدينة ثقافياً واقتصادياً

علاقة البعثة بالهيئات المحلية الفلسطينية

لتقييم فعالية أداء البعثة، استطلع معد التحقيق آراء مسؤولين ومواطنين، من بينهم نائب رئيس بلدية الخليل، جودي أبو سنينة، الذي قال في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن "مهام البعثة تتلخص بالرقابة وتسجيل الخروقات، فضلاً عن مهام إنسانية قدمتها البعثة بالتواصل مع المجتمع المحلي ومؤسساته، خاصة بموضوع البلدة القديمة".

يبدو الرضا عن أداء البعثة في كلام أبو سنينة، موضحًا أنهم يقومون بمهامهم ضمن الاتفاق والواقع الموجود، لأنهم لا يستطيعون التدخل بالقضايا السياسية، لكنه يعود للقول "أعمالهم ليست ملموسة لأن دورهم رقابي، وتتمتع البلدية معهم بعلاقة إيجابية، وتواصل متبادل بينهم".

وتصف لجنة إعمار الخليل، تعاونها مع البعثة، بـ"البسيط"، في حالة الاعتداء، على المواطنين في البلدة القديمة، إذ تقدم البعثة دعماً مالية إلى اللجنة، التي تقوم بوضع سواتر حديدية "حمايات" على نوافذ منازل المواطنين التي تتعرض لقذف الحجارة أو المواد السامة من المستوطنين، وأحياناً يقدمون خزانات لجمع المياه إذا ما تعرضت للإفساد على يد المستوطنين والجيش. وتؤكد اللجنة في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أن "بعثة المراقبين الموجودة في الخليل لا تملك أداة لمنع الاعتداء سواء كانت من الجيش أو المستوطنين".

اقرأ أيضا: مشعوذون يستغلون الغزيين.. السحر بديلاً للطب

دور قاصر قد يشجع الاستيطان

يبقى استمرار وجود البعثة وعملها في مدينة الخليل، مرهونًا بالاتفاق السياسي الذي وقع بشكل مؤقت، كما يبين أبو سنينة في حديثه لـ"العربي الجديد"، لكن نائب رئيس بلدية الخليل، يرى في الاتفاق أنه كغيره من الاتفاقات التي وقعتها السلطة الفلسطينية أصبحت دائمة، قائلاً "نتحدث عن 18 عامًا من توقيع هذه الاتفاقية، ونرى أن وجودهم ضروري ومهم بمدينة الخليل"، ويعود للمتابعة "ما دام هذا الاتفاق سارياً، نحن بحاجة إلى أن يعاد فتح بحث الاتفاق مرة أخرى، لضرورة وجود المراقبين في المدينة".

لكن لجنة إعمار الخليل، وإن كانت ترى أهمية استمرار وجود المراقبين في الخليل لتوثيق الاعتداءات، فإن عدداً من أعضائها، يرون النتيجة من هذا التوثيق وردة الفعل، غير ملموسة على أرض الواقع من الدول التي ينتمي إليها المراقبون ولا من الأمم المتحدة.

وتلفت اللجنة إلى تزايد الاعتداءات وتضاعفها في السنوات الأخيرة، وتسجيل عشرات الاعتداءات من المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين العزل، على مرأى ومسمع من هؤلاء المراقبين، بينما دعا مدير عام لجنة إعمار الخليل، غسان إدريس، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، البعثة إلى الرحيل وكذا رحيل الاستيطان، قائلاً "هم قدموا نتيجة للمجزرة التي وقعت، وجودهم يثبت الاستيطان، أنا أدعو لرحيلهم ورحيل الاستيطان، هذا هو الصواب".

ويتفق مواطنون مع الطرح السابق من بينهم أبو محمد المحتسب، الذي شهد مجزرة المسجد الإبراهيمي في العام 1994، راح ضحيتها 29 شهيداً داخل المسجد، إذ قال لـ"العربي الجديد": "السكان تفاءلوا بادئ الأمر بعد وصول المراقبين ورؤيتهم في الحارات والأسواق وأمام حواجز الاحتلال، لكن التفاؤل لم يدم طويلاً وسرعان ما ظهر عجز هؤلاء المراقبين، وتضاعفت الانتهاكات واستمرت أمامهم وعلى أعينهم، وكأنهم جاءوا لإعطاء الاحتلال غطاء، ولم نسمع أن تقاريرهم أحدثت أي صدى سواء في دولهم أو العالم".

اقرأ أيضا: بالفيديو.. مفاعل ديمونا.. تسرُّب إشعاعي يقتل أهل الخليل

قتل في ظل الرقابة الدولية

تسود حالة من التباين في الرأي بين المرحبين باستمرار عمل البعثة ورافضيها، إذ يرى المؤيدون إمكانية حل العديد من المشكلات عبر وجود المراقبين، من خلال تنسيقهم مع الارتباط العسكري بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) والأجهزة الأخرى، في حين يرى كثير من السكان أن وجودهم عديم الفائدة، كما تعتقد الحاجة أم عبدالله السلايمة، التي تقطن، منذ عشرات السنين، في شارع الشهداء أمام البؤرة الاستيطانية "بيت هداسا" المقامة على أراضي الفلسطينيين، وتقول أم عبدالله لـ"العربي الجديد" إن "مسافة العشرة أمتار التي تقع أمام المنزل، استشهد فيها، منذ أن بدأت الهبّة الفلسطينية الحالية، خمسة شهداء، على يد المستوطنين والجيش بحجة أنهم نفذوا عمليات طعن، وهذا غير صحيح تماماً".
وتتساءل السلايمة عن دور المراقبين من هذه الإعدامات الميدانية، وتقول إن "انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه تتعدى لتصل إلى منطقة تل رميدة وشارع الشهداء، حيث استشهد عشرات الشبان في هذين الشهرين، ووقع أيضاً آلاف الانتهاكات من الجيش والمستوطنين على مرأى من كاميرات المراقبين وحضورهم، ولم يتغير شيء، هؤلاء لم يغيروا في مواقف حكوماتهم تجاه القضية الفلسطينية، وجودهم كعدمه".

لتجربة الخليلي عماد أبو شمسية، الذي يسكن بمنطقة تل رميدة وسط مدينة الخليل، مع المراقبين الدوليين خصوصية، إذ تعرض وعائلته لمحاولات قتل عديدة من قبل المستوطنين، والاعتداءات لم تبرحه منذ إقامته في المنطقة، فيما لم يتمكن المراقبون من حماية عائلته أو تحقيق نتيجة يمكن البناء عليها، قائلاً "وجودهم لم يتسبب بوقف الاستيطان أو الاعتداءات التي تطاول الساكنين"، وأضاف "قيل إن سبب وجودهم تعزيز الشعور بالأمن للسكان، إلا أنهم لم يعززوا أمنًا أو استقرارًا، الأمور بعد حضورهم زادت تعقيداً بالنسبة لنا كمواطنين".

وفق ما وثقه معد التحقيق فإن نحو أربعين مواطناً من أهالي الخليل، استشهدوا ضمن أحداث الهبّة الحالية، جميعهم قتلوا بدم بارد وبسبق إصرار من جنود الاحتلال في ظل وجود الكاميرات والمراقبين الذين لم يحركوا ساكنًا.

الأمان المعنوي

بعض قاطني البلدة القديمة في الخليل، والذين يحتكون بشكل يومي مع عناصر بعثة التواجد، أكدوا أهمية عمل تلك البعثة، كما يقول جمال مرقة صاحب محل تجاري بالبلدة القديمة في الخليل، متابعاً "قبل مجزرة الحرم لم تكن الجهات الدولية تعرف شيئاً عن مدينة الخليل، وبعد قدوم المراقبين، فإن المعادلة تغيرت"، يتابع: الآن العالم أجمع على علم بما يحصل بمدينة الخليل، فأعمال البعثة لا تقتصر على مراقبة الانتهاكات، بل تستقطب زواراً من كل دول العالم عبر سفاراتهم وقنصلياتهم، لمدينة الخليل.

ويعتبر التاجر الخليلي أن هذا الإنجاز كبير، قائلاً "احترمهم واحترم عملهم، فقد قدموا كثيرًا من المساعدات، بل إنهم قد يتعرضون للاعتداء أيضاً، لأنهم مجردون من السلاح". لكن ليلى العواودة من قاطني البلدة القديمة، ترى أن وجود أعضاء البعثة الدولية المؤقتة، لا يقضي على الانتهاكات إنما يقلل منها، لأن المستوطنين لا يقدمون على عمل أي شيء أمامهم، فيما تلفت إلى أن وجودهم يشعر المواطنين بالأمان المعنوي، قائلة لـ"العربي الجديد"، "نعم أدعم وجودهم لأني أشعر بأمان، حتى لو كانوا مقيدين في عملهم بكتابة التقارير إلا أنهم فعالون".

دلالات