تفجير الكاتدرائية في مصر... الموت في قاعة الصلاة

تفجير الكاتدرائية في مصر... الموت في قاعة الصلاة

القاهرة

أحمد حسن

avata
أحمد حسن
11 ديسمبر 2016
+ الخط -
يبحث الستيني المصري مجدي رمزي، عن زوجته منذ حدوث انفجار الكنيسة البطرسية الواقعة في محيط الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في شمال القاهرة، إذ اعتاد الذهاب إلى الصلاة، بصحبة زوجته وأبنائه وأحفاده في التاسعة من صباح أيام الأحد من كل أسبوع، غير أنه في الساعة العاشرة وخمس دقائق قرب انتهاء وقت الصلاة، سمع رمزي صوت تفجير قوي داخل المنطقة المخصصه للنساء والأطفال بالكنيسة البطرسية، ولم يدر ماذا جرى بعدها، إذ حملته سيارة الإسعاف إلى مستشفى الطوارئ الجديد التابع لمشفى الدمرداش الجامعي، القريب من الكاتدرائية.

"حسيت إن القيامة بتقوم، وإن ده آخر يوم لينا لأن الكنيسة زى ما تكون اتهدت فوق دماغنا وكل المقاعد الخشب اتكسرت، وصوت القسيس راح وكله كان بيحاول يهرب وانا فجأة ملقتش مراتى، ولا عيلتى ومحستش بنفسى إلا والإسعاف بتشيلنى وأنا جوه المستشفي" هكذا يصف رمزي ما حدث قبل أن يفقد وعيه وينقل إلى المستشفى.

وبعد إنهاء الفحوص الطبية، وإثبات إصابته بكدمات جراء التفجير، جلس رمزي أمام بوابة المستشفى على الرصيف وملابسه مخضبة بالدماء، يحمل عكازة خشبية بيد، فيما تمسك الأخرى بحفيدته التي لم يتجاوز عمرها 4 أعوام، قائلا وهو يبكي ويضرب بيديه على وجهه "ولادى راحو ومراتى سندى راحت ومش لاقيها"، وتؤكد تريزا دميان إحدى قريبات رمزي ممن حضرن إلى المستشفى لمساندته، أن العائلة تبحث عن زوجته فى جميع المستشفيات، غير أنهم لم يجدوها، متابعة "يبدو أنها من ضمن الضحايا، لا نعرف ماذا نفعل، العائلة مشتتة، إذ أصيبت زوجة ابن عمي مجدي في الحادث، كما أصيبت حفيدته وتم نقلهم إلى مستشفى دار الشفاء".

وتعد عائلة رمزي أحد ضحايا التفجير الإرهابي الذي راح ضحيته 25، فيما أصيب 49 من النساء والأطفال والرجال، وفقا لما أكدته لـ"العربي الجديد"، مصادر طبية وأمنية.




دماء في قاعة الصلاة

عقب الانفجار شهدت منطقة العباسية زحاما شديدا وتكدسا مروريا، في محيط المشافي المتواجدة بها، فيما ملأ صراخ وعويل ذوي الضحايا أرجاء الكاتدرائية والمشافي التي توافدوا عليها للبحث عن أقاربهم، وملابس بعضهم مخضبة بالدماء، وطوال ساعات لم تنقطع أصوات سيارات الإسعاف في منطقة العباسية والوايلي، ومحيط مستشفى الدمرداش التابع لكلية طب جامعة عين شمس، الأقرب لموقع التفجير، والتي ازدحمت بواباتها بأهالي المصابين للبحث عنهم.

وحاول بعض الأهالي دخول المستشفى أو التواصل مع الأطباء لمعرفة أوضاع المصابين؛ إلا أن أمن المستشفى منع الجميع من الدخول، سواء أهالي المصابين والضحايا أو الصحافيين والمصورين، وسمح فقط بدخول سيارات الإسعاف وسيارات نقل المعدات الطبية.


كيف وقع التفجير؟

تجمع شهادات متطابقة لمصابين على أن كل المصلين المتوافدين على الكاتدرائية من الرجال والنساء لم يخضع أي منهم للتفتيش الأمني، إذ لا تحظى الكنيسة البطرسية التي وقع داخلها التفجير بنفس إجراءات التأمين الخاصة بالكنيسة المرقسية التي تجاورها، وهو ما بدا في "عدم تفتيش الرجال" كما أكد رمزي، أو "شنط السيدات" وفقا لما قالته تريزا دميان، والتي أوضحت لـ"العربي الجديد": أن الجميع دخل إلى الكنيسة بدون أي تفتيش كالعادة".


وبحسب ما رصده معد التحقيق، فإن الكاتدرائية محاطة بشارعين رئيسيين، ولا بد أن يعبر الراغبون في الوصول إليها، عبر حاجزين ثابتين للشرطة خارج مبنى الكاتدرائية، وأمام البوابة الرئيسية لها، توجد أخرى إلكترونية مخصصة للكشف عن المواد المتفجرة والمعادن، وبحسب الشاب المصري عماد شكري، الذي كان متواجدا داخل الكاتدرائية، فإنه وأصدقاءه ومن شاهدهم أمامه أثناء الدخول إلى كاتدرائية عبروا من تلك البوابة دون تفتيش، حتى أن البوابة أطلقت إنذارا، بعد مرور أحد أصدقائه، لكن لم يوقفه أحد من رجال الأمن، "الذين كانوا مشغولين بتناول الإفطار إلى جوار البوابة".

وتابع عماد، وهو فى حالة غضب بسبب فقدانه لأخيه وإصابة والدته في الحادث، "أكيد اللى دخل بالقنبلة مر عبر البوابة ولم يساله أحد، البوابة تطلق انذارا وتضيئ باللون الاحمر، وتكشف المتفجرات والمعادن"، هو ما بررته من على سرير طبي داخل مستشفى الأمل الثلاثينية خلود، والتي أصيبت بجروح طفيفة في الرأس والقدم قائلة لـ"العربي الجديد": "عبرنا من البوابة الإلكترونية، وكانت تضيء باللون الأحمر ولم يوقفنا أحد، بسبب كثرة المترددين على الكنيسة في يوم الأحد، إذ تم السماح للجميع بالمرور دون تفتيش حتى لا يحدث زحام".

وأقيم القداس في الكنيسة البطرسية، ببسبب أعمال التجديد الجارية داخل الكاتدرائية المجاورة، والتي يمر المتوجهون إلى الكنيسة البطرسية التي وقع فيها الانفجار من بوابتها، "قبل أن يصلوا إلى باب يقف أمامه موظفو أمن، من المفترض أنهم يفتشون المتوجهين إلى قاعه الصلاة، التي يقف أمامها كذلك رجال أمن، يفترض قيامهم بتفتيش الزائرين، وهو ما لم يحدث مع أي من المصلين"، كما تؤكد المصابة كرستين عادل، من على سرير المستشفى.


ماذا سجلت كاميرات المراقبة؟

يطابق ما قالته كرستين وبقية المصابين، ما سجلته كاميرتي المراقبة اللتين رصدتا دخول المترددين إلى الكنيسة والقاعة، "إذ دلفت سيدة إلى القاعة قبل موعد التفجير بقرابة 15 دقيقة بصحبة فتاة لا يزيد عمرها عن 12 عاما، وحملت السيدة حقيبة سوداء وقبل موعد التفجير بدقيقتين غادرت دون الحقيبة، ثم وقع الانفجار في ذات المكان الذي كانت تجلس فيه"، وفقا لما أكده مصدر أمني مطلع يعمل في مديرية أمن القاهرة.

وذكر المصدر لـ"العربي الجديد" أن: وزير الداخلية مجدي عبد الغفار ورئيس الوزراء شريف اسماعيل ومدير أمن القاهرة وكاهنيين بالكنيسة شاهدوا بصحبة مسؤول أمن الكنيسة و4 ضباط من الأمن الوطني ما سجلته الكاميرات على باب القاعة وخارجها، والتي رصدت عدم خضوع المترددين للتفتيش.

وكشف الفحص الأولي لموقع الحادث، أن عبوة ناسفة تزن 12 كيلوغراما من مادة (تي.إن.تي) تسببت في الانفجار بحسب خبراء المعمل الجنائي.

ولا يجد اللواء رفعت عبد الحميد الخبير الأمني، من وصف لعدم إخضاع المترددين على الكنيسة للتفتيش سوى "التقصير الأمني"، غير أنه قال "عندما نصرح بذلك لا بد أن نضع في تصورنا أن موظفي الأمن أو المجندين المكلفين بتأمين الكنيسة يتعاملون مع الإخوه المسيحيين بحذر شديد لأسباب كثيرة الجميع يعرفها".

وأضاف موضحاً: "لو أن المجندين أوقفوا المترددين على الكنيسة للتفتيش وحصل زحام، هتلاقى انتقادات وخناقات، الآن أسمع من يقول أن الخناقات أفضل من التفجيرات ولكن هذه هي حقيقة ما يحدث".



ردة فعل احتجاجية

عقب الحادث تجمع محتجون أقباط ومسلمون أمام الكاتدرائية تعبيرا عن غضبهم من الحادث الإرهابي، ووقعت مشادات واحتكاكات بين المحتجين وقوات الأمن، بعدما هتف المتظاهرون "طول ما الدم المصري رخيص يسقط يسقط أي رئيس"، و"كنتي فين يا داخلية لما ضربوا المرقسية؟"، "قول للشيخ، والقسيس دم المصري مش رخيص"، و"ارحل ارحل يا وزير الداخلية، عبد الغفار يا وزير التعذيب زيك زي حبيب"، في إشارة إلى رفض المحتجين لما جرى قبل أسابيع من مقتل المواطن المصري المسيحي مجدي مكين، جراء التعذيب داخل أحد أقسام الشرطة في القاهرة.

ويرفض القس بولس حليم المتحدث باسم الكنيسة، تحميل الأمن بمفرده مسؤولية الحادث، قائلا "التفجير وقع بسبب قصور أمني مشترك بين الكنيسة والأمن، وننتظر التحقيقات التي تجريها النيابة العامة لمعرفة المزيد من التفاصيل.

وتابع في إفادة خاصة لـ"العربي الجديد": "الكنيسة تقدم شهداء دائمًا، فداءً للوطن، وتنتظر فعل الله"، وحول تأثير الحادث على احتفالات عيد الميلاد، قال حليم إن الأمور معلقة حتى يرجع البابا تواضروس الثاني من سفره، ويدلي بدلوه في هذا الشأن.

غير أن الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وتوابعها، يرى من جهة أخرى أن الحادث الذي وقع داخل الكنيسة البطرسية بالعباسية، كان يستهدف الكاتدرائية، وتابع أن الإرهابيين سبق ووضعوا عبوة ناسفة قبل 3 أيام أمام مسجد بالهرم، واتجهوا إلى الكاتدرائية رمز الكنيسة في مصر والعالم، متسائلا عن دور قوات الأمن المكلفة بحماية الكاتدرائية وكيف دخلت العبوة الناسفة داخل الكنيسة، مطالبا بالتحقيق مع المقصرين في أداء عملهم.

وبحسب الأنبا مرقس فإن الحادث لن يؤثر على احتفال الأقباط بعيد الميلاد، "لأن شعب مصر شجاع ولن يخاف أو يرهب من العمليات الخسيسة بل تزيده إصرارا على المواجهة ولا يخشى الموت، مختتما حديثه بتأثر: "الكنيسة قائمة على دم الشهداء".