تردّي بيئة العرب [7/7].. 4 مشاكل بيئية تهدد لبنان

تردّي بيئة العرب [7/7].. 4 مشاكل بيئية تهدد لبنان

14 يوليو 2015
نسبة تلوث الهواء في بيروت 3 أضعاف المعدل العالمي
+ الخط -
تشكل أعمدة الدخان المنبعثة من معامل الكهرباء في ذوق مصبح شمالي بيروت، والجية شمالي صيدا، منارة لقاصدي المدينتين ومؤشرا بصريا على حجم مشكلة التلوث في لبنان، والذي يمتد إلى المناطق الخضراء ليطاول الماء والهواء والأحراج.

يفسر الدكتور بسام همدر، رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا، سبب تفاقم المشكلة بوجود أكثر من سبعين ألف مولد كهربائي خاص في لبنان، إلى جانب أثر زحام السير في تلويث الهواء بالكربون "مونو أوكسايد" والكبريت والنيترات التي تصيب المياه والهواء على حد سواء، وهو ما يطابق دراسة لـ"الجمعية اللبنانية للأمراض الصدرية" أكدت بلوغ نسبة تلوث الهواء في العاصمة بيروت ثلاثة أضعاف النسبة المحددة من منظمة الصحة العالمية، إذ أظهرت النتائج أن زحمة السير هي المسبب الأول لارتفاع نسبة التلوث في الهواء.

لبنان عطشان

يطاول التلوث قطاع المياه في لبنان ويترك آثاراً بالغة على 15 نهراً، و1100 ينبوع تشكل ثروة لبنان المائية، مع المتساقطات السنوية التي تبلغ 9 مليارات متر مكعب سنوياً، ويستفيد لبنان، بحسب الدكتور همدر، من 3 مليارات منها بعد تبخر 4.5 مليارات وتخزين مليار واحد في جوف الأرض. كما يخسر لبنان أكثر من 500 مليون متر مكعب من المياه من نهر الليطاني وحده. ويتوزع استهلاك المياه في لبنان بين الزراعة ملياري متر، الصناعة 300 مليون متر، والسكان بحوالى مليار متر.

ويشير همدر، وهو باحث في الشؤون المائية أيضاً، إلى إصابة معظم الأنهار بالتلوث بسبب "إنشاء المصانع قربها، والتخلص من النفايات الصناعية السامة فيها". وقد بات مشهد تلون نهر بيروت بالصباغ الصناعي الأحمر مشهداً سنوياً معتاداً، مع تخلص أحد مصانع السجاد من بقايا الألوان المستخدمة في النهر، وهو ما يحتاج إلى تفعيل الرقابة الرسمية البيئية، بحسب همدر. كما يؤدي استخدام المبيدات الكيميائية السامة في الزراعة، إلى تسربها واختلاطها بالمياه الجوفية.

خط الفقر المائي

تحدد الأمم المتحدة حاجة الفرد السنوية للمياه بألف متر مكعب، ولا يحصل المواطن اللبناني على أكثر من 700 منها، بحسب دراسات أشرف عليها همدر، ما يعني وقوع المواطن اللبناني تحت خط الفقر المائي. وهو واقع مرشح للتفاقم مع "ازدياد النزوح السوري إلى لبنان الذي تجاوز مليون ونصف نازح، بالإضافة إلى تغيير المناخ والنمو السكاني الذي يبلغ 1.5 في المئة، وبالتالي سيرتفع العجز المتوقع في المياه إلى 4.5 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً".

أمام هذا الواقع، يشتري 80% من السكان مياه الشرب، نتيجة الملوحة التي تصيب المياه لا سيما في المدن الساحلية. وتشير دراسات غير رسمية إلى ارتفاع عدد الآبار الارتوازية الخاصة إلى أكثر من 1100 بئر، أغلبها لا يخضع لأي رقابة صحية رسمية، وهي غير مرخصة أصلاً. وتبلغ كلفة شراء نقلة المياه (1000 ليتر) بين 15 و20 دولارا أميركيا، وقد أشار وزير الطاقة والموارد السابق جبران باسيل عام 2011، إلى بلوغ كلفة شراء مياه الشرب حوالى 400 مليون دولار سنوياً. وهي إحدى المبررات التي قدمها باسيل لطرح "الاستراتيجية الوطنية للمياه" القائمة على إنشاء 84 سدا وبحيرة اصطناعية بكلفة 1975 مليون دولار.

السدود السياسية

تسير الحكومة الحالية على خطة الوزير باسيل، إذ صادقت على إنشاء "سد بسري" جنوبي بيروت في العام الماضي رغم اعتراضات جمعيات بيئية وناشطين مستقلين، وهو الحال مع السدود التي صادقت الحكومات السابقة على إنشائها كسدي جنة وبقعاتا. ويقول رئيس الحركة البيئية (ائتلاف يضم 60 جمعية بيئية في لبنان)، بول أبي راشد، لـ"العربي الجديد" سد بقعاتا تحول إلى مقلع غير شرعي نتيجة عدم تجمع المياه التي تسربت في طبقات الأرض وهو ما حذرنا منه سابقاً.

أما سد جنة فقد أزالت أعمال بنائه أكثر من 300 ألف شجرة من منطقة السد للبناء وهي كارثة بيئية بحد ذاتها". ويؤكد أبي راشد أن اعتراض الجمعيات البيئية على إنشاء السدود ينطلق من طبيعة الأرض اللبنانية غير المُرحبة بالسدود، "فعدد الفوالق الطبيعية الناشطة كبير ومعظم مشاريع السدود التي تنوي الحكومات بناءها تقوم قربها أو عليها".

وفي وقت تمضي الحكومات قدماً بخططها التي تصفها بالاستراتيجية، ينتظر نهر الليطاني منذ سبعينيات القرن الماضي مشروع "ري الجنوب اللبناني"، الذي يؤمن، بحسب خبراء، المياه لآلاف البلدات، ويزيد الإنتاجية الزراعية في لبنان بنسبة 35 في المئة، كما يُستفاد منه في تأمين مياه الشرب والكهرباء بقيمة مئات ملايين الدولارات. والمشروع ممول من صناديق التنمية العربية والدولية. ولم تنطلق أولى مراحل المشروع إلا عام 2012، بهدف نقل 120 مليون متر مكعب لري مساحة 15 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية بين الجنوب والبقاع.

النفايات قنبلة موقوتة

مطلع العام الحالي صادقت الحكومة اللبنانية، على خطة لملف النفايات الشائك بيئياً وسياسياً. عارض ممثلو حزب الكتائب في الحكومة الخطة ووصفوها بالصفقة، لكنها مرت بعد إدخال تعديلات بسيطة عليها كالإعلان عن موعد لإقفال مطمر الناعمة، جنوبي بيروت، في استجابة لمطالب أهالي المنطقة والحزب التقدمي الاشتراكي، والجمعيات البيئية. وبعد أن تذرعت الحكومة بعدم وجود مواقع بديلة عن المطمر، قدمت الخطة 600 موقع محتمل لإنشاء مطامر جديدة ومصانع لحرق النفايات.
وتقوم الخطة على تقسيم لبنان إلى ستة مناطق جغرافية، وخصخصة قطاع النفايات على صعيد لبنان ككل، وترك حرية اختيار تقنية معالجة النفايات للشركات الخاصة. كما تتضمن الخطة دراسة لشركة "رامبول" الدنماركية تنصح باعتماد تقنية التفكيك الحراري (حرق النفايات) في المعالجة، وهي تقنية مرفوضة دولياً بحسب دراسات بيئية.

ويشير أبي راشد إلى أن "الحكومة اللبنانية لم تقيم تجربة خصخصة قطاع النفايات في بيروت وجبل لبنان على مدى عشرين عاما، وتسعى اليوم لتعميمها على كافة المناطق اللبنانية رغم خطورة نتائجها الاقتصادية والبيئية"، وتبلغ كلفة جمع وردم الطن الواحد، التي تتولاها شركة خاصة، 170 دولارا أميركيا، وهي من أغلى الأسعار في العالم. كما يتم تصريف السائل المعروف باسم عصارة النفايات وهو شديد السمية في البحر المتوسط عبر أنبوب يمتد من مطمر الناعمة إلى البحر بطول كيلومترين، حاملاً التلوث على طول الشاطئ.

ويضيف أبي راشد إلى المخاطر البيئية "حرمان البلديات من مشاريع التنمية البلدية كون المتضرر الأول من كلفة معالجة النفايات هو الصندوق البلدي المستقل. وفي وقت حلت أغلب البلديات خارج بيروت وجبل لبنان مشكلة النفايات من خلال مشاريع ممولة من الاتحاد الأوروبي، ستفتح خطة الحكومة الحالية الباب واسعاً أمام عشرات النزاعات البلدية في المناطق".

في مقابل الخطة الحكومية، يشير أبي راشد إلى "دراسة متكاملة قدمتها الحركة البيئية للحكومة، بعد دراسة نوع وكمية النفايات التي ينتجها اللبنانيون وتتوزع بين 60% من النفايات العضوية التي تصلح لصناعة العلف والسماد، و30% يمكن إعادة تصنيعها من الزجاج والكرتون والورق، و10% من العوادم (نفايات لا تصدر غازات أو سوائل ولا تتحلل)، ويمكن استخدامها في ترميم مواقع المقالع والكسارات.

وتحقق هذه الخطة ربحاً يقدر بـ 40 دولارا للطن إلى جانب توفير مبلغ المعالجة الحالي (170 دولارا)". كما تساهم الخطة، بحسب أبي راشد، في "توفير أموال للبلديات للتنمية المحلية علماً أن الخطة تقوم على أساس لا مركزي". ويسجل أبي راشد أسفه الشديد بسبب عدم اعتماد الحكومة للخطة التي حملت شعار "التدوير للتوفير".

الكسارات: عدو الجبال

لا يقتصر خطر تلوث المناطق الآهلة والخضراء على المطامر فقط، بل تنضم مختلف منشآت تفتيت الجبال وتحويلها إلى أحجار ورمال تستخدم للبناء إلى قائمة الملوثات. تنتشر هذه المنشآت في مختلف المناطق اللبنانية على الساحل وفي الجبال.

وكثيراً ما يتداول السكان أخبارا عن "اختفاء جبل خلال أشهر"، أو "اكتشاف مقلع مخالف في أحد المناطق النائية". وهو واقع مستمر منذ عشرات السنوات بحسب، الكاتب والصحافي المختص في الشأن البيئي حبيب معلوف، الذي يرى أن الدولة "حاولت تطوير القطاع وقوننته لكنها فشلت، ولم يتم وضع مخططات توجيهية تمنع الاستثمار العشوائي وتدمير البيئة من خلال وضع معايير فنية وبيئية لعمل هذه المنشآت، واقتصر الأمر على عدد من المراسيم لتبقى الكسارات والمقالع تعمل من دون رخص بموجب مهل إدارية تمدد لسنوات بصورة مخالفة للقانون، كما تتقلص عائدات الدولة للحدود الدنيا في حين تتضاعف أرباح أصحاب المقالع وأغلبهم من الطبقة السياسية وتبقى آثار المقالع والكسارات على البيئة هي الأضخم".

تقدر آخر دراسة نشرت عن أثر الكسارات على البيئة بتضرر أكثر من 60 مليون متر مربع من الأراضي الحرجية في لبنان بسبب الكسارات. إذ تخنق أطنان الغبار المنبعثة من المنشآت الغابات المحيطة، فتقتلها نتيجة تلوث المياه والهواء وخصوصاً غابات الصنوبر التي تقام الكسارات قربها. ولا تنجو المياه الجوفية من خطر الكسارات التي تتسرب سمومها إليها من خلال التفجيرات.

--------
اقرأ أيضا :
تردي البيئة العربية[2 / 7]..الرياض على وشك الاختناق
فوضى لبنان المرورية.. عراقيل تواجه تطبيق قانون السير الجديد
حال اليسار العربي4.. أمراض الدولة تصيب "الشيوعي" اللبناني

دلالات