أزمة المحاليل الطبية في مصر.. آلام المرضى تتفاقم

أزمة المحاليل الطبية في مصر.. آلام المرضى تتفاقم

20 سبتمبر 2016
المحاليل الطبية تُباع في السوق السوداء في مصر (Getty)
+ الخط -

في يوليو/تموز من العام الماضي توفى ثمانية أطفال مصريين، في محافظة بني سويف (115 كيلومتراً جنوب القاهرة)، نتيجة تسمم بمحاليل طبية وريدية، ما أدى إلى قرار من وزارة الصحة بإغلاق أحد أهم مصانع إنتاج المحاليل الطبية، في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام.

صدر القرار وسط تأكيدات حكومية، على لسان الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة وقتها، بأنه لن يؤثر على توفر المحاليل بالصيدليات سواء الخاصة أو الحكومية، وهو ما ثبت عدم صحته، إذ تشهد مصر أزمة حادة في المحاليل الطبية تفاقمت خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، ما خلق سوقا سوداء للمحاليل التي تعد جزءا نهما من بروتوكولات العلاج، ويعتمد عليها بشكل كبير مرضى الأورام، ومن يجرون الغسيل الكلوي، وكذلك تستخدم المحاليل لإذابة بعض الأدوية ذات التركيز العالي، والتي لا يمكن حقنها مباشرة في الجسم مثل المضادات الحيوية، بالإضافة إلى استخدامها في العمليات الجراحية.

مصر تستهلك 120 مليون زجاجة محاليل طبية

يصل حجم استهلاك السوق المصرية، من المحاليل الطبية بنوعيها (غلوكوز ومحاليل تغذية وريدية) إلى 120 مليون زجاجة سنوياً، وتنتج شركة مصرية خاصة تم إغلاقها (يتحتفظ "العربي الجديد" على ذكر اسمها) 50 مليون زجاجة، مقابل 40 مليوناً لشركتي النصر والنيل التابعتين للشركة القابضة للصناعات الدوائية (حكومية)، فيما تتوزع 30 مليون عبوة بين شركتين خاصتين، بحسب نقابة الأطباء، والتي حذر أعضاء في مجلسها من خطورة اختفاء المحاليل الطبية على مرضى الفشل الكلوى ممن يخضعون لجلسات غسيل الكلى بالمستشفيات الحكومية المصرية، والبالغ عددهم 62 ألف مريض، فيما تضم قوائم الانتظار 55 ألف مريض آخر ينتظرون دورهم، لإجراء عملية الغسيل.

ويؤكد الدكتور خالد سمير، عضو مجلس نقابة الأطباء، أن الأزمة وصلت إلى المشافي والعيادات الخاصة، قائلا في تصريحات صحافية، إن المحاليل الطبية صارت تباع في السوق السوداء، ما تسبب في معاناة العديد من المرضى. من بين هؤلاء المرضى، أدهم عثمان، والذي يخضع لثلاث جلسات غسيل كلوي، ويستهلك في الجلسة الواحدة خمس عبوات، وبسبب عدم توفر المحلول الطبي الوريدي، في وحدة الغسيل الكلوي بمستشفى الدمرداش العام، عمد هو إلى البحث عنها في السوق السوداء، غير أنه فوجئ بأن سعر العبوات الخمس وصل إلى 50 جنيها (5.6 دولارات وفقا للسعر الرسمي) بدلا من 22.5 جنيهاً مصري "2.5 دولار" ما رفع تكلفة عملية الغسيل الواحدة إلى 175 جنيهاً "20 دولاراً أميركياً" بدلا من 140 جنيها، وهو ما جعل التكلفة الإجمالية لعملية الغسيل الكلوي تصل إلى 2100 جنيه "240 دولاراً" شهرياً، في الوقت الذي يتقاضى 2500 جنيه "285 دولاراً" أجرا شهريا من عمله كموظف حكومي.

ووفقا لجولة لمعدة المادة على صيدليات حكومية وخاصة، فإن السعر الرسمي لعبوة المحاليل الطبية الوريدية ذات سعة 500 ملي يبلغ 4.5 جنيهات (0.5 دولار)، فيما كان السعر الرسمي للكرتونة قبل الأزمة الأخيرة 85 جنيها "أقل من 10 دولارات".

وبسبب زيادة نفقات جلسات الغسيل الكلوي، اضطر مرضى ومن بينهم أدهم إلى تقليل جلسات الغسيل الكلوي من ثلاث جلسات أسبوعية إلى جلستين فقط على الرغم من تحذيرات طبيبه من خطورة ذلك على حالته الصحية، بينما اضطر للعمل على مركبة "توك توك" هو وابنه الأكبر لتوفير بقية نفقات العلاج.


الصحة تنفي

على الرغم من تفاقم الأزمة إلا أن وزارة الصحة عادت وأكدت على لسان متحدثها الرسمي الدكتور خالد مجاهد في أغسطس/آب الماضي، بأنه لا توجد أزمة نقص للمحاليل الطبية، وأن الإنتاج المحلي يغطي الاستهلاك ولكن مخازن الأدوية تخزن المحاليل الطبية لرفع سعرها، كاشفاً عن ضبط أطنان من المحاليل الطبية تم إخفاؤها داخل مخازن للأدوية لبيعها بالسوق السوداء، وأحدثها مخزن بمنطقة الهرم، وأضاف أنه تم عمل محضر بالواقعة في قسم الشرطة وتحريز المحاليل الطبية والأدوية الموجودة، من دون أن يكشف في تصريحاته الصحافية عن أي بيانات تخص المحضر أو مصير الكميات المحرزة.

ورداً على تصريحات مجاهد اتهم أحمد فاروق الأمين العام لنقابة الصيادلة وزارة الصحة بخداع الشعب المصري بمثل هذه التصريحات التي اعتبرها كارثية.

وحمل الأمين العام لنقابة الصيادلة وزارة الصحة مسؤولية نقص المحاليل، مشيراً إلى أنهم حاولوا بكل الطرق احتواء الأزمة وحلها عن طريق مخاطبة مجلس الوزراء بمنع تصدير المحاليل، والتواصل مع شركة النصر الحكومية لمضاعفة الإنتاج.

وتابع أن هناك انعداما تاما للرؤية، وافتعالا لأزمات تضرب الأمن القومي للبلاد من مسؤولين لا يراعون الوطن أو المواطن، مشيراً في تصريحات إعلامية إلى أن علبة المحلول تباع في السوق السوداء بخمسة أضعاف ثمنها الحقيقي، معتبراً أن سبب الأزمة هو افتعال أزمة مع أكبر مصنع محاليل في مصر من دون سبب، وإغلاقه تعسفيا، إذ حمل الأمين العام وعصام عبد الحميد عضو مجلس نقابة الصيادلة، مسؤولية تسمم الأطفال في بني سويف، للطاقم الطبي المعالج، والذي لم يراجع تاريخ صلاحية المحلول.


تعطيش السوق


فتحت اتهامات التعسف في إغلاق أكبر مصنع لإنتاج المحاليل الطبية، الباب أمام تكهنات حول نية المؤسسة الاقتصادية للجيش المصري الاستثمار في مجال المحاليل الطبية، واتهم نشطاء مصريون على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، الجيش بتعطيش السوق لصالح شركة "فارما أوفر سيز" التي تولت مهمة توزيع ألبان الأطفال مؤخرا، والتي يديرها أحمد جزارين؛ زوج عزة مميش شقيقة الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، غير أن تلك التوقعات لم تتحقق على أرض الواقع حتى الآن، في ظل حديث دائم عن قرب افتتاح أكبر مصنع لإنتاج المحاليل الطبية في مصر.

وبحسب النائب هيثم الحريري عضو لجنة الصحة، فإن مجلس النواب المصري سيشكل لجنة لتقصي الحقائق في ما يخص أزمة نقص المحاليل الطبية في دور انعقاده القادم، وقال الحريري إن المجلس قبل انتهاء انعقاده الأول لم يتوصل إلى أي قرار بشأن أزمة نقص توافر المحاليل الطبية في المستشفيات وارتفاع أسعارها بالسوق السوداء.