المنظمة في بلد الطوائف

المنظمة في بلد الطوائف

20 يوليو 2015
مخيم شاتيلا (تصوير: كاوه كاظمي)
+ الخط -

كوني من مواليد 1981، انتهت الحرب اللبنانية قبل أن أبدأ بقراءة الصحف أو متابعة النشرات الإخبارية، لكنني عشتها في القصف والملاجئ وأحاديث البالغين، التي كان الأطفال يتلقفونها ويكررونها في إثارة دون أن يفهموها.

كبرت في محيط مقرّب من الحزب الشيوعي، وخلال سنوات مراهقتي كانت ذكرى الحرب شديدة الحضور في الأحاديث مع أهلي وأصدقائهم وأصدقائي وأهلهم الذين كانوا في معظمهم قياديين أو مقاتلين سابقين في الحزب الشيوعي ومنظمة العمل وتنظيمات يسارية رديفة.

لا توجد رواية موحّدة وموضع اتفاق عن تاريخ الحرب اللبنانية وتاريخ منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، والرواية التي في جعبتي، بموازاة روايات أخرى، هي مزيج من المعاينة الشخصية والشهادات والقراءات.

قلما سمعت، في طفولتي، أحداً يتحدث عن منظمة التحرير. في المقابل كنت أسمع بانتظام أسماء مثل "فتح"، "الجبهة الشعبية"، "الجبهة الديمقراطية" "الصاعقة"، "القيادة العامة"، "جبهة التحرير العربية"، إلخ.

إن كانت هذه المجموعات المسلحة تحمل كلها ماركة "منظمة التحرير"، فكل منها كان لها منطقتها وجماعتها وعرّابها وممولها الإقليمي (الصاعقة والقيادة العامة كانت محسوبة على النظام السوري، جبهة التحرير العربية على النظام العراقي، الجبهة الشعبية كانت ماركسية إلخ.)، بالإضافة إلى سجنها الخاص الذي تودع فيه خصومها، ولم يكن من النادر، أن يصل تنافسها على مناطق النفوذ إلى حد الصدام المباشر.

نزحت المنظمة إلى لبنان بعد "إخراجها" من الأردن لتبسط سيطرتها على مخيمات اللاجئين الأبديين (راجع مقالي "لبنان.. النكبة ليست ذكرى"، ملحق فلسطين/العربي الجديد 16/05/2015) الذين لم يستفيدوا من تحسن أوضاع المسلمين بعد أحداث 1958 والحقبة الشهابية، وكانوا يعيشون منذ ربع قرن في حالة عزل وحرمان تتطابق مع سياسة أبرتهايد.

كما هو معروف، اصطدمت تلك المجموعات بالجيش والدولة اللبنانية التي كانت لا تزال تحت هيمنة المارونية السياسية (وإن بصيغة مخففة بعد الإصلاحات الشهابية)، وتحالفت مع قيادات يسارية وزعامات مسلمة، وأدت هذه المحصلة إلى الحرب الأهلية.

لكن تجدر الإشارة إلى أن الفرز الطائفي للصراع، لم يكن واضحاً عشية تلك الحرب، فعدد لا يستهان به من القيادات والكوادر اليسارية كان مسيحياً، كما كانت حصلت اشتباكات مع المسلحين الفلسطينيين في عدد كبير من البلدات والقرى الجنوبية الشيعية، بالإضافة إلى صيدا، عاصمة الجنوب السنية.

الواقع أن الطبيعة اللا منضبطة لهذه المجموعات والحنق المتراكم لدى أشقياء المخيمات الذين تم تسليحهم، أديا بداهةً إلى فائض من الاستقواء والانتهاكات في العلاقة مع الجنوبيين، مما خلق حالة احتقان سبقت الحرب بسنوات وانتهت بالواقعة المأساوية عن استقبال جيش الاجتياح الإسرائيلي بالأرز في القرى الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية.

تسمع غالباً قدامى الحزب الشيوعي يرددون أنه إذا كانت الأحزاب اليسارية العروبية ذات القاعدة المسلمة تُلام على استقوائها بالمجموعات المسلحة الوافدة على الشريك، فالقيادات المسيحية تُلام على وضعها كل المسلمين في سلة واحدة وتحويلها الصراع مع المسلحين الفلسطينيين إلى حرب طائفية دموية. تسمعهم يقولون، أيضاً، إن المجموعات الفلسطينية المسلحة كانت تحولت أثناء الحرب إلى أرستقراطية عسكرية في الجنوب وصارت تستقدم مقاتلين في صفوفها بالمال.

هؤلاء كانوا يتشكلون من الفقراء اللبنانيين وجنسيات مختلفة عربية وغيرها. الأمر الأكيد هو أن القيادات الفلسطينية وضعت طائفة اللاجئين اليتيمة في مواجهة ضد كل الجماعات اللبنانية الأخرى، وبعد انسحاب المقاتلين إبان الاجتياح الإسرائيلي، تُركت المخيمات فريسة للعمليات الانتقامية من مجازر صبرا وشتيلة إلى حرب المخيمات بقيادة حركة أمل التي، وإلى جانب فائض الدعم السوري الذي حظيت به، ترجح كفتها على الحزب الشيوعي إلى أنها عرفت، كيف تقول للجنوبيين في خضم حرب طائفية: "نحن شيعة ولسنا حزباً أممياً".

(كاتب لبناني/ باريس)

المساهمون