نضال لا يتوقف... فلسطينيو الداخل يواصلون مواجهة مخططات المصادرة

نضال لا يتوقف... فلسطينيو الداخل يواصلون مواجهة مخططات المصادرة

25 مارس 2018
الذكرى تتوارث جيلاً بعد جيل (فرانس برس)
+ الخط -
42 سنة مرت على أحداث يوم الأرض في 30 مارس/آذار عام 1976، عندما أعلن أهالي الداخل الفلسطيني الإضراب العام، احتجاجاً على محاولة المؤسسة الإسرائيلية مصادرة أراضي "المل" في منطقة البطوف، وكانت حصيلة ذلك اليوم 6 شهداء بالنيران الإسرائيلية، وعدد كبير من المصابين، لكن المعركة على الأرض لم تتوقف منذ ذلك اليوم.
يوم الأرض دفع المؤسسة الإسرائيلية لإعادة حساباتها، لكنه لم يضع حدا لأطماعها، وعليه ما زال الفلسطينيون في الداخل، يناضلون من أجل الحفاظ على ما تبقى لهم من أراض في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية.
ويوضح رئيس المركز العربي للتخطيط البديل، الدكتور حنا سويد، "أنه تبقى حوالي 650-700 ألف دونم في ملكية كاملة للمواطنين العرب، والتي تشكل أيضا مساحة نفوذ السلطات المحلية العربية". ويستدرك أن "هذه المساحة لو قارناها بالأراضي التي كانت تابعة للفلسطينيين في الداخل حتى عام 1948، هي مساحة صغيرة، ولكن في نفس الوقت هي رقعة لا بأس بها. هذه النسبة تشكل نحو 30% من الأراضي التي كانت تابعة للبلدات العربية، قبل قيام المؤسسة الإسرائيلية بسلخها وضمها للمجالس الإقليمية اليهودية، أو التي صودرت لصالح المستوطنات والمدن التي أقامتها إسرائيل على حساب الأراضي العربية مثل كرمئيل ومعالوت وميسجاف وغيرها". ويضيف "هذه الـ 700 ألف دونم أصلها حوالى مليون و800 ألف دونم، ولكن هذا الرقم لا يشمل البلدات المهجرة، فتلك مساحتها نحو 5 ملايين دونم، وتمت مصادرتها بجرة قلم حسب قانوني الحاضر غائب و"أملاك الغائبين". ويشير إلى أن "هنالك أيضاً نحو 700 ألف دونم في النقب، ولكنها غير مسجلة في الطابو، وإنما للبدو في النقب حقوق تاريخية على تلك المساحات، وهناك المشكلة أصعب وأكثر تعقيداً من باقي المناطق العربية في البلاد".

"لا أمان في هذه البلاد"
ويحذر الدكتور حنا سويد، في حديثه لـ "العربي الجديد"، من أنه "حتى الأراضي الخاصة والمسجلة في الطابو، هي أيضاً معرضة لخطر المصادرة"، مستدركاً أنه "سبق أن تمت مصادرة حتى أراض من هذا النوع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، صودرت أراض خاصة من أهالي نحف والبعنة، وأعطيت لصالح إقامة كرمئيل اليهودية، والمعنى هنا أنه لا يوجد أمان في هذه الدولة على أية ارض، فالسلطة شهيتها دائما مفتوحة على الأراضي العربية وهناك خطر لمصادرة الأراضي".
ويلفت سويد إلى أن "يوم الأرض أدى إلى نقلة نوعية في تعامل المؤسسة الإسرائيلية مع موضوع الأرض، فما كانت تستسهل القيام به من حيث المصادرة وتنفيذها بجرة قلم، أصبحت تفكر فيه ألف مرة وتتحسب قبل إقدامها حتى على مصادرات مقلصة أو صغيرة، وهذا هو مفعول يوم الأرض، إنه قلب المعادلة".

"حرب" في النقب
من جانبه، يعتبر النائب سعيد الخرومي، عضو الكنيست عن القائمة المشتركة ورئيس لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، أن "القضية الأولى بالنسبة للعرب الفلسطينيين في الداخل هي قضية الأرض والمسكن. والحرب الحقيقية والأساسية في النقب".
وأسهب: "كل منطقة من مناطقنا لها خصوصياتها. في الجليل صحيح أن الأراضي صودرت في معظمها، ولكن هناك بعض الأراضي الخاصة في محيط البلدات العربية. تكمن المعضلة في أن المؤسسة الإسرائيلية لا تتيح لهذه البلدات توسيع مناطق نفوذها لتصبح هذه الأراضي جزءا منها، وهذا يحد من تطور البلدات كما يهدد الأراضي نفسها".
ويتابع الخرومي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، "في منطقة المثلث الأمر أصعب بعض الشيء، بخاصة بعد أن أدت إقامة شارع رقم 6 والمعروف اليوم باسم "عابر إسرائيل"، إلى مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي العربية، وبعض البلدات العربية حتى لم تُمنح مدخلا من هذا الشارع. وهي كما في الجليل تعاني من مشاكل كبيرة في توسعة مناطق النفوذ، أضف إلى ذلك أصبح عبئاً كبيراً على البلدات العربية، بأن البلدات اليهودية المجاورة تحاول التوسع وإقامة مشاريع على حساب الأراضي العربية".
ويوضح الخرومي أن "القضية أكثر زخما وتعقيدا في النقب، ذلك أن المخزون الاستراتيجي لجميع فلسطينيي الداخل من الأراضي، موجود أساسا في النقب ويبلغ أكثر من مليون دونم. على سبيل المثال المناطق الشاسعة خاصة حول مدينة بئر السبع، على قطر 40 كيلومتراً، من كل الجهات، يوجد عليها العرب الفلسطينيون البدو، وإسرائيل تحاول اليوم ترحيلهم من هذه البلاد وتجميعهم ومحاصرتهم في تجمعات صغيرة جدا، لتستولي على بقية الأراضي. وفي الطريق للاستيلاء على الأراضي، لا يهمها أن تقتلع قرية عربية قائمة منذ قرون لإقامة بلدة يهودية، مثلما يحدث في بلدة أم الحيران، التي صدر قرار باقتلاعها وإقامة مستوطنة حيران اليهودية مكانها، رغم أن أم الحيران سبق أن تم تهجير أهلها إلى المكان الموجودة فيه اليوم، علما أن البلدة الأصلية قائمة قبل قيام إسرائيل".
ويرى النائب العربي أن "حربنا الرئيسية كفلسطينيين في الداخل تدور في النقب. والمؤسسة الإسرائيلية تستخدم فيها كل الوسائل لتربحها، من وسائل للتفرقة ودق الأسافين بين العرب واختلاق معارك جانبية بينهم. السلطة تسخّر كل طاقتها وإمكانياتها لإثارة النعرات لكي نترك المعركة الأساسية، فضلا عن الإغراءات المقدمة".
ويختتم الخرومي حديثه بالقول "نحن نكرس كل جهدنا لتثبيت الناس في أراضيهم من خلال العمل الميداني وكذلك استخدام الأدوات البرلمانية، والمسارات القانونية والعمل الشعبي لدحض الدعاية الصهيونية والأكاذيب التي تروج لها المؤسسة الإسرائيلية، مثل الادّعاء بأن عرب النقب استولوا على الأراضي، وأنها تمنح العرب أماكن للبناء والسكن وأنها تستثمر المليارات في أبناء النقب، وهذه كلها أكاذيب محض".


أراضي الروحة... معركة جديدة
يرى المحامي محمد لطفي من مدينة أم الفحم، وهو ناشط في العمل الشعبي في منطقة وادي عارة، ورئيس لجنة أولياء أمور الطلاب في مدارس مدينة أم الفحم، أن للطلاب وأهاليهم دوراً في الحفاظ على ما تبقى من أراض عربية في الداخل الفلسطيني، ويسعى مع بقية أعضاء اللجنة لتفعيل دورهم. ويقول "نضالنا كجماهير عربية في الداخل لم ولن يتوقف، طالما بقيت أراضينا مغتصبة وحقوقنا مسلوبة. النضال الجماهيري الشعبي الموحد، هو السبيل لنجاح نضالاتنا خاصة في مسألة الأرض".
ويلفت لطفي، متحدثاً إلى "العربي الجديد"، إلى قضية التشريعات الإسرائيلية العنصرية الأخيرة، وارتباطها بقضايا الأرض والمسكن. ويقول "لا ننسى قضية التشريعات الأخيرة في الكنيست الإسرائيلي ومنها قانون القومية، والذي يرتبط أيضا بقضايا الأرض والمسكن. هذا قانون يتطلب النضال. خلال مشاركتي في أحد المؤتمرات الخاصة بمجال القضاء والقوانين، في أغسطس/آب الماضي، تحدثت وزيرة القضاء الإسرائيلية اييلت شاكيد وأكدت موقفها الذي يرى أن المحكمة العليا الإسرائيلية "اتخذت قرارات ضد مبادئ الصهيونية" على حد تعبيرها، وذكرت من ذلك قرار ما عُرف في حينه باسم قضية قعدان، والذي سمح لمواطن عربي وزوجته بالسكن في بلدة كاتسير التي يسكنها يهود، ورأت بهذا التوجه مسّاً بخطط تهويد المناطق العربية، كما قالت في نفس المؤتمر إنه من خلال قوانين مثل قانون القومية يمكنها محاربة قرارات مثل قرار المحكمة العليا. المعنى من الكلام أن القضية الجوهرية في هذه البلاد هي قضية الأرض والمسكن وستبقى كذلك".
منطقة وادي عارة التي يسكن فيها المحامي محمد لطفي، تشهد في هذه الأيام، حراكا لمقاومة مخطط إسرائيلي لمد خط كهرباء عالي الضغط في أراضي الروحة العربية. وينظر الأهالي بعين الخطورة لمثل هذا المشروع، الذي سيحد من تطور أراضيهم، الأمر الذي يستدعي العمل بعدة مسارات خاصة المسار الشعبي.
ويذكر لطفي أن "النضال الجماهيري لا غنى عنه، وسبق أن نجحنا به في سنوات سابقة عندما كانت محاولة لمصادرة أراضي الروحة في سبتمبر 1998 وكانت الهبة الشعبية التي شكلت نوعا من الردع للمؤسسة الإسرائيلية".
وحول قضية الروحة التي عادت إلى الواجهة، أخيرا، يضيف لطفي أن "خط الكهرباء المخطط له في لجان التنظيم، وهو خط ضغط عال، سيخترق أراضي الروحة، من نصفها تقريبا إلى أراض بملكية خاصة، وهذا فيه مس كبير بالأراضي على طول أكثر من 13 كيلومتراً، ويمس بالأراضي على الجانبين من خلال منشآت وأعمدة كهربائية ضخمة، وسيحد من إمكانية البناء والزراعة ومن المنتجات الزراعية وحتى سيصبح من الصعب بناء مخازن زراعية. كذلك الروحة تعتبر من المناطق الخلابة في البلاد، ومخطط كهذا يمس بطبيعتها الجميلة".

تعزيز الوعي بقضايا الأرض
وبصفته رئيسا للجنة أولياء أمور طلاب المدارس في مدينة أم الفحم، يرى لطفي أن "اللجنة هي جزء من مركبات وهيئات شعبنا الوطنية، وعليها دور أساسي في توعية أولادنا وطلابنا وتربيتهم تربية صادقة ونظيفة، تحثهم على حب الأرض والانتماء لها والحفاظ عليها. وفي ظل المخططات القائمة ناشدنا المدارس باصطحاب الطلاب لمنطقة الروحة والتعرف عليها أكثر والاستمتاع بطبيعتها، وهناك فعلا جولات كثيرة في الآونة الأخيرة وردود إيجابية ليس فقط من قبل الطلاب ولكن من الأهالي أيضا، وهذا يعزز الانتماء والوعي لقضايا الأرض".