من شمال فلسطين إلى مخيمات لبنان

من شمال فلسطين إلى مخيمات لبنان

05 يونيو 2016
حنيفة عليان من قرية أم الفرج (العربي الجديد)
+ الخط -

لم ييأس الفلسطينيون الذين هُجِّروا في نكبة عام 1948 من العودة إلى بلادهم. كثير منهم لا يزال يحمل مفاتيح البيوت التي اضطروا، تحت تهديد السلاح، إلى مغادرتها. لكنهم ظنوا أنها فترة قصيرة ثم يعودون. لكن هذا الانتظار طال. وها هو يشيخ من دون أن يشيخ الأمل، ولا الذكرى. هنا لقاءات مع أولئك الذين يحملون مفاتيح العودة و"كواشين" الأراضي (مستندات الملكية) ويرابطون بالقرب من بلداتهم وقراهم في الجنوب اللبناني، منذ ذلك الحين.

داود عبده من قرية الزيب
قرية "الزّيب" هي إحدى القرى التي دمّرها لواء كرملي، التابع لعصابات الهاغاناه الصهيونيّة، تبعد عن مدينة عكّا 14 كلم وعن رأس الناقورة 4 كلم. احتلت القرية يوم 14 /5 /1948 ودمرت كل بيوتها ولم يبق منها سوى مسجد القرية ومنزل المختار حسين عطايا، أقيم فوقها مستعمرة اسمها "غيشر هزيف".

داود عبده من قرية الزّيب، مواليد 1929، استقر في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين (جنوب لبنان) بعد الهجرة من فلسطين، يروي بعض ذكرياته عن "الزيب"، ويقول: كانت القرية في موقع مميز، ومعرفة بزراعة الحمضيّات وصيد السّمك بسبب وقوعها على شاطئ البحر. كانت تضم 2145 دونماً من أشجار الحمضيّات، و300 دونم من أشجار الزيتون، وكان فيها ثلاثة مقاه ومدرسة ابتدائيّة ومسجد وساحة وسط البلدة للأفراح والمناسبات الاجتماعيّة.

يضيف: كان سكّان القرية يعملون في زراعة الحمضيّات وصيد السّمك، فقد كانوا يملكون مراكب صيد وكانت حياتهم هادئة ولم يفكروا يوماً بامتلاك سلاح، وكانوا يبيعون ما يجنونه إلى البلدات الأخرى. يعتبر أهل الزّيب من أصحاب الأملاك لأن تعدادهم كان نحو 1950 نسمة ويملكون أراضي زراعية تفوق مساحتها 2450 دونماً، ورغم صغر مساحة القرية إلا أنها كانت غنيّة.

بعد مجزرة دير ياسين هرب أهالي القرى خوفاً من المجازر، لكن أهل الزّيب بقوا في بيوتهم إلى أن أتت فرقة عسكرية بريطانيّة لتهجير سكان قرى قضاء عكا، وتم تجميع سكان القريّة في الساحة العامة وسأل ضابط أردني، كان يعمل مع الجيش البريطاني، سكان القرية إن كانوا يملكون سلاحاً وعندما علم أنهم لا يملكون سلاحاً طلب منهم مغادرة القرية. يزيد داود عبده: غادر بعض السكان، ونحن بقينا في القرية إلى أن بدأت عصابات الهاغاناه الهجوم وقاموا بتدمير البيوت وقُتل عدد من سكان القرية الذين قاوموا، بعدها هرب من تبقى من السكان باتجاه الشمال.

يقول عبده: بعد احتلال القرية سألت والدتي عن سندات الملكية لأن والدي لم يخرج معنا من القرية، فأخبرتني أن والدي يخبئ السندات في علبة معدنية في البيت، قررت العودة بعد 15 يوماً لاستعادة المستندات وكي أطمئن على والدي لكني لم أستطع الوصول بعدما شاهدني جنود الاحتلال، فهربت منهم عائداً إلى لبنان، ثم عاودت المحاولة بعد خمسة أشهر واستطعت الوصول إلى بيتنا ليلاً عن طريق البساتين المحيطة بالقرية لأجد بقايا جثتي والدي وأحد العمال ما زالت في البيت، وبحثت عن العلبة المعدنية التي تحتوي على سندات الملكية وأحضرتها معي إلى لبنان.

يلفت داود عبده إلى أن السلطات البريطانية كانت قد طلبت من سكان شمال فلسطين عام 1947 تسوية ملكيتهم للأراضي وإصدار سندات ملكية، فقام والده باستصدار تلك السندات مقسماً العقارات على زوجته وأبنائه.
ما زال داود عبده يحتفظ بسندات ملكية الأراضي في قرية الزّيب لأنها حقه وحق أولاده وأحفاده، ولن يتخلى عنها معتبراً أنها الإثبات الوحيد بملكيته لتلك الأراضي التي يأمل أن يعود يوماً إليها قبل وفاته.


فوّاز الشهابي: لوبيا التي صارت لافي!

أما فوّاز الشهابي، مواليد 1936، فيتحدر من قرية لوبيا في شمال فلسطين ومقيم في صيدا (جنوب لبنان). لوبيا صار اسمها بعد الاحتلال "لافي" نسبة إلى المستوطنة التي بُنيت على أنقاض بيوتها، كما جرى بناء بلدة استيطانية اسمها "غفعات أفني". كان فواز الشهابي شاهداً على ما حدث في قريته التي واجهت العصابات الصهيونيّة وأوقعت خسائر في صفوفها وسقط لها عدد من الشهداء.

يتحدث الشهابي عن بلدته قائلاً: تقع قرية لوبيا على هضبة يبلغ ارتفاعها 325 متراً عن سطح البحر، على مسافة 11 كلم للغرب من مدينة طبرية، إلى جانب الطريق بين طبرية والناصرة، وتبعد عن قرية حطين التاريخية سبعة كيلومترات، وقد كانت ثاني أكبر قرية في قضاء طبرية. أراضي لوبيا فسيحة وخصبة وقمحها مشهور، تبلغ مساحة أراضيها 39629 دونماً، وعدد سكانها حوالي 3250 نسمة حسب إحصاء عام 1945.

يضيف الشهابي: كان يعمل سكان لوبيا في الزراعة والتجارة، فأرضها خصبة وتشتهر بزراعة القمح والذرة البيضاء والسمسم والعدس والفول، وفيها كروم عنب وتين. كان الأهالي يزرعون في حقولهم الصغيرة "الحاكورة" البطاطا والبصل، وكانت لوبيا تحوي على آبار جوفيّة عدة، وتشتهر بالمغاور المنتشرة في محيطها، وكان أهلها يتاجرون بالأبقار والمواشي الأخرى.

يصف لنا الشهابي تفاصيل من بيوت لوبيا فيقول: كانت مبنيّة من الحجر والأسقف مصنوعة من الخشب، وفي عام 1946 بدأ بناء البيوت بالإسمنت، ازدهرت حركة العمارة لكن الطرق لم تكن معبدة، وهي تحوي 3 طرق رئيسية إحداها تمر بجانب مستعمرة "الشجرة"، والأخرى بطبريا، والطريق الثالثة تؤدي إلى الناصرة، وكان في القرية مدرسة ابتدائية ومسجد.

يلفت الشهابي إلى أن لوبيا سقطت بأيدي العصابات الصهيونية في 9 حزيران/يونيو 1948، أي بعد المعركة الكبرى بعشرة أيام، وقد صمدت القرية حتى نفاد الذخيرة والمؤن بعدما كبدت قوات الاحتلال خسائر كبيرة في العتاد والأرواح، رغم قيام الصهاينة بقصف البلدة بالطائرات، لكنها كانت تجابه من أبناء البلدة لأنهم كانوا مسلّحين على نحو يُمكنهم من التصدي للقوى العسكرية الصهيونية، وكانت الطائرات الحربية الصهيونية تنطلق من مطار الجاعونة "مستوطنة روشبينا اليوم" بعدما سلمته بريطانيا إلى الصهاينة.

يقول الشهابي: بعد سقوط معظم القرى والبلدات القريبة من لوبيا، استمر أبناء لوبيا في الدفاع عن بلدتهم لمدة ثلاثة أيام، وكان من بينهم خالي محمد الشهابي الذي كان جندياً في الجيش البريطاني، لكنه قاد مجموعة لقتال الصهاينة وقام بعملية التفاف استطاع خلالها أن يوقع عدداً كبيراً من القتلى في صفوفهم، واستشهد هو والمجموعة التي كانت معه. دمّرت قوات الاحتلال بيوت القرية كافة وأحرقتها حتى إن أعمدة الدخان كانت تظهر من مناطق بعيدة، انتقاماً من مقاومة أهل لوبيا.

يعود الشهابي بالذاكرة إلى ما قبل الاحتلال عندما كان يساعد أهله في موسم حصاد القمح وخاصة أيام العطل المدرسيّة، أو يلعب مع أترابه كرة القدم أو ألعاب السباق، كما يتذكر أفراح أهل القرية التي كانت تقام في ساحة البلدة حيث كانت تدعى القرى المجاورة للمشاركة في الفرح الذي يستمر سبعة أيام، وكان المدعوون من القرى المجاورة يحضرون معهم الذبائح وأكياس الأرز، لتتعاون نساء القرية في إعداد المناسف التي تقدّم للمدعوين.

يعبّر الشهابي عن ندمه لعدم إحضار سندات الملكية التي تثبت ملكيتهم للأراضي والبيوت لأن الأهالي بعد خروجهم من البيوت وضعوا كل ما يملكون من أشياء ثمينة ومستندات في المغاور المحيطة بالقرية ظناً منهم أنها آمنة، لكنها دمرت ولم يستطيعوا إخراج شيء منها، وتفرق سكان لوبيا على مخيمات في لبنان وسورية.


إبراهيم الميعاري: عكبرة وقديتا

الحال مختلف في قرية عكبرة التي هُجر أهلها عام 1948 ليسكنها في ما بعد فلسطينيون من قرية قديتا القريبة من صفد بعدما دمَّر الصهاينة قريتهم. يقول الحاج إبراهيم الميعاري من مواليد 1938 عن قريته: عكبرة قرية صغيرة جداً إذ تبلغ مساحتها حوالي 3234 دونماً وعدد سكانها، بحسب إحصاء سنة 1945، نحو 390 نسمة، وهي على بعد أربعة كلم جنوب مدينة صفد، حدودها شمالاً مدينة صفد والظاهرية، وشرقا جب النبي يوسف عليه السلام، وغرباً وادي الطواحين الذي يفصل عكبرة عن قرية فرادة، ومن الجنوب خربة الحريبة وعرب القديريين.

يضيف: كان سكان قرية عكبرة يعتمدون على تربية المواشي، الماعز والأغنام والأبقار والخيول، وهو ما يعتبر مصدر الدخل الرئيسي لأهل القرية، أما المصدر الآخر فكان الزراعة حيث اشتهرت بزراعة القمح والشعير والحمّص وبعض النباتات التي تستخدم علفاً للمواشي.
لم يكن في القرية أي فندق، مثل بعض البلدات الفلسطينيّة، لكن عندما يقصد غريب القرية يؤمن أهلها الضيافة للزائر من مكان الإقامة إلى الطعام والشراب، وكانت العادات السارية تقول إن الضيف لا يتم سؤاله عن سبب الزيارة إلا بعد ثلاثة أيام.

يزيد الميعاري: كان للقرية "مختار" مهمته حل الخلافات والمشاكل التي قد تحدث بين سكان القرية، أما مهمته تجاه الدولة فكانت تتمثل في تسجيل المواليد والوفيات، وأي أوراق رسمية أخرى يحتاجها أهل القرية من سلطة الانتداب البريطاني.

أما عن احتلال عكبرة فيقول الميعاري: تم احتلال القرية من قبل الصهاينة يوم 9 أيار/مايو 1948 هدمت كل بيوتها، وخرج أهلها منها، لتسمح سلطات الاحتلال لأهالي قرية قديتا بالسكن في قرية عكبرة وسمحوا لهم أيضاً ببناء البيوت، وتم شق طرقات تربطها بمدينة صفد والجاعونة وطبريا، ولم يتم تغيير اسم القرية، وما زالت تعتبر "أملاك غائبين".

أما عن العائلات التي كانت تسكن في قرية عكبرة، فتعتبر عائلة الميعاري الأكبر، وهناك عائلات صغيرة جداً لا يتجاوز عدد أفرادها ثلاثة أشخاص مثل عائلة مغامس، وعائلة فياض كانت عبارة عن شخصين، وسعد شخصين.

لم يحضر الميعاري معه الكواشين (سندات الملكية) لكن ابن عمه يملك سندات الملكية الخاصة به رغم أن أكثر العائلات لم تحضر المستندات بسبب تدمير القرية من قبل قوات الاحتلال، ولكن حالياً يمكن لأي فلسطيني لاجئ أن يحضر سندات الملكية من قبرص، وهناك محاولة الآن بإقناع من يود إحضار سندات الملكية من قبرص ببيع أراضيهم للصهاينة، كي لا تبقى أملاك غائبين، وبالتالي تصير ملكهم هم، ولكن لم تحصل أي عملية بيع للأملاك.

يوضح الميعاري أنه قبل الثلاثينيات لم تكن نسبة المتعلمين في القرية كبيرة، ولكن بعد ذلك شهدت عكبرة نهضة عمرانية وكذلك توجه التلاميذ إلى المدرسة بعدما كان يقتصر التعليم على "الكُتّاب"، وهو لتعليم القرآن الكريم فقط تحت الأشجار وفي الحقول. صار الأهالي يرسلون أولادهم إلى صفد كي يتعلموا، علماً أن معظمهم كانوا يعلمون أبناءهم الحِرف التي كانوا يعملون بها من تربية مواش وزراعة.

يتذكر المعياري تلك الأيام فيقول: الحياة كانت بسيطة وكان الناس يحبون بعضهم ويساعد الجار جاره، وهذه البساطة تطبع حياة كثير من الفلسطينيين.

أما عن المناسبات الاجتماعية، وخاصة في عيدي الفطر والأضحى، فيقول المعياري: كانت نساء القرية يصنعن الكعك بمساعدة بعضهن البعض، وفي صبيحة العيد يقوم الأهالي بزيارة مقبرة البلدة ثم يتزاورون، لكي يقدموا التهاني بالعيد، وكان يشارك أهل القرية كلهم في هذه المناسبات الدينية والاجتماعية.

بعد تدمير عكبرة وتهجير سكانها توجه الأهالي إلى منطقة الصفصاف وكفر برعم، على الحدود اللبنانية الفلسطينية، ولأننا كنا حينها في موسم الحصاد كان بعض الشبان يتوجهون خلسة ليلاً إلى عكبرة، رغم بعدها نحو 15 كلم، لإحضار ما يستطيعون من المزروعات الموجودة في أرض القرية.


زكيّة من حيفا: جواز سفر ومفتاح بيت

زكيّة حسنين عيساوي من حيفا، مقيمة في مدينة صيدا (جنوب لبنان) ما زالت تحتفظ بكيس أخرجه والدها كامل عيساوي مواليد 1905 معه من حيفا حيث كان يحوي أوراق الملكية وجواز سفره ومفتاح البيت، لأنه كان يظن أن العودة قريبة إلى حيفا لكنه توفي في لبنان وهو لاجئ ولم يعد إلى فلسطين.

وتؤكد زكيّة أن والدها حافظ على الأوراق الثبوتية من "كواشين" وسندات إيجار وهويات وشهادات ميلاد لأنه كان على يقين بالعودة إلى فلسطين، وكان دائماً يخرجها من الكيس لكي يقرأها أخوتي وأولادهم.

الأوراق التي بحوزة زكية تثبت ملكيتهم للبيت، كما تملك أوراقاً تثبت أن لهم منازل مؤجرة، وتحتفظ بصك ملكية يعود لوالدها، يؤكد شراء والدها لبيت العائلة من أعمامها عام 1945.
أما جواز سفر والدها فتظهر عليه أختام حصوله على سمة دخول إلى لبنان عام 1947 كما يحتوي على أختام دخول إلى سورية والأردن.

وتلفت زكية أن والديها كانا يأتيان إلى لبنان عبر الناقورة قبل نكبة 1948، يتنزهان في بنت جبيل وبيروت، وأحيانا كان والدها يأتي إلى لبنان، مع أصدقائه، على ظهور الخيل، حين كانت الحدود مفتوحة، يسهرون في لبنان ثم يعودون إلى فلسطين.

بعد سقوط معظم المدن الفلسطينيّة بأيدي قوات الاحتلال اضطر أهل زكية إلى مغادرة حيفا بعدما سمعوا أن العصابات الصهيونية تغتصب النساء الفلسطينيات.


حسن وجمال عيسى.. ذاكرة من حطين

في الجهة الجنوبية من مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين (جنوب لبنان) يقع حي حطين الذي يقطنه معظم أهالي القرية، يتذكّر التسعيني حسن عيسى (مواليد 1927) كيف كانت حياتهم في حطين ويقول: كانت قريتنا منطقة زراعية بامتياز، وهي تقع بالقرب من بحيرة طبريّة، تقع شرقها هضبة الجولان، وهي تعتبر منطقة الجليل الأسفل، تبلغ مساحة حطين 22000 دونم تشمل الأراضي المزروعة بالأشجار وخاصة الزيتون بالإضافة إلى القمح والخضار المختلفة، وتوجد معصرتا زيتون في القرية لاستخراج الزيت وبيعه إلى القرى والبلدات المجاورة.

يقول عيسى إن القرية غنية بالينابيع، وسكانها حوالي 1150 نسمة وتضم 110 بيوت مبنية من الطين والخشب، وكنّا نملك بيتين في القرية وكروم زيتون اشتريتها أنا وأخي وكان محصول الزيت يصل إلى قنطارين في الموسم، لكن غادرنا مع سكانها في حزيران / يونيو 1948 بعد تدمير منازلها وتشريد سكانها، منهم من لجأ إلى بلدات أخرى ومنهم من لجأ إلى لبنان وسورية.

يتذكر عيسى حين كان يعمل مع والده في الزراعة انطلاقا من أن ابن الفلاح يعمل في أرض أهله، ولكن كنت أهرب وأذهب إلى الصيد لأنه كانت هوايتي المفضلة، ثم التحقت بالجيش البريطاني أنا وأخي الكبير نمر.

كان في حطين مدرسة ابتدائية ضمن المسجد الذي كان يُعلّم القرآن الكريم، وعندما يختم التلميذ القرآن كأنه حصل على الدكتوراه حيث يقوم والده بذبح خروف ويقدم "المناسف" إلى الطلاب والأساتذة. كما كانت توجد مدرسة أخرى تابعة للحكومة البريطانية في مرج حطين، وهي للكبار، ولأنها لم تكن تتسع للتلاميذ تم الاستعانة بغرف مقام "النبي شعيب" الموجود في القرية لتكون صفوفاً.

يروي عيسى حكاية الأفراح في القرية يقول: كنت دائماً "روّيس" في الدبكة، أي الذي أقود حلقة الدبكة، وكان أخي نمر عازف ناي محترفاً، يطلبوننا دائما للمشاركة في الأفراح، وكنا نحيي الحفل الذي كان يقيمه دروز فلسطين في مقام "النبي شعيب" في حطين يوم 8 نيسان/إبريل من كل عام، حيث كانوا يأتون من مناطق عدة داخل فلسطين وخارجها لزيارة المقام وإقامة الطقوس الدينية والحفلات.

جمال عيسى، ابن نمر عيسى، شقيق حسن، ما زال يحتفظ بأوراق الملكية العائدة لأبيه وعمه والتي تثبت ملكيتهم عقارات وكروم زيتون في حطين، ينقل ما كان يخبره به والده قبل وفاته في مخيمات اللجوء في لبنان، وخاصة عندما كان يشارك في الاحتفالات والأعراس بمشاركة الشاعر الفلسطيني أبو سعيد الحطّيني وهو من أهم شعراء الزجل الفلسطيني.

يؤكد جمال أن القرية بعد تدميرها من قبل الاحتلال الإسرائيلي لم يتبق منها إلا الحجارة حيث قام الصهاينة باستخدام بعض هذه الأحجار في بناء المستوطنات لتظهر وكأنها قديمة، رغم أن بعض أهالي حطين الموجودين داخل فلسطين حالياً يقومون بزيارة أرضهم دائماً، ومنهم من يذهب إلى القرية لتعبئة مياه الشرب من ينابيعها رغم بعد المسافة.

عام 1949 تم بناء مستوطنة صهيونية اسمها "كفر أربيل" على أراضي قرية حطين العربيّة وهي مستعمرة زراعية، كما تم بناء مستوطنة أخرى حملت اسم "كفر حاييم" وعدد سكانها لا يتجاوز 50 نسمة، يعملون في الزراعة ويسرقون محاصيل أرض حطين.


حنيفة عليّان: ذكريات من أم الفرج

وفي مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، والذي يعتبر أقرب مخيم إلى الحدود اللبنانية الفلسطينية، تعيش حنيفة عليّان، مواليد 1930، التي هُجّرت من قرية أم الفرج في شمال فلسطين بعدما دمرت القريّة بالكامل على أيدي لواء كرملي التابع لعصابات الهاغاناه الصهيونية في 12 أيار/مايو 1948.

تتذكر حنيفة عليّان الحياة في فلسطين وتقول: قرية أم الفرج تقع شمال عكا، وكانت تشتهر بزراعة الحمضيات، وأغلب سكانها يعملون في الزراعة وكانت أشجار التين والتوت أمام البيوت، إلا أن والدي لم يكن ميسور الحال، فتركنا أم الفرج وذهبنا للسكن في قرية الزيب واستأجرنا بيتاً هناك، ثم بدأ والدي يعمل في بيع الأسماك وصار يبيع في أم الفرج إلى أن تحسنت أحواله فقام بشراء "بيّارة" ، أي بستان حمضيات، على طريق قرية الزيب بالشراكة مع عمي فياض، وكانت حياتنا سعيدة في أرضنا، ودائما نزور أقاربنا في أم الفرج، إلى أن بدأت العصابات الصهيونية بمهاجمة القرى حضر إلينا أشخاص يلبسون عُقْل وكوفيات طلبوا منا المغادرة حفاظاً على أرواحنا ، فحملنا ملابسنا وهربنا، وكان بحوزة والدي سند ملكية البيّارة، وما زلت أحتفظ به حتى الآن، فهو حقي وحق أولادي.

كانت حنيفة مخطوبة قبل الهجرة من فلسطين، وتزوجت في لبنان، لكنها تذكر أيام الأعياد في أم الفرج عندما كانت تزور مع أهلها أقاربهم، ويجتمعون في بيت كبير العائلة لتقديم التهاني بالعيد.

تبلغ مساحة قرية أم الفرج 825 دونماً وكان يسكنها 928 نسمة عام 1948 وتضم 210 بيوت دمرت بالكامل وهرب أهلها إلى خارج فلسطين، إلا أن 25 عائلة بقيت في البلدة حتى عام 1953 حيث تم ترحيلهم بالقوة ولجأوا إلى بلدات وقرى أخرى، وحتى المسجد الذي لم يُدمر عام 1948 تم تدميره من قبل مستوطني "بني عامي" عام 1997 بعدما استخدموه حظيرة للمواشي فترة طويلة.


(صحافي فلسطيني/ صيدا)