انفلات الرئيس الجديد يهدّد حل الدولتين

انفلات الرئيس الجديد يهدّد حل الدولتين

22 يناير 2017
فريدمان مقرب من زوج إيفانكا ترامب، كوشنر (برادلي باور)
+ الخط -
لا يحمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب رؤى ومقاربات والتزامات محددة يسترشد بها في تعامله مع القضايا الخارجية. نظرته إليها تنبع من نزوات أو من حسابات الربح والخسارة الصرفة القصيرة المدى والتي تتغير مع الظروف والمعطيات. ومن هنا تأرجح وارتجالية مواقفه إزاء معظم الملفات، ما عدا ملف العلاقة مع موسكو الذي حكمه الثبات وبما ترك الكثير من التساؤلات والحيرة. والملف الفلسطيني لا يشذ عن هذا النهج.
في البداية حاول طرح نفسه كوسيط موثوق بين إسرائيل والفلسطينيين. خلال إحدى مناظرات الحملة الانتخابية، قال إنه يفضّل "الحياد" بينهما. زعم أن مثل هذا الموقف يعزز وضعه ويمنحه ثقة الطرفين للتوسط بينهما في تجديد عملية التفاوض "علها تنجح". بدا وكأنه عازم على كسر المالوف. أثار كلامه في حينه الاستغراب. على الأقل لأنه لم يسبق لمرشح رئاسي أن أتخذ خلال الحملة، مثل هذا الموقف على المكشوف. لكن قلة أخذته على محمل الجدّ. كانت حركته استعراضية أراد منها التمايز والتوكيد على استقلالية مواقفه من دون أن تكون ملزمة له على أرض الواقع. وفي ذات الوقت حرص على التوافق مع منافسيه الجمهوريين بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس. ثمة من اعتقد آنذاك أن موقفه انتخابي اقتضته حسابات انتخابية.

لكن الاعتقاد كان في غير محله. فالرجل ليس فقط منحازاً بل ومندفعاً نحو تطبيق انحيازه. فبعدما حسم الترشيح لصالحه وجاء وقت عقد المؤتمر الحزبي في يوليو/ تموز الماضي، جرى تضمين برنامجه الانتخابي الذي اعتمده المؤتمر، نصاً ليس فقط بعدم الاعتراض على بناء المستوطنات الإسرائيلية بل بتأييد السياسة الإسرائيلية في هذا الخصوص. وعلى هذا الأساس خاض معركته ضد منافسته هيلاري كلينتون.
بعد فوزه، برز موضوع السفارة بسرعة وبعزم على ترجمة تعهده بنقلها إلى القدس. أول خطوه في هذا الاتجاه كانت في اختياره لسفيره في إسرائيل المحامي دافيد فريدمان أحد عتاة المتشددين المعروف عنه التزامه بالعمل ليس فقط لترجمة هذا النقل بل أيضاً بدعم التوسع الاستيطاني وبمحاربة حل الدولتين لإسقاطه.

وما لفت في حينه أن ترامب سارع إلى اختيار هذا السفير قبل استكمال طاقم إدارته وتعيين وزرائه. عادة يترك الرئيس المنتخب مراكز الصفين الثاني والثالث في مقاعد إدارته إلى مرحلة لاحقة قد تمتد إلى ما بعد تسلمه الرئاسة. استعجاله في تكليف فريدمان بالمهمة، جاء ليشير إلى عزمه بحسم موضوع السفارة في أوائل أيامه الرئاسية. ففي ذلك يبدو كمن نفذ ما وعد به. وهذا مكسب انتخابي. ثم إنه بذلك يرضي العديد من أعضاء الكونغرس ومن الحزبين. وهذا مكسب سياسي. وترامب يتقن كار عقد الصفقات الرابحة. فهذه خطوة أرباحها الداخلية مضمونة، فضلاً عن أنه يظهر من خلالها وكأنه تفرد بخطوة لم يقو عليها الرؤساء السابقون وبما يمكنه من توظيفها انتخابياً لصالحه.
ثم جاءت الخطوة التالية بتعيين صهره غارد كوشنر في منصب مستشار رفيع في البيت الأبيض. المتداول في واشنطن بأن كوشنر سيتولى إدارة الملف الإسرائيلي الفلسطيني، على أساس أنه يمكن أن يكون له كيهودي، "مونة" على إسرائيل، ولا سيما أنه كان من المتبرعين مثل فريدمان للمستوطنات الإسرائيلية. لكنه كلام للاستهلاك. فالرجل لا يملك من مؤهلات هذا الدور سوى أنه صهر الرئيس، إذا كان ذلك ينزل في خانة التأهيل. وبذلك هو سيتسلم عملية طي ملف المفاوضات بعد تمكين إسرائيل من الانقضاض النهائي على حل الدولتين.

أطلقت تحذيرات كثيرة من مغبة نقل السفارة وعواقبه في المنطقة والعالم الإسلامي. ومنها ما صدر عن منظمات ونخب يهودية أميركية معروفة ولها حضورها. لكن ترامب لا يأخذ بالتحذير. ولا حتى بالمشورة . وليس صدفة أو من باب التمني أن يسارع نتنياهو قبل أيام إلى القول بأن وضع إسرائيل سيكون أفضل عما قريب. فهو على
دراية بما هو آتٍ. كما أن فريقه في الساحة الأميركية بقيادة السفير الإسرائيلي بواشنطن، يتحدث بلغة التقليل من أهمية الخطوة وتصويرها على أنها عادية وذلك للتقليل من فعل المساعي الضاغطة لحمل ترامب على تأجيل قرار النقل والاحتفاظ بالسياسة المعمول بها في هذا الخصوص. وهذا الفريق يتحرك في ظروف نادراً ما كانت مواتية له كما هي اليوم.

 

المساهمون