سهام بو هلال: الشعر هو قدري

سهام بو هلال: الشعر هو قدري

26 أكتوبر 2015
+ الخط -
أصدرت الشاعرة والباحثة المغربية سهام بوهلال، التي تكتب باللغة الفرنسية، مؤخرًا كتابًا بعنوان "ويتجسّد غيابك". واللافت في إصدارها هذا، التباسٌ مزدوج؛ يتعلّق الأوّل بـ "النوع" الأدبي، أمّا الثاني فباختيارها دار نشر فرنسية جديدة "يوفانا" YOVANA، هي التي سبق لها أن نشرت كتابها البحثي المهم "الموشَّى" للبغدادي أبو الطيب الوشاء، عن واحدة من أعرق دور النشر الفرنسية غاليمار.

"التباس" مزدوج

التقى "ملحق الثقافة" الكاتبة من أجل الإضاءة على الكتابات "العربية" الجديدة بلغة موليير، وعلى "الالتباس" المزدوج. كذا كان لا بدّ من السؤال عن الدافع إلى المغامرة بالنشر لدى دار جديدة كليًّا، فشرحت بوهلال ذلك: "إنها دار نشر جديدة يديرها شخصان أحدهما في الخامسة والعشرين من عمره والآخر في العشرين. وبما أن أفكارهما عن الكتابة والرؤية الأدبية والنشر تناسب ما أراه وأفكر فيه، قررت الدخول معهما في هذه المغامرة. هي مغامرة فعلًا، لأنهما راهَنَا على كتابي في أوّل إنجاز لهما، كما أني قررت، لأوّل مرة، ألا أنشر كتابي الجديد في "دار المنار"، ولا في دار غاليمار، التي طبعت كتابي عن المُوشَّى. فقد أردت منح فرصة للشباب، خصوصًا أن الجميع يتحدث عن الانفتاح على الشباب، إلا أن القليل فقط يثق فيهم. ولا بد لي من القول إن الشاب جوليان، أنجز معي عمل ناشر حقيقي، الأمر الذي لم أعرفه منذ جاك دارس Jacques Dars من دار غاليمار، الذي اشتغل بصرامة ومنهجية عند تحضير كتابي "الموشَّى". كان لجوليان دورٌ كبير في تحفيزي على العمل بشكل أفضل. فحضور ناشر لا يبخل بالنصائح والأفكار، يساعد كثيرًا في سير العمل، لأنه يرى أشياء لا يراها الكاتب.


اقرأ أيضًا: أحمد الملا، في كل منا شاعر

وفي ما يتعلق بهذه الرواية لا توجد بيني وبينها مسافة، لأن الموضوع الذي تتطرق إليه يمسّني كثيرًا، وبالتالي فلن أستطيع توفير المسافة الكافية بيني وبين الموضوع. لكن حين يكون ثمة شخص قادر على إنجاز هذه المسافة، فهو يستطيع أن يجرَّك إلى تلك الضفة الأخرى، ما يسمح لك برؤية زوايا لم ترَهَا من قبل. لقد أدّى جوليان دوره كناشر، ولكنه يحتاج إلى مساعدة في ترويج كتبه ومنشوراته، خصوصًا أن روايتي هي أوّل إصدارات الدار. لهذا السبب أعترف بأنها أوّل مرة أكتب لكثيرين عن الرواية الجديدة وأطلب دعمهم. إنها أول مرة لا أكتفي فيها بدور المؤلفة فقط، بل أقوم بدور مساعد للناشر".

وإن بدا من جواب بوهلال، ما يبدّد قليلًا "الالتباس" الثاني، فإن "الالتباس" الأوّل المتعلّق بـ "النوع" الأدبي، مرتبطٌ به على ما يبدو، فضلًا عن أن كتاب بوهلال "أميرة أمازيغية" شابه أمرٌ مماثل، فهو بكلامها "عمل سردي، وليس رواية"، قبل أن تستدرك "أتصور أنه كان ثمة خطأ في عدم تقديمه باعتباره رواية". وهو الأمر الذي تكرر مع كتابها الجديد، حيث أغفل الناشر وضع كلمة "رواية" على الغلاف. تعلّق سهام على الأمر: "يتعلق الأمر بأخطاء البدايات. حتى التقديم لم يوضع، ولا قائمة بمؤلفاتي".


إلا أن شرحها لمضمون الكتاب يقرّبه فعلًا من الرواية: "ثمة في الصفحة التاسعة صورة لي مع الراحل إدريس بنزكري، كتب تحتها: "إليك، إدريس بنزكري، هذه قصتنا وقد اتخذت شكلًا روائيًا أو شكل حلم". هذا من أجل تفادي بعض التأويلات والقراءات المتعسفة. وعلى أي حال، فكل قصة حبّ يعيشها المرء، ولو كانت بشواهد ورقية لها، لا يمكن لأحد سواك التعرّف إلى تفاصيلها ومساحات الحلم فيها. حين تتخذ القصة شكل رواية، فإنك تفتح كوّة صغيرة على فضاء هذا الحلم". وإذ تنافذ الواقعي مع الحلمي في جوابها، "تعثّر" التصنيف مجددًا، فبدا الكتاب حاملًا أيضًا لشيء من السيرة الذاتية. تشرح سهام الأمر :"إنها قصتي الحقيقة، لكنها اتخذت شكل رواية. إنها قصة السرطان المؤدّي إلى الموت، وكيف أرى رحيل هذا الرجل أثناء سنة وأربعة أشهر من مرضه. الرحيل المعلن. إلا أنني ضمّنت النص شخوصًا روائية خيالية". وتضيف "هذا العمل الروائي هو تنويع في الكتابة، ولا يعني، في نظري، أن الرواية تستطيع أن تقول ما يعجز الشعر عن قوله. الشعر قادر على أن يقول كل شيء. إنه عميق وضارب. لكني أتصور أنها رغبة في الوصول إلى قرّاء جدد ليس لديهم ميل كبير نحو الشعر. وهي أيضًا رغبة داخلية في تقاسُم ما أحس به مع جمهور عريض. أو ربما لم أشأ أن أحمّل الشعر ديوانًا آخر في الموضوع نفسه".



الموت حاضرٌ شعرًا ونثرًا

وهذا صحيح، إذ إن الموت كان الموضوع الرئيس في ديوان بو هلال "موت لا يندمل". وتصف سهام الأمر قائلة: "يعتبر ديواني هذا بصيغة ما، مواجهة مع الموت، بعد مضي فترة على رحيل من نحب. هو أقرب إلى الحكايات التي أرادت هذه الرواية حكايتها. ولكنه، بالطبع لا يحكي الأشياء نفسها، وإلا توجَّب علي التوقف عن الكتابة. ثمة شيء شجعني على إخراج هذه الرواية إلى النور، فقد اكتشفت أن القصائد التي أكتبها خلال الفترة الأخيرة، طويلة وذات نفس طويل، رغم نزوعي نحو الاختزال والتركيز والومضات. وهو ما أفسره برغبة المبدع، في فترة معينة، في الانتقال إلى طريقة حكي مختلفة، طويلة وموسعة. لا يمكنني الانفصال عن الشعر، لأنه مكوّن جوهري من مكونات حياتي وما جُبلت عليه، فالشعر هو قَدَري".

اقرأ أيضًا: شفشاون الأميرة

الشعر حاضر في العنوان "ويتجسّد غيابك"، تفسّر بو هلال ذلك: "العنوان مقتبس من بيت شعري من قصيدة للشاعرة النمساوية إنغبورغ باخمان. هي أقرب الشاعرات والروائيات إلى قلبي وذائقتي الشعرية. كنت أتمنى لو أن البيت الشعري كله يكون عنوانًا لروايتي، لكنه كان بيتًا طويلًا، فأنجزت ما يشبه مونتاجًا انطلاقًا منه". وتستطرد في عملية اختياره: "جاء هذا العنوان، بعد عناوين كثيرة منها: "فصل حبّ" و"جسدي يحمل كفنًا". لأوّل مرة في حياتي، كنت مقتنعة، من أوّل وهلة بعنوان: "فصل حبّ"، وظللت إلى آخر لحظة مُصرَّة عليه، إلى أن سألتني سيدة تعمل معي على مراجعة الكتاب، إن كنت مقتنعة فعلاً به، واقترحتْ عليّ عنوانًا "جسدي يحمل كفنًا"، إلا أنني وجدته كئيبًا وجنائزيًا. لكن، حين انتهيت من الكتاب، اكتشفت أن روايتي نص مفتوح على الحياة وعلى الأمل، ولا تنغلق على الموت، وأن القبر ليس هو النهاية، وأن موت الحبيب والتضحيات التي كابدها إن لم تكن مفتوحة على الأمل، وإن لم تجعلني أعيش وأعرف قيمة الحياة، فإن كل ما تعلمت من الراحل ومن حياته وتضحياته أصبح كأنه بلا قيمة. فعلًا، فقد انغلقت على نفسي بعد موته لسنوات. كنت أقول: بما أنه مات فأنا أيضًا متّ. الغريب أن هذا البيت الشعري لباخمان كان حاضرًا من البداية في الرواية، كأنه ينتظر مني الالتفات إليه، ليكون سبباً في تحويلي الحزن إلى فرح، والحدادَ إلى إقبال على الحياة، وهو ما يكون يتمناه الراحل. إذ رغم نزوعي المأساوي، فأنا مأساوية حتى في لحظات فرحي، كان الراحل ينصحني بالإقبال على الحياة والتسلح بالأمل والفرح".



تلميذة جمال الدين بن الشيخ

ومما لا شكّ فيه أن كتاب بوهلال الأخير وديوانها السابق، يمتحان من قصّة شخصية، ومن حضور عاطفي قويّ في حياتها، إلا أن عملها كباحثة انطبع بدوره بحضور قوي للأكاديمي والشاعر والمترجم الراحل جمال الدين بن شيخ، الذي أشرف على أطروحتها في الدكتوراه. تقول في ذلك: "لجمال الدين بن شيخ دور كبير وحاسم في حياتي. فهو أبي الروحي، وأنا مدينَةٌ له على الدوام، ولا تربطني به علاقات صراعية من النوع الذي نقرأه في كتب علم النفس والتحليل النفسي. وكثيرًا ما يحضر إلى ذهني، فأتساءل: هل كان سيروقه ما أكتب؟. كان جمال الدين بن شيخ يحدثني بالعربية حين يريد قول أشياء شخصية وودودة: "الله يفرشك بالستر ويغطيك بالستر". بصراحة، نحن نفتقر، في الوقت الراهن، إلى شخصيات وباحثين من طراز جمال الدين بن شيخ. وإذا كنتُ أرى أن ما أنجزه في ميدان البحث العلمي هو محاولة متواضعة منّي حتى تظل مساهماته حيّة ومتقدة، فقد أهديت له أحد دواويني الشعرية. أدينُ له بالكثير، وفي ميادين متشعبة: في معرفة الثقافة العربية الإسلامية وفي النظرة الأصيلة والمتفردة إلى "ألف ليلة وليلة"، وأيضًا في ميدان الترجمة الأدبية، وكذلك في مجال الإبداع الشعري، وعالم النشر. وفي كل مرة أُسألُ فيها عنه، ألحّ على الاعتراف بقدرته الفائقة في استعمال اللغة الفرنسية، التي يتحكم فيها، كجنيّ، لو جاز لي القول. فضلًا عن أنه علّمني المعنى الحقيقي لحرية الكتابة وحرية القول". ومما لا شك فيه أن الميل إلى البحث العلمي حاضرٌ بقوة لدى سهام التي صرّحت بأنها في صدد إعداد كتاب بحثي عن العطور لدى العرب وكيفية استعمالها لأهداف دينية.

دلالات

المساهمون