مشروع ثقافي مغاربي مجهض

مشروع ثقافي مغاربي مجهض

02 نوفمبر 2015
لوحة لكمال بُلّاطه، معرض "وكان النور"، لندن، 2015
+ الخط -
شعوب بلدان المغرب العربي لا تقرأ، وسياسات الحكام تمضي إلى مزيد من التجهيل، والقيم الثقافية الرمزية تندحر، والقائمون على الشأن السياسي "منتخبات" جاهلة لا تعترف بالكتّاب ولا بالمثقفين، والنتيجة أن هذا العالم المغاربي الغني، يمضي إلى هاوية الجهل والتجهيل، وينتهي إلى أن يتحوّل إلى منجم غني للعنف والتطرف والجهالات. 

انظروا إلى هذه الخلاصة المريعة، التي تؤكد أن المثقفين في العالم المغاربي يمكن أن يلعبوا دورًا كبيرًا في تبسيط المشكلات، وفي إيجاد التناغم المفقود بين السياسات المصلحية للحاكمين، وتجسير مثل هذه الانتقالات الفعالة من مجتمعات خاملة إلى مجتمعات منتجة.

طبعا، المثقف ليس رجلًا تقنيًا، ولا يقدم الحلول مشفوعة بالأرقام والخلاصات، لكنه يعطي الدليل القاطع على إمكانية الفعل، وتحقيق مشاريع كبيرة، ليس في الثقافة فقط، بل وفي السياسة والاقتصاد أيضًا. ويدفع في اتجاه تسييد وعي مجتمعي بنّاء.

اقرأ أيضًا: شعر نون النسوة في المغرب

فأكثر من 100 مليون نسمة، لا تجد الكتب الجيدة التي تريد، وسياسات الدعم والمشاريع التي تطرحها الدول في هذا العالم المغاربي عصيّة على الهضم، كما أن الإطارات الثقافية القريبة من الجهات الرسمية أو تلك الصادرة عنها، أصبحت متقادمة، ولم يعد لها السبب الكافي للوجود والتواجد. وحريٌ بها أن تغلق الأبواب، ويذهب أصحابها إلى التقاعد المريح، بعد أن حوّلوا تلك الإطارات إلى ممتلكات عائلية، أو إلى وسيلة "أسفار" وتزجية للوقت، وربما أداة للكسب والمراكمة، فالبعض ممّن لا حياة له ولا حياء، لا يكتفي بحلب تلك الإطارات "الثقافية" و"صرّ" ما تجود به من دعم داخلي وخارجي، في الحسابات الشخصية، التي تخلق الولاء والإذعان، والرضوخ وتكريس الرداءة، والدفاع عنها، وتمييع سوق الكتاب بالمنشورات الفاقدة للمعنى، والترحيب بالتسطيح والاحتفاء به، بل يواجهون بشراسة من هم خارج الدائرة، أو ممّن لم يقبل الاندراج ضمن اللعبة، تلك اللعبة المعروفة، التي تحوّل المشهد الثقافي إلى هيكل أجوف، تعوي فيه الريح.

ينشر، أو يضطر أغلب الكتّاب المغاربيين إلى التوجه إلى الخارج، من أجل نشر كتبهم، سواء كانوا يكتبون بالعربية أو بالفرنسية. وكأن بيئة الداخل، هي بالفعل بيئة طاردة، تنتعش أكثر كلما أمعنت في دفع أبنائها وكتّابها المحليين إلى الهجرة، عنوة، إلى الخارج، والاغتراب.

اقرأ أيضًا: إصلاح الخطاب الديني في العالم العربي

لا يستطيع الكتاب المغاربي، مثل إنسانه، أن يتجاوز الحدود البينية، تتصدى له الجمارك، ويثير الشكوك الأمنية، وينتهي إلى المستودعات. إنها حالة من الانتهاك المستمر، ضد إمكانية حدوث تواصل مغاربي على هذا المستوى.

وأما السياسيون، فإنهم يمعنون أكثر في وضع العراقيل، وفي إقامة السدود والسواتر، وتجييش دعاة التخويف، من أن الآتي من الجار القريب شر ضارب.

أحيانا يجري التجييش على أوسع نطاق، وتتحوّل الصحافة المحلية المملوكة للدولة أو للخواص منصة لإطلاق القذائف، وإشعال جبهات الاقتتال الكلامي بين الشعوب الشقيقة. إنها لعبة معروفة ومجرّبة، ونتائجها فتاكة.

هذا هو واقع الحال، وأما الأحلام المتنامية في عشب عدد من المثقفين المستقلين المغاربيين، فتبقى مجرد متمنيات، و"أخوّة" منقوصة، لأن هواة الصيد في المياه المحتقنة، هم أكثر من أن يحصوا، ولأن الفكرة الثقافية أكثر ما يزعج هؤلاء، تجعلهم يرتعدون من أن يتحقق في يوم من الأيام ولاءٌ إلى الهوية المغاربية المشتركة.

ولهذا تُرتكب حماقات لا معنى لها، من قبيل عدم تسهيل تداول الكتاب المغاربي، ومعاملته معاملة جمركية قاسية مثل أي سلعة أخرى، وإفشال كل المحاولات للنشر المشترك أو التعاون المؤسساتي بين جهات الصناعة الثقافية.

في المقابل، وعلى خلاف الأداء الرسمي، تبدو العلاقات الثقافية على المستوى الفردي جيدة بين كتّاب ومبدعي المغرب العربي، ولم تستطع الخلافات السياسية البينية أن تجرفهم إلى أحواضها المتعفنة. ولعلّه ليس بعيدا عن البال تلك المبادرة الرمزية التي نفّذها كتّاب مغاربة وجزائريون من الجانبين على الحدود بين البلدين في مدينة وجدة مطالبين بفتحها.

لقد أمعن السياسيون في تفتيت لحم الاتحاد المغاربي المأسوف عليه، وتمزيق كل من يطل من نافذة الفضاء الواحد، والنتيجة أن المغاربيين اليوم، بقدر اقترابهم من بعضهم البعض، يعرفون جيدا كم من الإخوة الأعداء بينهم، أولئك الذين لا يستريحون إلا إذا أزندوا اللهب وأشعلوا الحرائق.

المساهمون