مبارك آل ثاني: لوحات لمدن الصخب والغرباء

مبارك آل ثاني: لوحات لمدن الصخب والغرباء

01 يونيو 2020
جزء من عمل بعنوان "وأنا أتشمس" (من المعرض)
+ الخط -
يأتي المعرض الافتراضي للفنان القطري مبارك آل ثاني الذي ينظمه حالياً "غاليري المرخية" بالدوحة تحت عنوان سلسلة "الابتعاد الاجتماعي"، ليرصد مجموعة من المدن الحديثة، لوحات لا تظهر فيها الشمس علانية، لكنها سبب كل هذه التلاعبات في الضوء والظل التي نراها على مبان مصمتة. يضعنا الفنان أمام مفارقة أن نرى الأبنية الحديثة المتماثلة هندسياً في مدينة معاصرة، وأن نقيس الزمن في لوحاته بالطريقة القديمة التي تعتمد حركة الظلال على الجدران وتبدّل ضوء السماء.

يشي تبدّل ألوان الخلفية بالزمن وتقلب ساعات النهار، وهذا بدوره في غياب أي عنصر بشري يضعنا أمام فكرة العزلة والانتظار، حتى النوافذ لا تظهر في هذه الأبراج المتراصّة، لكننا نعلم أن ثمة أناساً خلف شبابيك خفية ينظرون إلى الخارج.

ما يهم في لوحات آل ثاني هو ما لا يظهر منها، أما ما يظهر منها فمدينة حديثة جداً وقد نُزع الإنسان منها وتحوّل إلى جهاز، نرى شخصاً له جسد إنسان ورأس تلفزيون أو شاشة يقف على قمة أحد الأبراج، وأبرز ما يشدّنا فيه هو محاولاته التقاط البث من مكان ما، وكأنما آل ثاني يستعين بصورة الكائنات في الميثولوجيا القديمة تلك التي تظهر بجسد إنسان ورأس حيوان أو العكس، بل ويطلق على شخصيته اسم "كوبو الغريب".

في مقابلة سابقة معه، يقول آل ثاني: "عشتُ فترة في حياتي، كنتُ أجد صعوبة بالغة في رسم الخط المستقيم، ثم دخلتُ في دائرة التحدي مع نفسي لتجاوز هذه الصعوبة، ظللتُ عامين كاملين في رسم مكعبات فقط، ورسم الخطوط المستقيمة التي لا تحتمل الخطأ، وبعد سنوات من الرسم، تناولت شخصية التقيتها على الطريق؛ "كوبو الغريب"، والذي يأخذ شكل إنسان تكعيبي، وهو ما يتكرّر في العديد من لوحاتي وفي مختلف المواقف".

تَقع الأعمال في منطقة الحلف القديم بين العمارة والمدينة والفن التجريدي الذي عرفناه في أعمال فنانين كثر حاولوا تجسيد علاقة الفرد بالمدينة في العصر الحديث؛ لهذا لا تخلو اللوحات من مظاهر الهيمنة، حيث تظهر الأبنية الضخمة والحاجبة لما خلفها ومن فيها، والمطلّة على المتلقي كأنها عملاق يتضاءل بصرنا أمامه، وبعضها مدبب كأنه صاروخ، ويغيب خلفها ثلاثة أرباع الأفق، ومتلاصقة حتى ليبدو أن الحركة بينها مستحيلة.

يزيد من هذا الشعور بالثقل الألوان الحارة، السماوات الحمراء والبنفسجية والصفراء، لا وجود لألوان بدرجة مرتاحة في أعمال آل ثاني، الصخب هو الأساس ولا بأس من شيء من التنافر اللوني كذلك. تناقض آخر يضعنا الفنان أمامه هو السكون والجمود المعماري الذي يقابله الصخب اللوني، أليس هذا شكلاً من القلق إزاء الفضاء والجو العام؟

للوحات المرسومة عام 2017 عناوين تكشف في معظمها عن أماكن واقعية بعينها؛ يتجوّل فيها الفنان الشرقي في مدن مختلفة لكنه يجد تماثلات بينها: "أوساكا"، "سانتوريني"، "بانكوك"، "مشهد من وسط المدينة"، أو أنها تكشف عن حالة في تلك الأمكنة: "أحلام المندرين"، "لن ألعب"، "خذني إلى كوكبك"، "وأنا أتشمس"، "منتصف ليلة ماضية"، "آيسكريم ناعم"، "برانش في يوم أحد"، "صفارات إنذار، صفارات إنذار".

يوظف الفنان بعض ملامح البوب آرت، مثل الألوان القوية القادرة على الاستيلاء على العين والانتباه بسرعة، والاستخدام المكثف للطبقات القوية والحارة منها، كما أن لوحاته لا تخلو من روح السخرية أو لنقل إن ثمة هجاء ما، يظهر في الإنسان/الافتراضي الذي نراه سابحاً في الأفق أو جالساً على طرف ناطحة سحاب كأنه يجلس على مقعد في حديقة، أو ربما يتخيل نفسه غيمة أو طائرة ورقية أفلتت في السماء.

المساهمون