جارة قبيحة

جارة قبيحة

22 مايو 2018
(دلس ومناراتها)
+ الخط -
على مقربةٍ من "فنار بن غوث" التاريخي في مدينة دلّس العتيقة، ترتفع منارةٌ أُخرى شُيّدت كبديلٍ للمنارة القديمة التي لحقت بها أضرار بالغةٌ جرّاء زلزالٍ عنيفٍ ضرب محافظة بومرداس في 2003، وأدّت إلى إغلاقها. نظرةٌ خاطفةٌ تكفي لملاحظة البون الشاسع بين المبنيَين، وإن كان لا يفصل بينهما سوى بضع خطوات.

تتطاول المنارة الجديدة على جارتها القديمة بسبعة أمتارٍ. غير أنها لا تُماثلها في براعة التصميم وجمالية البناء. وإن كانت الأولى قد بصمت المدينة وظلّت أحد أبرز معالمها التاريخية والسياحية، فإنه ليُخيَّل للناظر أن الثانية لم "تُزرَع" في المكان إلّا لتشويهه.

من المفارقة أن يُراعي المستعمِر الفرنسي، في تشييد المنارة القديمة، خصائص العمارة الإسلامية، فيبنيها وفق النمط الأندلسي، بشكلٍ يُحاكي صومعة المسجد، بينما لا نعرف على أيّ نمطٍ شُيّدت الجديدة التي لا تُشبه سوى عمود كهربائي.

المبرّر هو أن بناءها تمّ بشكل "استعجالي" لتحلّ محلّ القديمة. وهو التبرير ذاته الذي يحضُر في كلّ بناء؛ إذ تُشيَّد العمارات "بسرعةٍ" لمسابقة أزمة السكن وإيواء المواطنين، كما لو كان البلد غارقاً في أتون حربٍ تُخلّف آلاف المشرّدين. والنتيجة بناياتٌ قبيحة تفتقر إلى جمالية التصميم، ولا تتوفّر على أدنى المرافق الضرورية لحياةٍ كريمة.

غير أن أزمة "عمارة الاستقلال" لا تقتصر على الشكل. يكفي التذكير بأن كثيراً من المباني التي شيّدتها الجزائر المستقّلة في بومرداس ومدنٍ مجاورةٍ انهارت جرّاء زلزال 2003، بسبب الغشّ ومخالفة معايير البناء، بينما ظلّت مباني الفترة الاستعمارية قائمةً، وإن تصدّع بعضٌ منها، ما يجعلنا نُجزم بأن المنارة الجديدة كانت ستستوي بالأرض لو أنها بُنيت قبل ذلك التاريخ، بينما يظلّ "فنار بن غوث" يُعانق السماء.

دلالات

المساهمون