إعلانات الحياة تكفي الجميع

إعلانات الحياة تكفي الجميع

27 مارس 2019
(من عمل لـ فخري رطروط)
+ الخط -

(إلى خالد الريسوني)


أحب ذلك الزمان
حيث كان البوليس يبحث عن الآلات الكاتبة التي كان يستخدمها اليساريّون لكتابة مناشيرهم.
الآن تتكدّس الكمبيوترات والهواتف الذكية والمناضلون المتقاعدون والبوليس
ولا أحد يكتب شيئاً.


■ ■ ■


وأنتَ ما الذي يوقظك؟

1
الشاعر الإيراني عباس كيارستمي
أيقظه صوت نمو العشب
الشاعر الصيني تشي تشوان سمع صوت تفتُّح زهرة فاوانيا في تشانغ آن
أنا يوقظني صوت احتكاك مفاصل ركب الكهول.

2
الريح ميتة، في هذه الليلة الصامتة
أسمع زفير وشهيق شجرة المانغو في حديقتي.
أسمع انفجارات قنابل المورتر اليدوية في ليل ماناغوا
أسمع رصاص القنّاصة
أسمع شخير نملة عجوز في ثقب في زاوية الغرفة.
أسمع حجراً يبكي في زاوية الغرفة
أسمع أنين لمبة معطوبة
أسمع تأوّهات بلاطة مكسورة
أسمع شكوى الحذاء من الروائح الكريهة
أسمع شكوى شارع من حمله اسم دكتاتور
أسمع صوت الجذور تشرب الماء
أسمع أنين فان غوغ بعد أن قطع أذنه
أسمع وشوشة تمثال برونزي في أذن مشرَّدْ
أسمع أصوات معاول تحفر أنفاقاً في أعماقي
أسمع رمي سكّان المدينة آلاتهم الكاتبة القديمة من النوافذ
أسمع صوت قضم الشياطين تفّاح الرب.

3
أقضي ساعات طويلة في الاستماع لصوت الريح،
ربما أسمع حوار سليمان مع النملة،
يقولون أن الصوت طاقة لا تفنى. تتحول من شكل إلى آخر،
أين تذهب أصوات البشر؟
بالصدفة سمعت حوار قابيل مع هابيل
قالا أشياء مرعبة، سأحتفظ بما سمعته
لنفسي.

4
الصدف الفارغ حين تضعه على أذنك
لن تسمع صوت البحر
لن تسمع صوت العاصفة
ستسمع أصوات الغرقى.

خذ هذا الصدف الفارغ إلى مدينتك
وزّعه على السكّان ليضعوها على آذانهم
سجّل ما يسمعه كل واحد.

مواطن سمع صوت الصخرة تسحق رأس هابيل.

(ماناغوا، مايو 2018)


■ ■ ■


كآبة زرادشت

العنكبوت يفضّل الذبابة السمينة
لا تقلق من امتصاص قذارات العالم.


■ ■ ■


حين تحدّق في غيمة لا ترى الماء

يغنّي المغنّي لينو بولانيو من البيرو:
"الشعراء يدخلون البار
يغيبون طويلاً، يخرجون، يحدّقون في بقعة سوداء على الجدار، ثم يدخلونها ولا يخرجون منها"

وأضيف إليه: في السبعين يصابون بسلس البول أو عسره وستغدو المعركة مع البروستاتا آخر دواوينهم
أو صعود درجة برُكبة معطوبة ستكون أكبر قصيدة عرفوها في حياتهم.


■ ■ ■


هل تعرف شيئاً عن أوراق الأشجارالتي سقطتْ في عام 1972؟
هل تعرف شيئاً عن ثمار المانغو التي نضجت في صيف 1979؟
هل تعرف شيئاً عن قتلى معركة واترلو؟
هل تعرف شيئاً عن نجاحات النمل في عام 1876؟
هل تعرف شيئاً عن معاطف شتاء 1984؟
هل تعرف شيئاً عن شعراء عام 1986؟
هل تعرف كم عازلاً ذكرياً تمّ بيعه في 1900؟
هل تعرف كم جرّة فخار تحطّمت في عام 1913؟
هل تعرف كم سفينة أبحرت في عام 1870؟
هل تعرف كم حمامّاً عمومياً افتتح عام 1911؟
هل تعرف كم كان عدد رجال المطافئ في بلدية موسكو عام 1916؟
هل تعرف مليونيراً عاش في زمن شكسبير؟

هل تعرف أنه في عام 1987 تمّ العثور على هيلين الإسبارطية بجواز سفر كولومبي مزوّر في بيت دعارة تايلندي، عجوز بثديين مترهّلين ولسان بذيء والتشقّقات تملأ كعبيها؟


■ ■ ■


كيوبيد يقفز من سطح لآخر، خلفه سكان المدينة يقذفونه بالسهام والحجارة والأحذية
فأنا الوحيد السعيد في المدينة، لم تصبني سهامه
ليس لدي ثأر معه
أرشدته للهروب من المدينة عبر نفق تحت غرفتي
قبل مغادرته أطلق عليّ أحد سهامه.


■ ■ ■


مخبر في كوكب المشتري يراقب تحرّكاتي، أخبرني بذلك عفريت محترق الذيل، صعد إلى السماء يسوّي وضعه كمتمرد فار.


■ ■ ■


نحن باعة استراتيجيات فاشلة لمقاومة الموت
يجب علينا دراسة استراتيجيات البعوض الهجومية.
والولاء لنوع معين من الأحذية والأيديولوجيا.


■ ■ ■


كم تخسر شركات التأمين في حوادث اصطدام الغيوم؟


■ ■ ■


أحب فتائل الشمع
أحب فتائل القناديل
أحب فتائل قنابل المولوتوف
فأنا فتيل بارود.


■ ■ ■


على مائدة النعاس:
حنطة وزهر لوتس وخوابي شعير وأرجل عجول مجففة وورق برديّ.


■ ■ ■


في ليلة شتائية
تتجول نملة بجناحين كبيرين
فوق كتاب كلاسيكيات الهايكو
لا أعرف من أين جاءت
هل خرجتْ من الكتاب أم أنها تريد الدخول.


■ ■ ■


أخاف عبور المسافة
بين شجرة جافة وأخرى خضراء
بين الكنبة في الصالة وباب المطبخ
بين فردتي حذائي المتباعدتين
بين الله والشيطان
بين الحياة والموت
بين ضفتي شارع
بين عقلي وقلبي
بين ذراعيكِ
في تلك البقعة الأمور مشوّشة.


■ ■ ■


مزاجي سريع التقلب والتلوث والتغيير
مثل ملاءات غرف الفنادق


■ ■ ■


منذ أربعين سنة أحْمِلُني على ظهري كجريح هارب من معركة
أتفقّد إعلانات عن رحلات بلا عودة إلى قارات جديدة.

منذ أربعين سنة أحاول إخراج نفسي من نفسي،
مثل شرنقة يتيمة ترعبها فكرة أنها فراشة بأجنحة ملونة.


■ ■ ■


أحب الرقم واحد
أحب شجر السرو
أحب المشردين
أحب سراويل البحارة
أحب بيوت العناكب المهجورة
أحب أرغفة الخبز المحترقة
أحب الجوارب اليتيمة
أحب الأقزام
أحب المصابين بمتلازمة التوحّد
أحب الغرف ذات السرير الواحد.


* شاعر فلسطيني أردني مقيم في نيكاراغوا

المساهمون