"نسيم الرقص": محاولات في المساحة العامة

"نسيم الرقص": محاولات في المساحة العامة

11 مايو 2017
"هبوط جامح"، من عروض التظاهرة
+ الخط -

مجموعة من الراقصين والراقصات المصريين والأجانب بملابس برتقالية اللون، يصطفون فوق حافة الرصيف المطل على البحر بالقرب من ميدان المنشية وسط الإسكندرية، يتجمّع حولهم عشرات المارة من مختلف الأعمار، تعكس نظراتهم حالة من الدهشة والحيرة والتساؤل لا تبدّدها حركات الراقصين؛ بل تزيدها في ظلّ غياب أي حوار أو إيقاع موسيقي مصاحب للعرض، يسأل أحد المارة : "في إيه بيحصل؟"، فيجيبه أحد المنظمين بأن هذا عرض راقص ضمن مهرجان "نسيم الرقص" للفن المعاصر.

رغم مرور سبع سنوات على إطلاق مهرجان "نسيم الرقص" ما يزال يبدو غريباً على سكان المدينة؛ فالعروض التي تُقدّم في الأماكن العامة بوصفها مساحة للإتاحة الفنية ودعوة للمشاركة والتفاعل مع الجمهور، لا تزال بعيدة عن الوصول لأهدافها، لأن معظم تلك العروض تَطرح أفكاراً ومعالجات فنية بعيدة عن واقع الجمهور، وتطرح سردية أُحادية عن الإسكندرية، تقف عند لحظة محددة من تاريخ المدينة، وهي أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وتُريد إعادة إنتاجها.

المهرجان الذي كانت دورته الأولى عام 2011 بالتزامن مع أعياد الربيع تشرف عليه كل من إيميلي بيتي المديرة الفنية للمهرجان ودلفين بلونديه منسقة المهرجان، وقد بدأت الفكرة سنة 2008 من خلال رحلة الأولى مع مجموعة من الفنانين لتقديم عروض في الأماكن العامة في مدن مختلفة تطل على البحر الأبيض المتوسط ومن ضمنها الإسكندرية، وعقب انتهاء هذه الرحلة، عملت على الإعداد لمهرجان يُقدّم عروضا فنية معاصرة في الساحات والميادين العامة بالتعاون مع مجموعة من الفنانين والمؤسسات المصرية والأوروبية، وبالفعل أُطلقت الدورة الأولى من المهرجان عقب أحداث "ثورة 25 يناير" مباشرة.

تضمّن المهرجان هذا العام الذي انطلق في الرابع من الشهر الجاري واختتم أمس مجموعة متنوعة من الفعاليات والعروض من أبرزها، عرض راقص بعنوان "هبوط جامح"، ألّفه أوليفيه دوبوا وفيه أعاد صياغة قصة قدمت لأول مرة منذ 125 سنة، ليتم عرضها بعد تلك الفترة الزمنية لأول مرة في شوارع الإسكندرية، بمشاركة عشرين راقصاً وراقصة، وعرض أيضاً مشروع "محطة المدينة التجريبية" وهو عرض مركب يقوم على إعادة اكتشاف المدينة عبر محادثات وتجهيزات صوتية ومعرض صور وألعاب وجولات داخل المدينة يخوضها الجمهور بمصاحبة الفنانين.

أمام منزل الشاعر السكندري اليوناني الشهير قسطنطين كافافيس، تزاحم عشرات الشباب والفتيات، من أجل حضور عرض "أشعار المدينة المالحة" وهو تجربة تجمع ما بين الشعر والرقص والموسيقى، وأشرف على تنفيذها مصمّم الرقصات محمد فؤاد، منطلقاً من قصيدة النوافذ التي يقول فيها كافافيس: "في هذه الغرف المظلمة التي أمضى فيها أياماً ثقالاً / أروح وأغدو باحثاً عن النوافذ / عندما تنفتح نافذة سيكون هذا عزاء / لكن النوافذ لا أثر لها، او أنا غير قادر أن أعثر عليها / وربما كان من الأفضل ألا أجدها / ربما كان النور عذاباً جديداً / من يدري كم من أشياء جديدة ستظهر".

يُحاول العرض عبر تنقله ما بين الجراج وما بين منزل كافافيس الصغير الذي تحول إلى متحف مفتوح، خلق حالة تجمع ما بين الماضي والحاضر، والشعر والجسد، وتدعو الفنانين والجمهور للعبور إلى الماضي، منطلقين من زمانهم الحالي وخبرتها الآنية من أجل خلق حوار شعري بين ما كان و ما هو كائن، بين شعرٍ كُتب ووثق لحظات ماضية واستطاع البقاء والاستمرار حتى الآن، وبين قصائد جسدية تُصنع في لحظة بعينها غير قابلة للتوثيق كما هو حال الفنون الأدائية، هذه الفنون المعتمدة على لحظة لا يمكن استرجاعها.

المساهمون