مفكرة المترجم: مع يحيى مختار

مفكرة المترجم: مع يحيى مختار

17 يونيو 2019
(يحيى مختار)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم.


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- بدأت حكايتي مع الترجمة مع تعمُّقي في دراسة اللغة الصينية. كانت دروس الترجمة هي المفضلة لدي وخاصة الترجمة إلى العربية سواء من الإنكليزية في المرحلة الثانوية، أو من الصينية في المرحلة الجامعية. بعد التخرج، مارست عدة أعمال كانت مرتبطة بالترجمة بشكل أو بآخر، ثم أتيحت لي الفرصة بالانخراط في مجال الترجمة أثناء دراستي للماجستير في الصين من خلال تعاون مشترك مع صديقي أحمد السعيد الذي تنبه لندرة وأهمية الترجمة من الصينية إلى العربية فقام بتأسيس شركة "بيت الحكمة" وهي شركة معنية بالترجمة والنشر في هذا المجال. بعد ذلك تخصصت في الأدب الصيني في مرحلة الدكتوراه فتوجهت بشكل شبه كلي إلى ترجمة الأعمال الأدبية الصينية إلى اللغة العربية.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- في السنة الماضية صدرت رواية "نهر الزمن" عن "منشورات المتوسط" في ميلانو وهي رواية طويلة للكاتب الصيني يو هوا الذي يعد أحد أشهر الأدباء الصينيين المعاصرين وقد ترجمت أعماله إلى أكثر من ثلاثين لغة، وحصل على العديد من الجوائز الأدبية العالمية منها جائزة "جرينزان كافور" الإيطالية عام 1998، و"وسام الفروسية الفرنسي للأدب والفنون" عام 2004. كما صدرت رواية "لقاء في بكين" للأديب الصيني الشاب شيو تزي تشن وهي استكمال لسلسلة بدأتها معه بترجمة رواية "بكين .. بكين". أما حالياً، فقد بدأت في ترجمة رواية طويلة بعنوان "وأسدل الستار" للكاتب الصيني تشو دا شين وهو حاصل على "جائزة ماودون" أرفع جوائز الأدب الصيني.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- برأيي أنَّ أبرز العقبات التي تُواجِه المترجم العربي هي الافتقار إلى العمل المؤسسي على المستوى الرسمي وقلة مشاريع وخطط الترجمة واستمراريتها فالجهود الفردية وحدها غير كافية، وكذلك إغفال دور المترجم أدبياً مقارنة بالكاتب، حيث يظل العمل المترجم مرتبطاً باسم الكاتب ونادراً ما يلقى المترجم التقدير المطلوب مقارنة بدوره ومجهوده وهو ما يؤدي إلى عزوف البعض عن الترجمة بشكل أساسي أو التفرّغ لها. هناك أيضاً مشكلة عدم إتاحة الحرية للمترجم في اختيار الأعمال التي يترجمها بوصفه متخصّصاً في ثقافة وأدب اللغة التي ينقل منها، فغالباً ما يكون مدفوعاً باختيارات دور النشر أو الأسماء المطروحة ضمن مشروعات الترجمة. وكذلك عدم وجود جهات لتقييم الأعمال المترجمة وهو ما يؤدي إلى صدورُ ترجمات دون المستوى وبالتالي إعاقة تقدّم حركة الترجمة. وأخيراً ضعف الإقبال على القراءة من قبل الشباب وخاصة قراءة الأدب الصيني العريق الذي لم يستوف حقه بعد وذلك من العقبات الخاصة بحالة الترجمة من الصينية إلى العربية.


■ هناك قول إن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- أرى أن وجود محرّر ملم بالأدب واللغة العربية هو أمر هام حتى بالنسبة للكاتب نفسه وليس المترجم فقط. ولكن بشرط أن يكون دوره لغوياً ونحوياً، وألا يؤدي تدخل المحرّر إلى فقدان روح وطابع النص المترجم الذي يحمل صوت المؤلف وأسلوبه وخصوصيته. وقد جمعتني تجربة ناجحة مع سيد محمود، الصحافي في جريدة "الأهرام" في رواية "نهر الزمن" حيث لاقت نجاحاً يعود الفضل فيه إلى التعاون بيننا. فالمحرر يرى ما لا يراه المترجم، وهو حالة وسط بين المُؤلِّف والمترجم، وهذا من الأمور الهامة لإنجاح الترجمة.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- علاقتي بالناشر هي علاقة ثقة وتفاهم متبادل. قد يحدث نقاش أو جدال بشأن تعديل العنوان الأصلي للرواية لاعتبارات تسويقية، أو بعض التعديلات على بعض المحتوى، وفي الأخير يتم التوصل إلى اتفاق مشترك. وبخصوص اختيار العناوين، فللأدب الصيني طبيعته الخاصة في عالمنا العربي، حيث أن انتشاره بدأ متأخراً، والناشرون ليسوا على دراية كافية بالأدباء الصينيين وأعمالهم، فمعظمهم لم يلتفت إلى الأدب الصيني سوى بعد حصول الكاتب الصيني مو يان على جائزة نوبل للآداب عام 2013، ناهيك عن القارئ العادي. ومع قلة العمل المؤسسي صار من الصعب على المترجم ان يقترح بنفسه عملاً يتقبله الناشر بسهولة، فتلك مغامرة غير محسوبة. ومع تعاظم دور الصين وانتشارها ثقافياً على الصعيدين العربي والدولي، أخذت الحكومة الصينية تطرح مشروعات مدعمة للترجمة بما يتوافق مع رؤيتها، وغالباً ما يعمل المترجم في ضوء الأعمال المندرجة تحت هذه المشروعات المدعمة، وهو ما يقلل من المخاطر التي يتعرض لها الناشر وبالتالي يسهل تقبلها. يبقى أن الحرية في اختيار العناوين هنا ليست أمراً متاحاً كلياً للمترجم أو الناشر، وبالتالي فالعلاقة بين المترجم والناشر هنا لا يشوبها تدخل في اختيار العناوين إلا فيما ندر.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- لا توجد اعتبارات سياسية، وكما ذكرت، فإننا نترجم في إطار مشروعات مدعمة تطرحها الصين، والصين تدرك أن الأعمال الأدبية ذات الصبغة السياسية لن تلقى الرواج المطلوب، ولذلك غالباً ما يتم اختيار أعمال ذات قيمة أدبية في المقام الأول. وأعتقد أنه لا غضاضة في أن تتضمّن بعض الأعمال أفكاراً سياسية هي جزء من ثقافة ومجتمع الكاتب. وللقارئ الحق في التعرف عليها ومن ثم له أن يتقبلها أو يرفضها.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- تربطني علاقات صداقة شخصية مع معظم الكتّاب المعاصرين الذين أترجم لهم، وهذا مهم جداً لفهم طباعهم وطريقة تفكيرهم، وقد سهّلت إقامتي في الصين التواصل المباشر معهم، وعادة ما ألتقيهم أو أشارك معهم في أنشطة أدبية كتلك التي تقام على هامش معارض الكتب الكبرى في المدن العربية، ومنهم الكاتب يو هوا، وجيا بينغ وا، وليو جين يون، وشيو تزي تشين وغيرهم. كما أنني أهتم بقراءة أعمالهم الأخرى وسيرتهم وكل ما يمكنني مطالعته من نقد يخصّهم. وقد ألجأ أحياناً للتواصل معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة المزيد أو لتوضيح بعض الملابسات التي قد أواجهها خلال عملية الترجمة. فالعلاقة القوية بين الكاتب والمترجم هي علاقة هامة جداً لإنجاح عملية الترجمة وإخراجها على أكمل وجه.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- صحيح أنه كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، ولكن هذا ليس ضرورياً. بالنسبة لي لا أعتبر نفسي كاتباً، وإن كنت قد كتبت بعض النثريات باللغة الصينية وحصلت بها على جوائز. الترجمة بالفعل هي عمل إبداعي وإعادة كتابة، ويجب على المترجم أن يتحلّى بالحس اللغوي والأدبي، كما أن هناك صلة وثيقة بين الترجمة والكتابة، ولكنهما مهارتان مختلفتان، فالكتابة تقتضي مهارة معينة وحبكة وخيالاً سردياً بخلاف الترجمة التي هي عملية نقل وتواصل حضاري وثقافي بالأساس. وحتى لو كان المترجم كاتباً فعليه أن يتخلى عن أسلوبه الكتابي وأن يستلهم روح النص الأصلي ويستغرق في أسلوب الكاتب وفكره مع اختلاف كل كاتب وكل عمل يقوم بترجمته حتى لا تخرج ترجماته موحدة الأسلوب، فهذا هو غرض الترجمة ورسالتها.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- بالرغم من أن الترجمة هي رسالة سامية هدفها نشر المعرفة وربط الثقافات والتعريف بالآخر، إلا أنها عمل ذهني شاق يأخذ الكثير من وقت ومجهود المترجم، فبعض الأعمال قد تستغرق شهوراً أو سنوات، وجوائز الترجمة هي من الأمور الهامة لتشجيع المترجمين على الانخراط فيها، وهي تقدير مادي لجهودهم، وندرة الجوائز تؤدي إلى مزيد من عزوف الكثيرين عن ممارسة الترجمة وتفرغهم لها أو على الأقل تثبط من همتهم وتقلل من إنتاجهم. كما أن جوائز الترجمة الأدبية أكثر ندرة من تلك الخاصة بالترجمة الأكاديمية. ومن ثم أرى أن هناك أهمية كبيرة لجوائز الترجمة خاصة الأدبية، وتقدير المترجمين وتكريمهم لحثهم على التفرغ للترجمة وبالتالي زيادة الأعمال المترجمة.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- مشاريع الترجمة المؤسساتية هامة ومفيدة جداً لتنظيم وتخطيط عملية الترجمة وتأهيل المترجمين الأكفاء، كما أنها تمنح المترجم مساحة أكبر في اختيار الأعمال التي يترجمها، ويجب العمل على زيادتها وتفعيل دورها بشكل أكبر. بالفعل هناك مشاريع مؤسساتية للترجمة في العالم العربي، إلا أنها لم تؤت ثمارها المرجوة، كما أن بعضها تنقصه الاستمرارية، وعدم وجود قائمة أعمال وخطط مستقبلية أو ما يعرف بسلاسل الترجمة، ومعظمها يعاني من البيروقراطية والروتين كما هو الحال في باقي المؤسسات، ويفتقر إلى استراتيجيات واضحة ومرنة، ووجود خطط توزيع ودعاية كافية للأعمال المترجمة.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- قبل الشروع في الترجمة أقوم بمطالعة العمل ككل كقارئ عادي، ثم أقرأ كل ما أجده من نقد أو أبحاث منشورة عن هذا العمل، وأبحث عن كل ما يخصه ويتضمنه من أحداث تاريخية وخلفية ثقافية واجتماعية، وحالة الكاتب والمرحلة التي كتب في هذا العمل حتى تتشكل لدي صورة واضحة. ثم تأتي مرحلة البدء في الترجمة. أحاول قدر الإمكان أن أجعل نفسي متفرغاً للعمل حتى أتجنب أي تشويش قد يؤثر على جودة الترجمة، أحب العمل صباحاً، كما أنني أضع لنفسي خطة يومية أسير وفقها أنجز خلالها جزءاً يومياً محدداً، أراعي ألا يكون جزءاً كبيراً، فالترجمة عمل كيفي لا كمي. أقسّم النص إلى فقرات وبعد انتهاء كل فقرة أطابق النصين لغوياً وأدبياً، ومع نهاية كل فصل أعيد قراءة ما تم ترجمته حيث قد تظهر الحاجة إلى بعض التعديلات وربط الفقرات بشكل أكثر سلاسة. مع التقدم في عملية الترجمة، أمنح نفسي كل فترة يوماً حراً أعيد فيه قراءة ما سبق ترجمته، وبعد الانتهاء من الترجمة تأتي مرحلة المراجعة والمعالجة النهائية حتى يخرج العمل بأفضل صورة ممكنة.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لم يحدث أن ندمت على ترجمة نص أو عمل ما في ما يخص النص نفسه، ربما ندمت على ترجمة بعض الأعمال التي لم تحقق النتيجة والانتشار الذي كنت أرجوه، ولكن في النهاية كلها خبرات تعلمت منها وزادت من خبرتي وأضافت إلى رصيدي. بالنسبة إلى جودة الترجمة والجهد المبذول فيها ففي اعتقادي أن الاقتناع بمستوى الترجمة لا يدوم طويلاً وأن المترجم مهما بذل من جهد قد يجد ما يحتاج إلى تعديل في النص المترجم عندما يقرأه بعد فترة، المهم ألا يكون هناك تقصير.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
- أتمنّى أن تنال الترجمة إلى اللغة العربية المكانة الرفيعة التي تستحقها، وأن تستعيد أمجادها السابقة كما كانت عليه في العصر العباسي وعصر النهضة، كما آمل أن يدرُس المترجمون تاريخ الترجمة العربية لتكون حافزاً وداعماً لهم. وأتمنى أن يكون هناك المزيد من الأعمال الكلاسيكية العالمية عامة والصينية خاصة تترجم إلى اللغة العربية. وأن تختفي ظاهرة الترجمة عبر لغة وسيطة وأن تكون الترجمة مباشرة عن اللغة الأصلية، وأن ينال المترجم التقدير الأدبي والمادي الذي يستحقه. أتمنى أيضاً أن يزداد الاهتمام المؤسسي بالترجمة وأن تكون هناك مشاريع قوية ومستدامة للترجمة. وأن تصل الأعمال المترجمة إلى أكبر شريحة ممكنة من القراء العرب. شخصياً، أرجو أن أساهم في تغطية العجز الكبير الموجود في ترجمة الأدب الصيني، وأن أشارك ولو بجهد يسير في نقل هذا الأدب العريق إلى اللغة العربية.


بطاقة
مترجم وباحث مصري من مواليد 1982. حاصل على الدكتوراه في الأدب العالمي والأدب المقارن من جامعة بكين للغات والثقافة في الصين. من ترجماته: "تأثير الثقافة الشرقية على النهضة الأوروبية في العصر الحديث" لـ سون جين تشيوان (دراسة، 2015)، و"بكين - بكين" لـ شيو تسي تشين (رواية، 2016)، و"الحصان الأسود" لـ جينغ خه (شعر، 2018)، و"نهر الزمن" لـ يو هوا (2018). كما شارك في إنجاز "الموسوعة الإسلامية الصينية".

المساهمون