سبهان آدم.. ما يُقال ولا يُكتب

سبهان آدم.. ما يُقال ولا يُكتب

11 مايو 2017
(من أعمال سبهان آدم)
+ الخط -

منذ سنوات عديدة، ونحن نأتي على ذكر الفنان التشكيلي السوري سبهان آدم (الحسكة، 1972) في جلساتنا الخاصة، فإننا نادراً ما نسمع إشادة بتجربته من قبل فنانين آخرين أو اهتمام بما يقدّمه من فن، على عكس كتّاب الصحافة، حيث نجد لهم عشرات المقالات والنصوص التي تقدّم له كواحد من أهم فناني العصر السوريين والعرب، حتى صنفه البعض واحداً من وجوه ما بعد الحداثة العالميين.

وإذا كانت العادة من كتابنا وصحافيينا تقديم الفنانين بشكل إيجابي وعدم نقد أعماله بشكل سلبي، فإن هذا لا يعني أن نُسلّم بما يقولون ولا يعني أيضاً بالطبع أن جميع المهتمين بالمشهد التشكيلي هم على وفاق من حيث الرأي فيه.

فهل يعتبر هؤلاء الفنانون أنه لا يستحق الثناء لركاكة أعماله تشكيلياً أو أن تجربته لم تختمر بعد ليصدر حكماً إيجابياً فيها؟ أم أننا لا نجانب الحقيقة إن اعتقدنا هنا بصحة تعبير "عداوة الكار"، لا سيما وأن نجاحه في تسويق أعماله وكذلك شهرته التي ضربت الآفاق في سرعة قياسية هي قضية مثيرة فعلاً؟

يغرد سبهان آدم خارج السرب، فقد استطاع ابن الريف هذا أن يتحصن في قلعة صلبة بناها بحنكة وأن يدير منها عمله باحتراف كأي رجل أعمال حاذق. ففي سن السابعة عشرة، قرر سبهان حسين محمد، وهو اسمه الأصلي، أن يصبح رساماً فترك بيئته الفقيرة في أقاصي الشمال الشرقي من سورية ورحل إلى العاصمة دمشق متأبطاً شهادته الإعدادية وكثيراً من الطموح، وليبقى فيها حتى هذه اللحظة، عارفاً فيها الشهرة والرخاء بعد أن عرف النوم على الأرصفة والتنقل في الشوارع ما بين السيارات بائعاً متجولاً ليكسب قوت يومه.

لم يُكمل آدم تعليمه الثانوي، ولا تعلّم الرسم في معهد أو مدرسة أو على أيدي معلّم، بل علّم نفسه بنفسه مؤمناً بأنه يمكن أن ينتج فناً يعبر عما يختلج في نفسه من أمور وأسئلة ولّدتها قراءاته المبكرة لكتب الأدب والفكر والفلسفة.

وقد استطاع الفنان المثير للجدل في فترة وجيزة إقناع المسؤولين عن النشاطات الفنية في دمشق، في "معهد غوته" أولاً سنة 1994 ومن ثم في "المركز الثقافي الفرنسي" في السنة التالية، بموهبته وبأهمية ما يصوّره. ومن هنا كانت انطلاقته، لتتوالى من بعدها المعارض والنجاحات انطلاقاً من دمشق إلى بضعة عواصم مشرقية ومدن وعواصم غربية صنعت له حضوراً لم يعرفه أغلب الفنانين السوريين... فماذا عن هذه التجربة.

إن أهم ما يُقال من نقدٍ في حق تجربة سبهان آدم هو من جهةٍ حبّه للاستعراض، وأنه من جهة أخرى قد رسم حتى الآن "لوحة واحدة"، بمعنى أنه يستخدم تكويناً واحداً يكرره في جميع أعماله التي ينتجها بغزارة كبيرة.

وفي الحقيقة لا نستطيع أن ندحض ما يُقال (ولا يُكتب!) بسهولة، فالمتتبع لهذه التجربة لا يخفى عليه ميل آدم، الفنان العصامي، لجذب الانتباه بعدة وسائل، وما لوحته الأخيرة التي صور فيها ترامب رئيس الولايات المتحدة الجديد وعرضها للبيع مقابل مليوني دولار أميركي إلا خطوة في سياسته الدعائية هذه الهادفة للانتشار.

كما أننا نلاحظ أيضاً ميله للإبهار في حجوم الأعمال الكبيرة أو في طريقة رسم وتشويه كائناته، وعلى حضور اللون الأسود في لوحاته بشحنته التعبيرية الحاضرة أبداً والألوان الفوسفورية الصارخة التي بدأ منذ سنوات قليلة يستخدمها بحنكة في توليفة العمل الفني. والفنان لا ينكر هذا، بل يعترف مؤخراً بشكل من الأشكال قائلاً في مقابلة تلفزيونية إنه يحب ضخامة حجم الأعمال، لما لها من تأثير سيكولوجي على الآخر أو المتلقي.

أما في يخص الجهد في العمل على توازن تكوينه أو الاجتهاد في خلق تكوينات متعددة، فيبدو أن الأمر هذا لا يعني فنّاننا كثيراً. فلوحة آدم هي إما مؤلفة من وجه أو بورتريه له تكوينه التقليدي المتوارث منذ مئات السنين أو لعدة بورتريهات مرصوفة أمام بعضها البعض، أو مؤلفة من كائن بشري أو حيواني أو ما بين بين يقبع في مركز اللوحة يحيط به فضاءٌ يكون في الغالب من اللون الذهبي أو الأسود، لحمايته وحمله تحسباً لأي خلل ممكن.

ولكن، بالنسبة للنقطة الثانية، نتساءل، هل هناك ما يمنع الفنان من أن يتكل على حلول بسيطة أو أن يأمَن لتكوينات مجرّبة مضمونة العواقب لإنتاج عمله الفني؟ هل من واجب الفنان استعراض عضلاته في اجتراح تكاوين متعددة؟

من وجهة نظرنا لا. فحرية الفنان في عمله وطريقة تفكيره أظنها تُحصّنه. وتلك الحرية التي نتحدّث عنها واضحة في خطوط آدم وضربات ريشته وليدة اللحظة، والتي يُخرجها إلينا بكل عفويتها بلا حذر. أعمال بِكر تؤكد ما يقوله بأنه يرسم "تطهيراً للذات". كذلك تحصّنه طريقة عمله بذلك الشغف الذي نستشفه من خلال الكم الهائل من اللوحات التي ينجزها، حين ينكب على العمل في مرسمه معتزلاً العالم الخارجي وشؤونه التي يردّد أنه لا يكترث لها!

في 2010، قدم سبهان آدم بضعة أعمال تذكر بشكل كبير بأعمال الأميركي جان-ميشيل باسكيا من حيث اللون والشكل ولكنه سرعان ما عاد إلى عوالمه وألوانه، وكأنه عرف أنها ستكون نهايته الفنية إن أكمل في استنساخ الشاب الهاييتي الأصل. وربما ما يجمع الفنانين هو تلك البيئة البسيطة أو المهمشة التي خرج كلاهما منها وعصاميتهما، والأهم من كل هذا هو حريتهما في التعبير عن الذات بلا خوف من رقيب أو اتباع إرشادات معلم.


* فنان تشكيلي سوري

دلالات

المساهمون