أكسيل هونيث: في حلبة تفسير الإرهاب

أكسيل هونيث: في حلبة تفسير الإرهاب

27 نوفمبر 2015
(تصوير: فرانثسك ميلثيون)
+ الخط -

بدءاً بكتابه "نقد السلطة" ومروراً بعمله المركزي "كفاح من أجل الاعتراف" وحتى آخر إصدار له "الفكرة الاشتراكية"، انتهج الفيلسوف الألماني أكسيل هونيث (1949) لنفسه طريقاً نقدياً داخل الفلسفة الألمانية، يمتح من تراثها متمثّلاً في هيغل، ولكن من دون أن يتوقّف عنده، بل ينفتح على إنجازات العلوم الإنسانية الأخرى وعلى الفلسفة الأميركية والتحليل النفسي وعلم الاجتماع الاقتصادي.

تتمحور فلسفة هونيث حول مفهومين هيغليين، هما: الاعتراف والكفاح. هو يرى أن الحصول على الأول هو هدف كل الممارسات الجماعية والفردية، وأن الثاني هو الطريق إلى تحقيق ذلك، وهو الدم الذي يجري في عروق المجتمع ويدفع به إلى التطور والتغيير.

في رد على سؤال لمجلة "لوبوان الفرنسية" (عدد سبتمبر/ أيلول ـ أكتوبر/ تشرين الأول 2015)، حول رفض بعض المسلمين للنموذج العلماني الجمهوري، أجاب هونيث بالقول إن فرنسا وألمانيا ارتكبتا أخطاء كبيرة في قضية الهجرة، لأن السياسات القائمة لم تساهم في إدماج أكبر للمهاجرين في سوق العمل وفي حصولهم على تعليم جيّد، كما أنها عمدت إلى الحد من أدوارهم الاجتماعية والسياسية.

نقد لا يمكن لأي ملاحظ موضوعي إلا أن يتّفق معه، لكن يبدو أن هونيث لم ينتبه إلى قضية أخرى في هذا السياق، وهو النموذج الجمهوري الفرنسي الذي يختلف كثيراً عن النموذج الألماني؛ إذ تحوّلت فيه العلمانية إلى دين للدولة.

وفي هذا السياق، يمكننا أن نفهم كل الانتقادات التي وُجّهت إلى المفهوم اليعقوبي الفرنسي عن العلمانية، مثل النقد الذي وجّهه إتيان باليبار، مطالباً بدمقرطة للديمقراطية.

في تفسيره لـ"الظاهرة الجهادية"، في المقابلة ذاتها، يتناقض هونيث مع تفسيره الأول الذي قدّمه لرفض بعض المسلمين العلمانية، حين يعتبر أن "الجهادية" تعبير عن شكل من أشكال الخوف من الحريات الجديدة التي تعرفها المجتمعات الحديثة.

يعتبر بأن "الجهاديين" يفتقدون إلى الاستعداد الأخلاقي المتعلّق بالمجتمعات العلمانية الحديثة، وأنهم ينظرون إلى واقع هذه المجتمعات وقيمها من منظور نظام قيمي مختلف، يرى فيها خطراً، ويضرب مثلاً بقضية المساواة بين الرجل والمرأة وحقوق المثليين.

لعلّ هونيث يسقط هنا في فخ القراءة الثقافوية، وهذا يحدث دائماً حين نبتعد عن القراءة الاجتماعية للظواهر المجتمعية، لأن "الجهاديين" في الغرب يستحضرون "تراثهم الديني" أو "هويتهم" في نوع من النوستالجيا المرضية، يدفعهم إلى ذلك واقع التهميش الاجتماعي الذي يعيشونه، أي أن موقفهم الارتكاسي هو نتاج واقعهم في الغرب أكثر منه نتاج منظور قيمي انقطعت علاقتهم به.

سيكون من الصعب الحديث عن منظور قيمي مختلف في السياق الغربي، لأن شكل التدين المنتشر في أوساط المهاجرين لا علاقة له بشكل التدين في مجتمعاتهم الأصلية، فهو تديّن وليس دين، خلقه واقع التهميش الذي يعانون منه، بل إنه يمثل إدانة لواقع التهميش ذلك.


اقرأ أيضاً: ميشال أونفري: صهيوني ومناصر للقضية الفلسطينية!

المساهمون