هنا ونواحيها

هنا ونواحيها

22 مايو 2019
عبد الكريم وزاني/ المغرب
+ الخط -

هنا ونواحيها

1
أقول هكذا إن أحداً يتكلّم، أقول هكذا إن أحداً يتكلّم مكاني، أقول هكذا إن أحداً يتكلّم مكاني حينما أتحدّث، وفي داخلي أريد أن أنطق صمتاً، لكنّ الكلام يصير أصواتاً لامعة ومغمغمة،

الليل يحلّق فوق الجميع
ناشراً جناحيه
على
هذه
البقايا

ثم يأتي الصمت
متأخّراً
تتبعه
الهزّات،

كلّ قفزة تحوي قفزة أصغر
كل قفزة مهذّبة ومشذّبة، كخطّاطة صغيرة،
نفهمها بالكاد،
امرأة تقول لا أعرف كل أعالي قفزاتك،
لا أعرفها بعد. يدخل الليل من النافذة، يمنح الليلُ النافذة
شكل عين قطّ، ظلام يحيط بالعين، الصوامت، الصوامت،
قطع رقيقة، هي ما تبقّى

2
العين تعرج، كأنها مدمّرة بصدمة ما،
الليل ليس مستقرّاً، بل يحوم حولها
الأطلال تنتفخ بالهواء، والهواء يُسمَّى اللامرئي
وكلّ هذا يلمس الخوف، بقع شفافّة تهتزّ، هنا الواقع والخيال ينحنيان...
وكلّ سند ينهار،
السواد ينكمش في الداخل، ليس ثمّة سوى
جدران دون سقف، أحجار وأعشاب برّية، بل ثمالة
تُسقط الزمان والمكان. جسدي ولغتي يهويان في المعرفة الحرّة،
وهما يدركان هذا جيّداً.

3
أرى الضاحية التي أعتقد أنها أنا، بوحلها،
وحفرها وشقوقها، وأسمع صدى كلمة أعتقد
أنها تعلق بكلمتي، أسمع أن الجرف الذي تتكئ
عليه ذاكرتي ليس في الخارج، الريح تكذّب هذا،
وأنا أنظر إلى الأسفل، وألد، كل المفاهيم، والجرف، الجرف
تحت بصري، يجد معالمه في عينيّ، في داخلي، والظّلال
ليست ظلالاً...
بل ظلال فقط.


■ ■ ■


صور فوتوغرافية

1
في الأعلى جسر لم أره من قبل
في الأسفل المدينة التي منها أجيء

وبينهما
تنفتح الأدراج وتستدير
لتعلق بالجدار أو تلتصق به

باللون الأزرق البارد كُتب شيء
مثل معنى أو محسوس

في الوسط، يلتمع الليل

عصاً معدنية تفصل هذه الأدراج إلى عظمتين
تنتهيان بحلقوم ثابت
في فم الجسر.

أسمع سعالي الحادّ، وكل هذا يصبح تذكيراً
لقفصي الصّدري، بنفس العظم المعدني وسط الصدر،
العبور الحسّاس قليلاً للهواء

وهذا الشيء المحروق الذي يشبه
خربشات الجدران
على عتبة المعنى.

2
قافلة نوافذ تطلّ على النهر
ينحني الليل بكل ثقله على الفكر
يلمس الماء
ركبة الغريب

3
هنا
ينتشر ظل الجسر على الجسر
بصوت حاد.

هنا
يتسلّق الظل الجدار القديم
الذي يسنده.

هنا
طبقات الضوء
تنساب إلى قاع النهر
ويحدث هذا دون أن ينتبه لذلك أحد.


■ ■ ■


انقلاب بسيط

في الصباح تسقط
الوحدة من السقف
على الأثاث

وجد في أسفل الدرج
قفلاً جديداً
مثل فاصلة
وصدفة موضوعية
على فيلم تصوير مبلَّل

الجارة العجوز
ذات السرطانات الثلاثة
تحت الجلد
تأخذ قطّتها
لتذوق الكرات البنية
تحت سيارة "إر4"
الحمراء

نفس يتسلّق
سلّماً
متماهياً مع الرئة.

ليل.

يقفز القلب
كلّما سقطت أوراق الشجر
السرّة تدوّي بشكل متقطّع

كلّما انتشرت عقد الغاز
فوق العمارة

القمر
نهد من السيليكون
لبقرة عجوز

النوافذ
معلّقة فوق السطوح
تتشنّج على الدوام
ومداخل الأقبية مفتوحة
وعطشى للأشياء الغريبة.

الحافلة نفسها
حينما
تصل إلى المحطّة المقابلة
شكل ما يحدث القلق
غرابة مقلقة
منتفخة تدخل وتخرج منها
مكعّبات ومشاهد بشريّة.

الشكل يزول،
والغرابة تبقى لحظة
كدخان رماديّ، مألوف في المكان،
قبل أن تختفي
ثمّ
وتظهر
في المحطّة الموالية.


* شاعر مغربي

** ترجمة عن الفرنسية جلال الحكماوي

المساهمون